(( سورة الفاتحة في معراج الصلاة ))
مرسل: الثلاثاء مايو 08, 2012 10:07 am
أتساءل في أحيان كثيرة حتى وانّا في عمق محراب الصلاة ومعراجها الذهني عن مغزى سورة الفاتحة ؟.
ولماذا ورد : لاصلاة بلا فاتحة الكتاب ؟.
وكيف ينبغي لي ان افهم معاني سورة الحمد وأنا استشعر الكلمات بروحية منفتحة ومتحررة من قيود المادة ؟.
قيل على لسان اهل العلم والدراية والرواية : ان لفاتحة الكتاب في القرءان وفي الصلاة شأن عظيم جداً لايعلمه الا الله سبحانه وتعالى ، ولهذا اختيرت سورة الحمد لتكون هي الصلة وهي النافذة وهي اللقاء ... بين الله سبحانه وعباده المؤمنين ، ومن هنا ورد في الحديث الشريف عن الرسول الاكرم محمد قوله ص ( قال الله عزوجل : قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ماسأل ...)) !.
أشارة منه صلى الله عليه واله : ان لفاتحة الكتاب ميزان بين الله وعباده المؤمنين ، فأن قال العبد : الحمد لله رب العالمين .
قال الله جلّ جلاله : حمدني عبدي ، وعلم ان النعم التي له من عندي !.
أمّا إن قال العبد : أهدنا الصراط المستقيم .
قال الله عزّ وجل : هذا لعبدي ولعبدي ماسأل !.
ان الشعور بهذا المعنى وانتَ في معراج الصلاة وحركتها الرافعة للروح الانسانية ، لاريب انه الشعور والاحساس الذي يهب الكلمات القرءانية التي ينطق بها الانسان وهو أمام الله سبحانه في صلته حرارة اللقاء او معنى اللقاء في الحقيقة ، أذ لايُدرك معنى للقاء بين عبد وربه بدون هذه الحرارة والمعنى ، كما انه لايُفهم معنى لوقفة الانفتاح والصراحة بين رب وعبده اذا لم يكن لهذه الكلمات صدق ينسجم مع المشاعر والاحاسيس الانسانية ، فأذا ادرك الانسان انه يخاطب عظيما ، وانه يستمع لجواب العظيم جلّت قدسيته انتفضت مشاعره تلقائيا ، وتفاعل طبيعيا بين سؤال وجواب من طرفين وحوار بين كيانين ، ولقاء بين شيئين، هما الله سبحانه والانسان ، وعندها ينطلق لسان المصلي برقصة منسجمة تماما مع ايقاعات الموسيقى في تراتيل الكلمات القرءانية وهي تستحضر كل الوجود بقوله : الحمد لله رب العالمين !.
فينتظر قليلا ليسمع صوت الوجود من حوله ومن فوقه ومن تحته يجيب : حمدني عبدي ....!.
في احيان كثيرة شخصيا انتظر الجواب فلا اسمع تردد يذكر فاعلم ان الارسال رديئ جدا ، والروح مشغولة بشيئ اخر غير حركة الصلاة ومسيرة العروج ، والنفس لم تزل مغلولة باغلال المادة وثقل الحياة ، فاكرر الكلمات القرءانية مفتتحا بفاتحة الكتاب ابواب القلب ليطير عصفور الروح محلقا بعيدا عن قضبان القفص وسجن الماديات ، عسى ولعل تسمع هذه الاذن الصمّاء اي جواب يذكر !.
هل يسمع احدنا جواب الوجود عندما يفتتح معراج صلاته بسورة الحمد التي رتّب تقسيمها على اساس انها قسمان لاقسم واحد بين الرب وانسانه ؟.
نعم نحن نسمع القسم الاول من فاتحة الكتاب ، ونسمع اصواتنا وانفسنا في حركة معراجنا المعقدة نحو الوجود ، ولكنّ الاهم هل احدنا يتمكن من سماع القسم الاخر من سورة الفاتحة ؟.
أعني هل نحن حقا امام قسمين وقطبين وحركتين وكيانين ... ونحن ننطق كلمات الفاتحة بيننا وبين الله سبحانه ؟.
أم اننا في الحقيقة ندور في حلقة مفرغة ، وفي غرفة موصدة الابواب ، ولانسمع الا صدى اصواتنا وهي تروح وترجع لاكجواب بل كأصداء ارتطمت بالجدار لتعود لنا من جديد ، وهي تقول : الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله رب العالمين .....، فحسب ، وليس : حمدني عبدي ...!. الالهية النازلة من اعلى الوجود ؟!.
في أحيان قليلة جداً ، وعندما اتهيئ لملاقاة العظيم وبصدق هذه المرّة ، بعدما اصل الى حالة الاعتراف بحقارة هذا المخلوق المسمى أنا ، لاأعلم لماذا وانا اعزم النطق ب : الحمد لله رب العالمين ...، تتماثل امامي صورة والدي الناسي آدم عليه السلام عندما أكل من الشجرة ونسي العهد ولم يكن له عزم على التكبّر والعناد ، وهو مطرقٌ محترق اسفا نادمٌ معترف بالتقصير مسبح مستغفر ساجد منتظرا للاجابة والعفو ، وكيف ان الله سبحانه وتعالى اجاب والدي آدم ع اخيرا عندما قال ( فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم )) !.
فياترى اتساءل مع نفسي قبل ان أجزم بالحركة والعمل ، وانا بين (( الحمد لله )) و (( رب العالمين )) وصورة والدي ادم ع تلك : ماهي تلك الكلمات التي سمعها أو تلقاها ادم والدنا عليه السلام فكانت البشرى له بانه يسمع الجواب في صلاته ومعراجه وحركته ، بعد ان مكث طويلا لايسمع الا صوته ذاته ؟.
فأجيب : ربما هي نفس الكلمات التي انزلها الله سبحانه لنا نحن ابناء ادم عليه السلام في سورة الفاتحة لتكون على شكل قسمين ، قسم من الانسان صاعد نحو الوجود ، وقسم من الله سبحانه نازل للانسان ، ولكن الفرق بيننا وبين والدنا ادم عليه السلام : ان ادم ع عرج الى السماء بكلماته مفتتحا بالحمد والاعتراف والطلب فجاء الجواب بكلمات وكان يسمع الكلمات ويتلقاها بكل كيانه وهي تجيب تأوهاته وألمه وبثه وشكايته ، بينما نحن نسمع اصواتنا لاغير بلا قدرة منا لاعلى انتظار الجواب ولاحتى امكانية سماعه !.
ولكن لماذا نحن لانستطيع مجرد سماع الجواب او الشعور به او الانفتاح عليه او مجرد تخيله لاغير ؟.
وهل الخطأ في فهمنا وادراكنا لمعاني الكلمات القرءانية منصة الانطلاق لارواحنا المغلولة بالمادة والمتشبثة بالدنيا ؟.
أم لأننا حتى هذه اللحظة لم ندرك ولا خطوة واحدة في كيفية العروج التي رسمتها لنا كلمات الفاتحة ، او افتتحتها لنا سورة الحمد لحركة الصلاة وكيفية المسير نحو السماء والوجود والله سبحانه وتعالى ؟.
أذن كيف نهاجر الى الله كما هاجر والدنا آدم من قبل من محرابه فتلقى كلمات التوبة والرحمة والشعور بالطمأنينة والامان ؟.
يبدو ان مفتاح الاجوبة لهذه الاسألة لم يزل بين ايدينا ، فلا حاجة للاستغراق باسطورة التيه والبحث عن المخرج ‘ وبمجرد كلّ واحد منا ينحت طريقه الخاص به وهو يفهم معراج كلماته في سورة الفاتحة والحمد ، فسيدرك هو وبتجربته الشخصية هوية عروجه لله سبحانه وكيفية خريطة هجرته نحو الوجود !.
نعم : الحمد لله : صيغة من خلالها يفتتح الانسان طريقه ((بمعرفة )) ان لاحمد على الحقيقة في هذا الوجود الا لله سبحانه المستحق لكل الحمد من خلقه ، ولهذا جاءت (ال) الاستغراق لتبتلع كل الحمد وتنسبه لصاحب الحق الله سبحانه وتعالى في ل الاستحقاق في : الحمد لله !.
وبعد خطوة (المعرفة ) هذه والادراك ان لاحمد على الحقيقة الا لله سبحانه في هذا الوجود ، ينتقل قارئ الكلمات الالهية القرءانية للخطوة الاخرى في معراجه على الطريق نحو الله سبحانه ل ( يسأل ) لماذا ؟.
فتجيبه سورة الفاتحة والحمد ب رب العالمين ) فأنتَ تحمد الله سبحانه وتعترف انه صاحب حق الحمد وحده لانه (رب العالمين ) والربّ هو صاحب الصفة والنعمة على الخلائق اجمعين !.
ثم بعد معراج ( المعرفة ) ومعراج ( السؤال ) والادراك ، ينتقل المصلي الى معراج ( الصفة ) ليصف ربه العارف بحقه المدرك لكمال وجوده ب ( الرحمن الرحيم ) وهو موقن بأن ليس كلّ رب هو رحمن رحيم ، فكم من ربٍّ لاسرة او لدارٍ او لدرهم ...الا انه ليس هو رحمن رحيم ، ولكنّ فقط الله سبحانه المستحق للحمد الكامل هو رب العالمين ومربيهم هو الرحمن الرحيم الذي لولا رحمته المطلقة لما حاز على الحمد لله المطلق كله !.
وحتى الخطوة الرابعة من القسم الاول لعروج العبد نحو سيده وخالقه ومولاه ، يصف الانسان ربّه ب ( مالك يوم الدين ) وعند هذا العروج الرابع يدرك الانسان لماذا عليه المرور بطريق (الرحمن الرحيم ) التي توازن عظمة وهيبة الملك يوم الدين ، مع رحمة ورحمانية الرحمن الرحيم الذي سيحتاجها الانسان كثيرا في بلاط الملك وهيبة السلطان الالهية !.
هل ترى كيف ان الخطوات تلاقفت الانسان من المعرفة ، الى السؤال ، الى الصفة ، الى الدخول لبلاط الملك وهيبة يوم القضاء والدِين والمحاسبة والامتحان والعسر والسؤال والجواب والثواب والعقاب !؟.
انها ارتفاعات تحاول ان تأخذ بيد الانسان قليلا قليلا ، لتعلمه اولا ، ثم لتلقنه صفة القداسة والجلال ، ثم لتطعمه الجواب ، ولتدفع به الى داخل قصر السلطنة الالهية والجلالة القدسية في يوم الدين والحساب !.
وعند هذا المعراج الرابع ينتهي دور القسم الاول الالهي الذي هو ( حمدني عبدي ... وصفني عبدي ... سالني عبدي ... وقف امامي عبدي ...)) وهذا اذا نجح الانسان في التحليق اما ان فشل فسيبقى في الارض وعلى التراب وبلا حركة معنوية تذكر ابدا !.
أما ان حلق باجنحته الاربعة هذه قسيبدأ الانسان وهو محلّقا وجه لوجه أمام الله سبحانه في ( مالك يوم الدين ) بمرحلة جديدة من العروج وباساليب مختلفة عن المعرفة والسؤال والصفة والاقرار بالملك ، لينتقل الى صيغة ( المخاطبة ) المباشرة بينه وبين الله سبحانه وتعالى ، وفرق كبير جدا بين ان يقول الانسان ( الحمد لله ) بصيغة الغائب المخاطب ، وبين صيغة الخطاب المباشرة بينه وبين الله سبحانه وعلى صعيد واحد في قوله أيّاك نعبد ) !.
انها صيغة الجماعة ؟.
لماذا اتى الخطاب بصيغة الجماعة ؟.
ولماذا لم يقل النص الشريف أيّاك أعبد ) ؟.
فهذا فيه دلاله على ان الرحلة شاقة وطويلة واجنحة الانسان الاربعة تتحمل فقط اربع مراحل من الطريق لاغير ، مرحلة المعرفة مرحلة السؤال مرحلة الوصف ومرحلة الاستسلام للملك الالهي العظيم ، أما مرحلة ( أيّاك نعبد ) فلايستطيعها الانسان بمفرده وهو بحاجة كي يكون رقما مناسبا ليخاطب العظيم وجها لوجه أما ان يكون رجل في امة او يكون امه في رجل !.
نعم من يريد ان يخاطب عظيما لابد ان يكون عظيما !.
ومن لم يكن عظيما فعليه الانخراط مع الجماعة ليشكلوا ثقل الخطاب في صلوات الجماعة .
وهنا ياترى كم هم المصلين الذين يصلون حقا للعروج الخامس في مرحلة خطاب العظيم برجل الامة العظيم ؟.
كثير من الساكين في هذا الطريق يتحملون المسير لخطوة واحدة فحسب ، أمثالي ولاحول ولاقوّة الابالله العلي العظيم ، الذي ربما يعرف ( الحمد لله ) لكنه لايستطيع الوصول الى المرحلة الثانية فكيف بالثالثة والرابعة حتى الخطاب العظيم !؟.
الخطاب المباشر ( اياك نعبد ) او العروج الخامس الذي فصل الانسان تماما عن وجوده في هذه الحياة ليرفعه الى البلاط الالهي العظيم ، عظمته في انه بحاجة الى الصدق المطلق !.
الصدق مع النفس والروح والذات والله والاخرين والواقع والكينونة والدماغ ..... !.
في هذا المنعطف من المسيرة ، يقول الله سبحانه للانسان العابد صدق عبدي أيّاي يعبد ....!.
فهل حقا بالامكان الوصول الى تصديق الله سبحانه ليّ او لك بصدق نية العبادة له بعد ان نصل للمرحلة الخامسة من مسافات الطريق ؟.
وهل تعتقد فعلا اننا سوف نسمع تصديق الله سبحانه لنوايا عبادتنا له ؟.
أم اننا على فرض وصولنا الى تلك المرحلة سنجابه بعد كل هذه الرحلة بجواب ( اياك نعبد ) بلا اهلا ولاسهلا بمن يريدون بعبادتي غيري ؟.
ولهذا ورد في الحديث الشريف جواب ( أياك نعبد ) بقول الله سبحانه صدق عبدي ..) فالصدق هو مرحلة اياك نعبد من رحلة الطريق الى الله .....
تعبت من التفكير فتوقفت عن الكتابة .
ولماذا ورد : لاصلاة بلا فاتحة الكتاب ؟.
وكيف ينبغي لي ان افهم معاني سورة الحمد وأنا استشعر الكلمات بروحية منفتحة ومتحررة من قيود المادة ؟.
قيل على لسان اهل العلم والدراية والرواية : ان لفاتحة الكتاب في القرءان وفي الصلاة شأن عظيم جداً لايعلمه الا الله سبحانه وتعالى ، ولهذا اختيرت سورة الحمد لتكون هي الصلة وهي النافذة وهي اللقاء ... بين الله سبحانه وعباده المؤمنين ، ومن هنا ورد في الحديث الشريف عن الرسول الاكرم محمد قوله ص ( قال الله عزوجل : قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ماسأل ...)) !.
أشارة منه صلى الله عليه واله : ان لفاتحة الكتاب ميزان بين الله وعباده المؤمنين ، فأن قال العبد : الحمد لله رب العالمين .
قال الله جلّ جلاله : حمدني عبدي ، وعلم ان النعم التي له من عندي !.
أمّا إن قال العبد : أهدنا الصراط المستقيم .
قال الله عزّ وجل : هذا لعبدي ولعبدي ماسأل !.
ان الشعور بهذا المعنى وانتَ في معراج الصلاة وحركتها الرافعة للروح الانسانية ، لاريب انه الشعور والاحساس الذي يهب الكلمات القرءانية التي ينطق بها الانسان وهو أمام الله سبحانه في صلته حرارة اللقاء او معنى اللقاء في الحقيقة ، أذ لايُدرك معنى للقاء بين عبد وربه بدون هذه الحرارة والمعنى ، كما انه لايُفهم معنى لوقفة الانفتاح والصراحة بين رب وعبده اذا لم يكن لهذه الكلمات صدق ينسجم مع المشاعر والاحاسيس الانسانية ، فأذا ادرك الانسان انه يخاطب عظيما ، وانه يستمع لجواب العظيم جلّت قدسيته انتفضت مشاعره تلقائيا ، وتفاعل طبيعيا بين سؤال وجواب من طرفين وحوار بين كيانين ، ولقاء بين شيئين، هما الله سبحانه والانسان ، وعندها ينطلق لسان المصلي برقصة منسجمة تماما مع ايقاعات الموسيقى في تراتيل الكلمات القرءانية وهي تستحضر كل الوجود بقوله : الحمد لله رب العالمين !.
فينتظر قليلا ليسمع صوت الوجود من حوله ومن فوقه ومن تحته يجيب : حمدني عبدي ....!.
في احيان كثيرة شخصيا انتظر الجواب فلا اسمع تردد يذكر فاعلم ان الارسال رديئ جدا ، والروح مشغولة بشيئ اخر غير حركة الصلاة ومسيرة العروج ، والنفس لم تزل مغلولة باغلال المادة وثقل الحياة ، فاكرر الكلمات القرءانية مفتتحا بفاتحة الكتاب ابواب القلب ليطير عصفور الروح محلقا بعيدا عن قضبان القفص وسجن الماديات ، عسى ولعل تسمع هذه الاذن الصمّاء اي جواب يذكر !.
هل يسمع احدنا جواب الوجود عندما يفتتح معراج صلاته بسورة الحمد التي رتّب تقسيمها على اساس انها قسمان لاقسم واحد بين الرب وانسانه ؟.
نعم نحن نسمع القسم الاول من فاتحة الكتاب ، ونسمع اصواتنا وانفسنا في حركة معراجنا المعقدة نحو الوجود ، ولكنّ الاهم هل احدنا يتمكن من سماع القسم الاخر من سورة الفاتحة ؟.
أعني هل نحن حقا امام قسمين وقطبين وحركتين وكيانين ... ونحن ننطق كلمات الفاتحة بيننا وبين الله سبحانه ؟.
أم اننا في الحقيقة ندور في حلقة مفرغة ، وفي غرفة موصدة الابواب ، ولانسمع الا صدى اصواتنا وهي تروح وترجع لاكجواب بل كأصداء ارتطمت بالجدار لتعود لنا من جديد ، وهي تقول : الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله رب العالمين .....، فحسب ، وليس : حمدني عبدي ...!. الالهية النازلة من اعلى الوجود ؟!.
في أحيان قليلة جداً ، وعندما اتهيئ لملاقاة العظيم وبصدق هذه المرّة ، بعدما اصل الى حالة الاعتراف بحقارة هذا المخلوق المسمى أنا ، لاأعلم لماذا وانا اعزم النطق ب : الحمد لله رب العالمين ...، تتماثل امامي صورة والدي الناسي آدم عليه السلام عندما أكل من الشجرة ونسي العهد ولم يكن له عزم على التكبّر والعناد ، وهو مطرقٌ محترق اسفا نادمٌ معترف بالتقصير مسبح مستغفر ساجد منتظرا للاجابة والعفو ، وكيف ان الله سبحانه وتعالى اجاب والدي آدم ع اخيرا عندما قال ( فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم )) !.
فياترى اتساءل مع نفسي قبل ان أجزم بالحركة والعمل ، وانا بين (( الحمد لله )) و (( رب العالمين )) وصورة والدي ادم ع تلك : ماهي تلك الكلمات التي سمعها أو تلقاها ادم والدنا عليه السلام فكانت البشرى له بانه يسمع الجواب في صلاته ومعراجه وحركته ، بعد ان مكث طويلا لايسمع الا صوته ذاته ؟.
فأجيب : ربما هي نفس الكلمات التي انزلها الله سبحانه لنا نحن ابناء ادم عليه السلام في سورة الفاتحة لتكون على شكل قسمين ، قسم من الانسان صاعد نحو الوجود ، وقسم من الله سبحانه نازل للانسان ، ولكن الفرق بيننا وبين والدنا ادم عليه السلام : ان ادم ع عرج الى السماء بكلماته مفتتحا بالحمد والاعتراف والطلب فجاء الجواب بكلمات وكان يسمع الكلمات ويتلقاها بكل كيانه وهي تجيب تأوهاته وألمه وبثه وشكايته ، بينما نحن نسمع اصواتنا لاغير بلا قدرة منا لاعلى انتظار الجواب ولاحتى امكانية سماعه !.
ولكن لماذا نحن لانستطيع مجرد سماع الجواب او الشعور به او الانفتاح عليه او مجرد تخيله لاغير ؟.
وهل الخطأ في فهمنا وادراكنا لمعاني الكلمات القرءانية منصة الانطلاق لارواحنا المغلولة بالمادة والمتشبثة بالدنيا ؟.
أم لأننا حتى هذه اللحظة لم ندرك ولا خطوة واحدة في كيفية العروج التي رسمتها لنا كلمات الفاتحة ، او افتتحتها لنا سورة الحمد لحركة الصلاة وكيفية المسير نحو السماء والوجود والله سبحانه وتعالى ؟.
أذن كيف نهاجر الى الله كما هاجر والدنا آدم من قبل من محرابه فتلقى كلمات التوبة والرحمة والشعور بالطمأنينة والامان ؟.
يبدو ان مفتاح الاجوبة لهذه الاسألة لم يزل بين ايدينا ، فلا حاجة للاستغراق باسطورة التيه والبحث عن المخرج ‘ وبمجرد كلّ واحد منا ينحت طريقه الخاص به وهو يفهم معراج كلماته في سورة الفاتحة والحمد ، فسيدرك هو وبتجربته الشخصية هوية عروجه لله سبحانه وكيفية خريطة هجرته نحو الوجود !.
نعم : الحمد لله : صيغة من خلالها يفتتح الانسان طريقه ((بمعرفة )) ان لاحمد على الحقيقة في هذا الوجود الا لله سبحانه المستحق لكل الحمد من خلقه ، ولهذا جاءت (ال) الاستغراق لتبتلع كل الحمد وتنسبه لصاحب الحق الله سبحانه وتعالى في ل الاستحقاق في : الحمد لله !.
وبعد خطوة (المعرفة ) هذه والادراك ان لاحمد على الحقيقة الا لله سبحانه في هذا الوجود ، ينتقل قارئ الكلمات الالهية القرءانية للخطوة الاخرى في معراجه على الطريق نحو الله سبحانه ل ( يسأل ) لماذا ؟.
فتجيبه سورة الفاتحة والحمد ب رب العالمين ) فأنتَ تحمد الله سبحانه وتعترف انه صاحب حق الحمد وحده لانه (رب العالمين ) والربّ هو صاحب الصفة والنعمة على الخلائق اجمعين !.
ثم بعد معراج ( المعرفة ) ومعراج ( السؤال ) والادراك ، ينتقل المصلي الى معراج ( الصفة ) ليصف ربه العارف بحقه المدرك لكمال وجوده ب ( الرحمن الرحيم ) وهو موقن بأن ليس كلّ رب هو رحمن رحيم ، فكم من ربٍّ لاسرة او لدارٍ او لدرهم ...الا انه ليس هو رحمن رحيم ، ولكنّ فقط الله سبحانه المستحق للحمد الكامل هو رب العالمين ومربيهم هو الرحمن الرحيم الذي لولا رحمته المطلقة لما حاز على الحمد لله المطلق كله !.
وحتى الخطوة الرابعة من القسم الاول لعروج العبد نحو سيده وخالقه ومولاه ، يصف الانسان ربّه ب ( مالك يوم الدين ) وعند هذا العروج الرابع يدرك الانسان لماذا عليه المرور بطريق (الرحمن الرحيم ) التي توازن عظمة وهيبة الملك يوم الدين ، مع رحمة ورحمانية الرحمن الرحيم الذي سيحتاجها الانسان كثيرا في بلاط الملك وهيبة السلطان الالهية !.
هل ترى كيف ان الخطوات تلاقفت الانسان من المعرفة ، الى السؤال ، الى الصفة ، الى الدخول لبلاط الملك وهيبة يوم القضاء والدِين والمحاسبة والامتحان والعسر والسؤال والجواب والثواب والعقاب !؟.
انها ارتفاعات تحاول ان تأخذ بيد الانسان قليلا قليلا ، لتعلمه اولا ، ثم لتلقنه صفة القداسة والجلال ، ثم لتطعمه الجواب ، ولتدفع به الى داخل قصر السلطنة الالهية والجلالة القدسية في يوم الدين والحساب !.
وعند هذا المعراج الرابع ينتهي دور القسم الاول الالهي الذي هو ( حمدني عبدي ... وصفني عبدي ... سالني عبدي ... وقف امامي عبدي ...)) وهذا اذا نجح الانسان في التحليق اما ان فشل فسيبقى في الارض وعلى التراب وبلا حركة معنوية تذكر ابدا !.
أما ان حلق باجنحته الاربعة هذه قسيبدأ الانسان وهو محلّقا وجه لوجه أمام الله سبحانه في ( مالك يوم الدين ) بمرحلة جديدة من العروج وباساليب مختلفة عن المعرفة والسؤال والصفة والاقرار بالملك ، لينتقل الى صيغة ( المخاطبة ) المباشرة بينه وبين الله سبحانه وتعالى ، وفرق كبير جدا بين ان يقول الانسان ( الحمد لله ) بصيغة الغائب المخاطب ، وبين صيغة الخطاب المباشرة بينه وبين الله سبحانه وعلى صعيد واحد في قوله أيّاك نعبد ) !.
انها صيغة الجماعة ؟.
لماذا اتى الخطاب بصيغة الجماعة ؟.
ولماذا لم يقل النص الشريف أيّاك أعبد ) ؟.
فهذا فيه دلاله على ان الرحلة شاقة وطويلة واجنحة الانسان الاربعة تتحمل فقط اربع مراحل من الطريق لاغير ، مرحلة المعرفة مرحلة السؤال مرحلة الوصف ومرحلة الاستسلام للملك الالهي العظيم ، أما مرحلة ( أيّاك نعبد ) فلايستطيعها الانسان بمفرده وهو بحاجة كي يكون رقما مناسبا ليخاطب العظيم وجها لوجه أما ان يكون رجل في امة او يكون امه في رجل !.
نعم من يريد ان يخاطب عظيما لابد ان يكون عظيما !.
ومن لم يكن عظيما فعليه الانخراط مع الجماعة ليشكلوا ثقل الخطاب في صلوات الجماعة .
وهنا ياترى كم هم المصلين الذين يصلون حقا للعروج الخامس في مرحلة خطاب العظيم برجل الامة العظيم ؟.
كثير من الساكين في هذا الطريق يتحملون المسير لخطوة واحدة فحسب ، أمثالي ولاحول ولاقوّة الابالله العلي العظيم ، الذي ربما يعرف ( الحمد لله ) لكنه لايستطيع الوصول الى المرحلة الثانية فكيف بالثالثة والرابعة حتى الخطاب العظيم !؟.
الخطاب المباشر ( اياك نعبد ) او العروج الخامس الذي فصل الانسان تماما عن وجوده في هذه الحياة ليرفعه الى البلاط الالهي العظيم ، عظمته في انه بحاجة الى الصدق المطلق !.
الصدق مع النفس والروح والذات والله والاخرين والواقع والكينونة والدماغ ..... !.
في هذا المنعطف من المسيرة ، يقول الله سبحانه للانسان العابد صدق عبدي أيّاي يعبد ....!.
فهل حقا بالامكان الوصول الى تصديق الله سبحانه ليّ او لك بصدق نية العبادة له بعد ان نصل للمرحلة الخامسة من مسافات الطريق ؟.
وهل تعتقد فعلا اننا سوف نسمع تصديق الله سبحانه لنوايا عبادتنا له ؟.
أم اننا على فرض وصولنا الى تلك المرحلة سنجابه بعد كل هذه الرحلة بجواب ( اياك نعبد ) بلا اهلا ولاسهلا بمن يريدون بعبادتي غيري ؟.
ولهذا ورد في الحديث الشريف جواب ( أياك نعبد ) بقول الله سبحانه صدق عبدي ..) فالصدق هو مرحلة اياك نعبد من رحلة الطريق الى الله .....
تعبت من التفكير فتوقفت عن الكتابة .