صفحة 1 من 1

طبيعة علاقة الدولة الإسلامية بغيرها

مرسل: الأحد مايو 06, 2012 6:54 pm
بواسطة محمد ملفي0
أولاً: طبيعة علاقة الدولة الإسلامية بغيرها:
تنطلق علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من نظرة الشريعة الإسلامية إلى الغير؛ وهذا الأخير قد يكون فرداً، وقد يكون دولة وهو ما يعنينا هنا، والدولة تصنف بالنظر إلى سياستها النظرية والعملية، والسياسات الدولية في نظر الشريعة، تنقسم إلى قسمين رئيسين: شرعية، وهو الموافق، و وضعية وهو المخالف.



والسياسة الشرعية هي: التي تُساس فيها الكافَّة [الجميع من الناس أو الشعب أو الشعوب]، وفق النظر الشرعي (يراعى فيها تطبيق القوانين الإسلامية).


أمَّا السياسة الوضعية في الفكر الإسلامي فيقصد بها: كل سياسة تُحمل فيها الكافَّة [الجميع من الناس أو الشعب أو الشعوب]، وفق النظر الوضعي (لا يراعى فيها تطبيق القوانين الإسلامية).


وهي وصف من أوصاف ما يُعَبَّر عنه بـ(النظام السياسي)؛ الذي يقصد به نظام الحكم في أي بلد من البلاد، و يتناول شرحه ما يُعرف بـ(علم القانون الدستوري)؛ فالسياسات الوضعية، رديـف لمـا يُعرف في هذا العصـر بـ"الدسـاتير الوضعيـة"، وما يتفرع عنها، مِمَّا لا تُقِرُّه الشريعة الإسلامية؛ إذ إنَّ ما تقرُّه الشريعة الإسلامية يعدّ حقاً ولو صدر من غير المسلمين.


وقد قسم ابن خلدون – وهو فقيه وعالم اجتماعي مسلم - السياسات الوضعية إلي قسمين:
أ - السياسات الطبيعية أو الملك الطبيعي، وهي: التي تحمل فيها الكافة على مقتضى الغرض والشهوة. فهي تتبع طبع الحكّام من حيث شهواتهم وأغراضهم، دون مراعاة لشرع مستقيم أو عقل سليم؛ ومثالها في هذا العصر ما يعرف بـ: السياسة الاستبدادية "الدكتاتورية"؛ وهي: نهج سياسي يقوم على حكم الفرد أو القلة للشعب وسياستِه في كل صغيرة وكبيرة، قهرا دون إرادة، ولا تخضع الحكومة فيه لنظام شرعي ولا لقانون وضعي معين، ولا توجد فيه قيود على سلطات الحاكم وتصرفاته، فهو الذي يصدر القوانين والأوامر واللوائح، ويغيرها ويبدلها، وفق ما يري ويهوى بل ويغير الدستور ويبدله؛ وقد يكون الحكم فيها عسكرياً.


فأحكام هذه السياسات، مستبِدَّة قاهرة، مائلة عن الحق غالباً؛ يحمل فيها الناس على ما ليس في طوقهم من الأغراض والشهوات، ومن ثم تعسر الطاعة؛ فيفضي ذلك إلى الخلل والفساد دفعة، وتنقضي الدولة سريعاً؛ بما ينشأ من الهرج والقتل؛ نتيجة تعسُّرِ الطاعة وانتشار الظلم؛ ولهذا أوجب ذوو الرأي الرجوع في السياسات إلى قوانين سياسية مفروضة، على الكافَّة، وينقادون لأحكامها، وهو القسم التالي من قسمي السياسات.


ب - السياسات العقلية أو الملك السياسي أو السياسات المدنية، وهي: التي تحمل فيها الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية، ودفع المضار؛ فهي سياسة تنظيمية عقلية دنيوية فقط، تقوم على مجموعة الأحكام التي اصطلح شعب ما على لزوم الانقياد لها، وتنفيذها؛ لتنظيم الحياة المشتركة في هذا الشعب.


وهي في الاعتقاد الإسلامي أحد صور الشرك في الطاعة والانقياد أو التشريع، حيث يمنح المخلوقون حق التشريع المطلق، الذي هو كالخلق، من خصائص الله تعالى: ﴿ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْر ﴾ُ [الأعراف:41]؛ إذ يمنع الإسلام تشريع الإنسان للإنسان تشريعاً مطلقاً. ويشير القرآن الكريم إلى سبب تعدد السياسات غير الشرعية ونتائجها على البشرية في آيات، منها الآية 5 من سورة ق: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ﴾ [ق: 5]؛ فها هي النظريات السياسية تُستحسن فتقدس ثم ما تلبث أن يَتَبَدَّى انتكاسها؛ فتُنْتَقص، ثم تُنبذ شيئاً فشيئاً حتى يَحلّ غيرُها محلَّها، وهكذا دواليك، أمر مريج مختلط؛ وانتكاسات متتالية، نهايتها الانهيار التام، بل ربما العداء الشديد لها من قيادات الجيل الجديد.


ومثال تلك السياسة في هذا العصر: السياسات "الديمقراطية" الغربية، التي تستند إلى جملة من الأفكار والمبادئ، التي أهمها: مبادئ الثورة الفرنسية؛ حيث صارت صفة "الوضعية" مذهباً فكرياً ونظرية سياسية.


والمراد هنا الديمقراطيات الغربية، التي مظهرها: الديمقراطية النيابية:

التي يمارس الشعب فيها مظاهر السيادة - مصدرية الأحكام والتشريعات - بواسطة مجلس نواب يرشحهم الناخبون من الشعب؛ فهي عند منظريها: حكم الشعب بالشعب، حيث يحتفظ فيها الشعب بحق التدخل المباشر لممارسة السيادة عن طريق وسائل مختلفة، كحق الاقتراع، والاستفتاء، والاعتراض؛ وهي سياسات بدأت تفقد ميزاتها بالتدخل في تغيير مسارها بالتزوير تارة وبالضغوط تارة وبالأحكام القضائية تارة أخرى؛ وها هي الديمقراطية الأمريكية تفتح محاكم عسكرية في مطلع القرن الجديد!؟ وتقبض على العرب والمسلمين؛ لتطبق عليهم قاعدة معكوسة، كانت مثار سخرية الأمريكي يوماً ما، تقول: المتهم مدان حتى تثبت براءته!؟


ومن أمثلة تلك السياسات - كذلك -:

السياسات "الماركسية" غير الاستبدادية؛ أو الاشتراكية العلمية، المذهب السياسي الاقتصادي، الذي نادى به (كارل ماركس) رداً على "الاشتراكية" التي: سماها الخيالية - بشَّرَ فيها بإقامة مجتمع ينعم بالمساواة السياسية والاقتصادية التامة، والماركسية تقيم حكماً غليظاً يتصرف في كافة أمور المواطنين، مع أنها تدعو لزوال الدول؟‍ وتقوم على الحتمية التي لا ترد وقد ثبت فشلها عياناً وتهاوت أمام العالمين.


ويستند التصنيف السابق للدول إلى التقسيم الفقهي لها في القانون الدولي الإسلامي:
إذْ يقسم الفقهاء الدول إلى: دولة إسلامية ودولة غير إسلامية أو دولة حرب.
فأمَّا الدولة الإسـلامية فهي: التي يحكمها المسلمون، وتنفذ فيها الأحـكـام الإسلامية، ويكون النُّفُـوذ فيها للمسلمين، ولو كان غالب أهلها من غير المسلمين.


وأما الدولة غير الإسلامية فهي: كل دولة يحكم فيها بغير القانون الإسلامي، ويتأكد ذلك بأن يتولى قيادتها رئيس غير مسلم.


ويُلحَظ أنَّ المعتبر في التمييز بين الدّولة الإسلامية وغيرها: وجود السلطة، وسريان الأحكام؛ فإذا اجتمعت السلطة الإسلامية التي تُنَفِّذ أحكام الإسلام، وتبسط الأمن في البلاد، كانت دولة إسلامية؛ وإذا اجتمعت السلطة وتنفيذ الأحكام الوضعية، كانت دولة غير إسلامية؛ فمعيار وصف الدَّولة بأنَّها إسلامية أو غير إسلامية: القوانين التي يحكم بها؛ فإن كانت قوانين إسلامية فهي دولة إسلامية، وإن كان جل أهلها من غير المسلمين؛ وإن كانت قوانين غير إسلامية فهي دولة غير إسلامية، وإن كان جُلّ أهلِها من المسلمين.


وإن جمعت دولة صفاتٍ من الدولتين، أَخَذَت من حُكمِ كلٍ منهما ما يلتحق بها؛ فيصير لها حال ثالثة من حيث المعاملة.


والخلاصة أنَّ المجتمع الدولي (العالم) ينقسم في القانون الدولي الإسلامي إلى قسمين رئسين:
الأول: بلاد إسلامية، وتشمل كل البلاد التي تحكم بأحكام الإسلام وشريعته؛ وهي التي تُسمَّى: دار الإسلام، سواء كانت واحدة – وهو الأصل - أو أكثر.

والثاني: بلاد غير إسلامية، وهي التي يحكمها غير المسلمين، أو تُحكم بأحكام وضعية؛ وهي التي تُسمَّى: دار الكفر؛ فإن كان بين المسلمين وبين أهلها عهد، سُمِّيَت: دار عهد، وإن لم يكن بين المسلمين وبين أهلها عهد سميت: دار حرب؛ غير أنَّ مَن بَيْنَ المسلمين وبينهم عهد لا يجوز قتالهم ما كان العهد بين المسلمين وبينهم نافذ.


ولكي تتضح طبيعة العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها، يحسن التنبيه إلى أمر مهم، وهو أنَّ القانون الإسلامي الدولي - كما سبق في تقسيمه - لا يقتصر على بيان التعامل مع الكيانات الدولية، بل يشمل التعامل مع الأفراد والمنظمات والأحزاب – وهذا ملحوظ في صياغة عنوان هذا الموضوع (طبيعة علاقة الدولة الإسلامية بغيرها) أي من الدول والمنظمات والأحزاب والأفراد.


ويمكننا الآن بيان طبيعة العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها – مختصرة - بأن يقال:
تقوم طبيعة العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها على أساس مقصدي، وهو تبليغ رسالة الإسلام للغير (الدعوة)، والتعامل مع هذا الغير وفق ما تمليه الأحكام الإسلامية، التي تراعي بخاصيتها ظروف الزمان والمكان والحال، وفق قواعد تفسيرية غاية في الدقة؛ ولعلَّ فهم هذه الحقيقة يفسِّر بعض مظاهر الشذوذ في تصرفات بعض المسلمين، ولا سيما ممن ليس لديهم فهم كاف لذلك، سواء من ناحية التنظير أو التطبيق.



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Web/alotaibi/0/22 ... z1u6uDDWgl