- الاثنين مايو 07, 2012 11:17 am
#50687
المصدر: الأهرام اليومى
بقلم: مرسى سعد الدين
أذكرأنه حين تفضل السيد على الشاوش الأمين العام لحزب التجمع الدستورىالديمقراطى للمشاركة فى ندوة موضوعها «التوازنات الجيواستراتيجية الجديدةفى عالم اليوم» قبلت بكل سرور، ليس فقط لأهمية الموضوع ولكن لحبى لتونسباعتبارها واحدة من الدول العربية، بل فى العالمالثالث، القليلة التىتبنت الحداثة والديمقراطية والعلمانية.
طلب منى أن أكتب عن «من أجلمشاركة فاعلة للبلدان النامية فى التوازنات الجيواستراتيجية الجديدة» ورجعتإلى قواميس الإنجليزية والفرنسية والألمانية لأعرف ماهو مفهومالجيواستراتيجية ولكنى لم أجدها فيها، وحدت معنى جيدا وهو الأرض وطبعامفهوم الاستراتيجية معروف ومن ثم عرفت أنه برغم التعبير الجديد الذى يتماشىمع اتجاه تحويل كل مفهوم إلى علوم وتكنولوجيا، فهو سياسة أو استراتيجيةقديمة قدم البشرية. لن أعود كثيرا إلى الماضي، ولكن الم يكن الاسكندرالأكبر له استراتيجية. إنه لم يكن مجرد قائد عسكري، مثل قادة الفرس أوالتتار يسعى إلى غزو أراض، بل كان سياسيا حكيما، برغم صغر سنه، يسعى إلىخلق نظام سياسى عالمي، وحين جاء الاغريقيون بعد الاسكندر إلى الإسكندريةوأقاموا حكمهم وجعلوا من مصر مركزا للثقافة والسياسة والتجارة، ألم يكن ذلكايضا نوعا من الجيواستراتيجية.
ولكن دعونا من الماضى السحيق ولننتقلإلى القرن العشرين وإلى سقوط الامبراطورية العثمانية، لقد كان ذلك الأفولهو الخطوة الأولى تجاه مايمكن إن نسميه رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، لقدتقسمت الامبراطورية وظهرت دول ودويلات مختلفة، بعضها مع الأسف بالتعاون معالاستعمار البريطاني، المهم أنه حدث مانسميه اليوم «إعادة رسم خريطة الشرقالأوسط»، كما يحلو للبعض تسميته قد تم بعد الحرب العالمية الأولى كجزء منالجيواستراتيجية ذلك العصر.
وهناك مثل إنجليزى يقول «إذا لم تستطع أنتحاربهم انضم لهم» وهذا هو ماينطبق على دول العالم الثالث وفاعليتها فىالتوازنات الجيواستراتيجية الجديدة، والسؤال الأول الذى يتبادر إلى الذهنهو ماهى تلك التوازنات. هل هى العولمة. هل هى الشرق أوسطية. هل هىالشراكة؟. وقبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن أقول أننى سأركز على مشاركةالدول العربية فى التوازنات الجيوستراتيجية الجديدة، ويمكن النظر إلى هذهالمشاركة على مستويين، المستوى العربى الجمعى، أى موقف جامعة الدولالعربية، والمستوى الفردي على المستوى العربى الجمعى لا أعتقد أن هناكخطة أو استراتيجية موحدة تجاه مايحدث فى العالم وأمامنا مثال الموقف تجاهالقضية الفلسطينية ولست فى حاجة هنا إلى الافاضة فى شرح التناقضاتوالخلافات بين الدول العربية تجاه المشكلة. وطبعا هناك مشكلة العراق. لقدكانت الوحدة العربية أساس الجيواستراتيجية العربية فى الأربعينيات حينتكونت جامعة الدول العربية والغريب أنه على الرغم من أن اهتمام مصر بالوحدةالعربية جاء متأخرا إلا أن العرب اختاروا القاهرة مقرا للجامعة، وقد يكونسبب تأخر مصر فى تلقف فكرة الوحدة العربية يرجع إلى أنها تبنت بايعازوتشجيع من بريطانيا كحركة معادية للامبراطورية العثمانية وقد دفع احتلالبريطانيا لمصر إلى اتخاذها هذا الموقف الحرج بل المتشكك فى فكرة الوحدة. هذا على المستوى العربى الجمعى، اما على المستوى الفردى فإننا نرى بعضالدول العربية وقد انضمت إلى اتفاقيات شراكة وتعاونمع الدول الأوروبيةوسوقها المشتركة، بينما انضمت أخرى إلى الفرانكوفونية أو مجموعة الـ77 وهذايعنى أن مصالح الدول الفردية لها دائما الغلبة على المصالح العربيةالجمعية، ويبدو هذا واضحا فى التجمعات الاقليمية فى داخل العالم العربى،سواء بين دول الخليج أو من دول شمال إفريقيا ومن الطبيعى أن تقوم هذهالتجمعات الاقليمية برعاية وتقوية مصالح أعضائها وأنى أعتقد أن هذا الاتجاهالفردى أو الاقليمى هو الذى سيطفو على السطح تجاه التوازنات الاستراتيجيةالجديدة.
ومما لاشك فيه أن ثمة توازنات جيواستراتيجية جديدة ظهرت بعدانهيار الاتحاد السوفيتي، وحينئذ فعلا تمت إعادة رسم جغرافية المنطقة،انفصلت دول وسط آسيا عن الاتحاد السوفيتى وتكون مايسمى الكومنولث الروسىعلى غرار الكومنولث البريطانى الذى يتسم بالمرونة وننتيجة لذلك ظهرت قومياتجديدة، لعلها كانت موجودة أثناء الحكم السوفيتى فى شكل خجل واحيانا شبهسرى ولكنها ظهرت الآن بعنف جديد وتأكيد لهوياتها التى كانت اندثرت تقريباتحت الحكم السوفيتي.
السؤال الآن ماهو دور العرب تجاه هذه التوازناتالجيواستراتيجية الجديدة؟ إن الأوضاع الحالية يعيد إلى الأذهان فترة ماأسماها مالكولم كر Malcolm Kerr الحرب الباردة العربية. وكلمة توازنات تعنىوجود أكثر من جيواستراتيجية وفعلا نجد أمامنا العولمة والتى بدأت باتفاقيةالجات ثم منظمة التجارة العالمية WTOوالتى أصبحت الآن موازية لكلمة «الأمركة» ونحن حين نتحدث عن العولمة كمفهوم أو مبدأ جديد ننسى أو نتناسىالتاريخ، وإذا راجعنا التاريخ لوجدنا نموذجين واضحينللعولمة وان كانتتختلف عن نوعية عولمة اليوم؛ هى العولمة الروحية أو العقائدية، هى نشرالمسيحية فى العالم ثم نشر الإسلام.
ولعل انتشار الإسلام فى العالم هونموذج واضح لنجاح فكرة العولمة ونلاحظ ذلك النجاح فى دول آسيا أكثر منغيرها من الدول فهذه الدول ـ الباكستان وأفغانستان وماليزيا واندونيسيا ـتعد دليلا واضحا على نجاح العولمة الإسلامية بلنجد دلائل هذا النجاح فىدول مثل الهند واليابان وتايلاند وحتى الصين حيث توجد تجمعات إسلاميةكبيرة، بعضها مع الأسف أخذ طابع التطرف الذى ظهر بعد أحداث 11 سبتمبر فىأمريكا. وتأتى بعد العولمة الشرق أوسطية ومن أهم الكتب التى عالجت هذاالموضوع «مصر والدائرة المتوسطية ـ الواقع والمستقبل حتى عام 2020» بقلم د. سمعان بطرس فرج الله. وبرغم أن الكتاب يركز على مصر إلا أنه يعالج الفكرة،ليس فقط حين طرحت حديثا بل يرجع إلى قيام عصبة الأمم عام 1919 حين ثارالجدل حول العالمية UNIVERSALISM والإقليمية REGIONALISM والواقع أن الشرقأوسطية هى نوع منالاقليمية التى لم تستطعالأمم المتحدة أن تصل إلىتعريف لها. ومن المعروف أنه فى عام 1945 طرح وفد مصر على مؤتمر سانفرانسيسكو الذى أقر ميثاق الأمم المتحدة تعريفا للمنظمات الاقليمية جاء فيهأنها الهيئات الدائمة التى تضم فى منطقة جغرافية معينة، عددا من الدولتجمع فيما بينها روابط الجوار والمصالح المشتركة والتقارب الثقافىوالتاريخى والروحى وتتعاون جميعا على تسوية ماقد ينشأ بينها من منازعاتتسوية سلمية وعلى حفظ السلام والأمن فى منطقتها وحماية مصالحها وتنميةعلاقاتها الاقتصادية والثقافية.
وكانت جامعة الدول العربية من أولالتجمعات الاقليمية وان كانت من أقل هذه التجمعات تأثيرا. وفكرة التجمعالاقليمى تعكس أولا نوعا من التضامن بين أعضائه ثم التعاون مع الدول التىترتبط به، ولكن أحيانا مايؤدى الجوار الجغرافى إلى مشاكل بدلا من التضامنولدينا غزو العراق للكويتوالحرب بين رواندا وبوروندى وبين الهندوالباكستان وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والمغرب وموريتانيا هذا يعنىأن الجوار ليس دائما حافزا على قيام تجمع بشري، وأكثر من ذلك نجد أن وجودلغة مشتركة وديانة مشتركة ليس ضمانا لنجاح التجمعات ومرة أخرى لدينا نموذجالجامعةالعربية، لغة مشتركة وديانة مشتركة، ولا أقول ثقافة مشتركة، وبرغمذلك لم تستطع الدول العربية أن تحقق الوحدة التى قامت من أجلها.
وأودهنا أن أشير إلى وحدتين، كنموذجين للجيواستراتيجيات الجديدة، الوحدةالأوروبية والوحدة الإفريقية. لقد استطاعت دول أوروبا أن تتوحد برغم اختلافاللغات والثقافات وبرغم الحروب التى دارت بين أعضائها وان كان لى أصف هذهالوحدة فإنى أقول أنها وحدة الأغنياء وهى أولا وقبل كل شئ وحدة اقتصاديةصناعية بدأت فى أول الأمر كنوع من التجمع الأمنى فى مواجهة الاتحادالسوفيتى وبعد انهياره أخذت المعترج الاقتصادى.
وقد رحبت دول العالمالثالث بتحقيق الوحدة الأوروبية على أمل أن تستطيع هذه الوحدة الجديدة أنتوجد نوعا من التوازن أمام الهيمنة الأمريكية. وقد اتخذت أوروبا بعضالمواقف المخجلة ضد السيطرة الأمريكية، سواء كموقف موحد أو موقف فردى مثلموقف فرنسا من اتفاقية الجات وتعميمها على الاستثناء الثقافي، ولكن ظهر ضعفأوروبا حين اتخذ البرلمان الأوروبى قرارا بمقاطعة إسرائيل ووقفالمعوناتلها، ثم رفض القرار بعد ذلك.
بقلم: مرسى سعد الدين
أذكرأنه حين تفضل السيد على الشاوش الأمين العام لحزب التجمع الدستورىالديمقراطى للمشاركة فى ندوة موضوعها «التوازنات الجيواستراتيجية الجديدةفى عالم اليوم» قبلت بكل سرور، ليس فقط لأهمية الموضوع ولكن لحبى لتونسباعتبارها واحدة من الدول العربية، بل فى العالمالثالث، القليلة التىتبنت الحداثة والديمقراطية والعلمانية.
طلب منى أن أكتب عن «من أجلمشاركة فاعلة للبلدان النامية فى التوازنات الجيواستراتيجية الجديدة» ورجعتإلى قواميس الإنجليزية والفرنسية والألمانية لأعرف ماهو مفهومالجيواستراتيجية ولكنى لم أجدها فيها، وحدت معنى جيدا وهو الأرض وطبعامفهوم الاستراتيجية معروف ومن ثم عرفت أنه برغم التعبير الجديد الذى يتماشىمع اتجاه تحويل كل مفهوم إلى علوم وتكنولوجيا، فهو سياسة أو استراتيجيةقديمة قدم البشرية. لن أعود كثيرا إلى الماضي، ولكن الم يكن الاسكندرالأكبر له استراتيجية. إنه لم يكن مجرد قائد عسكري، مثل قادة الفرس أوالتتار يسعى إلى غزو أراض، بل كان سياسيا حكيما، برغم صغر سنه، يسعى إلىخلق نظام سياسى عالمي، وحين جاء الاغريقيون بعد الاسكندر إلى الإسكندريةوأقاموا حكمهم وجعلوا من مصر مركزا للثقافة والسياسة والتجارة، ألم يكن ذلكايضا نوعا من الجيواستراتيجية.
ولكن دعونا من الماضى السحيق ولننتقلإلى القرن العشرين وإلى سقوط الامبراطورية العثمانية، لقد كان ذلك الأفولهو الخطوة الأولى تجاه مايمكن إن نسميه رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، لقدتقسمت الامبراطورية وظهرت دول ودويلات مختلفة، بعضها مع الأسف بالتعاون معالاستعمار البريطاني، المهم أنه حدث مانسميه اليوم «إعادة رسم خريطة الشرقالأوسط»، كما يحلو للبعض تسميته قد تم بعد الحرب العالمية الأولى كجزء منالجيواستراتيجية ذلك العصر.
وهناك مثل إنجليزى يقول «إذا لم تستطع أنتحاربهم انضم لهم» وهذا هو ماينطبق على دول العالم الثالث وفاعليتها فىالتوازنات الجيواستراتيجية الجديدة، والسؤال الأول الذى يتبادر إلى الذهنهو ماهى تلك التوازنات. هل هى العولمة. هل هى الشرق أوسطية. هل هىالشراكة؟. وقبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن أقول أننى سأركز على مشاركةالدول العربية فى التوازنات الجيوستراتيجية الجديدة، ويمكن النظر إلى هذهالمشاركة على مستويين، المستوى العربى الجمعى، أى موقف جامعة الدولالعربية، والمستوى الفردي على المستوى العربى الجمعى لا أعتقد أن هناكخطة أو استراتيجية موحدة تجاه مايحدث فى العالم وأمامنا مثال الموقف تجاهالقضية الفلسطينية ولست فى حاجة هنا إلى الافاضة فى شرح التناقضاتوالخلافات بين الدول العربية تجاه المشكلة. وطبعا هناك مشكلة العراق. لقدكانت الوحدة العربية أساس الجيواستراتيجية العربية فى الأربعينيات حينتكونت جامعة الدول العربية والغريب أنه على الرغم من أن اهتمام مصر بالوحدةالعربية جاء متأخرا إلا أن العرب اختاروا القاهرة مقرا للجامعة، وقد يكونسبب تأخر مصر فى تلقف فكرة الوحدة العربية يرجع إلى أنها تبنت بايعازوتشجيع من بريطانيا كحركة معادية للامبراطورية العثمانية وقد دفع احتلالبريطانيا لمصر إلى اتخاذها هذا الموقف الحرج بل المتشكك فى فكرة الوحدة. هذا على المستوى العربى الجمعى، اما على المستوى الفردى فإننا نرى بعضالدول العربية وقد انضمت إلى اتفاقيات شراكة وتعاونمع الدول الأوروبيةوسوقها المشتركة، بينما انضمت أخرى إلى الفرانكوفونية أو مجموعة الـ77 وهذايعنى أن مصالح الدول الفردية لها دائما الغلبة على المصالح العربيةالجمعية، ويبدو هذا واضحا فى التجمعات الاقليمية فى داخل العالم العربى،سواء بين دول الخليج أو من دول شمال إفريقيا ومن الطبيعى أن تقوم هذهالتجمعات الاقليمية برعاية وتقوية مصالح أعضائها وأنى أعتقد أن هذا الاتجاهالفردى أو الاقليمى هو الذى سيطفو على السطح تجاه التوازنات الاستراتيجيةالجديدة.
ومما لاشك فيه أن ثمة توازنات جيواستراتيجية جديدة ظهرت بعدانهيار الاتحاد السوفيتي، وحينئذ فعلا تمت إعادة رسم جغرافية المنطقة،انفصلت دول وسط آسيا عن الاتحاد السوفيتى وتكون مايسمى الكومنولث الروسىعلى غرار الكومنولث البريطانى الذى يتسم بالمرونة وننتيجة لذلك ظهرت قومياتجديدة، لعلها كانت موجودة أثناء الحكم السوفيتى فى شكل خجل واحيانا شبهسرى ولكنها ظهرت الآن بعنف جديد وتأكيد لهوياتها التى كانت اندثرت تقريباتحت الحكم السوفيتي.
السؤال الآن ماهو دور العرب تجاه هذه التوازناتالجيواستراتيجية الجديدة؟ إن الأوضاع الحالية يعيد إلى الأذهان فترة ماأسماها مالكولم كر Malcolm Kerr الحرب الباردة العربية. وكلمة توازنات تعنىوجود أكثر من جيواستراتيجية وفعلا نجد أمامنا العولمة والتى بدأت باتفاقيةالجات ثم منظمة التجارة العالمية WTOوالتى أصبحت الآن موازية لكلمة «الأمركة» ونحن حين نتحدث عن العولمة كمفهوم أو مبدأ جديد ننسى أو نتناسىالتاريخ، وإذا راجعنا التاريخ لوجدنا نموذجين واضحينللعولمة وان كانتتختلف عن نوعية عولمة اليوم؛ هى العولمة الروحية أو العقائدية، هى نشرالمسيحية فى العالم ثم نشر الإسلام.
ولعل انتشار الإسلام فى العالم هونموذج واضح لنجاح فكرة العولمة ونلاحظ ذلك النجاح فى دول آسيا أكثر منغيرها من الدول فهذه الدول ـ الباكستان وأفغانستان وماليزيا واندونيسيا ـتعد دليلا واضحا على نجاح العولمة الإسلامية بلنجد دلائل هذا النجاح فىدول مثل الهند واليابان وتايلاند وحتى الصين حيث توجد تجمعات إسلاميةكبيرة، بعضها مع الأسف أخذ طابع التطرف الذى ظهر بعد أحداث 11 سبتمبر فىأمريكا. وتأتى بعد العولمة الشرق أوسطية ومن أهم الكتب التى عالجت هذاالموضوع «مصر والدائرة المتوسطية ـ الواقع والمستقبل حتى عام 2020» بقلم د. سمعان بطرس فرج الله. وبرغم أن الكتاب يركز على مصر إلا أنه يعالج الفكرة،ليس فقط حين طرحت حديثا بل يرجع إلى قيام عصبة الأمم عام 1919 حين ثارالجدل حول العالمية UNIVERSALISM والإقليمية REGIONALISM والواقع أن الشرقأوسطية هى نوع منالاقليمية التى لم تستطعالأمم المتحدة أن تصل إلىتعريف لها. ومن المعروف أنه فى عام 1945 طرح وفد مصر على مؤتمر سانفرانسيسكو الذى أقر ميثاق الأمم المتحدة تعريفا للمنظمات الاقليمية جاء فيهأنها الهيئات الدائمة التى تضم فى منطقة جغرافية معينة، عددا من الدولتجمع فيما بينها روابط الجوار والمصالح المشتركة والتقارب الثقافىوالتاريخى والروحى وتتعاون جميعا على تسوية ماقد ينشأ بينها من منازعاتتسوية سلمية وعلى حفظ السلام والأمن فى منطقتها وحماية مصالحها وتنميةعلاقاتها الاقتصادية والثقافية.
وكانت جامعة الدول العربية من أولالتجمعات الاقليمية وان كانت من أقل هذه التجمعات تأثيرا. وفكرة التجمعالاقليمى تعكس أولا نوعا من التضامن بين أعضائه ثم التعاون مع الدول التىترتبط به، ولكن أحيانا مايؤدى الجوار الجغرافى إلى مشاكل بدلا من التضامنولدينا غزو العراق للكويتوالحرب بين رواندا وبوروندى وبين الهندوالباكستان وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والمغرب وموريتانيا هذا يعنىأن الجوار ليس دائما حافزا على قيام تجمع بشري، وأكثر من ذلك نجد أن وجودلغة مشتركة وديانة مشتركة ليس ضمانا لنجاح التجمعات ومرة أخرى لدينا نموذجالجامعةالعربية، لغة مشتركة وديانة مشتركة، ولا أقول ثقافة مشتركة، وبرغمذلك لم تستطع الدول العربية أن تحقق الوحدة التى قامت من أجلها.
وأودهنا أن أشير إلى وحدتين، كنموذجين للجيواستراتيجيات الجديدة، الوحدةالأوروبية والوحدة الإفريقية. لقد استطاعت دول أوروبا أن تتوحد برغم اختلافاللغات والثقافات وبرغم الحروب التى دارت بين أعضائها وان كان لى أصف هذهالوحدة فإنى أقول أنها وحدة الأغنياء وهى أولا وقبل كل شئ وحدة اقتصاديةصناعية بدأت فى أول الأمر كنوع من التجمع الأمنى فى مواجهة الاتحادالسوفيتى وبعد انهياره أخذت المعترج الاقتصادى.
وقد رحبت دول العالمالثالث بتحقيق الوحدة الأوروبية على أمل أن تستطيع هذه الوحدة الجديدة أنتوجد نوعا من التوازن أمام الهيمنة الأمريكية. وقد اتخذت أوروبا بعضالمواقف المخجلة ضد السيطرة الأمريكية، سواء كموقف موحد أو موقف فردى مثلموقف فرنسا من اتفاقية الجات وتعميمها على الاستثناء الثقافي، ولكن ظهر ضعفأوروبا حين اتخذ البرلمان الأوروبى قرارا بمقاطعة إسرائيل ووقفالمعوناتلها، ثم رفض القرار بعد ذلك.