منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#51336
حاولت في المقال الماضي رؤية استراتيجية لمستقبل مصر
بقلم السيد بسين - صحيفة الاهرام
أن أتجاوز الحاضر بما يسوده من مشهد سياسي مرتبك زاخر بالصراعات العقيمة بين تيارات سياسية متعارضة أشد التعارض.
مشهد تكال فيه الاتهامات بالحق أو بالباطل للمجلس الأعلي للقوات المسلحة التي يدير بصفة مؤقتة المرحلة الانتقالية التي ستنتهي حتما يوم30 يونيو المقبل, ومشهد يشتد فيه الصراع الحاد والعنيف بين القوي الليبرالية واليسارية, وتيارات الإسلام السياسي ممثلة في الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي.
لقد حاولت جماعة الإخوان المسلمين أن تهيمن علي مجمل المؤسسات السياسية في البلاد وفقا لخطة مدروسة تسعي في النهاية- وفقا لتصريحات المرشد العام وقادتها إلي تحقيق الحلم القديم للجماعة وهو إقامة الخلافة الإسلامية, وبعبارة أخري تأسيس دولة دينية خالصة علي أنقاض الدولة المدنية الراهنة التي تبعثرت قواها وتشتتت مؤسساتها بعد ثورة25 يناير.
هذا هو المشهد الكئيب الذي حاولت مغادرته للحديث عن المستقبل بمناقشة برامج المرشحين للرئاسة, وبدأت بمناقشة برنامج عمرو موسي, فظن بعض القراء وهما أنني أقوم بالدعاية له, مع أن هدفي كان التحليل النقدي لبرامج المرشحين عموما لرفع الوعي العام بأهمية مناقشتها, حتي يختار المواطنون علي أساس الأفكار التي يعتنقها كل منهم, وليس علي أساس سماتهم الشخصية وتواريخهم السياسية.
غير أن الأحداث الدامية التي دارت في ميدان العباسية ردتني بعنف شديد من الحديث عن المستقبل لكي أحلل الأحداث الراهنة مرة أخري, للكشف عن أسبابها الحقيقية وأهدافها المعلنة أو الضمنية.
وحين راجعت مقالاتي في العام الماضي والتي لم تتوقف كل خميس منذ نشوب ثورة25 يناير حتي الآن, اكتشفت أنني استشعرت مبكرا حجم المخاطر الكامنة في مسيرة المرحلة الانتقالية من السلطوية إلي الديمقراطية, وكتبت سلسلة مقالات كانت مواجهة نقدية مباشرة مع الأطراف السياسية المتعددة المسئولة عن الأزمة.
في24 نوفمبر2011 نشرت مقالة بعنوان انتهازية النخب وغوغائية الشارع وهي تصلح تفسيرا لأحداث العباسية الدامية.
وذلك لأن فريقا من النخبة السياسية يمثل التيار السلفي بقيادة حازم أبو إسماعيل أشعلوا تمردا جماهيريا واسعا بعد استبعاده من الانتخابات الرئاسية. وتمثل هذا التمرد أولا في محاصرة مبني اللجنة العليا للرئاسة وهي تنتظر قضية المرشح المستبعد مما مثل إرهابا ماديا ومعنويا للقضاة أعضاء اللجنة. وكان ينبغي علي السلطات المسئولة فض هذا الاعتصام بالقوة, تحقيقا لمبدأ استقلال القضاء وعدم خضوعه لغوغائية الشارع.
وبعد صدور الحكم النهائي بالاستبعاد دعا أبو إسماعيل أنصاره للاعتصام في ميدان التحرير الذين رفعوا شعارات غير معقولة أهمها طلب حل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وتعديل المادة28 التي تحصن قرارات اللجنة! ومعني ذلك الرجوع إلي المربع صفر, وإلغاء كل المراحل التي قطعتها في سبيل تنظيم انتخابات الرئاسة. ولو قبلت هذه المطالب العشوائية لأدي ذلك إلي إطالة الفترة الانتقالية التي تصرخ كل التيارات السياسية بضرورة إنهائها في الموعد المحدد وهو30 يونيو.
غير أن التمرد الجماهيري السلفي لم يقنع بالاعتصام في ميدان التحرير, ولكنه انتقل من خلال مظاهرات حاشدة إلي العباسية حيث مقر وزارة الدفاع. وتدعي بعض الأطراف كذبا أنه كان اعتصاما سلميا, وتتشدق جماعة الإخوان المسلمين بل وبعض المرشحين للرئاسة, أن الاعتصام السلمي حتي لو كان فوضويا وحتي لو كان منظما لاقتحام وزارة الدفاع ينبغي عدم فضه بالقوة! بل إن بعض تصريحات ممثلي النخبة السياسية علي اختلاف ألوانها تمادت وقررت أن علي السلطات حماية المعتصمين حتي لو كان هدفهم اقتحام مؤسسات الدولة!
ما هذه الغوغائية السياسية؟ وهل هناك في أي دولة ديمقراطية مظاهرات حاشدة تقطع الطرق, وتمنع المواطنين من مزاولة أعمالهم, وتسعي لاقتحام مؤسسات الدولة وتترك هكذا باسم الديمقراطية بلا أي محاولة لمنعها أو لقمعها حتي باستخدام القوة؟
ومن قال إن المظاهرات والاعتصامات حقوق مقدسة لا يجوز المساس بها حتي ولو أدي ذلك إلي المساس بمصالح الجماهير العريضة, وتهديد الأمن والاستقرار السياسي؟
وقد حذرنا قبل ذلك من تحول الثورة السلمية علي يد جماعات سياسية شتي دينية وحتي ائتلافات ثورية إلي عنف فوضوي, نتيجة استغلال النوازع الغوغائية التي تصاحب أي حشود جماهيرية كبري, لأن هذه الحشود حين يتعدي عددها عشرات الآلاف لا يمكن السيطرة علي حركتها حتي من قبل الحركات التي نظمتها. ويصبح اللجوء إلي العنف احتمالا كبيرا نتيجة تعمد هذه الحشود الاصطدام بقوات الأمن. حدث هذا في أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء, حيث اختلط الثوار مع البلطجية مع أطفال الشوارع, مما أدي إلي أحداث عنف دامية لا نعرف فيها من القاتل ومن المقتول!
وسبق أن ركزنا قراءتنا للمشهد السياسي في مقال بعنوان قراءة تحليلية لخريطة المجتمع المصري, أبرزنا فيها ملامح المجتمع المصري بعد الثورة.
وقررنا للتذكرة- أن أول ملمح هو انزواء دور المثقف التقليدي وصعود دور الناشط السياسي. وهذا الناشط السياسي ليس بالضرورة أن يكون مثقفا.ولكن لديه القدرة الفعالة علي تحريك الشارع وإثارة الجماهير وقيادة الحشود الجماهيرية ورفع الشعارات الزاعقة, والمناداة بمطالب يستحيل تحقيقها في الأجل القصير.
أما الملمح الثاني فهو ظهور الحشود الجماهيرية التي لا يمكن السيطرة علي حركتها, والتي تنزع عادة للعنف, ومن الصعب التمييز في صفوفها بين الثوريين الحقيقيين والثوريين المزيفين ممن احترفوا تهييج الشارع, بالإضافة إلي البلطجية المحترفين.
وتبقي أخطر مشكلة وهي صراع الشرعيات السياسية بين شرعية الميدان ويقصد بها الشرعية الثورية, وشرعية البرلمان ويقصد بها الشرعية الدستورية.
في ضوء هذا الصراع رفضت الائتلافات الثورية نتائج الانتخابات التي استبعدوا فيها لشرعية البرلمان, ورفعوا شعار أن شرعية الميدان هي الأساس وأنها ستبقي إلي الأبد. وفي نفس الوقت أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أنها ترفض شرعية الميدان علي أساس أنه ليس هناك سوي شرعية واحدة هي شرعية البرلمان.
غير أن الجماعة كعادتها عدلت من موقفها في إطار صراع مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة, ونزلت بمظاهرات حاشدة إلي ميدان التحرير علي أساس شرعية الميدان.
ما هذه التناقضات المتطرفة التي تشير إلي تعمق الانتهازية السياسية في مسلك جماعة الإخوان المسلمين؟
ويبقي السؤال الرئيسي ونحن علي بعد أسابيع قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية, والتي ستعجل بتسليم المجلس الأعلي للقوات المسلحة للسلطة إلي المدنيين كما هو المطلب السياسي العام, من الذي من مصلحته إعاقة المسيرة ونسف مسار الانتخابات, والنزول إلي الشوارع في محاولة يائسة ليس للاعتراض السياسي فقط, ولكن لهدم الدولة ذاتها؟
المسئولية بكل قطع تقع علي جميع الأطراف السياسية من أحزاب تقليدية وأحزاب سياسية جديدة وائتلافات ثورية وتيارات دينية.