صفحة 1 من 1

مبادرة الملك عبدالله في مجال حوار الأديان

مرسل: الاثنين مايو 07, 2012 12:13 am
بواسطة احمد الشهري 13
لا يسع المرء وهو يشاهد الملك عبدالله يكشف النقاب عن مبادرة ريادية في مجال حوار الأديان في الأمم المتحدة قبل أسبوعين إلا أن يستذكر زيارته إلى الفاتيكان السنة الماضية. فعل يومها شيئاً كان يعتبر حتى فترة قصيرة غير ممكناً. سافر خادم الحرمين الشريفين إلى الفاتيكان وقابل البابا بنديكت، وقدم له السلام والصداقة نيابة عن العالم المسلم. وإذا أخذنا بالاعتبار التاريخ الطويل للصليبيين والعلاقات المرّة بين أتباع الإسلام والمسيحية، فقد شكلت إيماءة الملك عبدالله نقطة هامة في هذه العلاقات.

ولكن هذا الملك طالما كان غير تقليدي في العديد من المجالات. بغض النظر عن سنواته المتقدمة فقد بذل جهوداً استثنائية للتوصل إلى العالم والتواصل معه، فحطم الصور النمطية في الغرب عن السعوديين والعرب بشكل عام.

جرى عقد اجتماعه مع البابا في وقت ساد فيه الغضب الشديد والإحباط في العالم الإسلامي تجاه الولايات المتحدة والسياسات الغربية في الشرق الأوسط. ما زالت ذكرى الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية تجرح، وما زالت ملاحظات البابا نفسه الخلافية حول الإسلام والنبي محمد (ص) حديثة وفظة.

في أوقات كهذه، يتطلب الأمر شجاعة فائقة وكرامة مميزة من قبل العاهل السعودي ليقوم بزيارة الفاتيكان وتبادل الهدايا مع البابا. ولكن الأمر كان يستحق ذلك. أشارت الزيارة إلى بدء عهد جديد من العلاقات بين الأديان الإبراهيمية التي تشترك في أمور كثيرة، ولكنها نادراً ما عاشت بسلام مع بعضها بعضاً. ربما شكلت زيارة الملك عبدالله إلى الفاتيكان أقوى رسالة سلام وفية حسنة تشعّ من بلاد العرب منذ فجر الإسلام في مكة المكرمة.

لم تكن تلك مواجهة عابرة وقعت صدفة. لم تكن حتى محاولة للحصول على نقاط دبلوماسية. السعوديون أكثر جدية كشعب من أن ينخرطوا في متاهات دبلوماسية لا معنى لها أو أن يفعلوا شيئاً لا يؤمنون به من أعماق قلوبهم.

المملكة العربية السعودية، بقيادة الملك عبدالله، جادة إلى أبعد الحدود وبالتأكيد فيما يتعلق بالتواصل مع العالم الواسع. السعودية، كزعيمة للعالم الإسلامي، حريصة على إصلاح جسورها مع العالم.

لماذا أعتقد ذلك؟ لأنه منذ تلك المواجهة التاريخية مع البابا السنة الماضية، أماط السعوديون اللثام عن مبادرات عديدة مثل هذه لبناء الجسور مع العالم.

في فترة مبكرة هذه السنة في حزيران/يونيو، استضاف الملك عبدالله مئات العلماء في مكة المكرمة لبحث أساليب تشجيع التسامح وحوار الديانات. وقد اتبع الملك ذلك بحدث بارز آخر استضافه في مدريد بأسبانيا، حضره ممثلون عن الفاتيكان والكنيسة الإنجيلية واليهودية والهندوسية وغيرها من العقائد والأديان. وقد نقل الآن معركة العقول والقلوب إلى المسرح العالمي الرئيسي في الأمم المتحدة. ويعتبر هذا مثيراً للإعجاب بالنسبة لبلد طالما اعتبرت شريرة في الإعلام العالمي وأرضاً خصبة للإسلام المتطرف بسبب "ارتباطاته" المفترضة مع هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.

لهذه المبادرات أهمية كبرى إذا أخذنا بالاعتبار الطبيعة الانطوائية للمملكة وعدم رغبتها تقليدياً لإلقاء وزنها رغم موقفها في العالم الإسلامي وسمعتها وقوتها كأكبر مصدر للنفط في العالم.

وقد يكون هذا السبب الذي من أجله ظهرت شخصيات عالمية من الرئيس جورج دبليو بوش إلى رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، ومن رؤساء الدول العربية والإسلامية إلى الزعماء الدينيين، للانضمام إلى مبادرة الملك عبدالله لتحسين العلاقات بين أتباع الأديان المختلفة، وخاصة هؤلاء في العالم العربي والغرب، لإظهار الوجه الحقيقي الإنساني للدين الذي يتبعه 1،6 مليار إنسان. لذا فإنه من العار بالطبع أن تفشل المبادرة السعودية في الحصول على الاهتمام الذي تستحق حقاً. كان يمكن لهذه العملية لتنوير تعاليم الإسلام التي تحرر المرء أن تأتي في وقت مناسب أكثر.

لقد وقف المسلمون يتفرجون، ولوقت أطول بكثير مما يجب، وخاصة بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وبمزيد من القلق واليأس، بينما حاول المتطرفون على الجانبين رسم صورة دينهم العظيم كعصابة متطرفة. وفي الوقت الذي استغل فيه المتشددون، عن وعي أو غير وعي، هذا الدين لدفع أجندتهم، استغل الإعلام الغربي والمحافظون الجدد أعمالاً فردية من العنف لتبرير حملتهم ضد الإسلام وأتباعه.

هذا هو الوقت المناسب لإعادة اكتشاف الدين الذي لم يعطِ العالم شيئاً سوى السلام والمساواة والعدالة والأخوّة العالمية. هذا هو ما يبشر به هذا الدين ويعلمه. ولهذا السبب نؤمن به. لقد أغنت تعاليمه العالمية حضارات العالم، بما فيه الغرب.

ولهذا السبب، عندما تندمج هذه العقيدة الإنسانية والأكثر منطقية مع التطرف فإنها تؤذي. وفي كل مرة يُقتل فيها أبرياء باسم هذا الدين وتعزى عملية وحشية بشعة إلى الإسلام، يسأل المسلمون في كافة أنحاء العالم أنفسهم، "أين هم قادتنا؟ لماذا لا يرفعون أصواتهم ضد هذا العنف المجنون باسم ديننا؟ لماذا لا يقولون: "ليس باسمنا"". إذ ليس هذا هو الدين الذي نعرفه ونمارسه.

لسوء الحظ لم تحظ هذه التوسلات المتألمة إلا بصمت يصم الآذان.

نشكر الله تعالى أن الصمت الذي يصم الأذان قد انقطع أخيراً، وأصبح هناك من هو على استعداد لأن يقول: "ليست باسمنا". إلا أن صوتاً واحداً لا يكفي. ما تفعله المملكة العربية السعودية من خلال ملكها أمر غاية في النبل. إنه بالتأكيد ما تحتاجه الساعة. إلا أنه يجب دعمه وتعزيزه بمبادرات مماثلة في كافة أرجاء العالم.