منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
#50509
الحزب الديمقراطي

ظهر الحزب الديمقراطي، للمرة الأولى، في تسعينات القرن الثامن عشر بزعامة توماس جيفرسون. وكان الحزب آنذاك في غمرة تنظيم سبل حماية المصالح الزراعية والدفاع عنها، ومعارضة تمركز السلطة بيد الحكومة الفيدرالية
ويقع في صلب سياسة الحزب شعار "حقوق الولايات" بمعنى أن على الحكومة المركزية أن لا تتدخل إلا بأقل ما يمكن في شؤون الولايات وأن تترك لحكوماتها ممارسة مسؤولياتها
وأصبحت هذه القضية مرتبطة ارتباطا متزايدا مع قضية العبودية، مقسمة الحزب إلى ديمقراطيين شماليين وآخرين جنوبيين
وفي نهاية الأمر ومع انتخاب الجمهوري إبراهام لينكولن رئيسا عام ألف وثمانمئة وستين، انسحب الديمقراطيون الجنوبيون من الاتحاد، مما أدخل البلاد في أتون حرب أهلية
وفي السنوات التي أعقبت الحرب لازمت الحزب تهم عدم الولاء، الأمر الذي أدى إلى إبعاده عن البيت الأبيض حتى عام أربعة وثمانين وثمانمئة وألف

وشرع الحزب الديمقراطي، باعتباره حزب أقلية معتمدا على التأييد الجنوبي وأصوات الأقليات العرقية في الشمال، يصطف مع الجماعات الهامشية مثل الفلاحين الفقراء في الغرب وأولئك الذين تخلفوا عن نمو قطاعات الأعمال الكبرى في أواخر القرن التاسع عشر.
وكان للبقاء لفترة طويلة بعيدا عن السلطة تأثير مدمر على الحزب، مما جعله يعاني من الضعف والانقسام بين المحافظين في الجنوب وسكان المدن في الشمال
وفي مؤتمر الحزب عام أربعة وعشرين تطلب الأمر إجراء مئة وثلاثة محاولة للاقتراع من أجل اختيار مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة
لكن الكساد الكبير وفشل الجمهوريين في مواجهة التحديات السياسية التي سببها مهدا الطريق أمام التحالف الديمقراطي الجديد بزعامة فرانكلين روزفلت
وتمكن روزفلت في إطار ما أطلق عليه الاتفاق الجديد من تعزيز برامج الحزب الاجتماعية والاقتصادية مما زاد من دائرة الأصوات الانتخابية لصالحه لتشمل عمال المدن والاتحادات والمثقفين وصغار الفلاحين والأقليات إضافة إلى الفقراء البيض في الجنوب
وخلال تلك الفترة ارتفعت نسبة المصوتين لصالح الحزب الديمقراطي لتمنحه هيمنة في البيت الأبيض والمجلس الكونجرس
وما بين عامي اثنين وثلاثين وثمانية وستين تمكن الديمقراطيون من الاستئثار بالبيت الأبيض لمدة ثمانية وعشرين عاما تخللتها فترة آيزنهاور الرئاسية بين عامي اثنين وخمسين وألف وتسعمئة وستين. كما أن الديمقراطيين سيطروا أيضا على مجلس النواب حتى عام أربعة وتسعين وعلى مجلس الشيوخ معظم تلك الفترة
إلا أن تحالف الاتفاق الجديد بدأ بالانقسام في الستينات عندما تبنى الرئيسان كنيدي وجونسون أجندة الحقوق المدنية فاتحين المجال للرئيس نيكسون وللجمهوريين تبني ما سموه الاستراتيجية الجنوبية بالتوجه نحو البيض الجنوبيين
لكن فترة الستينات أظهرت ابتعاد الديمقراطيين بصورة متزايدة عن مواقع نفوذهم المتمثلة بالعمال البيض والطبقة الوسطى وهي المجموعة المتأرجحة الكبرى في السياسة الأمريكية
وفتح ذلك المجال واسعا أمام السياسة المحافظة لرئاسة رونالد ريجان
ولم يتمكن الديمقراطيون من الدخول إلى البيت الأبيض في الفترة ما بين عامي ثمانية وستين واثنين وتسعين إلا لفترة أربع سنوات. والأمر الذي ينطوي على أهمية كبيرة أن من تمكن من كسر تلك النزعة في عامي ستة وسبعين واثنين وتسعين حاكمان جنوبيان هما جيمي كارتر وبيل كلنتون
فقد جاء كارتر عبر بوابة ووتر جيت برسالة ترفع شعار النزاهة الذي كان شعارا ناجحا بسبب الفضيحة التي لحقت بالرئيس نيكسون
لكن كارتر لم يتمكن من إبقاء الحزب في البيت الأبيض مما أعاد الديمقراطيين إلى بعد دام اثنتي عشرة سنة حتى مجيء كلنتون

الحزب الجمهوري

أنشئ الحزب الجمهوري في الخمسينيات من القرن الثامن عشر، وقد أوجده أعضاء من الحزب الديموقراطي في شمال البلاد مع آخرين معارضين لتوسيع نطاق العبودية لتشمل المناطق الغربية الجديدة في الولايات المتحدة
وكانت قضية العبودية، التي هزت بقوة المؤسسة السياسية الأمريكية في ذلك العهد، وأسهمت بقوة في دفع الحزب الجمهوري من المواقع الخلفية إلى قلب البيت الأبيض عندما انتخب الجمهوري إبراهام لينكولن إلى الرئاسة الأمريكية في عام ألف وثمانمئة وستين
وكان النصر الذي حققه سكان الشمال والجمهوريون في الحرب الأهلية الأمريكية قد دعّم من موقف الحزب، ورسم الخارطة السياسية الجديدة التي رسخ فيها نفوذ الحزب الديمقراطي بين أهالي الجنوب الأمريكي المهزومين في الحرب والكارهين للشماليين

إلا أن الحزب الجمهوري، وهي الفئة السياسة الراديكالية الجديدة المدافعة عن حقوق السود المدنية والدستورية، انسحب تدريجيا نحو الاعتدال حفاظا على سيطرته على القاعدة الانتخابية التي تحققت له، وهو ما أدى إلى فوز خمسة من مرشحيه إلى الرئاسة الأمريكية خلال الانتخابات السبعة التي جرت بين عامي ثمانية وستين واثنين وتسعين من القرن التاسع عشر
وبحلول العقد الثامن من القرن التاسع عشر تسبب ازدهار الصناعة وازدياد نفوذ الشركات والمؤسسات التجارية في تغيير كبير في الخريطة الأمريكية على جميع المستويات وأولها الشأن السياسي، وتحولت معها الحركة الجمهورية حيث سيطر النفوذ الصناعي والمصالح التجارية على مقدرات هذا الحزب
وأصبح الحزب الجمهوري كذلك مرتبطا بالميول البروتستانتية، والجماعات التي شعرت بأن مصالحها مهددة بسبب وصول موجات الهجرة الجديدة من ايرلندا وإيطاليا، ولاحقا من شرق أوروبا
وفي عام 1912 ارتفعت أسهم الحزب التقدمي الذي أسسه الرئيس الجمهوري ثيودور روزوفلت بعد استقالته من الحزب الجمهوري، ونتج عن ذلك انقسام في القاعدة الانتخابية للجمهوريين، وتراجعه إلى المرتبة الثالثة، مما أدى إلى وصول وودرو ويلسون زعيم الديموقراطيين إلى البيت الأبيض
لكن مع تضاؤل شعبية التقدميين كحزب، عاود الحزب الجمهوري رص صفوفه محققا وحدته السابقة، ودعمه لرجال الأعمال، وسيطر على البيت الأبيض خلال الفترة من ألف وتسعمئة وعشرين حتى ألف وتسعمئة واثنين وثلاثين
وتسبب عجز الرئيس هوفر في علاج المشاكل الناتجة عن أزمة الكساد العظيم في بروز ما عرف بالعقد الديمقراطي الجديد على يد فرانكلين روزفلت
وكانت نزعات العزلة قد سيطرت على النظرة السياسية للجمهوريين في ما له علاقة بدور أمريكا في العالم قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن المسرح السياسي بعد الحرب تحول وتغير، وشرعت الولايات المتحدة في لعب دور أكبر في شؤون العالم، خصوصا مع ظهور الشيوعية كقوة كبرى ليرتفع نجم الجنرال المحبوب دوايت آيزنهاور، الذي تولى الرئاسة الأمريكية لعهدين خلال الفترة من عام اثنين وخمسين وحتى العام ألف وتسعمئة وستين
وبحلول الستينيات بدأ جناح المحافظين في الحزب الجمهوري في تحقيق نفوذ متزايد فيه، وأول شواهد ذلك ترشيح باري جولدووتر لانتخابات الرئاسة في عام أربعة وستين وبدأت معركة تهميش جناح المعتدلين داخل الحزب
وجاء نيكسون إلى الحكم في عام ستة وثمانين تحت شعار رفع صوت الأغلبية الصامتة في الحزب الجمهوري في البلاد، التي تشعر بالقلق من صعود موجة التطرف اليميني وتدهور الأمن والنظام، إلى جانب القضية الأخطر وهي القضية العنصرية
وباستثناء فترة جيمي كارتر من عام ستة وسبعين وحتى عام ثمانين على خلفية فضيحة ووترجيت التي أزاحت نيكسون عن الحكم، ظل الجمهوريون مسيطرون على البيت الأبيض من عام ثمانية وستين وحتى عام اثنين تسعين
ومع تحول الجنوب الأمريكي عن ولائه للديموقراطيين ودعمه لهم، وانحسار موجة الليبراليين في الحزب في الولايات الشمالية الشرقية، أصبح الحزب الجمهوري متماسكا أكثر من الناحية الإيديولوجية، وهو ما ترجم بقوة بفوز ريغان بعهدين رئاسيين خلا الفترة من عام ثمانين وحتى ثمانية ثمانين
وأدى برنامج ريغان، الداعي إلى حكومة أقل حجما وأقل تدخلا، ورفع مخصصات الإنفاق الدفاعي، والتلويح بمعاداة الشيوعية، إلى إيقاع أكبر هزيمتين بالديموقراطيين في تاريخهم السياسي الطويل
وعلق الجمهوريون آمالا كبيرة على جورج بوش، إلا أنه، وبرغم نجاحاته في السياسة الخارجية، اعتبر شخصية مخيبة للآمال بالنسبة للعديد من المحافظين في الحزب الجمهوري وبين الأمريكيين عامة
وتمكن بيل كلينتون من الفوز بالرئاسة الأمريكية في عام اثنين وتسعين عندما لعب على نغمة فشل بوش في معالجة القضايا الداخلية، كما سيطر الديموقراطيون على الكونغرس ومجلس الشيوخ، ولأول مرة منذ اثني عشر عاما
إلا أن الديموقراطيين، وبرغم سيطرتهم تلك، عجزوا عن تمرير عدة مشاريع قوانين مهمة، أهمها ما تعلق بموضوع الرعاية الصحية، الأمر الذي ساعد الموجة الصاعدة الجديدة من الجمهوريين المحافظين بزعامة رئيس الكونغرس نيوت غينغريتش على السيطرة على المجلس في عام أربعة وتسعين تحت شعار: العقد مع أمريكا
إلا أن الجانب الشعبوي المناهض للحكومة من هذا العقد واجه صعوبات في التطبيق العملي، مما سمح للرئيس كلينتون باستغلال مخاوف الشعب من الكونغرس الجمهوري المندفع أكثر مما يجب، وساعده ذلك في الفوز على بوب دول في الانتخابات الرئاسية لعام ستة وتسعين
وبسبب تلك الميول المتقاطعة بين الجمهوريين والناس، انقسم الحزب إلى عدة أجنحة مختلفة منها الشعبويين المناهضين لسيطرة الحكومة، والعولميين الداعين إلى دعم قطاع الأعمال، والانعزاليين، والاخلاقيين المثاليين، وغيرهم
لكن السنوات الأخيرة شهدت ظهور شخصيات جمهورية معتدلة من أمثال تومي تومسون حاكم ولاية ويسكنسون، وجورج بوش الابن حاكم تكساس، اللذين تمكنا من الارتفاع فوق مستوى الانقسامات التي يواجهها الحزب على المستوى القيادي
ويأمل العديد من الجمهوريين في أن يتمكن الجيل الجديد من سياسيي الحزب من السيطرة على مقاليد الأمور من جديد، ويتمنون ظهور قادة جدد يتمتعون بمواهب سياسية أكثر من سابقيهم .