- الثلاثاء مايو 08, 2012 9:16 am
#51030
رحتِ يا أمي فلم يبق مني شيء.. هذا هو أول عيد أم بدونك، كنتٌ في مثل هذه الأيام اقدح زناد فكري لأحضر لك هدية عيد الأم، وكنت في كل مرة أقدمها لك مشفوعة بأسف واعتذار لأن ظروفي لم تسمح لي بان أحضر إليك ما يليق بمكانتك.. كان أقصى طموحي أن أجعلك فخورة بي أمام الجميع.. أمام الأغراب والجيران وأخوتي وأبي أيضا.. فطالما نسبوني إليكِ، وطالما أشفقت عليكِ..
لا اصدق حتى الآن يا أمي انك فاجأتينا ورحلتِ عن دنيانا قبل شهر رمضان الماضي بثلاثة أيام، كنت أقول لأبي الباكي وأشقائي المفجوعين: لعلها غفوة ستفيق منها! فلن تكون قاسية إلى هذا الحد حتى ترحل عنا بهذا الشكل؟ هكذا؟ دون سابق إنذار ترحلين؟..
كان آخر لقائي بك وأنا أمنحك بعض اكواز الذرة التي شويتها بنفسي، فوجدتك تردينها لي اغلبها، وأنتِ تقولين: "خذها لك ولأبنائك، فقد شبعت يا ابني، خذها يا حبيبي". عندها شعرت بشيء غريب، رأيتك زاهدة في الدنيا، ووجدت صعوبة في مفارقتك، وكأنني أودعك..
هل كنت راضية عني يا أمي؟.. حرصت طوال حياتي على ألا افعل شيئا سيئا يسيء إليكِ، إيمانا مني بان "الولد قليل الأدب يجيب لامه النعيلة (أي اللعنة)"، حرصت بمذاكرتي واجتهادي وشهرتي وعملي وأحاديثي ومظهري أن أجعلك فخورة بي، فهل نجحت في ذلك؟!..
لم تمنحيني الوقت الكافي كي اعبر لك عن حبي لك بما تستحقين.. كنت يا أمي اذا لمحت نظرة سخط أو عدم رضا من عينيكِ، كنت أتماسك حتى اصعد إلى شقتي ثم ادخل إلى الحمام لأبكي على انفراد مع نفسي..
اليوم خارت قواي فلم اعد اقوى على أن أتمالك نفسي، وصارت دموعي قريبة من مآقيها فتنسكب بمجرد ان يهزها أي شيء.. أي شيء يتقاطع معك أو مع ذكراكِ.
ما زلت اذكر وافتقد كلماتك التي كنتي تربتين بها على قلبي كلما رأيتيني مهموما لعدم سير الأمور على ما يرام: "معلشي يا محمد.. اصبر.. ربنا هايعدلها لك ويعوضك.. تعبك مش هيضيع على الفاضي.. والله ربنا هيكرمك آخر كرم.. وبكرة تفتكر".
لم أكن أريد أي شيء يا أمي، كنت فقط أريدك إلى جواري، ما زلت اذكر كلماتك تلك كلما واجهت مشكلة أو أيا من متاعبي، فأرسل إليك رسائل شفوية، أبثها إليك عبر الفضاء بينما أسير بمفردي في شوارع القاهرة، وسط زحامها وضجيجها الذي لا أكاد اسمعه إلى جوار صوتك وضحكتك التي تستولي على كل مشاعري.. كنت أبث إليكِ شكواي، ولا اعبأ بنظرات المارة الذين يلمحونني وأنا أتحدث إليك بصوت عال، فيعتقدون إني أتحدث مع نفسي من باب الجنون.. كنت أقول لك: أرايت يا أمي؟! ها هو الحال لم ينصلح بعد! ها هو الحظ العثر ما زال يعاندني! مخطئة أنتِ يا أمي! كيف كنت تظنين أن الخير سيصيبني وقد تخليتِ عني ورحلتي؟!
بالأمس وبينما كنت في مترو الأنفاق المتجه إلى الجيزة، وجدت نفسي في عربة تعج بالأمهات، فكرت ساعتها ان انحني لاقبل اياديهن جميعا، لعلي اجد فيها شيئا من رائحة يديك الحانيتين.. خشيت ان ازعجهن، او يعتقد البعض اني مريض، وكيف اكون سليما ولم يبق مني شيء بعد ان رحتي يا امي؟!..
عذرا يا أمي فقد سقطت بعض دمعاتي على خطابي هذا اليكي.. تذكرت صورتك وانتي تدافعين عني في مواجهة الجميع.. وكنتي تقولين لهم محمد هو ابنتي البكرية التي كنت اريد ان انجبها.. واريد ان افرح به واطمئن عليه..
اتعلمين يا امي؟ انا واثق انه لو اتيح لك ان تطلي من السماء وشاهدتي احوالنا الان لسارعتي بالعودة الى الحياة شفقة علينا وعلى ما اصبحنا فيه. واعلم ايضا ان الله كان يعلم ما سنصبح عليه، ففضل ابعادك عن هذا الشقاء الذي لا تستحقينه، فرحمك واختارك الى جواره، وانتي راقدة على جنبك بعد ادائك صلاة العصر.. أهي ميتة الصديقين والمخلصين واولياء الله الصالحين؟.. حتى وان كانت كذلك لم تبرد ناري.. ما زلت اشعر بالحريق في داخلي على فراقك.. والغريب.. اجل الغريب.. اني اشعر انك لم تفارقيني، وانك ربما ذهبت الى مكان ما وعائدة بلا شك.. لعلك في الحج يا امي.. او لعلك في العمرة.. ربما اعجبتك اجواء الحرم الشريف فبقيتي الى جواره..
وفي تلك الاثناء، عندما وجدت ان كل الناس يهنئون امهاتهم بمناسبة عيد الام، لم اجد امامي سوى ان استعير امهات بعض اصدقائي.. اتأمل في وجوههن واصواتهن وملابسهن، بحثا عمن لديها أي من ملامحك السمحة، نظرة من نظراتك الحنون، او عباءة كعباءتك الفضفاضة، او حجابا يشبه حجابك.. لاقول لكل واحدة منهن: "كل عام وانتي بخير يا امي".. فيأتيني الرد حانيا: "تعيش وتفتكر يا ابني"!
لا اصدق حتى الآن يا أمي انك فاجأتينا ورحلتِ عن دنيانا قبل شهر رمضان الماضي بثلاثة أيام، كنت أقول لأبي الباكي وأشقائي المفجوعين: لعلها غفوة ستفيق منها! فلن تكون قاسية إلى هذا الحد حتى ترحل عنا بهذا الشكل؟ هكذا؟ دون سابق إنذار ترحلين؟..
كان آخر لقائي بك وأنا أمنحك بعض اكواز الذرة التي شويتها بنفسي، فوجدتك تردينها لي اغلبها، وأنتِ تقولين: "خذها لك ولأبنائك، فقد شبعت يا ابني، خذها يا حبيبي". عندها شعرت بشيء غريب، رأيتك زاهدة في الدنيا، ووجدت صعوبة في مفارقتك، وكأنني أودعك..
هل كنت راضية عني يا أمي؟.. حرصت طوال حياتي على ألا افعل شيئا سيئا يسيء إليكِ، إيمانا مني بان "الولد قليل الأدب يجيب لامه النعيلة (أي اللعنة)"، حرصت بمذاكرتي واجتهادي وشهرتي وعملي وأحاديثي ومظهري أن أجعلك فخورة بي، فهل نجحت في ذلك؟!..
لم تمنحيني الوقت الكافي كي اعبر لك عن حبي لك بما تستحقين.. كنت يا أمي اذا لمحت نظرة سخط أو عدم رضا من عينيكِ، كنت أتماسك حتى اصعد إلى شقتي ثم ادخل إلى الحمام لأبكي على انفراد مع نفسي..
اليوم خارت قواي فلم اعد اقوى على أن أتمالك نفسي، وصارت دموعي قريبة من مآقيها فتنسكب بمجرد ان يهزها أي شيء.. أي شيء يتقاطع معك أو مع ذكراكِ.
ما زلت اذكر وافتقد كلماتك التي كنتي تربتين بها على قلبي كلما رأيتيني مهموما لعدم سير الأمور على ما يرام: "معلشي يا محمد.. اصبر.. ربنا هايعدلها لك ويعوضك.. تعبك مش هيضيع على الفاضي.. والله ربنا هيكرمك آخر كرم.. وبكرة تفتكر".
لم أكن أريد أي شيء يا أمي، كنت فقط أريدك إلى جواري، ما زلت اذكر كلماتك تلك كلما واجهت مشكلة أو أيا من متاعبي، فأرسل إليك رسائل شفوية، أبثها إليك عبر الفضاء بينما أسير بمفردي في شوارع القاهرة، وسط زحامها وضجيجها الذي لا أكاد اسمعه إلى جوار صوتك وضحكتك التي تستولي على كل مشاعري.. كنت أبث إليكِ شكواي، ولا اعبأ بنظرات المارة الذين يلمحونني وأنا أتحدث إليك بصوت عال، فيعتقدون إني أتحدث مع نفسي من باب الجنون.. كنت أقول لك: أرايت يا أمي؟! ها هو الحال لم ينصلح بعد! ها هو الحظ العثر ما زال يعاندني! مخطئة أنتِ يا أمي! كيف كنت تظنين أن الخير سيصيبني وقد تخليتِ عني ورحلتي؟!
بالأمس وبينما كنت في مترو الأنفاق المتجه إلى الجيزة، وجدت نفسي في عربة تعج بالأمهات، فكرت ساعتها ان انحني لاقبل اياديهن جميعا، لعلي اجد فيها شيئا من رائحة يديك الحانيتين.. خشيت ان ازعجهن، او يعتقد البعض اني مريض، وكيف اكون سليما ولم يبق مني شيء بعد ان رحتي يا امي؟!..
عذرا يا أمي فقد سقطت بعض دمعاتي على خطابي هذا اليكي.. تذكرت صورتك وانتي تدافعين عني في مواجهة الجميع.. وكنتي تقولين لهم محمد هو ابنتي البكرية التي كنت اريد ان انجبها.. واريد ان افرح به واطمئن عليه..
اتعلمين يا امي؟ انا واثق انه لو اتيح لك ان تطلي من السماء وشاهدتي احوالنا الان لسارعتي بالعودة الى الحياة شفقة علينا وعلى ما اصبحنا فيه. واعلم ايضا ان الله كان يعلم ما سنصبح عليه، ففضل ابعادك عن هذا الشقاء الذي لا تستحقينه، فرحمك واختارك الى جواره، وانتي راقدة على جنبك بعد ادائك صلاة العصر.. أهي ميتة الصديقين والمخلصين واولياء الله الصالحين؟.. حتى وان كانت كذلك لم تبرد ناري.. ما زلت اشعر بالحريق في داخلي على فراقك.. والغريب.. اجل الغريب.. اني اشعر انك لم تفارقيني، وانك ربما ذهبت الى مكان ما وعائدة بلا شك.. لعلك في الحج يا امي.. او لعلك في العمرة.. ربما اعجبتك اجواء الحرم الشريف فبقيتي الى جواره..
وفي تلك الاثناء، عندما وجدت ان كل الناس يهنئون امهاتهم بمناسبة عيد الام، لم اجد امامي سوى ان استعير امهات بعض اصدقائي.. اتأمل في وجوههن واصواتهن وملابسهن، بحثا عمن لديها أي من ملامحك السمحة، نظرة من نظراتك الحنون، او عباءة كعباءتك الفضفاضة، او حجابا يشبه حجابك.. لاقول لكل واحدة منهن: "كل عام وانتي بخير يا امي".. فيأتيني الرد حانيا: "تعيش وتفتكر يا ابني"!