العالم الإسلامي والغرب.. من العزلة إلى التواصل
مرسل: الأحد مايو 06, 2012 3:49 pm
شهدت العلاقة بين الغرب والشرق الإسلامي تضاربات وتشنجات وانفتاحات بشكل دوري أحيانا، وعلى شكل انطلاقات بعد جمود ورتابة أحيانا أخرى.
إن تجسير الفجوات الفاصلة بين العالم الغربي والشرق العربي ـ الإسلامي أمر بحاجة إلى معالجة مفاهيمية ـ أبستمولوجية، ويحتاج إلى تكسير حواجز أيديولوجية. تتناول المعالجة المفاهيمية الصورة الوهمية للإسلام المنعكسة في المخيال الغربي عن الدراسات الاستشراقية السلبية، وتلك المنعكسة في المخيال الإسلامي العام عن الغرب بفعل الفكر الأيديولوجي الديني المتحجر.
إن تصحيح هذه الصور المنعكسة في مخيال الطرفين يشكل مقدمة ضرورية لرفع الشكوك وعدم الثقة التي تشوب تلك العلاقة في معظم الأحيان، وتشكل عائقا دون ممارسة التبادل الثقافي الحر، والمتجه في هذه الفترة التاريخية من الغرب إلى العالم العربي والإسلامي. ونعني بذلك، أيضا، أن تصحيح المواقف السياسية لكلا الطرفين تجاه الآخر، يعد جزءًا من المقدمات الضرورية لخلق مناخ حواري فعال ومفيد للطرفين، يتيح التبادل الثقافي والفكري، لما للعلاقات السياسية والمواقف الأيديولوجية من دور (إيجابي أو سلبي) في تشكيل الصورة الثقافية عن الآخر، ومن هنا يمكن أن يشكل الفهم الأيديولوجي في العالم الإسلامي عائقا تجاه التبادل الثقافي مع الغرب.
أدرك العالم الغربي أهمية النقل الثقافي والحضاري وتبادل أسس الحضارة والمدنية فيما بين المجتمعات التي تقع خارج الجغرافية الأوربية والغربية، وخارج الذات الغربية أيضا، لكنه تعامل مع تلك الحقيقة بشكل خاطئ تماما؛ وهو ما أدى إلى نتائج عكسية. تعامل معها من منطلق مركزية جغرافية، وثقافية، وعرقية؛ ففي لحظة الاستعمار الكلاسيكي في أفريقيا وآسيا أدرك الأنثروبولوجيون (الداعمون للاستعمار) أن تحديث هذه المجتمعات والأقوام المتخلفة، في أفريقيا خاصة، يتطلب تذويب قيمهم الاجتماعية والثقافية في داخل الثقافة والقيم الغربية. وفي سعيهم هذا لخلق تماثل قيمي وثقافي اصطدموا بمقاومة طبيعية نابعة من الممانعة التي تبديها القيم الثقافية الراسخة لتلك الأقوام لذلك التذويب والخلط المصطنع؛ وهو ما أعاق عملية التنمية التي كانت تلك المجتمعات بحاجة ماسة إليها. وهنا تكون الأيديولوجية المسبقة قد ألغت الأهداف الإيجابية المزعومة للاستعمار، ولذلك فقد التحديث أسبابه وغاياته، فتمت مواجهته من قبل تلك الأقوام والمجتمعات بصفته مشروع تصفية قيمية يشكل إلغاء ثقافيا وطمسا للهوية. ولذلك نقول إن التفاعل الثقافي والتنمية الثقافية التي تنوي الدول المتقدمة إحداثها في الدول المتخلفة من العالم تحتاج إلى شراكة ثقافية بين جميع الأطراف، يعترف كل واحد منها بقيمة وأهمية الهوية الثقافية للآخر، ويشرع العمل من هذا المنطلق وبأسلوب الحوار الثقافي لا الهيمنة والشعور بالتفوق.
في المقابل، إن السياج الدوغماتي الذي يؤطر العالم الإسلامي، يشكل ممانعة فكرية وأيديولوجية ضد إمكانية الحوار الثقافي الهادف مع الفكر والثقافة الغربية. وهنا أجد من الضروري التمييز بين حقيقتين تتعلقان بهذا الأمر: الأولى التأثير اللاإرادي المتبادل بين الغرب والعالم الإسلامي الذي حدث في العصور الوسطى الأوربية ومطلع عصر النهضة، والذي ساهم في نقل أوربا إلى مرحلة الحداثة، والآخر هو التأثير الإرادي المتبادل والقائم على خلق مناخ ملائم لحوار جدي مع الغرب، وهو الصيغة التي يحتاجها العالم الإسلامي اليوم لفتح منافذ التفاعل الإيجابي مع الغرب، للاستفادة من التطور العلمي والفكري فيه.
لم ينطلق التأثير اللاإرادي من رغبة حقيقية للطرفين بالتفاعل وبتبادل المنافع في مجال الفكر والعلم والفن، وإنما كان جزءا من حرب مستعرة على الجبهات كافة، وبكل الوسائل. وبما أن الحرب تشترط التماس مع الخصم، فقد أدى ذلك جبريا إلى احتكاك الغربيين بثقافة وفلسفة المسلمين، فاندفعوا نحو دراستها وتمحيصها بغية الكشف عن سر القوة الكامنة في هذه التعاليم والأفكار التي جعلت المسلمين ينتصرون على أوربا المسيحية ويسقطون أسبانيا ويهددون أسوار فيينا. وبعد هذا الاحتكاك الاضطراري ظهرت رغبات جديدة وتوجهات أخرى لدى المستشرقين والأنثروبولوجيين على اختلاف أطيافهم وأيديولوجياتهم ومواقفهم السياسية تجاه الاستعمار وتحول الاحتكاك السلبي في بدايته إلى حسنات إيجابية. وقد سبق الاستشراق نشاط محموم في الترجمة والشرح والتفسير بلغات أوربية مختلفة، شملت الطب، والفلسفة، والفقه، والقرآن الكريم. لكن بقي ذلك الأصل السلبي في الاحتكاك يشتغل لاشعوريا، وربما يوضح لنا سبب إنكار أغلب المؤرخين الغربيين لأثر الحضارة الإسلامية على حضارة الغرب الراهنة، ولا يعترف بهذا التأثير أو الفضل سوى قلة قليلة من الكتاب والمفكرين الغربيين.
أما النمط الآخر للتأثير المتبادل والذي يقوم على خلق مناخ حواري فاعل بين الطرفين، المطلب الذي ينسجم مع الروح النقدية الحرة للعصر، فإنه يواجه اليوم بدوغماتية دينية متحجرة يحرص دعاتها على ديمومة حالة التخلف والجهل بحجة الارتباط بالسلف.
هذا النمط الثاني (الحوار الفاعل) يتطلب إنجازه توفر شروط قبلية. في مقدمة تلك الشروط، تحقيق فهم مشترك يقوم على الموضوعية، وعلى احترام التنوع الثقافي، والتعددية الفكرية والسياسية، والشرط الثاني يتمثل بهدم الأسيجة الدوغماتية التي تعيق التفاعل المشترك، وتفرض هيمنة صورة واحدة عن الآخر مقتبسة من زمن الصراعات الدينية (الصليبية)، والتوسع الإمبريالي الكلاسيكي.
إن وجود سياج دوغماتي مغلق في العالم الإسلامي، كالذي فرضه الفقهاء بمسميات مختلفة، يعد عائقا مستديما تجاه الحوار الثقافي الهادف، والنقل العلمي والفكري لأسباب النهضة الحقيقية في العالم الإسلامي. يمثل ابن تيمية نموذجا للمثقف المسلم "الذي يرى في البحث عن معنى للوجود البشري وفي حماية هذا المعنى واستملاكه مهام أساسية ومحورية، ولكن هذا المعنى متضمن في القرآن والسنة فقط باستثناء كل ما عداهما..."1، وهذه الأيديولوجية تلغي كل ما لدى الآخر، تلغي الطرف الآخر في التفاعل والحوار فيبطل الحوار بفقدان أحد أطرافه، وفضلاً عن ذلك لا ترى في علوم الغرب وأفكاره أي فائدة للمسلمين.
إن النظرية الإسلامية الكلاسيكية للوحي تغلق الساحة بوجه أي فرصة يتاح فيها للعقل البشري حرية البحث والنظر خارج أسوار ذلك المقدس. فكل شيء قاله الوحي من قبل، كل شيء عن العالم، والتاريخ، والإنسان، والعالم الآخر، والمعنى الكلي والنهائي للأشياء... وكل ما يستكشفه العقل لاحقا لن يكون صحيحا أو صالحا مؤكدا إذا لم يكن مستندا بشكل دقيق وصحيح إلى أحد التعاليم الإلهية أو إلى امتداداته لدى النبي... "والمعرفة بهذا المعنى هي مجرد استنباط لغوي من النصوص أو عمل معنوي سيمانتي، وليست عبارة عن استكشاف حر للواقع يؤدي إلى التجديد المعنوي والمفهومي في كل المجالات"2.
إن عملية خلق مجال حواري حقيقي ومفيد يشترط تفكيك ذلك السياج الدوغماتي الصاد لأي تفاعل فكري وثقافي مع الغرب، والذي ضخم من قبل الفقهاء. إذ يشترط التحديث في مجالات التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية إزالة عوائق فكرية، وقيمية، خاطئة، قامعة للحوار، تنطلق من بُعد نفسي استبدادي يستملك الحقيقة، ويحافظ على المعنى المستملك ضد التغيير.
إن تجسير الفجوات الفاصلة بين العالم الغربي والشرق العربي ـ الإسلامي أمر بحاجة إلى معالجة مفاهيمية ـ أبستمولوجية، ويحتاج إلى تكسير حواجز أيديولوجية. تتناول المعالجة المفاهيمية الصورة الوهمية للإسلام المنعكسة في المخيال الغربي عن الدراسات الاستشراقية السلبية، وتلك المنعكسة في المخيال الإسلامي العام عن الغرب بفعل الفكر الأيديولوجي الديني المتحجر.
إن تصحيح هذه الصور المنعكسة في مخيال الطرفين يشكل مقدمة ضرورية لرفع الشكوك وعدم الثقة التي تشوب تلك العلاقة في معظم الأحيان، وتشكل عائقا دون ممارسة التبادل الثقافي الحر، والمتجه في هذه الفترة التاريخية من الغرب إلى العالم العربي والإسلامي. ونعني بذلك، أيضا، أن تصحيح المواقف السياسية لكلا الطرفين تجاه الآخر، يعد جزءًا من المقدمات الضرورية لخلق مناخ حواري فعال ومفيد للطرفين، يتيح التبادل الثقافي والفكري، لما للعلاقات السياسية والمواقف الأيديولوجية من دور (إيجابي أو سلبي) في تشكيل الصورة الثقافية عن الآخر، ومن هنا يمكن أن يشكل الفهم الأيديولوجي في العالم الإسلامي عائقا تجاه التبادل الثقافي مع الغرب.
أدرك العالم الغربي أهمية النقل الثقافي والحضاري وتبادل أسس الحضارة والمدنية فيما بين المجتمعات التي تقع خارج الجغرافية الأوربية والغربية، وخارج الذات الغربية أيضا، لكنه تعامل مع تلك الحقيقة بشكل خاطئ تماما؛ وهو ما أدى إلى نتائج عكسية. تعامل معها من منطلق مركزية جغرافية، وثقافية، وعرقية؛ ففي لحظة الاستعمار الكلاسيكي في أفريقيا وآسيا أدرك الأنثروبولوجيون (الداعمون للاستعمار) أن تحديث هذه المجتمعات والأقوام المتخلفة، في أفريقيا خاصة، يتطلب تذويب قيمهم الاجتماعية والثقافية في داخل الثقافة والقيم الغربية. وفي سعيهم هذا لخلق تماثل قيمي وثقافي اصطدموا بمقاومة طبيعية نابعة من الممانعة التي تبديها القيم الثقافية الراسخة لتلك الأقوام لذلك التذويب والخلط المصطنع؛ وهو ما أعاق عملية التنمية التي كانت تلك المجتمعات بحاجة ماسة إليها. وهنا تكون الأيديولوجية المسبقة قد ألغت الأهداف الإيجابية المزعومة للاستعمار، ولذلك فقد التحديث أسبابه وغاياته، فتمت مواجهته من قبل تلك الأقوام والمجتمعات بصفته مشروع تصفية قيمية يشكل إلغاء ثقافيا وطمسا للهوية. ولذلك نقول إن التفاعل الثقافي والتنمية الثقافية التي تنوي الدول المتقدمة إحداثها في الدول المتخلفة من العالم تحتاج إلى شراكة ثقافية بين جميع الأطراف، يعترف كل واحد منها بقيمة وأهمية الهوية الثقافية للآخر، ويشرع العمل من هذا المنطلق وبأسلوب الحوار الثقافي لا الهيمنة والشعور بالتفوق.
في المقابل، إن السياج الدوغماتي الذي يؤطر العالم الإسلامي، يشكل ممانعة فكرية وأيديولوجية ضد إمكانية الحوار الثقافي الهادف مع الفكر والثقافة الغربية. وهنا أجد من الضروري التمييز بين حقيقتين تتعلقان بهذا الأمر: الأولى التأثير اللاإرادي المتبادل بين الغرب والعالم الإسلامي الذي حدث في العصور الوسطى الأوربية ومطلع عصر النهضة، والذي ساهم في نقل أوربا إلى مرحلة الحداثة، والآخر هو التأثير الإرادي المتبادل والقائم على خلق مناخ ملائم لحوار جدي مع الغرب، وهو الصيغة التي يحتاجها العالم الإسلامي اليوم لفتح منافذ التفاعل الإيجابي مع الغرب، للاستفادة من التطور العلمي والفكري فيه.
لم ينطلق التأثير اللاإرادي من رغبة حقيقية للطرفين بالتفاعل وبتبادل المنافع في مجال الفكر والعلم والفن، وإنما كان جزءا من حرب مستعرة على الجبهات كافة، وبكل الوسائل. وبما أن الحرب تشترط التماس مع الخصم، فقد أدى ذلك جبريا إلى احتكاك الغربيين بثقافة وفلسفة المسلمين، فاندفعوا نحو دراستها وتمحيصها بغية الكشف عن سر القوة الكامنة في هذه التعاليم والأفكار التي جعلت المسلمين ينتصرون على أوربا المسيحية ويسقطون أسبانيا ويهددون أسوار فيينا. وبعد هذا الاحتكاك الاضطراري ظهرت رغبات جديدة وتوجهات أخرى لدى المستشرقين والأنثروبولوجيين على اختلاف أطيافهم وأيديولوجياتهم ومواقفهم السياسية تجاه الاستعمار وتحول الاحتكاك السلبي في بدايته إلى حسنات إيجابية. وقد سبق الاستشراق نشاط محموم في الترجمة والشرح والتفسير بلغات أوربية مختلفة، شملت الطب، والفلسفة، والفقه، والقرآن الكريم. لكن بقي ذلك الأصل السلبي في الاحتكاك يشتغل لاشعوريا، وربما يوضح لنا سبب إنكار أغلب المؤرخين الغربيين لأثر الحضارة الإسلامية على حضارة الغرب الراهنة، ولا يعترف بهذا التأثير أو الفضل سوى قلة قليلة من الكتاب والمفكرين الغربيين.
أما النمط الآخر للتأثير المتبادل والذي يقوم على خلق مناخ حواري فاعل بين الطرفين، المطلب الذي ينسجم مع الروح النقدية الحرة للعصر، فإنه يواجه اليوم بدوغماتية دينية متحجرة يحرص دعاتها على ديمومة حالة التخلف والجهل بحجة الارتباط بالسلف.
هذا النمط الثاني (الحوار الفاعل) يتطلب إنجازه توفر شروط قبلية. في مقدمة تلك الشروط، تحقيق فهم مشترك يقوم على الموضوعية، وعلى احترام التنوع الثقافي، والتعددية الفكرية والسياسية، والشرط الثاني يتمثل بهدم الأسيجة الدوغماتية التي تعيق التفاعل المشترك، وتفرض هيمنة صورة واحدة عن الآخر مقتبسة من زمن الصراعات الدينية (الصليبية)، والتوسع الإمبريالي الكلاسيكي.
إن وجود سياج دوغماتي مغلق في العالم الإسلامي، كالذي فرضه الفقهاء بمسميات مختلفة، يعد عائقا مستديما تجاه الحوار الثقافي الهادف، والنقل العلمي والفكري لأسباب النهضة الحقيقية في العالم الإسلامي. يمثل ابن تيمية نموذجا للمثقف المسلم "الذي يرى في البحث عن معنى للوجود البشري وفي حماية هذا المعنى واستملاكه مهام أساسية ومحورية، ولكن هذا المعنى متضمن في القرآن والسنة فقط باستثناء كل ما عداهما..."1، وهذه الأيديولوجية تلغي كل ما لدى الآخر، تلغي الطرف الآخر في التفاعل والحوار فيبطل الحوار بفقدان أحد أطرافه، وفضلاً عن ذلك لا ترى في علوم الغرب وأفكاره أي فائدة للمسلمين.
إن النظرية الإسلامية الكلاسيكية للوحي تغلق الساحة بوجه أي فرصة يتاح فيها للعقل البشري حرية البحث والنظر خارج أسوار ذلك المقدس. فكل شيء قاله الوحي من قبل، كل شيء عن العالم، والتاريخ، والإنسان، والعالم الآخر، والمعنى الكلي والنهائي للأشياء... وكل ما يستكشفه العقل لاحقا لن يكون صحيحا أو صالحا مؤكدا إذا لم يكن مستندا بشكل دقيق وصحيح إلى أحد التعاليم الإلهية أو إلى امتداداته لدى النبي... "والمعرفة بهذا المعنى هي مجرد استنباط لغوي من النصوص أو عمل معنوي سيمانتي، وليست عبارة عن استكشاف حر للواقع يؤدي إلى التجديد المعنوي والمفهومي في كل المجالات"2.
إن عملية خلق مجال حواري حقيقي ومفيد يشترط تفكيك ذلك السياج الدوغماتي الصاد لأي تفاعل فكري وثقافي مع الغرب، والذي ضخم من قبل الفقهاء. إذ يشترط التحديث في مجالات التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية إزالة عوائق فكرية، وقيمية، خاطئة، قامعة للحوار، تنطلق من بُعد نفسي استبدادي يستملك الحقيقة، ويحافظ على المعنى المستملك ضد التغيير.