صفحة 1 من 1

التنصير والأمن القومي

مرسل: الأربعاء مايو 09, 2012 2:24 pm
بواسطة غالب معيكل
بدأت عمليات التنصير من بعد رفع المسيح عليه السلام من خلال الجيل الثاني والثالث والرابع من الذين لم يلتقوا المسيح عليه السلام مثل بولس ولوقا وغيرهم. وتعاقبت الطوائف النصرانية بعد ذلك في حمل مهمة تنصير الناس، ومن أول هذه الطوائف كانت الطائفة النسطورية أو النساطرة، وهي نسبــة إلى "نســـطور" التي هاجرت من "الرها" بعد أن أغلقت مدرستهم فيها -مدرسة الرها- على يد زينون سنة 439م، فهاجرت الطائفة تحت قيادة "بارسوما" سنة 457م إلى فارس، وأنشأت فيها مدرسة "نصيبين"، وانتشرت من هذه المدرسة حملات التنصير على الطريقة النسطورية إلى جوف آسيا وبلاد العرب.
ثم تعاقبت حملات التنصير وتزعمها في الجهة الغربية من فلسطين اليـــــعاقبـة، الذين اختلفـوا مع النساطـــرة حول طبيعــــة المسيح عيسى بن مريم -عليهما السلام-.
ولم يسلم المغول أنفسهم من حركة التنصير هذه، إذ أريد من تنصيرهم كسب أمة وثنية إلى النصرانية من ناحية، ومن ناحية أخرى التأثير على المسلمين بتفادي خطرهم على الحملات التنصيرية، فيما إذا انضم المغول إلى المسلمين.
وقد انضم المغول إلى المسلمين بعد أن هداهم الله إلى الإسلام، وعاونوا قادة المسلمين في تصديهم للحملات التنصيرية.
وبعد ذلك بدأت مرحلة جديدة تشكَّل خلالها الصراع بين المسلمين والنصارى بوضوح أكثر إبَّان الحروب الصليبية، التي لا تعدو كونها شكلاً من أشكال التنصير، اتُّبعت فيه القوة والغزو العسكري.
وكان يدور خلال الحملات الصليبية الثماني نقاش وحوار ومناظرات كثيرة جداً بين المسلمين والنصارى من علماء الدين الإسلامي ورجال الدين النصراني، وكانت من نتائجه ظهور مجموعة من المـؤلَّـفات تناقش حقيقة النصرانية وترد على النصارى في زعمهم حول طبيعة المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، وأسباب عدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، رغم ذكر بعثته في الكتب التي بين أيديهم.
وكما أن الحروب الصليبية لم تفلح عسكريًا فهي لم تفلح عقديًا في تشكيك المسلمين برسالتهم، بل زادتهم تمسُّكًا بدينهم أدَّى في النهاية إلى خروج الصليبيين من أراضي المسلمين دون الفوز بما قدموا من أجله. مع هذا فلا يغفل تأثير الحملات الصليبية على المجتمع المسلم، فقد زاد عدد الكنائس، وبالتالي زاد عدد المنصرين.
ويذكر أنه بعد خضوع عكا لسيطرة الصليبيين فقد تحولت مساجدها إلى كنائس، وصوامعها صارت محل أحد النواقيس، وفي مثل ذلك التعبير نجده يكشف بجلاء عن دور الصليبيين في تغيير هوية المنطقة الإسلامية ومحاولة تنصيرها من خلال القضاء على الدور الهام لأماكن العبادة الإسلامية في صورة المساجد، بل وصل الأمر أن صارت هناك بقعة صغيرة في مسجد عكا الجامع يجتمع فيه الغرباء من أجل إقامة الصلاة.
ويمكن وصف ابن جبير بأنه شاهد عيان معاصر على تلك الحقيقة، ألا وهي السياسة التنصيرية التي أراد الصليبيون تنفيذها في منطقة الشرق الأدنى من أجل توسيع رقعة عالم المسيحية على حساب الإسلام والمسلمين.
كما يورد بعض الأخبار عن أسامة بن منقذ في كتابه (الاعتبار)، ثم يعقِّب على ذلك بقولـه: "وتجدر الإشارة أن إيراد ذلك الرحالة لمثل تلك الأحداث يدل على أنه أدرك خطورة البعد التنصيري كأحد أهداف المشروع الصليبي الذي رغب في تحويل مسلمي الشرق الأدنى إلى مسيحيين يدينون بالولاء لكنيسة روما وفق المذهب الكاثوليكي، مع ملاحظة أن الرحالة المسلمين الذين زاروا بلاد الشام في ذلك العصر، حرصوا على إيراد بعض الروايات الهامة عن ذلك الجانب التنصيري. ولا مراء في أن رواية "أسامة بن منقذ" لها شأنها في ذلك المجال مع ندرة ما ورد في هذا الشأن في المصادر التاريخية العربية المعاصرة".