منتديات الحوار الجامعية السياسية

شخصيات صنعت التاريخ

المشرف: بدريه القحطاني

#51195
قدّم بيير ميلزا العديد من الكتب عن إيطاليا وتاريخها الحديث بحيث أنه أصبح مرجعا عنها في فرنسا، كما في إيطاليا. وبعد أن قدم سيرة حياة «موسوليني» في كتاب، يعود من جديد للكتابة عن هذا الرجل الذي عرفت إيطاليا في ظله نظاما فاشيا دكتاتوريا، ولكنه يكتب عن «الأيام الأخيرة من حياة موسوليني»، كما يقول عنوان الكتاب.

كُتب الكثير عن الفترة الفاشية في إيطاليا، ولكن مؤلف هذا الكتاب أن الأيام الأخيرة من حكم موسوليني وهربه ونهايته لم تظهر حتى الآن كل أسرارها. ومن بين هذه «الأسرار» قوله إن حقيقة موته لا تزال تثير الكثير من التساؤلات حتى اليوم، هذا على عكس صديقه «ادولف هتلر» الذي كان هناك إجماع على وفاته في الخندق الذي كان قد لجأ إليه أمام زحف قوات الحلفاء. وهذا ما كان قد بيّنه بوضوح المؤرخ «جوشيم فيت» في كتابه الذي يحمل عنوان «الأيام الأخيرة من حياة هتلر».

يبدأ المؤلف تأريخه عن الأيام الأخيرة من حياة موسوليني من تاريخ ‬25 أبريل-نيسان من عام ‬1945، الساعة الثامنة مساء في مدينة ميلانو بشمال إيطاليا. إنه يصف ذلك «الموكب الذي نقل موسوليني والمقرّبين المخلصين من مساعديه إلى جهة غير معروفة. وبعد ثلاثة أيام، في بلدة غيلونيو دي ميزغرا، على الضفة الغربية لبحيرة كوما، جرى تنفيذ حكم الإعدام بموسوليني وعشيقته كلاريتا بيتاكسي».

ثم يتساءل المؤلف مباشرة: ماذا جرى طيلة تلك الأيام الثلاثة؟ كيف جرى اعتقال الدكتاتور؟ ومن الذي أطلق النار عليه؟ وهل جرى إعدامه بالوقت نفسه مع شريكة حياته أم هناك فارق ساعات بين إعدام الاثنين؟ وما هي الظروف التي عرفتها عملية اعتقال موسولينيني وكارليتا وماذا من جرى من أحداث بعد اعتقالهما؟ وهل كان هناك دور لأجهزة الاستخبارات الأميركية، وخاصة البريطانية، في عملية اعتقالهما؟ وهل حمل موسوليني معه إلى قبره أسرار مساوماته مع الحلفاء؟ وسؤال كبير: أين ذهبت سبائك الذهب الإيطالية؟ هل حملها الفاشيون معهم على عجل؟

إن المؤلف يبحث من موقع المؤرخ المختص وبعيون «المحقق» المدقق عن إجابات لمثل هذه الأسئلة كلها. وهو لا يتردد في القول إن الأيام الأخيرة الثلاثة من حياة موسوليني تحاكي إلى حد كبير أجواء «الروايات البوليسية» وقصص الجاسوسية. لكن على خلفية المأساة التي عاشها الشعب الإيطالي في ظل الحرب الأهلية.

ومما يكشف عنه هذا الكتاب القول إن موسوليني تناول في عشائه ليوم ‬27 أبريل- نيسان من عام ‬1945، الأرز المطبوخ بالطريقة الإيطالية «روزوتو» ولحم الماعز. كان ذلك في الثكنة التابعة لأنصار غاريبالدي، حسب تسميتها، حيث كان قد جرى اعتقاله. وفي صباح اليوم التالي، أي في ‬28 أبريل- نيسان ‬1945 تمّ إعدامه رميا بالرصاص مع كارليتا، عشيقته، ثم جرى تسليم جثته مع جثث عدد من أركان النظام الفاشي للسلطات العامة الشعبية ليجري عرضها في ساحة المدينة. لم تكن الحرب الأهلية قد انتهت آنذاك، لكن المؤلف يؤكد أن مرحلة جديدة كانت قد بدأت في حياة الشعب الإيطالي.

إن مواد هذا الكتاب يمكن توزيعها بين ثلاثة أقسام رئيسية. يخص الأول منها التذكير بالظروف التي انهارت فيها جمهورية موسوليني كي يجد نفسه في طرق الشمال حيث كان متّجها، كما يبدو، إلى سويسرا. وكان يرافقه بعض المقربين الذي ظلّوا أوفياء له، وكذلك بعض الجنود الألمان المكلّفين بحراسته، هذا قبل اعتقاله في مدينة دونغو.

القسم الثاني يخص المراحل المتعلقة باعتقال موسوليني وتحويله إلى مزرعة عائلة «دو ماريا». وهناك وصلت مجموعة من المقاومين بقيادة «والتر اوديزيو»، المدعو الكولونيل فاليريو، بقصد إعدامه بناء على أوامر لجنة المقاومة في ميلانو. وبعد إعدامه وعشيقته التي ظلت متعلقة به حتى النهاية، جرى عرض جثتيهما في ساحة مدينة ميلانو. إن المؤلف يصف بدقة كبيرة تفاصيل ذلك كله.

أما القسم الثالث فهو يخص النقاط الأكثر «إبهاما» في قضية اعتقال موسوليني وإعدامه. إن المؤلف يعود إلى الحديث عن شخصية المدعو الكولونيل فاليريو. ويؤكد أنه ليس «والتر اوديزيو»، كما هو شائع بل «لويجي لونغو» الأمين العام للحزب الشيوعي الإيطالي لاحقا. ويؤكد أيضا أن سبائك الذهب التي حاول موسوليني أخذها معه انتهت إلى خزائن الحزب الشيوعي الإيطالي.

ومن الواضح أن مؤلف هذا الكتاب يضع المصير الذي عرفه موسوليني في إطار الخلافات بين فصائل المقاومة الإيطالية ضده وحتى داخل الحزب الشيوعي الإيطالي. وفي المحصلة يؤكد أن الشيوعيين الإيطاليين لعبوا دورا مركزيا في المصير الذي آل إليه موسوليني وبالمقابل يقلل من مصداقية تورط الأجهزة السرية الأميركية والبريطانية، هذا رغم أن تشرشل كان يريد «إسكات» ذلك الذي كان قد أغرق عليه المديح سابقا. وكتاب عن تاريخ إيطاليا المعاصر وعن تاريخ الحرب العالمية الثانية.