صفحة 1 من 1

الوضع في سوريا

مرسل: الأربعاء مايو 09, 2012 4:18 pm
بواسطة غالب معيكل
1. ليست القضية السورية قضية "نزاع طائفي"، إنّما يعتبر موضوع "الطائفية" إحدى خلفيّاتها، وهي في جوهرها قضية استبداد جهات تهيمن على السلطة وتحتكرها، وتنتهك الحقوق والحريات ومعها القيم والأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية. وكون غالبية هذه الجهات من طائفة العلويين، يوجب التوضيح أنّ الاستبداد بحدّ ذاته هو المرفوض، وأنّ احتكار السلطة هو المرفوض، وأنّ الانتهاكات هي المرفوضة، سيّان من يمارس ذلك أو بعضه، في أي بلد وأي وقت، وبأي شكل أو حجّة.
2. وجوهر قضيّة الاستبداد هو انتهاك حقوق الإنسان، فردا أو فئة سكانية، سواء كانت تلك الفئة تمثّل بعض الأقليات أو الأكثرية. ومهما اختلفت الرؤى والمنطلقات والتصورات حول تفاصيل حقوق الإنسان الثابتة وحرياته الأساسية تبقى الحصيلة متطابقة في كليّاتها الرئيسية، وفي شمولها لحرية المعتقد الديني والاتجاه السياسي والكلمة والتعبير وحقوق المواطنة والحياة الكريمة، مع ما يتطلّبه ذلك كلّه من ضمانات وآليّات عملية، كفيلة بأن تجعل السلطة الحاكمة تمثّل إرادة السكان في مختلف الظروف، مع رفض "الظروف الاستثنائية" ذريعة لغير ذلك.
3. لا يتحقق هدف التخلص من الاستبداد بالتعامل معه من جانب دون آخر، ومع أوضاع فئة دون فئة، وفي إطار ميدان دون ميدان، إنما يزول الاستبداد عندما يتوفّر وضع تكون فيه المرجعية التشريعية للجميع ولسائر المجالات صادرة عن إرادة السكان، ويكون التعبير عنها عبر تثبيت نصوص دستورية وقانونية ملزمة، وشريطة غياب الاستثناءات المتناقضة معها مثل:
o حالة الطوارئ دون مبرّر حقيقي (أي منطقي تشريعيا ومعتبر دستوريا ومحدّد زمنيا ومنضبط تنظيميا).
o أو مثل انفراد أي حزب أو مجموعة أحزاب بالهيمنة على السلطة.
o أو مثل استئصال تيارات وأفكار أخرى أو حصارها.
هذا علاوة على حتمية فصل السلطات فصلا كفيلا بتحقيق سيادة القضاء واستقلاليته ونزاهته، وبمحاسبة السلطة التنفيذية من جانب السلطة التشريعية، وتقنين التعدّدية القائمة على تكافؤ الفرص والحقوق والواجبات في إطار المرجعية التي تقرّرها إرادة السكان، ومع ضمان عمليات التصويت بأساليب معتمدة في الإعداد لها وإجرائها واستخلاص نتائجها.
4. الحديث عن طائفة بعينها -كما هو مطلوب في هذا القسم من البحث- لا يعني التركيز عليها دون سواها، ولا ينفي ضرورة الحديث عن غيرها، وإن كان ممّا يفرض الحديث عنها وجودها هي في السلطة وجودا مهيمنا وعلى مدى حياة جيل كامل من تاريخ سوريا الحديث. كما أنّ شمول الحديث بالضرورة لمواقف علماء الإسلام من أطروحات الطائفية وممارستها التاريخية والراهنة، لا يعني الخوض في أسلوب التكفير أو التبرئة من التكفير، فللتكفير في الإسلام أحكامه الثابتة الملزمة وعلماؤه وشروطه الموضوعية، ويحتاج قطعا إلى توفّر ظروف أخرى غير الظروف المعاصرة المتميزة بتغييب سيادة المرجعية الإسلامية واستقلالها، وإقصائها عن الحكم وكثير من جوانب الحياة. كذلك فالحديث عن ممارسات الطائفة السياسية، لا يعني المضيّ في أسلوب "إدانتها" بالخيانة أو الإجرام أو ما شابه ذلك، فهذا –وإن انتشر في الكتابات الصحفية والفكرية- قد يصل إلى مستوى تهمة لها مبرراتها، ولا يمكن أن يصل إلى مستوى إدانة ثابتة لأي جهة من الجهات، دون الرجوع إلى القضاء، ومع اشتراط توفر ما يكفل ضمان سيادته واستقلاليته وعدالته ونزاهته والتزامه بالمرجعية المنبثقة عن إرادة السكان.
5. كلّ بحث يتناول قضية شائكة معاصرة كموضوع الخلفية الدينية والطائفية للوضع السياسي في سورية، يجب –في نظر كاتب هذه السطور- أن يستهدف إصلاح الأوضاع لا تدميرها، والإسهام في بيان سبيل الإصلاح عبر كشف مواطن الخطأ ومكامن أسباب الصراع لا تأجيجه، لا سيّما وأنّ تركيز الحديث في جزء من بحث أو جزء من "ملفّ" على هذا الجانب من جوانب "القضية السورية" هو نوع من التقسيم تفرضه دراسة الأوضاع، أمّا التعامل معها فيجب أن ينطلق من نظرة شاملة لمختلف الجوانب الدينية وسواها، وآثارها الداخلية والإقليمية والدولية.
6. ولا تكتمل هذه المنطلقات للحديث دون التنويه بأنّ كاتب هذه السطور حريص على تأكيد انطلاقه من الإسلام كما أنزله الله تعالى، ويقينه بأنّه هو الكفيل ، تصوّرا ومنهاجا، بتحقيق الأهداف المرجوة، وفي مقدّمتها:
o حكم عادل تشمل عدالته الأكثرية والأقليات ويضمن للجميع الحقوق الأساسية والحريات الأصيلة.
o التعددية في ظلّ مرجعية مشتركة، مع الاعتقاد بأنّ الإرادة الشعبية الحرة من القيود والضغوط والتزييف، لا ريب أنّها تختار المرجعية الإسلامية، وهي المرجعية التي توفر لأصحاب التصوّرات الأخرى من الحقوق والواجبات، ما لا توفره مرجعية أخرى، لا سيما العلمانية بمختلف أشكال تطبيقها، القويمة والمنحرفة، ليس تجاه أصحاب المنطلق الإسلامي فحسب، بل حتى تجاه أصحاب المناهج الأخرى في نطاق العلمانية نفسها.
o توفير القدرة على التعامل مع المعطيات المحلية والإقليمية والدولية والتغييرات الكبرى الجارية في عالمنا المعاصر، اعتمادا على الإنسان الفرد، وعلى تكامل الطاقات الذاتية، لا سيما في مواجهة الحملة التي انطلقت في أواخر الألفية الميلادية الثانية، وجعلت رأس حربتها موجّهة إلى المنطقة الإسلامية بمجموعها، وبمختلف التيارات والتوجهات والانتماءات الدينية وغير الدينية فيها