صفحة 1 من 1

اتفاقية دارين

مرسل: الاثنين مايو 07, 2012 12:54 am
بواسطة سليمان الفراج ١٣
مقدمــــــــة

بعد إن سيطرت بريطانيا فعلياً على منطقة الخليج ووقعت معاهدة الصلح البحري العامة مع شيوخ الساحل العماني عام 1820 م والمعاهدة السرية مع حاكم الكويت في عام 1899 م والتي تشبه لحد كبير لمعاهدة الصلح البحري العامة المذكورة اتجهت إلى تقوية نفوذها في الجزيرة والتي كان لها موطئ قدم يمثله بنو سعود في الرياض
وقد واجهت بريطانيا في منطقة الجزيرة وضعاً معقداً يختلف عن الوضع في الخليج حيث استطاعت أن تحسم الأمور في منطقة الخليج بواسطة قواتها البحرية بسبب ضعف الدولة العثمانية في حسمها للأمور وعدم تفهمها لطبيعة الصراع في هذه المنطقة ولكونها استطاعت تجزئة الساحل إلى محميات صغيرة لا تشكل لها تهديداً حتّى لو ظهر فيها رفض لوجود بريطانيا من قبل شعوبها
أما في منطقة الجزيرة ذات المساحة الشاسعة فالأمر مختلف فهي تضم قبائل كبيرة وتعيش صراعات طويلة ومعظمها تدين بالولاء للدولة العثمانية ما عدى بني سعود

كما إن الدولة العثمانية عملت على تقوية وجودها في الجزيرة لاعتبارات سياسية لأن المنطقة تضم مقدسات المسلمين والتي تعتبر نفسها مسؤولة عنها بالدرجة الأولى ولأنها احد موارد خزينتها

لذلك خططت بريطانيا على المدى البعيد تقوية موظفها ابن سعود لكي يستطيع السيطرة الكاملة على الجزيرة فاختارت موظفين لهم الخبرة في عملية إدارة الصراعات كالضابط (شكسبير) الذي كان يخطط المعارك ابن سعود وينفذها بنفسه الأمر الذي أدى إلى قتله في معركة (جراب) عام 1915 م ضد ابن الرشيد وكذلك (فيلبي) الذي أدار الأمور حتّى تحقيق كامل أهداف بريطانيا في الجزيرة

أسباب توقيع اتفاقية دارين 1915 م :

كانت بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى بصورة عامة تتحرك بحذر في منطقة الجزيرة وكان الصراع السياسي بينها وبين الدولة العثمانية يسير ببطء وكانت بريطانيا توجه عملائها في المنطقة بعدم التأثير المباشر والمكشوف على نفوذ الدولة العثمانية التزاماً منها بالأعراف الدولية والعلاقات التي لا زالت تربطها بالدولة العثمانية لهذا نجد أن بريطانيا كانت غير راضية عن استعجال ابن سعود في إبراز خدماته الكبيرة لبريطانيا في القفز على هذه التوجيهات ففي عام 1911 م اجتمع شكسبير مع ابن سعود وقال له : (إن بريطانيا لن تقدم الدعم لأي زعيم عربي يحاول التخلص من الأتراك حيث أن لبريطانيا علاقات صداقة بهم..)

وقبل نشوب الحرب العالمية الأولى بأشهر أصبح الصراع السياسي في المنطقة بين بريطانيا والدولة العثمانية قد بلغ ذروته والذي ينطلق من المبنى الذي تبنته بريطانيا في أنها وريثة ممتلكات الدولة العثمانية في منطقة الخليج والجزيرة والعراق والأردن وفلسطين والذي تقرر هذا نهائياً في معاهدة سايكس ـ بيكو بين بريطانيا وفرنسا عام 1916 م في موسكو لذلك حاولت بريطانيا أن تُعلم الدولة العثمانية من خلال اتفاقيات وقعتها مع ابن سعود أن موقعها في منطقة الجزيرة أصبح ضعيفاً كموقفها في الخليج

قامت بريطانيا في مارس عام 1914 م بإجراء اتفاق مع ابن سعود عن طريق ممثلها (آرثر باريت) تعهد فيه ابن سعود بتقديم كل مساعدة ممكنة ضد الأتراك واعترف ببقاء البحرين تحت سيطرة بريطانيا وضمان المحافظة على رعايا بريطانيا وتجارتها في الخليج من أي طرف

إن بريطانيا في واقع الأمر لا تعوّل على ابن سعود مجرداً ليحسم لها الأمر في المنطقة وإنما جاء إجراء هذا الاتفاق ضمن الضغوط السياسية والاستفزاز الذي مارسته بريطانيا في المنطقة فابن سعود لم يكن متفوقاً على ابن الرشيد فضلاً عن الشريف حسين

وبعد نشوب الحرب العالمية الأولى ودخول الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا ضد بريطانيا وحلفائها لم يعد لبريطانيا أي تعهد لتركيا وإنما عملت على تقويض نفوذها في المنطقة ولما كان ابن سعود هو الذي اختارته لتنفيذ سياستها في الجزيرة أرادت أن تربطه باتفاقية رسمية تكون فيها الأمور واضحة لجميع الأطراف وان تحكم تبعية بني سعود خوفاً من تغيير الظروف كما إن بريطانيا بعد نشوب الحرب العالمية الأولى ودخول تركيا بجانب المانيا تريد تثبيت حقوقاً لها بعد نهاية الحرب ضمن نظرية تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية المطروحة في مناقشات الدول الاستعمارية قبل الحرب، كما أنها أرادت أن تعلن للجميع إن ابن سعود هو موظفها الذي لا يجوز لأحد التعرض له كما أنها أرادت أن تمسك بورقة قوية أثناء مباحثاتها مع فرنسا حول تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية

ومن خلال هذه الاتفاقية والتي أظهرت تبعية بني سعود بصورة كاملة لبريطانيا وبذلك أصبحت المنطقة تحت السيطرة الكاملة لها أرادت أيضاً أن تظهر للرأي العام الإنكليزي جدوى دعمها لبني سعود

ومن خلال هذه الاتفاقية أرادت بريطانيا أيضاً أن تقدم نموذجاً لمواصفات العملاء في المنطقة والذين يرغبون في طرح أنفسهم كموظفين لبريطانيا نص اتفاقية دارين 1915 م

في شهر ديسمبر عام 1915 سافر (كوكس) المقيم البريطاني في الخليج يرافقه (فيلبي) إلى القطيف واجتمع بعبد العزيز بن سعود في جزيرة دارين وتم توقيع اتفاقية حملت اسم الجزيرة يوم 26 ديسمبر عام 1915 م نصت على ما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

لما كانت الحكومة البريطانية من جهة وعبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود حاكم نجد والإحساء والقطيف والجبيل والمدن والمراسي التابعة لها بالا صالة عن نفسه وورثته وحلفائه وعشائره من جهة أخرى راغبين في توطيد الصلات الودية التي مر عليها وقت طويل ما بين الطرفين وتعزيزها لأجل توثيق مصالحهما فقد عينت الحكومة البريطانية اللفتننت كولونيل السر برسي كوكس المعتمد البريطاني في خليج فارس مفوضا من قبلها ليعقد معاهدة مع عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود

وقد اتفق اللفتننت كولونيل السر برسي كوكس وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود وأبرما المواد الآتية :

1 ـ تعترف الحكومة البريطانية وتقر أن نجدا والإحساء والقطيف والجبيل وتوابعها والتي يبحث فيها، وتعين أقطارها فيما بعد ومراسيها على خليج فارس، وهي بلاد ابن سعود وآبائه من قبل وبهذا يعترف بابن سعود المذكور حاكماً عليها مستقلاً ورئيساً مطلقا على قبائلها وبأبنائه وخلفائه بالارث من بعده على أن يكون ترشيح خلفه من قبله ومن قبل الحاكم بعده وان لا يكون الحاكم المرشح مناوئاً للحكومة البريطانية بوجه من الوجوه خاصة فيما يتعلق بشروط هذه المعاهدة

2 ـ إذا حدث اعتداء من قبل إحدى الدول الأجنبية على أراضي الأقطار التابعة لابن سعود وخلفائه بدون مراجعة الحكومة البريطانية وبدون إعطائها الفرصة للمخابرة مع ابن سعود وتسوية المسألة فالحكومة البريطانية تعاون ابن سعود بعد استشارته إلى ذلك القدر وعلى تلك الصورة الذين تعتبرهما الحكومة البريطانية فعالتين لحماية بلدانه ومصالحه

3 ـ يتفق ابن سعود ويعد بان يتحاشى الدخول في مراسلة أو وفاق مع أية امة أجنبية أو دولة وعلاوة على ذلك بأن يبلغ حالاً إلى معتمدي السياسة من قبل الحكومة البريطانية عن كل محاولة من قبل أية دولة أخرى في إن تتدخل في الأقطار المذكورة سابقاً

4 ـ يتعهد ابن سعود بان لا يسلم ولا يبيع ولا يرهن ولا يؤجر الأقطار المذكورة ولا قسماً منها ولا يتنازل عنها بطريقة ما ولا يمنح امتيازا ضمن هذه الأقطار لدولة أجنبية أو لرعايا دولة أجنبية بدون رضي الحكومة البريطانية وبان يتبع مشورتها دائماً وبدون استثناء على شرط أن لا يكون ذلك مجحفاً بمصالحه الخاصة

5 ـ يتعهد ابن سعود بحرية المرور في أقطاره على السبل المؤدية إلى المواطن المباركة وان يحمي الحجاج في مسيرهم إلى المواطن المباركة ورجوعهم منها

6 ـ يتعهد ابن سعود كما تعهد آباؤه من قبل بان يتحاشى الاعتداء على أقطار الكويت والبحرين ومشايخ قطر وسواحل عمان التي هي تحت حماية الحكومة البريطانية والتي لها صلات عهدية مع الحكومة المذكورة و إلا يتدخل في شؤونها وتخوم الأقطار الخاصة بهؤلاء ستعين فيما بعد

7 ـ تتعهد الحكومة البريطانية وابن سعود على عقد معاهدة أكثر تفصيلاً من هذه على الأمور التي لها مساس بالفريقين

كتب في 18 صفر سنة 1334 الموافق 26 ديسمبر سنة 1915 م

يقول جون. س. ولينكسون في كتابه حدود الجزيرة العربية : (وبدأت المفاوضات التمهيدية بينهما (بريطانيا وابن سعود) في أكتوبر سنة 1915 م ولكن كان هناك عديد من المشكلات وهي أن وضعه (ابن سعود) الداخلي لا يزال مضطرباً وان حجم الامتيازات المطلوب منه منحها لبريطانيا حتّى يحذو حذو مشايخ المحميات الأخرى ، يمكن أن تجعله بلا شعبية، وأي اتفاقية مع بريطانيا تتعلق بهذا الشأن كما حدث، إنّما تسلبه استقلاله وتستخدم المعارضة له وتكون نقطة تجمع عليه)

ويستمر (ولينكسون) في إطلاق فرضياته الوهمية ومن ضمنها انّه يذكر أن ابن سعود قدم مشروع الاتفاقية فيقول : (وكان جوهر مشروع ابن سعود المكون من 11 مادة أن تعترف بريطانيا بأن نجد والإحساء والقطيف وما يحيط بها والموانئ التي ترتبط بتلك المناطق على ساحل الخليج الفارسي تنتمي إليه وهي ارض آبائه وان تلك الأراضي مستقلة وليس لأي قوة أجنبية الحق في التدخل وان تعترف بريطانيا بالحدود الخاصة بالأراضي المذكورة وان تتعهد بالحماية والدفاع عنها ضد كل الاعتداءات والتهديدات الآتية براً وبحراً

وان القانون المطبق في تلك الأراضي سيكون قانون الشريعة ووفق مبادئ المدرسة الوهابية وعلى بريطانيا أن تحترم حقوق شعب ابن سعود على أراضيه ولا تمنع حق اللجوء لأي من الهاربين.. وإذا دخل أي من البدو والمدن الخاضعة للحماية البريطانية وإذا ثارت أي خلافات بيني وبين أي من مشايخ وزعماء المدن المذكورة فعليهم أن يتصرفوا طبقاً لملكية الآباء والأجداد

وبالمقابل فان ابن سعود لن يتعامل مع أي قوى أخرى حول الامتيازات دون الرجوع إلى حكومة بريطانيا العظمى وان تمنع بريطانيا التجارة في السلاح وتسمح لشعوب المحميات البريطانية بالتجارة في سواحله وان تحميهم..)

هذا الكلام من (ولينكسون) يراد به الإيحاء إن ابن سعود كان يتصرف باستقلالية لكن المتتبع للعلاقات بين بريطانيا وابن سعود يجد الأمر يختلف تماماً عما يريد أن يثبته الكاتب المذكور كما أن بنود الاتفاقية شاهد صريح على أن ابن سعود ليس عليه إلاّ إن ينفذ ما يصدر إليه من بريطانيا