- الثلاثاء مايو 08, 2012 11:04 pm
#51161
يدعي العَلمانيون (بفتح العين) انه لا توجد دولة في الإسلام، وينادون بفصل الدين عن الدولة والسياسة في ديارنا الإسلامية جهلا منهم بالتاريخ الإسلامي ودين الله، أو تجاهلا متعمدا لدولة الإسلام التي قامت في المدينة المنورة وامتدت حتى شملت العالم الإسلامي من اسبانيا إلى الهند ومن أوروبا حتى اليمن وجزر القمر، وحكمت بنظامها الأرض والبحر والشعب، وبذلك اكتملت أركان الدولة (الأرض والشعب والحكومة ونظام الحكم) , وقد كون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دولة المدينة المنورة وكان فيها السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وقد تم تحديد ذلك بوضوح في صحيفة المدينة أو الوثيقة الأولى لتأسيس الدولة المدنية والتي أسست للمواطنة الصالحة في دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة (كما قلنا في مقال سابق)، تلك الدولة التي عرفت الحدود، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يضع حدودا بين لابتيها شمالا وشرقا وغربا، كما حدد في الصحيفة شعب المدينة وعلاقته بالشعوب المجاورة ، وحدد جيران الدولة وكيف تكون العلاقة معهم، وراسل الملوك والسلاطين والعظماء والحكام في مراسلات تاريخية معلومة وثابتة.
واتخذ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من الانتخاب وسيلة لاختيار النقباء (نواب الشعب) فبعد أن بايع المسلمون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيعة العقبة الثانية قال لهم: (اخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا (نائبا) ليكونوا على قومهم بما فيهم)، فاخرجوا منهم (أي انتخبوا) اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس (حسب الكثافة السكانية وعدد الخزرج والأوس)، فلما تخيروهم (انتخبوهم) قال للنقباء (انتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي )انظر السيرة النبوية، محمد سعيد البوطي، دار الفكر: دمشق (ص 180)، والرحيق المختوم للمباركفوري، جمعية إحياء التراث: الكويت (ص151). انظر كتابنا مواقف سياسية من سيرة خير البرية، جمعية الشورى الإسلامية مملكة البحرين (ص23)، والموسوعة الإسلامية العامة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: مصر (ص651).
وفي بيعة العقبة الثانية وقعت أول معاهدة سياسية في الإسلام. جاء فيها: (تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم) رواه أحمد.
وقد شاركت المرأة في هذه البيعة يقول كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه: (حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان من نسائنا، نسيبة بنت كعب - أم عمارة - من بني مازن بن النجار وأسماء بنت عمرو - أم منيع - من بني سلمة).. وقال صلى الله عليه وآله وسلم لهما (لقد بايعتهما على ما بايعتكم عليه) (الإصابة 4/479).
وعاهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قريشا في صلح الحديبية، وعاهد حاكم ايلة في غزوة تبوك (ساعة العسرة)، ودافع عن المدينة المنورة في غزوة الأحزاب، وعندما انتقل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى اجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة ودار بينهم حوار ديمقراطي شوري حر رائع، وبعد انتخاب الصديق في السقيفة ومبايعته البيعة العامة في المسجد حدد الصديق العلاقة بينه وبين الشعب فقال: (أيها الناس فاني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني، وان أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي حتى ارجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فان عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم) (إسناده صحيح - ورد في البداية والنهاية).
وبذلك اتضحت معالم الدولة الإسلامية المدنية في هذه الخطبة من الخليفة الأول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد حدد الصديق قواعد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وفي هذا الموقف يقرر الصديق أن للشعب إرادة حية واعية لها القدرة على المناصرة، والمناصحة، والمتابعة، والمراقبة، والمحاسبة، والتقويم.
وقد تم اختيار الصديق بطريقة الاختيار المباشر من أهل الحل والعقد ثم من الشعب في البيعة العامة ، وتم اختيار الفاروق من بعده بطريقة شورية، وحدد الفاروق طريقة متميزة لاختيار الحاكم من بعده ظهر فيها المشاورة للصغير والكبير، والمرأة والرجل والعبد والسيد، كما تم اختيار الإمام علي رضي الله عنه بالبيعة العامة المباشرة في المسجد وهذه كلها دلائل وقرائن تبين مدنية الدولة الإسلامية، وأنها ليست دولة دينية كهنوتية بالمفهوم الكنسي، لأن الأمة مصدر سلطات الخليفة، وهي تتابعه، وتناصره، وتقومه، ولا يمكن الادعاء بأن الخليفة يستمد سلطاته من تفويض إلهي بشكل أو آخر، ويتبين من المواقف السابقة أن تولية الخليفة بالبيعة وليس هناك تفويض إلهي للحاكم في دولة الإسلام , وبذلك انتفت عن دولة الإسلام صفة الدولة الدينية الكهنوتية، وكذلك انتفى عن دولة الإسلام فصل الدين عن الدولة أي الدولة العلمانية، فالصديق يقول (أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)، ففصل الدين عن الدولة في الإسلام يخلع عن الحاكم حق الطاعة، فطاعة الحاكم مترتبة على طاعة الله ورسوله، لأن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع في الدولة الإسلامية المدنية خاصة في الحلال والحرام والعبادات والمعاملات الواردة في الآيات القرآنية قطعية الدلالة (وعددها قليل جدا في القرآن الكريم) , أما الآيات ظنية الدلالة (وهي معظم آيات القرآن) فيقوم العلماء باستنباط الأحكام منها وفق متغيرات الزمان والمكان وقد فطن الإمام الشافعي رحمه الله إلى ذلك وغير فتواه بانتقاله من البيئة العراقية واليمنية إلى البيئة المصرية.
الإسلام لا يعرف الدولة الدينية الكهنوتية ذات الحق الإلهي والتفويض الإلهي للحاكم والقاعدة النبوية في ذلك (انتم أعلم بأمور دنياكم).
والإسلام لا يعرف الدولة العَلمانية (بفتح العين) التي تفصل الدين عن الدولة، وتحبسه في الشعائر التعبدية (الحج والصلاة والصيام) بل الدين يتدخل في اختيار الحاكم، والاقتصاد، وهو أساس التربية والتعليم، والتداوي بالحلال والمطعم الحلال، والزواج على أساسه شرعي، والجهاد والدفاع عن الوطن واجب شرعي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حجر الزاوية في دولة الإسلام، فلا مكان في الإسلام للكهنوتية أو العَلمانية (بفتح العين) والناس في دولة الإسلام سواسية كأسنان المشط، وهم من أصل واحد، والدولة الإسلامية تقوم على المواطنة الصالحة كما حددت وثيقة المدينة المنورة، وتقوم على الحرية (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، وتقوم على العدل (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) (النساء 58) والشورى أساس الحكم والانتخاب وسيلته وهذه كانت بعض الأدلة أوردناها حسبما يتسع المقام لبيان أن الدولة في الإسلام دولة مدنية بمرجعية إسلامية في الحلال والحرام وفق الآيات قطعية الدلالة والأحاديث النبوية المفسرة لذلك، ولا مكان للعَلمانية أو الكهنوتية في دولة الإسلام المدنية. (وتفصيل ذلك مبسوط في كتب وبحوث الدراسات الإسلامية العلمية).
واتخذ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من الانتخاب وسيلة لاختيار النقباء (نواب الشعب) فبعد أن بايع المسلمون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيعة العقبة الثانية قال لهم: (اخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا (نائبا) ليكونوا على قومهم بما فيهم)، فاخرجوا منهم (أي انتخبوا) اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس (حسب الكثافة السكانية وعدد الخزرج والأوس)، فلما تخيروهم (انتخبوهم) قال للنقباء (انتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي )انظر السيرة النبوية، محمد سعيد البوطي، دار الفكر: دمشق (ص 180)، والرحيق المختوم للمباركفوري، جمعية إحياء التراث: الكويت (ص151). انظر كتابنا مواقف سياسية من سيرة خير البرية، جمعية الشورى الإسلامية مملكة البحرين (ص23)، والموسوعة الإسلامية العامة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: مصر (ص651).
وفي بيعة العقبة الثانية وقعت أول معاهدة سياسية في الإسلام. جاء فيها: (تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم) رواه أحمد.
وقد شاركت المرأة في هذه البيعة يقول كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه: (حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان من نسائنا، نسيبة بنت كعب - أم عمارة - من بني مازن بن النجار وأسماء بنت عمرو - أم منيع - من بني سلمة).. وقال صلى الله عليه وآله وسلم لهما (لقد بايعتهما على ما بايعتكم عليه) (الإصابة 4/479).
وعاهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قريشا في صلح الحديبية، وعاهد حاكم ايلة في غزوة تبوك (ساعة العسرة)، ودافع عن المدينة المنورة في غزوة الأحزاب، وعندما انتقل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى اجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة ودار بينهم حوار ديمقراطي شوري حر رائع، وبعد انتخاب الصديق في السقيفة ومبايعته البيعة العامة في المسجد حدد الصديق العلاقة بينه وبين الشعب فقال: (أيها الناس فاني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني، وان أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي حتى ارجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فان عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم) (إسناده صحيح - ورد في البداية والنهاية).
وبذلك اتضحت معالم الدولة الإسلامية المدنية في هذه الخطبة من الخليفة الأول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد حدد الصديق قواعد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وفي هذا الموقف يقرر الصديق أن للشعب إرادة حية واعية لها القدرة على المناصرة، والمناصحة، والمتابعة، والمراقبة، والمحاسبة، والتقويم.
وقد تم اختيار الصديق بطريقة الاختيار المباشر من أهل الحل والعقد ثم من الشعب في البيعة العامة ، وتم اختيار الفاروق من بعده بطريقة شورية، وحدد الفاروق طريقة متميزة لاختيار الحاكم من بعده ظهر فيها المشاورة للصغير والكبير، والمرأة والرجل والعبد والسيد، كما تم اختيار الإمام علي رضي الله عنه بالبيعة العامة المباشرة في المسجد وهذه كلها دلائل وقرائن تبين مدنية الدولة الإسلامية، وأنها ليست دولة دينية كهنوتية بالمفهوم الكنسي، لأن الأمة مصدر سلطات الخليفة، وهي تتابعه، وتناصره، وتقومه، ولا يمكن الادعاء بأن الخليفة يستمد سلطاته من تفويض إلهي بشكل أو آخر، ويتبين من المواقف السابقة أن تولية الخليفة بالبيعة وليس هناك تفويض إلهي للحاكم في دولة الإسلام , وبذلك انتفت عن دولة الإسلام صفة الدولة الدينية الكهنوتية، وكذلك انتفى عن دولة الإسلام فصل الدين عن الدولة أي الدولة العلمانية، فالصديق يقول (أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)، ففصل الدين عن الدولة في الإسلام يخلع عن الحاكم حق الطاعة، فطاعة الحاكم مترتبة على طاعة الله ورسوله، لأن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع في الدولة الإسلامية المدنية خاصة في الحلال والحرام والعبادات والمعاملات الواردة في الآيات القرآنية قطعية الدلالة (وعددها قليل جدا في القرآن الكريم) , أما الآيات ظنية الدلالة (وهي معظم آيات القرآن) فيقوم العلماء باستنباط الأحكام منها وفق متغيرات الزمان والمكان وقد فطن الإمام الشافعي رحمه الله إلى ذلك وغير فتواه بانتقاله من البيئة العراقية واليمنية إلى البيئة المصرية.
الإسلام لا يعرف الدولة الدينية الكهنوتية ذات الحق الإلهي والتفويض الإلهي للحاكم والقاعدة النبوية في ذلك (انتم أعلم بأمور دنياكم).
والإسلام لا يعرف الدولة العَلمانية (بفتح العين) التي تفصل الدين عن الدولة، وتحبسه في الشعائر التعبدية (الحج والصلاة والصيام) بل الدين يتدخل في اختيار الحاكم، والاقتصاد، وهو أساس التربية والتعليم، والتداوي بالحلال والمطعم الحلال، والزواج على أساسه شرعي، والجهاد والدفاع عن الوطن واجب شرعي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حجر الزاوية في دولة الإسلام، فلا مكان في الإسلام للكهنوتية أو العَلمانية (بفتح العين) والناس في دولة الإسلام سواسية كأسنان المشط، وهم من أصل واحد، والدولة الإسلامية تقوم على المواطنة الصالحة كما حددت وثيقة المدينة المنورة، وتقوم على الحرية (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، وتقوم على العدل (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) (النساء 58) والشورى أساس الحكم والانتخاب وسيلته وهذه كانت بعض الأدلة أوردناها حسبما يتسع المقام لبيان أن الدولة في الإسلام دولة مدنية بمرجعية إسلامية في الحلال والحرام وفق الآيات قطعية الدلالة والأحاديث النبوية المفسرة لذلك، ولا مكان للعَلمانية أو الكهنوتية في دولة الإسلام المدنية. (وتفصيل ذلك مبسوط في كتب وبحوث الدراسات الإسلامية العلمية).