منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#51038
بقلم : محمد حسن كامل


1- احلام الصبا


كان نحيل الجسد قصير القامة اسمر البشرة من حدة الشمس حاد الذكاء هادىء النفس يهوى صيد الاسماك بل كان يتبارى مع اترابه من الصبيه في ابراز تلك الموهبة .. في كل صباح من ايام العطلة الصيفيةمع خيوط النور الاولي كان يقصد تلك الصخرة العاليه التي تنتحر لديها الامواج العاتية في ضاحية ابي قير بالاسكندرية بالقرب من منزله بامتار قليلة ، تلك الصخرة التي نقش عليها احلامه حتى اكتظت ثقوبها بتلك الاحلام فكم حاول مرات عديدة ان يقف على اطراف اصابع قدميه محاولا اطالة قامتة القصيرة لعله يرى ما وراء تلك الامواج او يرى اشباح الناحية الاخرى من الشاطىء بعيدا عند خط الافق وقد اوشكت شمس الدنيا على الرحيل وهى تجر ذيلها من الشفق الاحمر وكانها عروس فى ليلة الزفاف ورويدا ورويدا بدا يختفى ذاك القرص الاحمر على حياء فى كف الزمن ليعلن قدوم دولة الليل.



علمته هوايتة الصبر وتحدى الامواج والتأمل والاعتماد على النفس منذ نعومة اظافره وفي طريق العودة الي منزله كان يحث الخطى حتى يلتقى باصحابه من الشباب الذين كانوا يقضون شطرا من الليل فى الحديث عن السفر ولو بالخيال وكان لفرنسا نصيب الاسد فى تلك الحلقات من السمر في السبعينيات من القرن المنصرم حيث كانت قوافل الطلبة تقصد فرنسا فى مواسم جمع العنب فى الجنوب الفرنسي والعودة بداية العام الدراسي محملين بالهدايا والملابس ومصاريف الدراسة للعام كله ، ومعهم قصص لاتعد ولا تحصى تؤكد على محاولة تحقيق الذات ولو فى الخيال ، اذكر احدها وقد سمعتها الاف المرات مع اختلاف بطلها او الراوي ان احد الشباب المصريين سافر الى فرنسا والتقى بشقراء فرنسيه جميلة ونشات بينهما قصة حب وتزوجها وتبين بعد ذلك انها بنت الخواجه بيجو صاحب اكبر مصنع للسيارات في فرنسا ، لقد تزوجت المسكينه فى الخيال الاف المراتوبيني وبينكم الخواجه بيجو لم يرزق باي بنت .. احلام مبعثرة هنا وهناك تصلح للعديد من افلام السينما ، اما صاحبناصياد السمك بسنارتة البسيطة كان يستمد حلمه من خيوط اخرىنسجت في اقصي صعيد مصر في عزبة كيلو في الرابع عشر من نوفمبر 1889وعلى بعد امتار من مغاغه بمحافظة المنيا ويلتقي بصاحب هذا الحلم الذي تحدى الصعاب المتمرد العنيد الذى نقش اسمه في صدر التاريخ رغم كل الصعاب التى تجاوزها ليبصر ما لا يبصره الاخرون.



كان حلمه ذاك الصبي الذي عاش مع الايام مرات عديدةلقد حاول ان يتلمس معالم الطريق من عميد الادب العربي طه حسين الذي تربع علي عرش كيانه ووجدانه ولا غرو في ذلك وقد صور الحياة مجسدة ملونة بكل انفعلات الفكر والحي والمجتمع بل يدخل في عالم السياسه وقيادة الامة واتخاذ القرار ذاك الفذ العبقري الذي شحذ في نفس صاحبنا كل الطاقات والهمم ليوضح له علامات الطريق ، ولم يكن يعلم ان الايام سوف تجمعه بنجله الدكتور مؤنس طه حسين في حفل اليونسكو بباريس بمئوية طه حسين في الوقت الذي غافلته المحافل الادبيه في مصر بدا صاحب السنارة ينسج حلمه منالكتاب وسيدنا والعريف ونعال التلاميذ الباليةوالشاعر والربابه وقاضي المحكمة وحفظ القران والالفية والتحاقه بالازهر وحصوله علي درجة الدكتوراه الاولي في الجامعة المصرية في 14 مايو 1919 ، وحصوله في نفس العام علي دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتنية ، تابع صاحبنا قصة الحب العذري بين طه وسوزان حينما سمعها وهي تقرا مقطعا من شعر راسين فاحب طه نغمات صوتها وعشق طريقة القائها وقد تذكر قول بشار بن برد والاذن تعشق قبل العين احيانا.



تأثر صاحبنا بهذا الحب العفيف وحاول ان يرى فتاة احلامه مثل سوزان بجمالها وثقافتها وذكاءها الحاد واحساسها المرهف ..حاول مرات ومرات ان يراها في صفحة الماء وهو يلقي بسنارتةوقد تحول الماء الي شاشة سينما ، فقرر ان يحقق حلمه بين ضفتي المتوسط وعليه ان يتعلم الفرنسيه ويدرس تاريخ فرنسا وجغرافيتها امامه الكثير والكثير ولكنه لم يملك سوى اوراقه واقلامه واحلامه ليخوض تجربة في بلاد الجن الملائكة اوعاصمة النور باريس كيف حقق ذلك …..في العدد القادم بإذن الله تعالى.