العلاقة بين الإسلام والغرب
مرسل: الأحد مايو 06, 2012 3:47 pm
«علم السياسة» الجديد يجعل الجغرافيا السياسية الجديدة تقوم على الحدود الحضارية والثقافية والدينية، وليست خطوطاً وهمية على خريطة العالم، وفي الواقع؛ فإن «الدين» كان أحد محركات الغرب في علاقته بعالم الإسلام، لكن الجانب الثقافي والاجتماعي والحضاري لم يكن ظاهراً للعيان، كما كان جانباً أقل أهمية من الجانب السياسي، ومن ثم فإن الاهتمام بالعلاقة السياسية مع الغرب ـ والتي تمحورت حول التحرر السياسي منه ـ كانت هي الأساس، أما الجوانب الثقافية والحضارية والدينية فكانت غائمة ومشوشة، بل سعى الغرب إلى إسدال الحُجُب عليها، ولم ير المناضلون والساعون للتحرر في العالم الإسلامي المسألة الحضارية ذات بالٍ، بل كانوا ينازعون الغرب على المستوى السياسي، لكن على المستوى الثقافي كانوا يستلهمون قيم الغرب وطريقته للحياة! وكان الغرب اللئيم يدرك جيداً أن المعركة مع العالم الإسلامي خصوصاً هي بالأساس معركة الدين الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية، وكأن لسان حاله يقول: إذا كسبنا معركة الدين والثقافة نكون قد انتصرنا حقاً، أما معركة السياسة والاقتصاد فخسارتها يمكن تعويضها بأدوات الهيمنة والضغوط المختلفة. واستطاع الغرب أن يستعيد مكاسب السياسة والاقتصاد، إلى حد أن التحرر السياسي والاقتصادي للعالم الثالث لم يكن سوى مسألة شكلية، لكن معركة الثقافة والحضارة والدين ظلت قائمة ومشتعلة.
وللحق؛ فإن التيار الإسلامي انتبه منذ البداية لأهمية معركة الحضارة، والتي يقع الدين في قلبها، أما العلمانيون الذين قادوا معارك الاستقلال في العالم الإسلامي وكانوا متأثرين بالنموذج الغربي الحضاري؛ فقد اعتبروا قضايا الدين والثقافة قضايا هامشية يهتم بها دراويش التيار الإسلامي، لكن الذين تحرروا من وهم أن الصراع مع الغرب هو صراع سياسي بالأساس أعلنوا أنهم كانوا مخطئين(1). ومع تراجع النظرية السياسية الغربية التي تأسـست عـلى جعـل الدين قـوة عينيـة لا صلة لها بالواقع أو الحياة، وإعادة الاعتبار للدين بوصفه قوة محركة للشعوب؛ بدأ النظر للدين وللحركات الإسلامية بوصفها جزءاً من علم السياسة والاجتماع، لكننا نتحدث اليوم عن اعتبار الدين والثقافة والحضارة هي صلب علم السياسة والعلاقات الدولية، وكما كان الدين الإسلامي ـ وليس أي دين آخر ـ هُو الذي لفت انتباه الغرب لأهمية الدين في أن يصبح قوة ثورية إيجابية؛ فإنه ـ أي الدين الإسلامي ـ هو الذي يلفت الانتباه مرة أخرى إلى أن الدين، والجوانب الثقافية والحضارية هي صلب العلاقات الدولية، وصلب العلوم السياسية والاجتماعية.
والعلاقة بين الإسلام والغرب فيما يتصل بالجانب الحضاري والديني والثقافي قديمة؛ منذ سَعْي الغرب إلى الدعوة لِقَيمه حتى صار له أتباع وعملاء ينافحون عن هذه القيم، وكانت مسألة الغزو الثقافي والفكري محوراً أساسياً في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي، ولم تَغِب الروح الصليبية في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي، واعتبر الاستعمار نفسه جزءاً من استمرار الحملات الصليبية، وحين قدر للجيوش الفرنسية أن تدخل دمشق ذهب الفرنسي «جور» لقبر صلاح الدين، وقال: «ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين!»، ولم يكفّ الفرنسيون والبريطانيون وغيرهم عن محاولة النفاذ إلى مصادر القوة في الإسلام لتحطيمها، فكانت (العلمانية) و (فصل الدين عن الدولة) في تركيا وباكستان، ثم على المستوى الفكري بكتاب علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم)، وكانت الدعوة لتحرير المرأة التي قادها قاسم أمين، والتي كانت تعني خلع المرأة المسلمة لحجابها وحيائها، وكانت الدعوة إلى الاجتهاد، والتي لم تكن إلا عنواناً لتطوير الشريعة ذاتها لتوافق متطلبات العصر الحديث، ثم كانت اللغة العربية والأزهر ميادين للصراع مع الغرب؛ ثم كانت القومية العربية التي رَوَّجَ لها نصارى الشام لتفتيت الدولة العثمانية، وظلت معركة المصحف والإسلام والعقيدة حية لم تمت أبداً في الوعي الغربي، وظلَّ العالم الإسلامي يمثل معضلة أمام الغرب؛ لأن الإسلام بوصفه منهجاً شاملاً للحياة ظل يمثل حصناً لا يمكن القضاء عليه، وكانت العودة للإسلام مرة أخرى منذ السبعينيات معضلة جديدة أمام الغرب، فغزله على المستوى السياسي تعافى وقوي واشتد، أما غزله على المستوى الحضاري والثقافي فقد نُقض أنكاثاً بعد وهم قوته؛ ولمّا كانت المعركة الجديدة تستهدف ما نطلق عليه «ما قبل السياسة» ـ أي المحاضن الدينية والثقافية التي حفظت الإسلام طوال الصراع مع الغرب ـ فإن المعركة اليوم مقصود بها العقيدة والشريعة معاً.
الجديد في الموضوع أن الصراع الثقافي والحضاري الذي يقع الدين في قلبه كان يقوم به دوائر ثقافية؛ مثل الكنائس والجامعات، أو الدوائر الثقافية في وزارات الخارجية، أو حتى أجهزة المخابرات، أما اليوم فإن الذي يقوم بتنفيذ معركة المواجهة هو قلب الإدارة الحاكمة في أمريكا، فالإدارة الأمريكية اليوم تهدف إلى إعادة رسم خريطة العالم الإسلامي على أساس ديني وثقافي وحضاري، وهي تستلهم تقاليد المدرسة الإنجليزية والفرنسية، لكنها تتقدم بخطى واسعة وناجزة، وبيدها القوة والقرار، ولكن قبل الحديث عن هذه الخطط، نحاول إلقاء الضوء على البعد العقدي في الصراع بين الإسلام والغرب؛ عبر شهادات لسياسيين ومثقفين غربيين في هذا السياق.
وللحق؛ فإن التيار الإسلامي انتبه منذ البداية لأهمية معركة الحضارة، والتي يقع الدين في قلبها، أما العلمانيون الذين قادوا معارك الاستقلال في العالم الإسلامي وكانوا متأثرين بالنموذج الغربي الحضاري؛ فقد اعتبروا قضايا الدين والثقافة قضايا هامشية يهتم بها دراويش التيار الإسلامي، لكن الذين تحرروا من وهم أن الصراع مع الغرب هو صراع سياسي بالأساس أعلنوا أنهم كانوا مخطئين(1). ومع تراجع النظرية السياسية الغربية التي تأسـست عـلى جعـل الدين قـوة عينيـة لا صلة لها بالواقع أو الحياة، وإعادة الاعتبار للدين بوصفه قوة محركة للشعوب؛ بدأ النظر للدين وللحركات الإسلامية بوصفها جزءاً من علم السياسة والاجتماع، لكننا نتحدث اليوم عن اعتبار الدين والثقافة والحضارة هي صلب علم السياسة والعلاقات الدولية، وكما كان الدين الإسلامي ـ وليس أي دين آخر ـ هُو الذي لفت انتباه الغرب لأهمية الدين في أن يصبح قوة ثورية إيجابية؛ فإنه ـ أي الدين الإسلامي ـ هو الذي يلفت الانتباه مرة أخرى إلى أن الدين، والجوانب الثقافية والحضارية هي صلب العلاقات الدولية، وصلب العلوم السياسية والاجتماعية.
والعلاقة بين الإسلام والغرب فيما يتصل بالجانب الحضاري والديني والثقافي قديمة؛ منذ سَعْي الغرب إلى الدعوة لِقَيمه حتى صار له أتباع وعملاء ينافحون عن هذه القيم، وكانت مسألة الغزو الثقافي والفكري محوراً أساسياً في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي، ولم تَغِب الروح الصليبية في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي، واعتبر الاستعمار نفسه جزءاً من استمرار الحملات الصليبية، وحين قدر للجيوش الفرنسية أن تدخل دمشق ذهب الفرنسي «جور» لقبر صلاح الدين، وقال: «ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين!»، ولم يكفّ الفرنسيون والبريطانيون وغيرهم عن محاولة النفاذ إلى مصادر القوة في الإسلام لتحطيمها، فكانت (العلمانية) و (فصل الدين عن الدولة) في تركيا وباكستان، ثم على المستوى الفكري بكتاب علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم)، وكانت الدعوة لتحرير المرأة التي قادها قاسم أمين، والتي كانت تعني خلع المرأة المسلمة لحجابها وحيائها، وكانت الدعوة إلى الاجتهاد، والتي لم تكن إلا عنواناً لتطوير الشريعة ذاتها لتوافق متطلبات العصر الحديث، ثم كانت اللغة العربية والأزهر ميادين للصراع مع الغرب؛ ثم كانت القومية العربية التي رَوَّجَ لها نصارى الشام لتفتيت الدولة العثمانية، وظلت معركة المصحف والإسلام والعقيدة حية لم تمت أبداً في الوعي الغربي، وظلَّ العالم الإسلامي يمثل معضلة أمام الغرب؛ لأن الإسلام بوصفه منهجاً شاملاً للحياة ظل يمثل حصناً لا يمكن القضاء عليه، وكانت العودة للإسلام مرة أخرى منذ السبعينيات معضلة جديدة أمام الغرب، فغزله على المستوى السياسي تعافى وقوي واشتد، أما غزله على المستوى الحضاري والثقافي فقد نُقض أنكاثاً بعد وهم قوته؛ ولمّا كانت المعركة الجديدة تستهدف ما نطلق عليه «ما قبل السياسة» ـ أي المحاضن الدينية والثقافية التي حفظت الإسلام طوال الصراع مع الغرب ـ فإن المعركة اليوم مقصود بها العقيدة والشريعة معاً.
الجديد في الموضوع أن الصراع الثقافي والحضاري الذي يقع الدين في قلبه كان يقوم به دوائر ثقافية؛ مثل الكنائس والجامعات، أو الدوائر الثقافية في وزارات الخارجية، أو حتى أجهزة المخابرات، أما اليوم فإن الذي يقوم بتنفيذ معركة المواجهة هو قلب الإدارة الحاكمة في أمريكا، فالإدارة الأمريكية اليوم تهدف إلى إعادة رسم خريطة العالم الإسلامي على أساس ديني وثقافي وحضاري، وهي تستلهم تقاليد المدرسة الإنجليزية والفرنسية، لكنها تتقدم بخطى واسعة وناجزة، وبيدها القوة والقرار، ولكن قبل الحديث عن هذه الخطط، نحاول إلقاء الضوء على البعد العقدي في الصراع بين الإسلام والغرب؛ عبر شهادات لسياسيين ومثقفين غربيين في هذا السياق.