السياسه في الاسلام
مرسل: الاثنين مايو 07, 2012 6:20 pm
السياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وتكون من قبل الدولة والأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة.
هذا هو تعريف السياسة، وهو وصف لواقع السياسة من حيث هي، وهو معناها اللغوي في مادة ساس يسوس سياسة بمعنى رعى شؤونه، قال في المحيط "وسست الرعية سياسة أمرتها ونهيتها" وهذا هو رعاية شؤونها بالأوامر والنواهي، وأيضا فإن الأحاديث الواردة في عمل الحاكم، والواردة في محاسبة الحكام، والواردة في الاهتمام بمصالح المسلمين يستنبط من مجموعها هذا التعريف، فقد روى مسلم عن أبي حازم قال : قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وأنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» رواه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : «ما من عبد يسترعيه الله رعية لم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة» رواه مسلم، وقوله عليه السلام : «ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة»رواه البخاري ، وقوله صلى الله عليه وسلم : «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ ومن أنكر فقد سلم إلا من رضي وتابع» رواه مسلم والترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم : «من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم» رواه الحاكم، وعن جرير بن عبد الله قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم» متفق عليه، فهذه الأحاديث كلها سواء ما يتعلق بالحاكم في تولية الحكم، أو ما يتعلق بالأمة التي تحاسب الحاكم، أو ما يتعلق بالمسلمين بعضهم مع بعض من الاهتمام بمصالحهم والنصح لهم، كلها يستنبط منها تعريف السياسة بأنها رعاية شؤون الأمة فيكون تعريف السياسة المتقدم تعريفاً شرعيا مستنبطاً من الأدلة الشرعية.
ومنذ أن هدمت الخلافة وطبقت أنظمة الكفر السياسية في البلاد الإسلامية، انتهى الإسلام من كونه سياسياً، وحل محله الفكر السياسي الغربي المنبثق عن عقيدة المبدأ الرأسمالي، عقيدة فصل الدين عن الحياة. ومما يجب أن تدركه الأمة الإسلامية، أن رعاية شؤونها بالإسلام لا تكون إلاّ بدولة الخلافة، وأن فصل الإسلام السياسي عن الحياة وعن الدين، هو وأد للإسلام وأنظمته وأحكامه، وسحق للأمة وقيمها وحضارتها ورسالتها.
والدول الرأسمالية تتبنى عقيدة فصل الدين عن الحياة وعن السياسية، وتعمل على نشرها وتطبيق أحكامها على الأمة الإسلامية، وتعمل على تضليل الأمة وتصور لها بأن السياسة والدين لا يجتمعان، وأن السياسة إنما تعني الواقعية والرضى بالأمر الواقع مع استحالة تغييره، حتى تبقى الأمة رازحة تحت نير دول الكفر، دول الظلم والطغيان، وحتى لا تترسم الأمة بحال سبيلاً للنهضة. بالإضافة إلى تنفير المسلمين من الحركات الإسلامية السياسية، ومن الاشتغال بالسياسة. لأن دول الكفر تعلم أنه لا يمكن ضرب أفكارها وأحكامها السياسية إلاّ بعمل سياسي، والاشتغال بالسياسة على أساس الإسلام. ويصل تنفير الأمة الإسلامية من السياسة والسياسيين إلى حد تصوير السياسة أنها تتناقض مع سمو الإسلام وروحانيته. ولذلك كان لا بد من أن تدرك الأمة السر وراء محاربة الدول الكافرة، والحكام العملاء للحركات الإسلامية وهي تعمل لإنهاض المسلمين بإقامة دولة الخلافة وتضرب أفكار الكفر، وتعيد مجد الإسلام.
وعليه لا بد من أن تعي الأمة الإسلامية معنى السياسة لغة وشرعاً، وأن الإسلام السياسي لا يوجد إلاّ بدولة الخلافة، والتي بدونها يغيض الإسلام من كونه سياسياً، ولا يعتبر حياً إلاّ بهذه الدولة، باعتبارها كياناً سياسياً تنفيذياً لتطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، وهي الطريقة الشرعية التي تنفذ بها أحكام الإسلام وأنظمته في الحياة العامة، وأن الله قد أوجب على الأمة تطبيق هذه الأحكام، وحرم الاحتكام لأنظمة الكفر، لمخالفتها للإسلام ولأنها من وضع البشر.
ولذلك كان لا بد من أن تثقف الأمة الثقافة الإسلامية، ودوام سقيها بالأفكار والأحكام السياسية، وبيان انبثاق هذه الأفكار وهذه الأحكام عن العقيدة الإسلامية باعتبارها فكرة سياسية، والتركيز على ذلك من الناحية الروحية التي فيها، باعتبار أنها أوامر ونواه من الله لا بأي وصف آخر. وهذا الوصف هو الذي يكفل تمكن أفكار وأحكام الإسلام في النفوس، ويكشف للأمة معنى السياسة والفكر السياسي، ويجعلها تدرك المسؤولية الملقاة على عاتقها لإيجاد أفكار الإسلام وأحكامه في حياتها العملية، وأهمية الرسالة العالمية التي أوجب الله حملها للناس كافة، خاصة وهي ترى مدى ما وصل إليه حالها في هذا العصر لغياب دولة الإسلام وأفكار وأحكام الإسلام من حياتها، ومدى ما وصل إليه العالم من شرٍ وشقاء واستعباد للناس. وهذا التثقيف السياسي، سواء أكان تثقيفاً بأفكار الإسلام وأحكامه، أم كان تتبعاً للأحداث السياسية فإنه يوجد الوعي السياسي، ويجعل الأمة تضطلع بمهمتها الأساسية، ووظيفتها الأصلية ألا وهي حمل الدعوة الإسلامية إلى الشعوب والأمم الأخرى.
الاشتغال بالسياسة فرض على المسلمين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم يا رسول الله؟ قال: لا ما صلوا» وقال: «أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر، أو أمير جائر» وقال: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» وعن عبادة بن الصامت قال: «دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان» . وقال تعالى: ]ألم. غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون[ .
فهذه الأحاديث والآية الكريمة دليل على أن الاشتغال بالسياسة فرض. وذلك أن السياسية في اللغة هي رعاية الشؤون. والاهتمام بالمسلمين إنما هو الاهتمام بشؤونهم، والاهتمام بشؤونهم يعني رعايتها، ومعرفة ما يسوس به الحاكم الناس. والإنكار على الحاكم هو اشتغال بالسياسة، واهتمام بأمر المسلمين، وأمر الإمام الجائز ونهيه هو اهتمام بأمر المسلمين ورعاية شؤونهم، ومنازعة وليّ الأمر إنما هو اهتمام بأمر المسلمين ورعاية شؤونهم.
فالأحاديث كلها تدل على الطلب الجازم، أي على أن الله طلب من المسلمين طلباً جازماً بأن يهتموا بالمسلمين، أي أن يشتغلوا بالسياسة. ومن هنا كان الاشتغال بالسياسة فرضاً على المسلمين.
والاشتغال بالسياسة، أي الاهتمام بأمر المسلمين إنما هو دفع الأذى عنهم من الحاكم، ودفع الأذى عنهم من العدو. لذلك لم تقتصر الأحاديث على دفع الأذى عنهم من الحاكم، بل شملت الاثنين. والحديث المروي عن جرير بن عبد الله أنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أبايعك على الإسلام، فشرط عليّ النصح لكل مسلم» جاء فيه لفظ النصح عاماً فيدخل فيه النصح له بدفع أذى الحاكم عنه، والنصح له بدفع أذى العدو عنه.
وهذا يعني الاشتغال بالسياسة الداخلية في معرفة ما عليه الحكام من سياسة الرعية من أجل محاسبتهم على أعمالهم، ويعني أيضاً الاشتغال بالسياسة الخارجية في معرفة ما تبيته الدول الكافرة من مكائد للمسلمين لكشفها لهم، والعمل على اتقائها، ودفع أذاها. فيكون الفرض ليس الاشتغال بالسياسة الداخلية فحسب، بل هو أيضاً الاشتغال بالسياسة الخارجية، إذ الفرض هو الاشتغال بالسياسة مطلقاً، سواء أكانت سياسة داخلية أم خارجية. على أن آية ]ألم. غلبت الروم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون[ تدل دلالة واضحة على مدى اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام بالسياسة الخارجية، وتتبعهم للأخبار العالمية. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب فقال: بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين وهم بمكة قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فيقولون: الروم يشهدون أنهم أهل كتاب، وقد غلبهم المجوس، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبوننا بالكتاب الذي أنزل على نبيكم فيكف غلب المجوس الروم؟ وهم أهل كتاب، فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم: فأنزل الله ]ألم. غلبت الروم[ وهذا يدل على أن المسلمين في مكة حتى قبل إقامة الدولة الإسلامية كانوا يجادلون الكفار في أخبار الدول، وأنباء العلاقات الدولية. ويروى أن أبا بكر راهن المشركين على أن الروم سيغلبون، وأخبر الرسول بذلك فأقره الرسول على هذا، وطلب منه أن يمدد الأجل، وهو شريكه في الرهان. مما يدل على أن العلم بحال دول العصر، وما بينها من علاقات أمر قد فعله المسلمون، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم .
وإذا أضيف إلى ذلك أن الأمة تحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، ولا يتيسر لها حمل الدعوة إلى العالم إلاّ إذا كانت عارفة لسياسية حكومات الدول الأخرى، وهذا معناه أن معرفة سياسة العالم بشكل عام، وسياسة كل دولة تريد حمل الدعوة إلى شعبها، أو رد كيدها عنا، فرض كفاية على المسلمين، لأن حمل الدعوة فرض، ودفع كيد الأعداء عن الأمة فرض، وهذا لا يمكن الوصول إليه إلاّ بمعرفة سياسة العالم، وسياسة الدول التي نعنى بعلاقاتها لدعوة شعبها، أو رد كيدها. والقاعدة الشرعية تقول: (ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب) لذلك كان الاشتغال بالسياسة الدولية فرض كفاية على المسلمين.
ولما كانت الأمة الإسلامية مكلفة شرعاً بحمل الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة كان فرضاً على المسلمين أن يتصلوا بالعالم اتصالاً واعياً لأحواله، مدركاً لمشاكله، عالماً بدوافع دوله وشعوبه، متتبعاً الأعمال السياسية التي تجري في العالم، ملاحظاً الخطط السياسية للدول في أساليب تنفيذها، وفي كيفية علاقة بعضها ببعض، وفي المناورات السياسية التي تقوم بها هذه الدول.
على أن أعمال الحكام مع الدول الأخرى هو من السياسة الخارجية، فتدخل كذلك في محاسبة الحاكم على أعماله مع الدول الأخرى. وقاعدة (ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب) تدل على أن الاطلاع على أعمال الدولة، وما تقوم به من رعاية شؤون الأمة في الحكم، وفي العلاقات الخارجية أمر واجب، لأنه لا يمكن أن يتمكّن من الاشتغال بالسياسة الداخلية والخارجية، أي محاسبة الحكام على أعمالهم الداخلية والخارجية إلاّ بمعرفة ما يقومون به من أعمال، لأنه إذا لم تعرف هذه الأعمال على حقيقتها لا يمكن محاسبتهم عليها، أي لا يمكن الاشتغال بالسياسة.
ومن هذا كله يتبين أن الاشتغال بالسياسة سواء السياسة الداخلية أو السياسية الخارجية فرض كفاية على المسلمين جميعاً إن لم يقوموا به أثموا.
هذا هو تعريف السياسة، وهو وصف لواقع السياسة من حيث هي، وهو معناها اللغوي في مادة ساس يسوس سياسة بمعنى رعى شؤونه، قال في المحيط "وسست الرعية سياسة أمرتها ونهيتها" وهذا هو رعاية شؤونها بالأوامر والنواهي، وأيضا فإن الأحاديث الواردة في عمل الحاكم، والواردة في محاسبة الحكام، والواردة في الاهتمام بمصالح المسلمين يستنبط من مجموعها هذا التعريف، فقد روى مسلم عن أبي حازم قال : قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وأنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» رواه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : «ما من عبد يسترعيه الله رعية لم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة» رواه مسلم، وقوله عليه السلام : «ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة»رواه البخاري ، وقوله صلى الله عليه وسلم : «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ ومن أنكر فقد سلم إلا من رضي وتابع» رواه مسلم والترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم : «من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم» رواه الحاكم، وعن جرير بن عبد الله قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم» متفق عليه، فهذه الأحاديث كلها سواء ما يتعلق بالحاكم في تولية الحكم، أو ما يتعلق بالأمة التي تحاسب الحاكم، أو ما يتعلق بالمسلمين بعضهم مع بعض من الاهتمام بمصالحهم والنصح لهم، كلها يستنبط منها تعريف السياسة بأنها رعاية شؤون الأمة فيكون تعريف السياسة المتقدم تعريفاً شرعيا مستنبطاً من الأدلة الشرعية.
ومنذ أن هدمت الخلافة وطبقت أنظمة الكفر السياسية في البلاد الإسلامية، انتهى الإسلام من كونه سياسياً، وحل محله الفكر السياسي الغربي المنبثق عن عقيدة المبدأ الرأسمالي، عقيدة فصل الدين عن الحياة. ومما يجب أن تدركه الأمة الإسلامية، أن رعاية شؤونها بالإسلام لا تكون إلاّ بدولة الخلافة، وأن فصل الإسلام السياسي عن الحياة وعن الدين، هو وأد للإسلام وأنظمته وأحكامه، وسحق للأمة وقيمها وحضارتها ورسالتها.
والدول الرأسمالية تتبنى عقيدة فصل الدين عن الحياة وعن السياسية، وتعمل على نشرها وتطبيق أحكامها على الأمة الإسلامية، وتعمل على تضليل الأمة وتصور لها بأن السياسة والدين لا يجتمعان، وأن السياسة إنما تعني الواقعية والرضى بالأمر الواقع مع استحالة تغييره، حتى تبقى الأمة رازحة تحت نير دول الكفر، دول الظلم والطغيان، وحتى لا تترسم الأمة بحال سبيلاً للنهضة. بالإضافة إلى تنفير المسلمين من الحركات الإسلامية السياسية، ومن الاشتغال بالسياسة. لأن دول الكفر تعلم أنه لا يمكن ضرب أفكارها وأحكامها السياسية إلاّ بعمل سياسي، والاشتغال بالسياسة على أساس الإسلام. ويصل تنفير الأمة الإسلامية من السياسة والسياسيين إلى حد تصوير السياسة أنها تتناقض مع سمو الإسلام وروحانيته. ولذلك كان لا بد من أن تدرك الأمة السر وراء محاربة الدول الكافرة، والحكام العملاء للحركات الإسلامية وهي تعمل لإنهاض المسلمين بإقامة دولة الخلافة وتضرب أفكار الكفر، وتعيد مجد الإسلام.
وعليه لا بد من أن تعي الأمة الإسلامية معنى السياسة لغة وشرعاً، وأن الإسلام السياسي لا يوجد إلاّ بدولة الخلافة، والتي بدونها يغيض الإسلام من كونه سياسياً، ولا يعتبر حياً إلاّ بهذه الدولة، باعتبارها كياناً سياسياً تنفيذياً لتطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، وهي الطريقة الشرعية التي تنفذ بها أحكام الإسلام وأنظمته في الحياة العامة، وأن الله قد أوجب على الأمة تطبيق هذه الأحكام، وحرم الاحتكام لأنظمة الكفر، لمخالفتها للإسلام ولأنها من وضع البشر.
ولذلك كان لا بد من أن تثقف الأمة الثقافة الإسلامية، ودوام سقيها بالأفكار والأحكام السياسية، وبيان انبثاق هذه الأفكار وهذه الأحكام عن العقيدة الإسلامية باعتبارها فكرة سياسية، والتركيز على ذلك من الناحية الروحية التي فيها، باعتبار أنها أوامر ونواه من الله لا بأي وصف آخر. وهذا الوصف هو الذي يكفل تمكن أفكار وأحكام الإسلام في النفوس، ويكشف للأمة معنى السياسة والفكر السياسي، ويجعلها تدرك المسؤولية الملقاة على عاتقها لإيجاد أفكار الإسلام وأحكامه في حياتها العملية، وأهمية الرسالة العالمية التي أوجب الله حملها للناس كافة، خاصة وهي ترى مدى ما وصل إليه حالها في هذا العصر لغياب دولة الإسلام وأفكار وأحكام الإسلام من حياتها، ومدى ما وصل إليه العالم من شرٍ وشقاء واستعباد للناس. وهذا التثقيف السياسي، سواء أكان تثقيفاً بأفكار الإسلام وأحكامه، أم كان تتبعاً للأحداث السياسية فإنه يوجد الوعي السياسي، ويجعل الأمة تضطلع بمهمتها الأساسية، ووظيفتها الأصلية ألا وهي حمل الدعوة الإسلامية إلى الشعوب والأمم الأخرى.
الاشتغال بالسياسة فرض على المسلمين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم يا رسول الله؟ قال: لا ما صلوا» وقال: «أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر، أو أمير جائر» وقال: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» وعن عبادة بن الصامت قال: «دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان» . وقال تعالى: ]ألم. غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون[ .
فهذه الأحاديث والآية الكريمة دليل على أن الاشتغال بالسياسة فرض. وذلك أن السياسية في اللغة هي رعاية الشؤون. والاهتمام بالمسلمين إنما هو الاهتمام بشؤونهم، والاهتمام بشؤونهم يعني رعايتها، ومعرفة ما يسوس به الحاكم الناس. والإنكار على الحاكم هو اشتغال بالسياسة، واهتمام بأمر المسلمين، وأمر الإمام الجائز ونهيه هو اهتمام بأمر المسلمين ورعاية شؤونهم، ومنازعة وليّ الأمر إنما هو اهتمام بأمر المسلمين ورعاية شؤونهم.
فالأحاديث كلها تدل على الطلب الجازم، أي على أن الله طلب من المسلمين طلباً جازماً بأن يهتموا بالمسلمين، أي أن يشتغلوا بالسياسة. ومن هنا كان الاشتغال بالسياسة فرضاً على المسلمين.
والاشتغال بالسياسة، أي الاهتمام بأمر المسلمين إنما هو دفع الأذى عنهم من الحاكم، ودفع الأذى عنهم من العدو. لذلك لم تقتصر الأحاديث على دفع الأذى عنهم من الحاكم، بل شملت الاثنين. والحديث المروي عن جرير بن عبد الله أنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أبايعك على الإسلام، فشرط عليّ النصح لكل مسلم» جاء فيه لفظ النصح عاماً فيدخل فيه النصح له بدفع أذى الحاكم عنه، والنصح له بدفع أذى العدو عنه.
وهذا يعني الاشتغال بالسياسة الداخلية في معرفة ما عليه الحكام من سياسة الرعية من أجل محاسبتهم على أعمالهم، ويعني أيضاً الاشتغال بالسياسة الخارجية في معرفة ما تبيته الدول الكافرة من مكائد للمسلمين لكشفها لهم، والعمل على اتقائها، ودفع أذاها. فيكون الفرض ليس الاشتغال بالسياسة الداخلية فحسب، بل هو أيضاً الاشتغال بالسياسة الخارجية، إذ الفرض هو الاشتغال بالسياسة مطلقاً، سواء أكانت سياسة داخلية أم خارجية. على أن آية ]ألم. غلبت الروم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون[ تدل دلالة واضحة على مدى اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام بالسياسة الخارجية، وتتبعهم للأخبار العالمية. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب فقال: بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين وهم بمكة قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فيقولون: الروم يشهدون أنهم أهل كتاب، وقد غلبهم المجوس، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبوننا بالكتاب الذي أنزل على نبيكم فيكف غلب المجوس الروم؟ وهم أهل كتاب، فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم: فأنزل الله ]ألم. غلبت الروم[ وهذا يدل على أن المسلمين في مكة حتى قبل إقامة الدولة الإسلامية كانوا يجادلون الكفار في أخبار الدول، وأنباء العلاقات الدولية. ويروى أن أبا بكر راهن المشركين على أن الروم سيغلبون، وأخبر الرسول بذلك فأقره الرسول على هذا، وطلب منه أن يمدد الأجل، وهو شريكه في الرهان. مما يدل على أن العلم بحال دول العصر، وما بينها من علاقات أمر قد فعله المسلمون، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم .
وإذا أضيف إلى ذلك أن الأمة تحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، ولا يتيسر لها حمل الدعوة إلى العالم إلاّ إذا كانت عارفة لسياسية حكومات الدول الأخرى، وهذا معناه أن معرفة سياسة العالم بشكل عام، وسياسة كل دولة تريد حمل الدعوة إلى شعبها، أو رد كيدها عنا، فرض كفاية على المسلمين، لأن حمل الدعوة فرض، ودفع كيد الأعداء عن الأمة فرض، وهذا لا يمكن الوصول إليه إلاّ بمعرفة سياسة العالم، وسياسة الدول التي نعنى بعلاقاتها لدعوة شعبها، أو رد كيدها. والقاعدة الشرعية تقول: (ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب) لذلك كان الاشتغال بالسياسة الدولية فرض كفاية على المسلمين.
ولما كانت الأمة الإسلامية مكلفة شرعاً بحمل الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة كان فرضاً على المسلمين أن يتصلوا بالعالم اتصالاً واعياً لأحواله، مدركاً لمشاكله، عالماً بدوافع دوله وشعوبه، متتبعاً الأعمال السياسية التي تجري في العالم، ملاحظاً الخطط السياسية للدول في أساليب تنفيذها، وفي كيفية علاقة بعضها ببعض، وفي المناورات السياسية التي تقوم بها هذه الدول.
على أن أعمال الحكام مع الدول الأخرى هو من السياسة الخارجية، فتدخل كذلك في محاسبة الحاكم على أعماله مع الدول الأخرى. وقاعدة (ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب) تدل على أن الاطلاع على أعمال الدولة، وما تقوم به من رعاية شؤون الأمة في الحكم، وفي العلاقات الخارجية أمر واجب، لأنه لا يمكن أن يتمكّن من الاشتغال بالسياسة الداخلية والخارجية، أي محاسبة الحكام على أعمالهم الداخلية والخارجية إلاّ بمعرفة ما يقومون به من أعمال، لأنه إذا لم تعرف هذه الأعمال على حقيقتها لا يمكن محاسبتهم عليها، أي لا يمكن الاشتغال بالسياسة.
ومن هذا كله يتبين أن الاشتغال بالسياسة سواء السياسة الداخلية أو السياسية الخارجية فرض كفاية على المسلمين جميعاً إن لم يقوموا به أثموا.