صفحة 1 من 1

إيران الثورة والنفط.. 14 مليون فقير و معدم!

مرسل: الاثنين مايو 07, 2012 9:29 pm
بواسطة محمد ملفي0
لعل الصرخة التي أطلقها أخيرا، ذلك الرجل الإيراني المتقاعد في وجه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال زيارة الأخير لمدينة بندر عباس (جنوب إيران) خير دليل على ذلك. لقد أخذ ينادي ذلك الرجل المسن أحمدي نجاد قائلاً “إنني رجل متقاعد وأتضور جوعاً” وأخذ يكررها غير مرة، من دون أن يلتفت إليه أحد، إلا أن كاميرات الفيديو وثّقت الحدث، وتناقلته مواقع التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء الإقليمية والعالمية. كما أظهر الفيديو ذاته فتاة إيرانية تتسلق مقدمة سيارة أحمدي نجاد، لتقدم إليه شكواها قبل أن ينقض عليها رجال الأمن، ويقوموا بإبعادها عن السيارة.

لم يكن ذلك الرجل المسن ولا تلك الفتاة التي خاطرت بحياتها، من أجل إيصال صوتها إلى الرئيس الإيراني، حالات فردية إطلاقا، فالدراسات الصادرة عن مراكز بحثية إيرانية وتصريحات المسؤولين المحليين، تؤكد ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في إيران.

عوز وفقر

أعلن مؤخراً الناشط العمّالي الإيراني فرامرز توفيقي أن 60 في المائة من العمّال الإيرانيين يعيشون ليس تحت خط الفقر فحسب، بل تحت خط البقاء على قيد الحياة، في حالة اعتمدوا فقط على الدخل السنوي للوظيفة الرسمية، الذي لا يتجاوز 390 ألف تومان (الحد الأدنى للأجور في إيران) وهو ما يعادل 217 دولارا تقريباً. هذا الدخل الوظيفي المتدني جداً، دفع بكثير من الإيرانيين إلى العمل لساعات طويلة، والبحث عن وظيفة ثانية وثالثة أو تحمل الكثير من القروض البنكية، من أجل الانتقال من خط البقاء إلى خط الفقر الشديد.

وأضاف توفيقي في تصريحه لوكالة “ايلنا” الإخبارية أنه ونتيجة لارتفاع أسعار سلة السلع الاستهلاكية لكل أسرة، فقد ارتفع مستوى خط الفقر من مليون و250 ألف تومان (الدولار الأميركي الواحد يعادل 1800 تومان) في العام المنصرم إلى مليون 400 ألف تومان للعام الجاري، بينما يقدر مستوى خط الفقر الشديد في تصنيف الأجور العمّالية للعام الحالي بـ700 ألف تومان، وعليه فإن العمّال الذين يحصلون على الحد الأدنى للأجور، يعيشون تحت خط الفقر الشديد أو ما يصنف بـمستوى “البقاء على قيد الحياة” على حد تعبيره.

وفي موضوع ذات صلة، فقد نقلت وكالة أنباء “ايلنا” الإيرانية أن أمين اتحاد العمال في إيران عليرضا محجوب، تقدم بطلب إلى وزارة الداخلية الإيرانية، للسماح للعمال بتنظيم مسيرة في اليوم العالمي للعمال، والذي يقام في الأول من شهر مايو (أيار) من كل عام، إلا أنه لم تتم الموافقة على ذلك حتى هذه اللحظة. إلا أن محجوب أعلن بأن العمال سيتظاهرون حتى لو لم تسمح لهم وزارة الداخلية، لأن النظام يسمح لهم بذلك.

من جانب آخر، صرح وزير الداخلية الإيراني لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية “ايسنا” أنه ينبغي على العمّال، التقدم للوزارة للحصول على تصريح بتنظيم المظاهرة، مضيفاً أنه لا يعلم إن كانوا قد تقدموا بذلك أو لا. وفي هذا الصدد قال الأمين التنفيذي للاتحاد العمالي في طهران، اسماعيلي حق برستي، في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء “ايلنا” يوم الأربعاء الماضي، “إن عدم صدور موافقة للعمال بالتظاهر في هذا اليوم، دليل واضح وصريح على عجز وزارة الداخلية عن ضمان سلمية المظاهرة”، وأضاف أن عدم السماح بإقامتها مخالفة صريحة للمادة 27 من القانون الأساسي في إيران، والتي تضمن للعمال التظاهر في هذه المناسبة العالمية من كل عام.


أرصفة الشوارع ملجأ من لا ملجأ له

من جانب آخر، فقد قال الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة طباطبائي في طهران، الدكتور فرشاد مومنی، في تصريح له لـموقع “فرارو” الإخباري والتحليلي “إن المجتمع الإيراني يعيش في فقر وعوز شديدين، وأن الطبقية تنخل المجتمع الإيراني بشكل كبير، مما قاد الحكومة إلى تفضيل عدم إظهار الحقائق ونشر الإحصائيات الدقيقة”.

وأضاف مومني أنه على الرغم من هذا التكتم الشديد “إلا أنه بإمكاننا الوصول إلى الإحصائيات بطرق مختلفة، وذلك من خلال معدلات العلاجية والتربية والتعليم، والتي تعد مؤشرات واقعية لمدى الفقر في إيران. فعلى سبيل المثال، هناك سبعة ملايين تلميذ قد انسحبوا من مقاعد الدراسة في السنوات الأخيرة”. ولتوضيح هذه المسألة، بيّن مومني أن عدد التلاميذ الذين بدأوا أو عادوا إلى مقاعد الدراسة للعام الدراسي الحالي (2011-2012) هو 12 مليونا و300 ألف تلميذ إيراني، إلا أن تقارير مراكز الإحصاء في البلاد، تشير أن هناك 19 مليونا و435 ألف شخص، تتراوح أعمارهم بين 7 – 19 عاماً، ومن المفترض أن يكونوا قد تلقوا تعليمهم في مراحل التعليم المختلفة. عليه، فإن أكثر من سبعة ملايين و135 ألف شخص، لم يتمكنوا من إكمال تعليمهم بسبب الأوضاع المعيشية. هذا يعني أن أكثر من 37 في المائة من التلاميذ الإيرانيين قد اجبروا على ترك تحصيلهم الدراسي لظروف معيشية بحتة.

بطالة مستشرية

على صعيد آخر، ارتفعت معدلات البطالة في إيران خلال العام الماضي. فقد صرح رئيس الجمعية العامة لأرباب العمل في إيران، محمد عطارديان، عن فقدان مليوني وظيفة في القطاعات الإنتاجية خلال عام الماضي. كما كذب عطارديان، في تصريح له لإحدى وكالات الأنباء الإيرانية، مزاعم الحكومة الإيرانية التي تحدثت عن استحداث مليوني فرصة وظيفية في البلاد، موضحاً أن الإحصائيات الأخيرة التي تحدثت عن خلق فرص عمل على مدار العام الماضي، أدت إلى نتائج عكسية، بسبب الوضع الحرج للقطاعات الإنتاجية. وعن موضوع البطالة بين الخريجين الجامعيين خلال الأعوام القليلة الماضية، قال عطارديان “تقدر نسبة البطالة بين الخريجين من الشباب بـ30 في المائة بينما بلغت نسبتها بين الفتيات 50 في المائة”.

كما انتقد عطارديان السياسة الوظيفية التي تنتهجها الحكومة الإيرانية، مؤكداً أن معدل البطالة في إيران قد تجاوز 23 في المائة خلال العام الماضي. وفي إشارة إلى تنامي أزمة تسريح العمّال من القطاعات الإنتاجية قال “نظرا للأزمة التي يمر بها هذا القطاع، فإن أرباب العمل غير قادرين على تحمل تكاليف المصانع، مما أدى إلى ارتفاع أعداد المصانع التي تعلن إفلاسها”.

مظاهرات واحتجاجات

في هذا الصدد، فقد شهدت مدن إيرانية مظاهرات واحتجاجات عمّالية عديدة، خلال الشهرين الماضيين، بسبب تسريحهم من المصانع والشركات التي يعملون بها، حيث قامت، على سبيل المثال لا الحصر، شركة شهاب لتصنيع السيارات بتسريح 655 عاملاً من دون ذكر سبب هذا الإجراء. إضافة إلى ذلك فقد نشرت وكالة أنباء “كردبا” تقريرا قبل أيام، ذكرت فيه أن عدداً من المصانع في إقليم كردستان، قامت خلال الشهرين الماضيين بتسريح أكثر من 1600عاملا، وبرر بعض هذه المصانع ذلك، بارتفاع التكلفة الإنتاجية، بينما لم تقدم مصانع أخرى، أي توضيحات حول سبب تسريح بعض عمالها بشكل مفاجئ.


يقتاتون من الفضلات

يذكر أن المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، حث في كلمته التي وجهها إلى الشعب الإيراني، بمناسبة حلول العام الإيراني الجديد، المعنيين بالشؤون الاقتصادية وأفراد الشعب الإيراني إلى التحرك باتجاه إنعاش الإنتاج الوطني “لتفادي العقوبات الغربية على إيران”، معلناً أن العام الجديد هو عام “الإنتاج الوطني، ودعم العمل والاستثمارات الإيرانية”، إلا أنه لم ينجح في إيقاف التدهور، الذي يعصف بمعظم مفاصل الاقتصاد الإيراني، وأثر سلباً على المستوى المعيشي للفرد الإيراني.

ومما يدعم هذه الفكرة، هو ما نقلته صحيفة “صنعت” الإيرانية في افتتاحيتها يوم 23 ابريل (نيسان) 2012. فقد كتب حمید تهراني مقالاً تحت عنوان “ارتفاع نسبة الفقر في عام دعم الاستثمار الإيراني”، شدد فيه على أن المواطن الإيراني يزداد فقرا يوما تلو الآخر، أمام أعين المسؤولين، “الذين من المفترض أنهم مسؤولون عن تهيئة الحياة الكريمة وسبل الراحة له، بدلا من أن يكتفوا بالمراقبة من دون تحريك ساكن”.

وأضاف سمع المواطن الإيراني الكثير من الوعود التي أطلقها ويطلقها المسؤولون بتحسين الأوضاع المعيشية، “إلا أن أنه أصبح يشكك في كل ذلك، ويتساءل عن مدى دقة الإحصاءات التي تصف الأوضاع في البلاد بالجيدة”، وتساءل عن مدى جدية تلك التصريحات قائلاً: “إن كانت تلك التقارير غير دقيقة، ولا يمكن الاعتماد عليها، فلماذا تعمل الحكومة على تظليل الشعب وتسفيهه؟”.

واستطرد تهراني “بعيدا عن العناوين البراقة التي تتحدث عن الهيبة الوطنية، وما شابه ذلك، أو الأهداف التي تدعي أن سمعة الإيرانيين في العالم في غاية الأهمية، أو يجب أن تؤخذ في الاعتبار، إلا أن المواطن الإيراني، لا يعلم لماذا يضطرون إلى التخلي عن بعض العناصر المهمة في حياتهم وموائدهم اليومية التي تزداد فقرا يوما تلو الآخر.

المواطنون لا يعلمون يقيناً إلى متى وكيف يجب عليهم الانتظار، إلى أن تعود إلى حياتهم اليومية تلك العناصر والأصناف التي تخلوا عنها قسريا”. واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول بأن الازدياد التدريجي، وأحيانا المفاجئ في معدلات الفقر بين المواطنين الإيرانيين، يحدث في السنة التي كان شعارها “دعم الاستثمارات الإيرانية”- في إشارة إلى حديث خامنئي المذكور آنفاً – ولكن إذا كانت حماية أموال الشعب، ليست على جدول أعمال الحكومة،فإنه ليس من الواضح، ماذا سيحدث لأموال الإيرانيين واستثماراتهم في قادم الأيام.

عملة متدهورة

وبما أن الحديث يتطرق للجانب المعيشي، فإننا نعلم جميعاً أن العملة الإيرانية قد فقدت خلال الأشهر القليلة الماضية الكثير من قيمتها أمام العملات الصعبة، مما أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم بشكل عام في إيران إلى قرابة 31 في المائة ، وفقا لتقرير نشر في موقع “سني نيوز” الإيراني. إضافة إلى ذلك فقد صرح لوكالة “ایلنا” الأخبارية، يوم 26 ابريل 2012، ابوالفضل فتح اللهي، عضو مجلس إدارة الجمعية العامة لجمعيات التجارة في إيران، بأنه من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة في إيران خلال العام الجاري، بما نسبته 10 في المائة.


أحياء فقيرة لا تتوفر على أبسط شروط الحياة الكريمة

إلا أنه عزا ذلك إلى النمو السكاني. إلى ذلك فقد رفع المنتجون والتجار، أسعار كثيرا من المواد الغذائية الرئيسية، وقد انعكس ذلك جلياً في التقرير الذي صدر مؤخراً عن البنك الوطني الإيراني، ونشر في عدد من الصحف الإيرانية، حيث أكد بأن الحكومة لم يعد بمقدورها السيطرة على أسعار المواد الغذائية الأساسية.

يشير التقرير إلى أن ثمن لحم الخروف، على سبيل المثال، كان في الشهر الأول من العام المنصرم حوالي 15644 تومانا للكيلو الواحد، بينما بلغ خلال الشهر الأول من العام الجاري 22739 تومانا، مما يعني ارتفاع السعر بما نسبته 45.3 في المائة، كما تحدث التقرير عن ارتفاع أسعار الدجاج بنسبة 39.1 في المائة واللحم البقري بنسبة 50 في المائة خلال الفترة ذاتها. كما أشار التقرير أيضاً إلى ارتفاع هائل في أسعار الألبان تراوحت نسبته بين 26 في المائة و59 في المائة، بينما ارتفعت أسعار الحبوب بنسبة 45 في المائة، والأرز بـ28 في المائة، والفواكه بنسبة تتجاوز 27 في المائة، بينما بلغت الارتفاعات في أسعار الخضراوات ما نسبته 146 في المائة. تجدر الإشارة إلى أن مركز الإحصاءات الإيراني قد أعلن في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن متوسط الدخل الشهري للفرد الإيراني هو 367 دولارا أميركيا (4400 دولار في العام).

تحديات اقتصادية واجتماعية

ختاماً، تواجه الحكومة الإيرانية تحديات اقتصادية واجتماعية كثيرة، فهي مطالبة بخلق فرص وظيفية تستوعب الأعداد المتزايدة من الباحثين عن العمل، سواءً كانوا من الطلاب المتخرجين حديثاً من الجامعات والمعاهد الإيرانية، أو أولئك الذين تم تسريحهم من القطاع الخاص، كما أن هناك أعدادا كبيرة من الشباب الإيراني، تسعى جاهدة إلى البحث عن فرص وظيفية خارج البلاد، من خلال الهجرة إلى الدول المجاورة أو الدول الغربية، مما يؤدي إلى تسرب الكثير من الكفاءات المحلية إلى الخارج. إضافة إلى ذلك فإنه بسبب البطالة بين هؤلاء الشباب، فقد أصبح الكثير منهم يئنون تحت وطأة المخدرات ترويجا أو استخداماً، الأمر الذي يقود إلى تحديات أمنية وصحية عديدة ومتنوعة. من جانب آخر، نجد أن المواطن الإيراني البسيط، خاصة ممن يصنف ضمن الطبقة العمّالية، لم يعد قادرا على تلبية احتياجاته الضرورية من غذاء وكساء ودواء، في ظل الارتفاع المحموم للسلع الغذائية وتدني الأجور. كل ذلك أدى إلى ارتفاع عدد الفقراء في إيران إلى قرابة 14 مليوناً، حسب ما نشر مؤخراً في موقع “كلمة” المقرب من التيار الإصلاحي في إيران.

عدد كبير من المحللين السياسيين حول العالم يتحدثون عن خطر خارجي يهدد إيران، من خلال احتمالية تنفيذ عمل عسكري إسرائيلي أو أميركي ضدها، بسبب الشكوك حول أهداف برنامج طهران النووي، ولكن، واستناداً إلى ما تقدم من عرض للمشاكل المعيشية في الداخل الإيراني، هل يمكننا القول بأن الخطر سيأتي من الداخل لا من الخارج، وسنشاهد انفجار ثورة للجياع في إيران؟!… المستقبل كفيل بالإجابة عن هذا التساؤل.

بقلم : محمد بن صقر السلمي