إشكالية الانتقال الديمقراطي في المغرب والتجارب المقارنة
مرسل: السبت مايو 12, 2012 7:42 pm
-إشكالية الانتقال الديمقراطي في المغرب والتجارب المقارنة-البرتغال نموذجا -- :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=77331
عبدالواحد بلقصري
الحوار المتمدن - العدد: 1693 - 2006 / 10 / 4
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
تقديم عام
I- تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم
1.1 الانتقال عن طريق انتخابات نزيهة
2.1الانتقال عبر إصلاحات اقتصادية
3.1 الانتقال عبر آليات أخرى
II - إشكالية الانتقال الديمقراطي في المغرب السياق و الرهانات
1.2 المحددات العامة للمسلسل السياسي و الدستوري
1.1.2 المحددات السياسية
2.2 الفاعلون السياسيون و اشكالية الانتقال
3.2 الهندسة الدستورية للانتقال
III - المغرب والانتقالات الديمقراطية المقارنة البرتغال نموذجا
1.3 شروط الانتقال الديمقراطي بالبرتغال
2.3 الانتقال الديمقراطي ومدى نجاح التجربة المغربية
خلاصات
تقديم عام
تستخدم عبارة الانتقال الديموقراطي في الادبيات السياسية لوصف بلد يتخلى عن نظام حكم سلطوي ليدخل تدريجيا وبشكل سلمي في أغلب الحالات الى تجربة جديدة تتسم ببناء منظومة حكم اكثر ديموقراطية
ويجد مضمون عبارة الانتقال الديموقراطي ترجمته في مجموعة من الخصائص والمميزات ذات الطبيعة التجريبية الدالة بالملموس على تغيير فعلي في المؤسسات والقوانين وفي أساليب ممارسة السلطة وفي علاقات الحاكمين بالمحكومين وعلى توسيع نطاق المشاركة السياسية ومضاغفة مساءلة المسؤولين وعلى إحداث آليات لتحسين ادارة الحكم وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين دون تمييز.
وقد شهد الربع الأخير من القرن الغشرين تجارب انتقالية محددة جغرافيا وإثنيا كالتحاق دول مثل اليونان واسبانيا والبرتغال في منتصف السبعينات بالركب الديمقراطي الغربي. ولاحقا انهيار جدار برلين وما خلفه من دمقرطة لدولة المعسكر الشرقي. وبدورها عاشت دول أمريكا اللاتينية انطلاقا من أواخر الثمانينات عملية انتقال حقيقية.
كل هاته التجارب حققت تراكمات إيجابية فيما يخص الدراسات والأبحاث حول تجارب الانتقال الديمقراطي وأصبح هناك علم يطلق عليه علم الانتقال، وذلك بالاعتماد على مؤشرات وبراديغمات تتخذ سياقات مختلفة.
حيث أصبحت الدراسات السياسية تميز داخل معادلة الانتقال الديمقراطي بين النظرية والبراديغم.
إذ تحتضن النظرية أبيات سياسية اقتصادية واجتماعية مختلفة الطروحات (التغيير السياسي والاجتماعي ـ التغيير الديمقراطي ـ مسلسل الدمقرطة) بالإضافة إلى أن هناك مقاربات مختلفة توظف في دراسة الأنظمة اسياسية، فمنها من يعطي أهمية لدراسة الطبقات الاجتماعية والبنيات الاقتصادية ومركز الدولة في الاقتصاد العالمي، ومنها من يركز على على الجانب السوسيو مؤسساتي لدراسة الأشكال السياسة الداخلية واستراتيجيات الفاعلين، بالإضافة إلى المقاربة التي تركز على دراسة الحركات الاجتماعية ودورها في مسلسل الانتقال.
أما براديغمات الانتقال فهو عبارة عن نماذج إرشادية تقدمها بعض التجارب في شكل وصفات ( جنوب إفريقيا، البرازيل، اليونان، البرتغال، إسبانيا) هاته النماذج تختلف وفق أشكال متعددة.
شكل يتجسد في حركة التغيير التي يمكن أن يعرفها النظام السياسي عن طريق انتخابات تعددية حرة ومنظمة متنوعة بتداول للسلطة بين النخب الفاعلة وشكل يتعلق بالتغيير الذي يمس النظام السياسي عن طريق تقنية المؤتمرات الوطنية ويخص عادة التجارب التي شهدت قطيعة أدت إلى مواجهات بين الفاعلين ( تجارب إفريقية مثل الطوغو، بنين...) الذين تمكنوا في لحظة معينة أن ينتقلوا إلى نوع من المصالحة.
وشكل سياسي يتم فيه الانتقال عبر التفاوض، أو ما يطلق عليه بالانتقال المتفاوض والمتمثل في قدرة السلطة السياسية العلياعلى إدارة مجموع مراحل مسلسل الانتقال عن طريق فرض أجندة انتخابية لا تترك وقتا كبيرا أمام المعارضة لإعادة ترتيب ذاتها، غضافة إلى أن السلطة السياسية تحافظ على كل مراحل هذا الانتقال على مراقبتها للدولة الإدارة وأدوات الوساطة.
وشكل يتم فيه الانتقال بواسطة عقد امتياز سياسي موجه إلى الحركات الاجتماعية وهو ما يطلق عليه بالدمقرطة من الأعلى.
وشكل يكون فيه الانتقال عن طريق تغيير في تدبير السياسات العمومية ( السياسات المالية، التعليمية، الإدارة، القضاء...) وهو ما يسمى بالبحث عن مداخل الانتقال الميكروسياسي عكس الانتقال الماكرو سياسي المتمركز حول فكرة الإصلاح الدستوري.
فيما سيق نستنتج أن أشكال الانتقال الديمقراطي متعددة في أشكالها ومختلفة في سياقاتها. ولكن هذا لا يعني أن الانتقال الديمقراطي هو ظرف دقيق يعيشه النظام السياسي وهو بصدد تغيير تنظيمه القديم إلى تنظيم جديد يعتمد أدوات التدبير الديمقراطي. واسلوب الماسسة كنظام للحكم والمجتمع هذا من جهة ومن جهة أخرى أن كل تجربة من تجارب الانتقال الديمقراطي تعد وصفة جديدة تساهم في بناء النظرية والبراد يغم معا في الانتقال الديمقراطي.
مما سبق نستنتج أن موضوع الانتقال الديمقراطي اصبح مجالا خصبا للدراسة والتحليل وإطارا واسعا تنصب فيه اهتمامات الباحثين والفاعلين السياسيين على مقاربة هذا الموضوع من زوايا متعددة.
فالانتقال الديمقراطي هو المرور من نظام سلطوي إلى نظام حكم ديمقراطي يتم بوسائل متعددة وفي ظل ظروف وطنية مختلفة.
وما انفكت النخب الفكرية والسياسية تتعاطى مع هذا الموضوع وتوليه الأهمية بدليل عشرات الندوات واللقاءات العلمية.وانتباه هذه النجب المتزايد لهاته التجارب الدولية وبالمسارات والنتائج التي آلت إليها، لا يولد لديها ميلا إلى استنساخ تلك التجارب بقدر ما يدفع بهم إلى فهم أسس نجاحها ووعي دروسها بسبب اختلاف شروط كل بلد من الناحيتين الاجتماعية والسياسية.
والحديث عن إشكالية الانتقال الديمقراطي بالمغرب والتجارب المقارنة هو حديث. الهدف منه عرض التجارب الدولية لمعرفة اسس نجاح تلك التجارب من جهة ومن جهة إبراز أهمية الاختلاف والإشكال التي تتخذها التجارب الانتقالية المتعددة حيث أن هاته التجرب تتعدد مداخلها وتختلف ( سياسي ، اقتصادي ، قانوني، مؤسساتي...) وعليه لأهمية التجارب الدولية سوف نبدأ بتبيان بعض تجارب الانتقالات الديمقراطية وخصوصياتها أولا، وثانيا: إبراز إشكالية الانتقال الديمقراطي بالمغرب والسياق الذي طرح فيه هذا المفهوم والفرضيات والمؤشرات الممكنة الي يمكن بواسطتا قراءة هذا السياق. وثالثا: التطرق إلى العوامل المتعددة التي ساعدت النموذج البرتغالي في الدخول إلى الديمقراطية. وقراءة التجربة المغربية التي لم تنضج فيها الشروط بعد للانتقال إلى الديمقراطية. وأخيرا الخروج بخلاصات.
تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم
سوف أتطرق في هاته النقطة إلى ثلاث نماذج من الانتقال الديمقراطي يتم فيها الانتقال بشكل مختلف.
النموذج الأول: الانتقال عن طريق انتخابات نزيهة.
والنموذج الثاني: الانتقال عبر إصلاحات اقتصادية.
والنموذج الثالث: الانتقال عبر آليات أخرى.
1.1- الانتقال عن طريق انتخابات نزيهة
تبين التجربة البرازيلية أهمية الأحزاب السياسية وبالأخص الحركة الديمقراطية البرازيلية، حيث أصبحت هذه الحركة بمفردها تشكل المعارضة الأساسية داخل الدولة، وتصرفت هذه الحركة بذكاء حيث انها احتفظت بثقة المؤسسة العسكرية مع علمها في اتجاه دمقرطة الدولة. وتدريجيا مع تغيير ظرفية الدولة تغيرت أيضا ظرفية هذه الحركة.
من اجل تشغيل الطريق نحو الديمقراطية وافقت الحكومة العسكرية على قوانين العفو وغيرت النظام الانتخابي لإقرار التعددية الحزبية ( بدل الثنائية) وقد قبلت المعارضة بهذه القوانين أو على الأقل لم تجعل منها مشكلا كبيرا.
وأخيرا، من خصوصيات التجربة البرازيلية بشأن الانتقال الديمقراطي يمكن ذكر العناصر التالية:
اعتماد دمقرطة النظام على مسلسل الانتخابات.
وجود المؤسسة العسكرية لم يؤد إلى تجميد أو حل البرلمان كما لم تعمل المؤسسة العسكرية على القضاء على نظام الانتخابات.
فوز الحزب المعارض في الانتخابات سنة 1974 في 16 ولاية.
التفتح السياسي بدأ من الأعلى إلى الأسفل.
غياب ميثاق تعاقدي.
احترافية الجيش.
لم تتصرف الحكومة والمعارضة كأعداء وإنما كشركاء غير مباشرين.
أهمية الأحزاب السياسية وبالخصوص حزب IDB
فالانتقال الديمقراطي في البرازيل قد أسست له المؤسسة العسكرية " مأسسة النظام الديكتاتوري" والانتقال الديمقراطي يختلف عن باقي التجارب لسببين:
1) أن تفتح النظام السياسي ابتدأ عبر الانتخابات.
2) لم يعمل الجيش على الإطاحة بنظام الانتخابات أو حل البرلمان.
2.1- الانتقال عبر إصلاحات اقتصادية
هناك أكثر من انتقال ديمقراطي في العملية السياسية الواحدة، هناك انتقال اقتصادي وآخر اجتماعي وثالث قانوني ومؤسساتي. وبالتالي فالحديث يجري حول مجموعة من الانتقالات داخل نفس التجربة. اما بخصوص تجربة " بولونيا " التي عرفت الانتقال من النظام الشيوعي إلى النظام الديمقراطي التعددي ذي الاقتصاد الليبرالي.
إن صعوبة الانتقال الاقتصادي من النموذج الموجه الذي يعتمد التخطيط إلى نموذج اقتصادي ليبرالي يعتمد السوق الحرة. فهناك صعوبات داخلية في إعادة تكييف مؤسسات الإنتاج مع النظام الرأسمالي، وهناك صعوبات على المستوى الخارجي في العلاقة مع الاقتصاديات الأوربية القوية.
مع كل هذه الصعوبات يجب الاعتراف بأن صيرورة الاندماج في الاتحاد الأوربي شكلت ما يشبه آلية هائلة للدمقرطة في بولونيا فـ " الشرطة الصلبة " التي يفرضها النظام الأوربي على كل راغب في الاندماج في اتحاده، تدفع الأنظمة إلى إعمال إصلاحات هيكلية على كل المستويات، ثم أن مفاتيح الانتقال الديمقراطي حسب ما أفرزته تجربة بولونيا هي الرأسمال البشري، جودة التعليم والمرونة في التعاطي مع الأوضاع الداخلية والخارجية.
3.1 الانتقال عبر آليات أخرى
لقد فتحت تجارب دولية، كجنوب إفريقيا، والشيلي نقاشا قويا حول حقوق الإنسان، تم تأسيس مائدة للحوار كافة الأطراف لمعالجة قضية الانتهاكات المتعددة لحقوق الإنسان هادفة من ذلك توضيح مصير المعتقلين المفقودين والتأكد من الأماكن التي تتواجد بها حثتهم.
فنشأت لجن للبحث عن الحقيقة، من خلال مسطرة المساءلة. فالحقيقة، ثم الإنصاف. للوصول إلى الهدف الكبير وهو المصالحة.
ولكن لكل بلد تجربته من الناحيتين الاجتماعية والسياسية، وتعامل كل بلد مع المسألة الحقوقية محكوم ببدأ البنية، رغم الأمال المعقودة عليها سلفا.
ويكتسي مفهوم التعامل مع " الماضي الأسود " معنى خاصا في تجارب متعددة ولبلدان عدة، فالماضي الأسود وما عرفه من انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان، ألقت بظلالها على الكثير من المواقف مع مسألة " القطيعة" مع الماضي ولكن القطيعة لا تعني الانطلاق من الصفر بقدر ما ترمي إلى التغيير والتجديد دون فقدان خيط التواصل مع النقط القوية في ماضي الشعوب وتاريخها.
II ـ إشكالية الانتقال الديمقراطي في المغرب: السياق والرهانات
سوف أبرز في هاته النقطة من جهة أولى المحددات العامة للمسلسل السياسي والدستوري وبالضبط المحددات السياسية. ومن جهة ثانية الفاعلون وإشكالية الانتقال، ومن جهة ثالثة الهندسة الدستورية للانتقال ، الغاية هي توضيح مختلف هاته النقط من أجل تعميق النقاش حول إشكالية الانتقال اليمقراطي بالمغرب.
1.2 المحددات العامة للمسلسل السياسي والدستوري
عرف المغرب منذ عقد التسعينيات من القرن 20 مجموعة من الأحداث التي اعتبرها المتبعون والمهتمون بالحياة السياسية بمثابة مؤشرات على تحول نوعي في اتجاه ليبرالية سياسية أكثر افتاحا. هذه الأحداث التي ارتقت حسب تحليلات الفاعلين السياسيين لترمز إما إلى بداية الانتقال الديمقراطي، أو انتكاسة الانتقال. ومن بين أهم هذه الأحداث والمبارات البارزة التي أرخت وساهمت في تداول حديث من هذا النوع، نذكر ما يلي:
تاسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1990.
إحداث وزارة حقوق الإنسان سنة 1993.
إطلاق سراح المعتقلين السياسيين عودة المنفيين في غشت 1991 ـ يوليوز 1993 ـ ماي 1994.
صعود نقاش حول الإصلاح السياسي والدستوري والتي قادت إلى ميلاد لوثيقتين الدستورتين الأولى ( 1992) والثانية ( 1996) كنص دستوري يستمر في تأطير الحياة السياسية إلى اليوم.
الانتخابات التشريعية سنة 1997.
ميلاد تجربة التناوب سنة 1998.
الولاية البرلمانية السادسة.
انتقال الملكية سنة 1999.
الانتخابات التشريعية لشتنبر 2002.
الحكومة التقنوقراطية ـ السياسة الجديدة 2002.
لقد كانت هاته لأحداث بمثابة إشارات وتلميحات إلى أن النظام السياسي المغربي يحاول أن يغير من بنيته ومن آلية اشتغاله معلنا ذلك عن بداية مرحلة للتعامل وتدبير الشأن السياسي.
وفي تحليلنا هذا سوف نحاول أن نركز على المحددات العامة للمسلسل السياسي والدستوري. دون الإكثار من جرد وقائع وأحداث سياسية كي لا نقع في عملية تكرار لبعض المواضيع التي سبق عرضها.
1.2 المحددات السياسية
ثقافة الفاعلين السياسين: لقاموس السياسي المتداول:
داخل هذا المسلسل الذي اختلفت إيقاعاته وإشاراته السياسية، راجت في الفضاء السياسي المغربي منذ بداية التسعسنيات بالموازاة مع ذلك مجموعة من المفاهيم والتوضيحات والنعوت السياسية التي جاءت منتظمة في خطب وبيانات وتصريحات لفاعلين السياسيين، تشير إلى نوع الثقافة السياسية السائدة لديهم ومن بين هذه التوضيحات يمكن ان نشير إلى ما يلي:
ـ دولة الحق والقانون ـ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ـ الكتلة الديمقراطية ـ مواصلة التعاقد التاريخي بين الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية ـ السكتة القلبية ـ وثيقة الاستقلال والديمقراطية ـ الأحزاب الإدارية ـ التناوب التوافقي ـ حكومة التناوب ـ التعاقد السياسي ـ الإصلاح السياسي والدستوري ـ الإسلام السياسي ـ بداية الانتقال الديمقراطي ـ نهاية الانتقال ـ أنا رجل الانتقال لديمقراطي ـ موت الكثلة مول النوبة ـ المشروع الحداثي الديمقراطي ـ التطرف ـ الإرهاب...
هذه المفاهيم والنعوت بمكن أن نسجل بصددها مجموعة من الملاحظات نذكر منها ما يلي:
1) هناك فاعلين في الحقل السياسي مازالوا يعيشون على مشروعية حدث الاستقلال رغم مرور حوالي نصف قرن على ذلك. بل إنهم يحاولون صياغة الحاضر على ضوء الماضي ( وثيقة الاستقلال والديمقراطية، إذ دأب هذا الحزب على ضافة مصطلح الديمقراطية إلى نوان وثيقة الاستقلال وذلك بمناسبة ذكرى 11 يناير 1944).
2) استعمال بعض المفاهيم ذات ادلالة الدستورية والمؤسساتية التي تم توظيفه سياسيا دون كتابتها دستوريا ( التناوب، التراضي، التوافق) وهي تعبيرات ومفاهيم تفيد بوجود نوع من الخلط بين البنيات الدستورية المكتوبة واممارسات السياسية والإديولوجية.
3) هناك نوع من الخلط السائد بين المقاربة الشخصانية للسياسة والمقاربة المؤسساتية للانتقال الديمقراطي وهنا نشير مثلا أن الوزير الأول السابق ذ عبد الرحمان اليوسفي وفي تصريح كان قد ادلى به للقناة التلقزيونية TV5 ونشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 28 فبراير 2001 ورد فيه وبالحرف تعبير أنا رجل الانتقال.
4) هناك تسرب لبعض المفاهيم الغريبة والجديدة إلى داخل الحياة السياسية المغربية بعد أحداث أطلس إيسلي وخاصة بعد أحداث 16 ماي 2003.
هذا فيما يخص الحقل السياسي المتداول بين الفاعلين في المجال السياسي والآن سنحول أن نبحث في محددات العلاقة بين الفاعلين.
2.2 الفاعلون السياسيون وإشكالية الانتقال
يلاحظ أن اللعبة السياسية في المغرب قد تدرجت من شكل سياسي باترمونيالي يعتمد على البنيات والعلاقات التقليدية في الممارسة اكثر من اعتمادها على عمل المؤسسات التحديثية ـ السبعينات ـ ثم بعذ ذلك تحولت إلى فضاء سياسي تستند فيه أطراف اللعبة السياسية على آليات التراضي والتوافق، حيث عوضت بها أحزاب الحركة الوطنية فشل وعدم فعالية الفتوات المؤسساتيى في حين وظفتها المؤسسة الملكية من أجل عدم إعطاء أي امتياز لأية حركة سياسية. وفي منتصف السبعينيات انتقلت الحياة السياسية إلى مستوى جديد يرتكظ على نمو ثقافة التسوية والتفاوض بين الفاعلين هذه العلاقة الجديدة التي سمحت للمعارضة السابقة بإعادة منظوراتها الاستراتيجية.
وهنا نشير مثلا إلى تغيير خطاب الاتحاد الاشتراكي، التخلي عن أفكار الزعماء التي كانت تعتبر تنظيماتها بمثابة الحزب الوحيد ( حزب الاستقلال).
وهذه الثقة التي تسربت إلى الفضاء السياسي وانتجت دستوري 1992 و 1996 والتي انبثقت من انتخابات 1997 وحكومة التناوب سنة 1998 لم تكن تحتاج إلى مفاوضات علنية أو مؤثرات سياسية وطنية، وإنما فقط إلى بعض الإشارت البسيطة التي لمحت إلى وجود نوع من الانفراج السياسي ( تعيين شخصيات من المعارضة لقيادة مجلس الشباب والمستقبل ـ ترأس ولي العهد لافتتاح ندوة مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد حول الانتقال الديمقراطي سنة 1996).
وقد شكل هذا الأمر بداية لالتقاء استراتيجيتين ( الملكية، المعارضة) بعد تباعد دام منذ سنة 1959، وقد تمت ترجمة هذا اللقاء وبشكل سري في شكل تعاقد مثلته إلى حد ما حكومة التناو، لكن ما يلاحظ على هذا التعاقد السري هو أنه لم يكن الهدف منه هو تقديم مشروع متكامل بل كان يقتصر على تهيئة الشرط الأولي لكي يتم الانتقال في أحسن الظروف بأقل خسارة ممكنة فتعيين حكومة التناوب سمح بفتح نقاش مجتمعي غير منظم وجهت من خلاله انتقادات لاذعة لملفات الماضي (سنوات الرصاص / المعتقلات). لكن الإشكال كان هو ان التمثل الاجتماعي، كان ينظر لحكومة التناوب من زاويتين يصعب التوفيق بينهما:
الأولى: تحقيق إنجازات استعجالية.
الثانية: العمل في الوقت نفسه على تصفية الماضي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هذا الوضع نتج عنه وجود حالة من الانتظارية ترتب عنها، ظاهرة الاحتجاجات الاجتماعية (اعتصامات المعطلين حملة الشهادات، احتجاجات الحقوقيين...) التي اعتبرها البعض أنها تعبر عن توسع المجال الحقوقي والحريات بالمغرب، في حين رأى فيها البعض الآخر السبب الذي عجل بسقوط حكومة التناوب فيما بعد.
داخل هذا المناخ سوف يتم الإعلان عن انتخابات 27 شتنبر 2002 وهي الانتخابات المباشرة الأولى بعد انتقال الملكية، وقد قدمها الفاعلون السياسيون بكونها انتخابات إنقاذ سياسي، إذ اختزلت فيها جل انتظارات المواطنين، بالموازاة مع ذلك باشرت الأحزاب السياسية بنقد الانتخابات السابقة وقدمت نفسها كضحية لعمليات التزوير، وكأنها تود بذلك أن تبين أن الإشكالية الأساسية التي تعوق التطور في النظام السياسي المغربي هي عدم مصداقية الانتخابات.
لقد كشفت انتخابات 27 شتنبر 2002 رغم كل الانتقادات التي وجهت إليها من بعض الأطراف أن هناك احتكاكا وقع لأول مرة بين الشارع المغربي والديمقراطي، كما أوضحت نسبة المشاركة التي لم تتجاوز 52 % أن الهوة بين المجتمع والنخب السياسية باتت واضحة.
وفي قراءة لنتائج هذه الانتخابات يمكن ن نقول بأنها خلقت إلى حد ما نوعا من الاهتزاز في الحقل، الشيء الذي قاد إلى عدم وضوح التحالفات الممكنة لقيادة لتشكيلة الحكومية الجديدة حيث انقسم الحقل السياسي بين من يدعو إلى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وبين دعاة مقولة " مول النوبة " وأمام هذا الصراع سوف يتم الإعلان عن تعيين وزير أول خارج الأحزاب ذات الأغلبية.
لكن يبقى أهم ما أسفرت عنه هذه الانتخابات هي أنها قد غيرت من ميزان القوة داخل الحياة السياسية المغربية، بعد انفراد حزب العدالة والتنمية بالمعارضة البرلمانية وانتقاله تدريجيا من ممارسة الاحتجاج من البرلمان إلى المجتمع مع باقي التيارات الإسلامية ( العدل والإحسان)، هذا المسار الذي جعل الدولة تقف مترددة بين حدود مسألة إدماج الإسلاميين المعتدلين في اللعبة السياسية، وفكرة المجازفة نحو ديمقراطية حقيقية.
هذه التطورات التي شهدها الفضاء السياسي المغربي تقودنا إلى إبداء الملاحظات التالية:
1- العلاقة بين الفاعلين فيه لم تخرج عن أمرين اثنين:
أن هناك إصلاحات عصرية كانت آخذة طريقها نحو الإنجاز، لكن في نفس الوقت هناك مخاوف من ميلاد قوة سياسية وازنة داخل الأحزاب الوطنية الديمقراطية، وهو ما يفسر الرغبة في خلق الإجماع ثم إعادة التوازن بعد ذلك برسم الخطوط الحمراء.
2- الأحزاب السياسية رغم خطابات الديمقراطية والحداثة فإنها مازالت رهينة للمرجعية التقليدية التاريخية ومازالت تعمل في إطار الدراما الإفريقية التي لابد أن ينتصر فيها الزعيم أو تغنى فيها البنية التنظيمية للحزب، كما أن جل هذه الأحزاب لم تخضع للتطور الذي عرفه المجتمع المغربي بعد السبعينات نتيجة المطالب الجديدة التي يحملها جيل أزيد من 70 % منه ولدوا بعد المسيرة الخضراء.
3.2 الهندسة الدستورية للانتقال
يعبر عدم الاستقرار في الدساتير المكتوبة بالمغرب. خمسة دساتير خلال 30 سنة عن توثر واضح في عملية انتشار الثقافة الدستورية والمؤسساتية، وعن صعوبة في ترتيب التوافقات المعلن عنها مع كل تعديل دستوري. ويمكننا أن نلاحظ أن كل الإصلاحات التي حملتها هذه الدساتير المتعاقبة، وكذا الشروط السياسية لإنجازها تقدمان طريقة واحدة لمعالجة الشيء السياسي، كما أن مضمون الدستورين الأخيرين لا يترجم فعليا الإرادة السياسية المعبر عنها، والتي ساوت بين متطلبات الموجة الجديدة للدستورانية العالمية، والتحولات الكبرى التي يعرفها المجتمع المغربي.
وعلى الرغم من أهمية العناصر التي قدمها الفاعلون السياسيون والتي شكل مسار التصويت على الدستور الأخير منطلقا لها، فإنه يمكن القول بأن هذا التوافق حول الوثيقة الدستورية لا يمكن اعتباره نقاشا نهائيان فهو مثل أي نمط من العلاقات السياسية يرتكز على توازنات ظرفية، عرضية واتفاقية بمعنى أن مسار التوافق غالبا ما يحمل في مضمونه إمكانية العودة إلى مرحلة ما قبل التوافق.
إن الوقوف وتفحص الوثيقة الدستورية والهندسة الدستورية المتبعة فيها يقودنا إلى إبداء الملاحظات التالية:
1- الحياة الدستورية تتميز بوجود ملكية حاكمة تقوم على أساس إمارة المؤمنين كتعبير حقوقي عن نظرية الخلاف، إضافة إلى ملكية تنفيذية.
2- سمو المؤسسة الملكية داخل الهندسة الدستورية مع وجود مفاهيم ذات حمولة واسعة على مستوى التأويل الدستوري مرتبطة بالتقليدانية المغربية.
3- الوثيقة الدستورية وإن وضعت في بابها الأول مجموعة من الحريات والحقوق فإن ذلك لا يرقى بالوثيقة الدستورية المغربية إلى مصاف دساتير المواطنة الحديثة وذلك من خلال تقييد ممارسة هذه الحريات بالإشارة إلى قوانين يتم إعدادها وأجرأتها لفا الدستور.
هذا فيما يخص أهم الخصائص التي تميز الهندسة الدستورية في النظام السياسي المغربي أما فيما يخص الجانب العملي أو الممارسة الدستورية لهذه البنود فسنركز على مسألتين:
أولا: العلاقة بين السلطات وأولوية التنفيذي على التشريعي
أثبتت التجربة الدستورية أن الممارسة السياسية تشرح العلاقة الموجودة بين السلطات الدستورية أكثر من النص الدستوري المكتوب. فالهندسة العامة لتنظيم السلطات في وثيقة 1996، تبين أنه ليس هناك شق مكتوب ينظم العلاقة الدستورية بين الملك والحكومة بالرغم من أن الفصل 24 ينص على أن الملك يعين الوزير الأول، لكن هذا التنصيص جاء داخل حقل الملكية وله دلالاته الدستورية والسياسية: فهو يعد إقحاما للوزير الأول كمفهوم دستوري داخل حقل الملكية، وبالتالي فهو نفي لازدواجية السلطة التنفيذية.
أما فيما يخص علاقة البرلمان بالحكومة فيلاحظ أن هناك قيودا مفروضة على تمثيلية واختصاصات البرلمان تتدعم بهيمنة الجهاز التنفيذي التي تتجاوز التدخل في كل مراحل المسطرة البرلمانية ابتداء من جدول الإعلام، لتنصب على وجود البرلمان كمؤسسة، ذلك أنه منذ سنة 1963 وعلى امتداد الولايات التشريعية رفض القضاء الدستوري الاعتراف للبرلمان بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وبالتالي جعله خاضعا في تدبيره الإداري والمالي للحكومة.
ثانيا: التمثيل السياسي
وحري بنا أن نشير إلى نقطة أساسية ومهمة وهي مسألة التمثيل السياسي، فالنظام السياسي المغربي يستند في أحد جوانب التمثيل السياسي على ما يسمى بالتمثيلية الدورية المجسدة في ممثلي التعددية: الأحزاب السياسية المنظمات النقابية، الجماعات المحلية، الغرف المهنية والمحددين على سبيل الحصر منذ سنة 1970. فبالرغم من اتساع الفضاء السياسي الحالي وتعقده فمازالت آليات التمثيل السياسي تعاني إلى حد ما من التطبيق والانحصار المتمثل في البنيات الكلاسيكية المحددة دستوريا، ولأجل ذلك عمدت السلطة السياسية على إصلاح المنظومة القانونية الحالية، عن طريق إقرار الازدواجية في التمثيلية البرلمانية وذلك بإضافة غرفة ثانية إلى البرلمان اعتبرت في لحظة ميلادها آلية من آليات التمثيل الخاص بفئة الاقتصاديين رغم أن خلفيات إنشاء هذه الغرفة تتجاوز التمثيل السياسي فإنشاءها سنة 1996 جاء في سياق سياسي كان المغرب يستعد فيه لدخول تجربة التناوب ولم تكن السلطة السياسية ثقة مطلقة في الحكومة التي تتشكل من المعارضة، لذلك فالغرف الثانية لم تكن توسيعا للتمثيلية السياسية بقدر ما كانت احتياط دستوري، وجد لإسقاط الحكومة الناتجة عن هذه التجربة في لحظات انزلاقها. وهذا ما يعبر عنه تقنيا الفصل 77 من الدستور الذي يعطي لمجلس المستشارين حقا لا تتمتع به المجالس التي على شاكلته في التجارب الدستورية المقارنة وهو حق إسقاط الحكومة.
وعلى العموم يمكن أن نقول أن انحصار التمثيلية الدورية في البنيات الكلاسيكية وعدم التقنين الدستوري لباقي مؤسسات المجتمع المدني، كمقياس للتمثيل السياسي يجعل فئة مهمة من المغاربة خارج بنية التأطير والتمثيل السياسي التعددي، وهو ما قد يفسر إلى حد ما أحداث 16 ماي الإرهابية، باستغلال الحركات المنعوتة بالتطرف لهذا الفراغ الناتج عن عدم توسيع القضاء التمثيلي لمكونات المجتمع المدني.
ثالثا: المجلس الدستوري
اشتغل المجلس الدستوري منذ إنشاءه بمقتضى دستور 1992 بثلاث تشكيلات قضائية 1994-1999-2002 أنتج خلالها أزيد من 500 قرار دستوري أغلباها كانت تنصب على المادة الانتخابية.
لكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن المجلس وبالرغم من استقلاله الإداري عن المجلس الأعلى للقضاء على العكس مما كان عليه الحال في الغرفة الدستورية وبالرغم من اعتماده على ميزانية خاصة ملحقة بالبلاط الملكي، وبالرغم من تعدد طاقم أعضائه وتنوعهم المهني إلا أن الاجتهاد القضائي لذا المجلس لم يستطع أن يحدث قطيعة مع الاجتهاد السابق للغرفة الدستورية إلا في بعض حالات المنازعات الانتخابية، لكن الأمر المهم الذي ينبغي افشارة غليه هو أن هذا المجلس يحصر عمل المؤسسات ويضيق هامش حركتها باستعماله منهجين قضائيين متناقضين حسب طبيعة الظروف السياسية.
الأول هو مبدأ المطابقة بمعنى أنه لا يعتبر ممنوعا إلا ما نص الدستور صراحة على أنه كذلك.
الثاني: هو مبدأ المناقضة، أي أنه يعتبر محظورا كل ما لم يكن مباحا بصريح النص الدستوري.
وبشكل عام فإن رصد وتحليل الوقائع التي شهدها المغرب منذ نهاية التسعينات يبين ما يلي:
1- هناك استمرار حضور تمثلات الممارسة السياسية القديمة مع بعض محاولات التغيير داخل تركيبة اجتماعية جديدة، فأنماط الفعل والسلوك السياسي العتيقة ظلت تثير العديد من مظاهر التوتر في الحقل السياسي المغربي.
2- الحديث عن التوافق الاجتماعي بين مختلف مكونات الساحة السياسية للبلاد مازال غامضا وخاصة في علاقة الدولة بالماضي وكيفية التعامل معه أو ما يمكن تسميته بموضوع المصالحة الوطنية.
3- وعلى المستوى الاجتماعي يلاحظ أن المخيال والمعتقد الاجتماعي المغربي يعيش ثلاثة أزمنة متقاطعة في زمن واحد، زمن الشرع، زمن الممارسات العرفية، وزمن التحديث بأنماطه الاستهلاكية.
وتبقى الملاحظة الجوهرية التي يمكن أن تخرج بها المتتبع للحقل السياسي المغربي هي الوقوف على مسلسل متغلب باستمرار، فالاتفاق حول حد أدنى من مؤشرات التغيير لا ينفي استعمال مقاييس تأخذ بعين لاعتبار تعقد التوازنات الراهنة وغموضها، الشيء الذي أكثر تعبير عن التغيرات الراهنة من أي نعوت أخرى.
III- المغرب والانتقالات الديمقراطية المقاربة " البرتغال نموذجا "
سوف أتطرق في هاته النقطة أولا إلى الملامح الحقيقة للتجربة البرتغالية في الانتقال، بدأنا بالأحداث السياسية التي عرفتها هاته التجربة ومرور بثورة قرنفل ومميزاتها، وانتهاء بالدور الحقيقي للفاعلين السياسيين والحزبيين هذا من جهة، ومن جهة ثانية سوف أحاول أن أقرأ على ضوء هاته الشروط، أن أجيب على الإشكال التالي: هل التجربة المغربية استطاعت بتراكماتها القريبة زمنيا أن تحدث شروط وانتقالا ديمقراطيا حقيقيا يساير الانتقالات الديمقراطية المقارنة البرتغال كنموذج لذلك.
1.3 شروط الانتقال الديمقراطي بالبرتغال
لقد شكلت التجربة البرتغالية في ميدان الانتقال الديمقراطي نموذجا مثاليا ذو طابع حقوقي وأحادي، وقد عكست هاته التجربة نموذجا للعديد من الأنظمة التي تزايدت فيها الانقلابات العسكرية وسيطرة نظام الحزب السياسي الواحد على الحكم، خصوصا في فترة الخمسينات والستينات، وقد اعتبرت هاته التجربة منبعا لإحدى الموجات الكبرى التي شهدها العالم المعاصر منذ السبعينات هاته الموجة التي بدأت بعد خمس وعشرين دقيقة من منتصف ليلة الخميس 25 أبريل 1974 في لشبونة حين قامت الإذاعة ببث أغنية مدينة البحر وكانت هذه الأغنية بمثابة إشارة انطلاق للوحدات العسكرية حول لشبونة لتنفيذ خطة انقلاب عسكري وضعت بعناية على يد الخياط الشبان الذين قادوا حركة القوات البحرية، وتم الانقلاب بفعالية ونجاح بعد مقاومة ضعيفة فاحتلت الوحدات العسكرية مباني الوزارات والمحطات الإعلامية ومكتب البريد والمطارات والاتصالات الهاتفية، وفي الصباح احتشدت الجماهير في الطرقات لتحية الجنود، وفي المساء كان الديكتاتور المخلوع مارشيلو كايتانو قد استسلم للقادة العسكريين الجدد للبرتغال، ومن اليوم التالي لترحيله إلى منفاه، وهكذا ماتت ديكتاتورية ولدت في انقلاب عسكري مماثل في عام 1926 وقادة مدني صارم هوانطونيو سلازار لمدة خمسة وثلاثين عامة.
وكان انقلاب 25 أبريل بداية قاسية لحركة عالمية نحو الديمقراطية لأن الانقلابات العسكرية عادة ما تقوم بخلع النظم الديمقراطية، ولا تأتي بها والحديث بشكل دقيق عن التجربة البرتغالية يتطلب بحوثا عديدة بالنظر إلى أهمية هاته التجربة وخصوصيتها المتميزة. بالنظر إلى كثافة أحداثها السياسية. هذا ولإبراز الملامح الحقيقية لهاته التجربة سوف أتطرق إلى نقطتين: النقطة الأولى سوف اوضح فيها الأسباب الحقيقية التي كانت وراء انهيار نظام الدولة الجديدة. والنقطة الثانية سوف أبين فيها ملامح الثورة القرنفلية ودورها في بناء الديمقراطية في البرتغال. كما سوف أوضح فيها الدور الذي لعبه مختلف الفاعلين السياسيين والحزبيين في نجاح هاته التجربة.
النقطة الأولى: الأسباب الحقيقية وراء انهيار نظام الدولة الجديدة
هاته النقطة تحيلنا إلى الحديث عن أهم الأحداث السياسية التي شهدتها البرتغال من بداية القرن العشرين إلى فترة السبعينات.
نجد أهم الأحداث ابتدأت سنة 1930 المصادف لإرساء الجمهورية الأولى وسقوط الملكية، تلا ذلك تبيين نظام الديكتاورية مدينة في عهد انطونيو سلازار سنة 1930، الذي ابتدأت مسيرته كأستاذ للاقتصاد السياسي بجامعة كامبرا سنة 1916، بعد ذلك ستتم تعيينه وزيرا للمالية سنة 1928، مع صلاحيات اقتصادية مكنته من تطبيق إصلاح اقتصادي واسع، ومن تم وزيرا أول سنة 1932 مكنته من إحكام قبضته بشكل نهائي على النظام السياسي، ومن دستور جديد يخول له صلاحيات واسعة ومراقبة تامة لدواليب السلطة، سمي هذا النظام بالدولة الجديدة، وقد استوحى سلازار نظاما سياسيا قوميا، يعتمد في أغلب حيثياته على الإديولوجية الفاشية، مستدل في مشروعيته على الكنيسة الكاثوليكية، دعم أثرياء الملاكين والبورجوازيين جميع السلط مركزة في يد رئيس الوزراء،جمعية وطنية تحت سيطرة الحزب الوحيد ـ الاتحاد الوطني ـ مع انتخابات كرست النظام الاستبدادي، وقد عمل نظام الدولة الجديدة على تطبيق رقابة منتظمة على وسائل الإعلام وسجن كل المعارضين، كما عمل على خلق اتحادات شعبية وهيئات حرفبة لمراقبة المواطنين وإحداث كتابة الشرطة السياسية PIPE القلب النابض بسياسة سلازار. على المستوى الخارجي تبنت الدولة الجديدة سياسة استعمارية منظمة ووضعت أجهزة الدولة لخدمة مشروعها الاستعماري خصوصا في جنوب إفريقيا بصفة عامة كان الخطاب الموجه آنذاك أن للنظام دور تاريخي في المحافظ على الإديولوجية الاستعمارية وتقوية الإمبراطورية البرتغالية تحت عطاء تثقيف الشعوب المستعمرة.
وقد عمل نظام سلازار على تقديم مساعدات للأنظمة السلطوية ( النظام فرانكو في إسبانيا) وفتح موانئه لعبور أسلحة القامة من إلمانيا وإيطانيا لفائدة فرانكو وقد نهج نظام الدولة الجديدة سياسة الحياد في محل الصراعات العالمية، خاصة اثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد هاته الحرب تعرض النظام الاستبدادي البرتغالي إلى حظوظ كبيرة من المجتمع الدولي، من طرف الولايا المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة لدمقرطة نظامه بالإضاف إلى كل هاته الأسباب كان سببا في التمهية لثورة 1974 ابتداء من تنحي سلاوار عن الحكم سنة 1968 إثر إصابته بنزيف دماغي في حادثة الكرسي المسهورة ووفاته عام 1970. تولى بعده مرسلو كيطانو الذي رغم محاولاته لتحرير بعض قطاعات الحياة فإته اصطدم بجمود النظام ومعارضة الرئيس AMERICO لسياسة ومع بداية الستينات واجه نظام الدولة الجديدة عزلة وجمود تأمين حتى من طرف خلفائه من النايو وقد شكلت كثير من الحركات التحررية بإفريقيا في الموزمبي، انغولا، غينيا بيساو الرأس الأخظر تهديدا لسلطته وضغظ متفاقما على ميزانيته. وقد شكلت نفقات الحرب الاستعمارية عبثا ثقيلا على اقتصاد البرتغال. وفي ل التهديد بالتجنيد الإجباري لمدة أربع سنوات اضطر الشباب البرتغالي غلى الهجرة والبحث عن آفاق أخرى هروبا من الفقر. بالإضافة إلى أن الساحة السياسية في البرتغال شهدت تميزا وذلك بتشكيل طبقة عاملة بدأت بخوض نظالاتها وتصدت لها الشرطة بالقمع الشرس. وكان اضطرابات لشغيلة النقل الحضري في لشبونة سنة 1968 وعمال أحواض بناء السفن في ليزفاف عام 1969. الدور الكبير في التمهيد لثورة قرنفل. ترى ما هي أهم المميزات التي ميزت هاته الثورة؟
هذا ما سأشير إليه في النقطة الثانية.
النقطة الثانية: ملامح الثورة القرنفلية ودورها في بناء الديمقراطية في البرتغال
أمام ضغط السياسات الاستعمارية وافتقادها لكل الإمكانيات والتأثيرات في المحيط الدولي، لم يكن ليمر دون إحداث تصدع داخل المؤسسة العسكرية البرتغالية وطابعها الديكتاتوري، ومن جهة أخرى تزايد السط والضغط الاجتماعي المتزايد في طرح الإشكالات العميقة وغيجاد الحلول الناجعة لإخراج البرتغال من أزمتها.
هذا الفرض العارم للإيديولوجية الاستعمارية، والتدبير الديكتاتوري، استطاع أن يحقق إجماعا بين المؤسسة العسكرية تمثلت في حركة ضباط مستائين والشعب. ان تعصف بالنظام الفاشي بالبرتغال عبر ما يعرف بـ " ثورة قرنفل " .
هاته الثورة استطاعت بناء سياسة جديدة، لم تواكب الضغط الداخلي، ولم يساير التطور بأوربا، الأمر الذي عجل ببروز مشاريع مجتمعية تتصارع داخل المجتمع البرتغالي، وانفجار الحركة الرئيسية في انهيار النظام الديكتاتوري ( حركة الضباط) لعدم وجود مشروع متماسك لديها.
تفاعل الساحة السياسية في البرتغال، والضغط الاجتماعي الشعبي المتزايد الذي لم يتوانى في احتلال المصانع والضيعات الفلاحية بمرونة سياسية للأمور من قبل التنظيمين القويين بالبلاد الحزب الشيوعي الذي استعاد عافيته بعد أحداث الثورة القرنفلية، والحزب الاشتراكي المهيكل حديثا بقيادة ماريو سواريس.
إجراءات الحكومة في أبريل 1975 بإحداث إصلاح زراعي، وتأميم قطاعات الكهرباء والبترول والنقل وصناعة التعدين، وتجاوبها مع الحد الشعبي، دفعا التنظيمين إلى بلورة استراتيجية التأثير في المشهد السياسي والحركة العسكرية، والمجتمع بشكل عام، للفوز بأكبر قدر من الدعم. الأمر الذي عجل بحدوث مشاحنات واصطدامات بين التنظيمين. انتهت بالمناظرة الشهيرة بين الزعيمين، عززت موقع الحزب الاشتراكي داخل البرتغال. ولعب ماريو سواريس في إرساء نظام بورجوازي يضع حدا للتجارب الثورية في أوربا.
ومن العوامل المساعدة في بلورة مشروع الحزب الاشتراكي نذكر:
* على المستوى الداخلي:
انفتاح الحزب الاشتراكي عن الكنيسة الكاثوليكية بشكل إيجابي رغم تبين العلمانية.
تقوية الحريات ومن ضمنها حرية الصحافة.
هيمنة سياسة الاعتدال وسط الجيش.
على المستوى الخارجي:
اهتمام أوربا المتزايد بعد 1974 بالتحول الديمقراطي في البرتغال، ودعمها وتثبثها لهذا المسار واستقراراه.
انظلاقا من ذلك برز مفهوم الانتقال الديمقراطي كصيرورة يومية داخل المجتمع البرتغالي، والاندماج في الاتحاد الأوربي 1986 اعتبر خطوة جبارة في مجال التنمية البشرية بتحسيس عيش المواطنين عبر المساعدة المالية للاتحاد الأوربي، والدخول في نظام الجهوية لتقوية المناطق اقتصاديا واجتماعيا وتأهيلها للديمقراطية بشكل نهائي رغم شدة الرفض.
مما سبق نؤكد أن الانتقال الديمقراطي بالبرتغال مر بمسار معقد وشاق. استدعى تظافر جهود المسؤولين العسكريي والفاعلين السياسيين والمدنيين بخلقهم لثقافة سياسية ودستور ملائم وتكوين مجتمع مدني قوي طبقة سياسية لها مصداقية ونهج اقتصادي حر.
في الحقيقة يصعب المقارنة مع التجربة البرتغالية. وحيث أن المقارنة تعتبر مغامرة ولكن هذا لا يعني أن هاته التجربة يمكن استخلاص الدروس منها بالرغم مع أنه لا توجد وصفات جاهزة دوليا فيما يخص هذا الموضوع ( الانتقال الديمقراطي).
وسوف أشير في هاته النقطة أولا إلى الظرفية الزمنية للتجربة البرتغالية. ثانيا إلى العوامل التي ساهمت في إنجاح التجربة البرتغالية وفي هاته الإشارتين أستحضر التجربة المغربية.
أولا: أن الظرفية الزمنية المؤطرة للانتقال الديمقراطي في البرتغال تختلف عن التجربة المغربية بحكم أن في البرتغال الانتقال الديمقراطي تم التمهيد له منذ عقد الخمسينات وكانت أحداثه السياسية متوالية وكثيفة منذ بداية العقد الأول من القرن التاسع عشر، هذا دون أن ننسى أن هذا الانتقال عبت فيه ثورة قرنفل دورا كبيرا كما اشرنا إلى ذلك سابقا ورغم أنه تم بمنطق الثورة إلا أن أسلوب التوافق والتداول السلمي للسلطة هو الذي كان سائدا في البرتغال مع إشارة قوية كما أكد الرئيس البرتغالي ماريو سورايس الأب الروحي للديمقراطية في البرتغال: "أن البرتغال لم تتحدث عن مفهوم الانتقال الديمقراطي ولكن سرعان ما وجدت نفسها تعيش وضعا ديمقراطيا وذلك في محاضرة كبرى بالجامعة الصيفية دورة 2006 . في المغرب نجد تعدد الخطابات، ونجد أن هذا المفهوم تداول بشكل كبير في أغلب الأحيان واتخذ هذا التداول شكلا مائعا واستخدم في غير محله. عكس التجربة البرتغالية كما أشرنا سابقا بالرغم من اختلاف الخصوصيات الزمنية والسوسيوسياسية.
ثانيا: إن العامل الخارجي لعب دورا مهما. وهذا لا ينفي أهمية العامل الداخلي باعتبار أنه كان عاملا غنيا استلزم في البرتغال النضال الحزبي، الحركات الاجتماعية ( إضرابات العمال، الاعتصامات...).
في المغرب العامل الخارجي مهم، ولكن أوجه الاختلاف مع تجارب العالم الأخرى هو أن التجربة المغربية الحديث عن الانتقال الديمقراطي يتم في نفس النظام السياسي ومع ذلك لا ننفي أن هناك بعض التعديلات الطفيفة في النظام لم تصل بعض مرور تطوري نحو هدف معين ( الديمقراطية).
في الأخير يمكن أن نخرج بالخلاصات التالية:
الخلاصة الأولى: أنه لا توجد وصفات جاهزة دوليا على مستوى الانتقال الديمقراطي على ضوء التجربة البرتغالية.
الخلاصة الثانية: أن الانتقال الديمقراطي يتطلب مشروع مجتمعي وأحزاب سياسية فاعلة وذات مصداقية تستقطب انخراط عدد ممكن. وأن التناوب لا يشكل إلا أداة وليس غاية في حد ذاته.
الخلاصة الثالثة: أن النظام السياسي في المغرب يعيش حاليا انتقالا ممدا وهو انتقال يتحول أحيانا إلى شكل انتقال محصور Bloqué transition يوحيان السمة التي لازال عليها النظام السياسي هي حالة ليبرالية سياسية تقود تطور تدريجيا لمسلسل الدمقرطة. ليبرالية سياسية في عقد امتياز سياسي اقتصادي واجتماعي مرتبط فقط بإرادة السلطة السياسية وهو الوضع الذي تفسره عودة الخطوط الحمراء بين الحين والآخر.
الخلاصة الرابعة: أن الانتقال الديمقراطي في المغرب يتطلب إرادة حقيقة أو ما يطلق عليه بإرادة الانتقال. ولن يتأتي هذا بدون ترسيخ ثقافة المشاركة والاختلاف. وبدون إصلاح العقليات البنيات الفكرية أولا. ومأسسة المؤسسات ودمقرطتها ثانيا. وهذان الأمران يتطلبات توافق إرادتين: إرادة سياسية لدى المسؤولين من جهة وإرادة شعبية تحمل في ثناياها ثقافة الممانعة والتضحية لدى المثقفين وكل من يحمل هموم هذا الوطن الجريحة والثقيلة، سواء من يشتغل في الحقل المدني أو الأكاديمي أو الحزبي.
إن الانتقال الديمقراطي أمر إيجابي لكن هذا الانتقال يتطلب آليات وتعاقدات حقيقية بين جميع الأطراف لأن الانتقال المحكوم بتنقية المناورة هو نكسة يمكن أن يؤدي إلى تراجعات كارثية. أما الانتقال الممأسس والمعقلن والمبني على ميثاق تعاقدي، فيمكن أن يعطينا درجة للمشاركة وثقة بين جميع الأطراف وهذا هو المدخل الأساسي لتأسيس فضاء التراضي وبالتالي الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=77331
عبدالواحد بلقصري
الحوار المتمدن - العدد: 1693 - 2006 / 10 / 4
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
تقديم عام
I- تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم
1.1 الانتقال عن طريق انتخابات نزيهة
2.1الانتقال عبر إصلاحات اقتصادية
3.1 الانتقال عبر آليات أخرى
II - إشكالية الانتقال الديمقراطي في المغرب السياق و الرهانات
1.2 المحددات العامة للمسلسل السياسي و الدستوري
1.1.2 المحددات السياسية
2.2 الفاعلون السياسيون و اشكالية الانتقال
3.2 الهندسة الدستورية للانتقال
III - المغرب والانتقالات الديمقراطية المقارنة البرتغال نموذجا
1.3 شروط الانتقال الديمقراطي بالبرتغال
2.3 الانتقال الديمقراطي ومدى نجاح التجربة المغربية
خلاصات
تقديم عام
تستخدم عبارة الانتقال الديموقراطي في الادبيات السياسية لوصف بلد يتخلى عن نظام حكم سلطوي ليدخل تدريجيا وبشكل سلمي في أغلب الحالات الى تجربة جديدة تتسم ببناء منظومة حكم اكثر ديموقراطية
ويجد مضمون عبارة الانتقال الديموقراطي ترجمته في مجموعة من الخصائص والمميزات ذات الطبيعة التجريبية الدالة بالملموس على تغيير فعلي في المؤسسات والقوانين وفي أساليب ممارسة السلطة وفي علاقات الحاكمين بالمحكومين وعلى توسيع نطاق المشاركة السياسية ومضاغفة مساءلة المسؤولين وعلى إحداث آليات لتحسين ادارة الحكم وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين دون تمييز.
وقد شهد الربع الأخير من القرن الغشرين تجارب انتقالية محددة جغرافيا وإثنيا كالتحاق دول مثل اليونان واسبانيا والبرتغال في منتصف السبعينات بالركب الديمقراطي الغربي. ولاحقا انهيار جدار برلين وما خلفه من دمقرطة لدولة المعسكر الشرقي. وبدورها عاشت دول أمريكا اللاتينية انطلاقا من أواخر الثمانينات عملية انتقال حقيقية.
كل هاته التجارب حققت تراكمات إيجابية فيما يخص الدراسات والأبحاث حول تجارب الانتقال الديمقراطي وأصبح هناك علم يطلق عليه علم الانتقال، وذلك بالاعتماد على مؤشرات وبراديغمات تتخذ سياقات مختلفة.
حيث أصبحت الدراسات السياسية تميز داخل معادلة الانتقال الديمقراطي بين النظرية والبراديغم.
إذ تحتضن النظرية أبيات سياسية اقتصادية واجتماعية مختلفة الطروحات (التغيير السياسي والاجتماعي ـ التغيير الديمقراطي ـ مسلسل الدمقرطة) بالإضافة إلى أن هناك مقاربات مختلفة توظف في دراسة الأنظمة اسياسية، فمنها من يعطي أهمية لدراسة الطبقات الاجتماعية والبنيات الاقتصادية ومركز الدولة في الاقتصاد العالمي، ومنها من يركز على على الجانب السوسيو مؤسساتي لدراسة الأشكال السياسة الداخلية واستراتيجيات الفاعلين، بالإضافة إلى المقاربة التي تركز على دراسة الحركات الاجتماعية ودورها في مسلسل الانتقال.
أما براديغمات الانتقال فهو عبارة عن نماذج إرشادية تقدمها بعض التجارب في شكل وصفات ( جنوب إفريقيا، البرازيل، اليونان، البرتغال، إسبانيا) هاته النماذج تختلف وفق أشكال متعددة.
شكل يتجسد في حركة التغيير التي يمكن أن يعرفها النظام السياسي عن طريق انتخابات تعددية حرة ومنظمة متنوعة بتداول للسلطة بين النخب الفاعلة وشكل يتعلق بالتغيير الذي يمس النظام السياسي عن طريق تقنية المؤتمرات الوطنية ويخص عادة التجارب التي شهدت قطيعة أدت إلى مواجهات بين الفاعلين ( تجارب إفريقية مثل الطوغو، بنين...) الذين تمكنوا في لحظة معينة أن ينتقلوا إلى نوع من المصالحة.
وشكل سياسي يتم فيه الانتقال عبر التفاوض، أو ما يطلق عليه بالانتقال المتفاوض والمتمثل في قدرة السلطة السياسية العلياعلى إدارة مجموع مراحل مسلسل الانتقال عن طريق فرض أجندة انتخابية لا تترك وقتا كبيرا أمام المعارضة لإعادة ترتيب ذاتها، غضافة إلى أن السلطة السياسية تحافظ على كل مراحل هذا الانتقال على مراقبتها للدولة الإدارة وأدوات الوساطة.
وشكل يتم فيه الانتقال بواسطة عقد امتياز سياسي موجه إلى الحركات الاجتماعية وهو ما يطلق عليه بالدمقرطة من الأعلى.
وشكل يكون فيه الانتقال عن طريق تغيير في تدبير السياسات العمومية ( السياسات المالية، التعليمية، الإدارة، القضاء...) وهو ما يسمى بالبحث عن مداخل الانتقال الميكروسياسي عكس الانتقال الماكرو سياسي المتمركز حول فكرة الإصلاح الدستوري.
فيما سيق نستنتج أن أشكال الانتقال الديمقراطي متعددة في أشكالها ومختلفة في سياقاتها. ولكن هذا لا يعني أن الانتقال الديمقراطي هو ظرف دقيق يعيشه النظام السياسي وهو بصدد تغيير تنظيمه القديم إلى تنظيم جديد يعتمد أدوات التدبير الديمقراطي. واسلوب الماسسة كنظام للحكم والمجتمع هذا من جهة ومن جهة أخرى أن كل تجربة من تجارب الانتقال الديمقراطي تعد وصفة جديدة تساهم في بناء النظرية والبراد يغم معا في الانتقال الديمقراطي.
مما سبق نستنتج أن موضوع الانتقال الديمقراطي اصبح مجالا خصبا للدراسة والتحليل وإطارا واسعا تنصب فيه اهتمامات الباحثين والفاعلين السياسيين على مقاربة هذا الموضوع من زوايا متعددة.
فالانتقال الديمقراطي هو المرور من نظام سلطوي إلى نظام حكم ديمقراطي يتم بوسائل متعددة وفي ظل ظروف وطنية مختلفة.
وما انفكت النخب الفكرية والسياسية تتعاطى مع هذا الموضوع وتوليه الأهمية بدليل عشرات الندوات واللقاءات العلمية.وانتباه هذه النجب المتزايد لهاته التجارب الدولية وبالمسارات والنتائج التي آلت إليها، لا يولد لديها ميلا إلى استنساخ تلك التجارب بقدر ما يدفع بهم إلى فهم أسس نجاحها ووعي دروسها بسبب اختلاف شروط كل بلد من الناحيتين الاجتماعية والسياسية.
والحديث عن إشكالية الانتقال الديمقراطي بالمغرب والتجارب المقارنة هو حديث. الهدف منه عرض التجارب الدولية لمعرفة اسس نجاح تلك التجارب من جهة ومن جهة إبراز أهمية الاختلاف والإشكال التي تتخذها التجارب الانتقالية المتعددة حيث أن هاته التجرب تتعدد مداخلها وتختلف ( سياسي ، اقتصادي ، قانوني، مؤسساتي...) وعليه لأهمية التجارب الدولية سوف نبدأ بتبيان بعض تجارب الانتقالات الديمقراطية وخصوصياتها أولا، وثانيا: إبراز إشكالية الانتقال الديمقراطي بالمغرب والسياق الذي طرح فيه هذا المفهوم والفرضيات والمؤشرات الممكنة الي يمكن بواسطتا قراءة هذا السياق. وثالثا: التطرق إلى العوامل المتعددة التي ساعدت النموذج البرتغالي في الدخول إلى الديمقراطية. وقراءة التجربة المغربية التي لم تنضج فيها الشروط بعد للانتقال إلى الديمقراطية. وأخيرا الخروج بخلاصات.
تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم
سوف أتطرق في هاته النقطة إلى ثلاث نماذج من الانتقال الديمقراطي يتم فيها الانتقال بشكل مختلف.
النموذج الأول: الانتقال عن طريق انتخابات نزيهة.
والنموذج الثاني: الانتقال عبر إصلاحات اقتصادية.
والنموذج الثالث: الانتقال عبر آليات أخرى.
1.1- الانتقال عن طريق انتخابات نزيهة
تبين التجربة البرازيلية أهمية الأحزاب السياسية وبالأخص الحركة الديمقراطية البرازيلية، حيث أصبحت هذه الحركة بمفردها تشكل المعارضة الأساسية داخل الدولة، وتصرفت هذه الحركة بذكاء حيث انها احتفظت بثقة المؤسسة العسكرية مع علمها في اتجاه دمقرطة الدولة. وتدريجيا مع تغيير ظرفية الدولة تغيرت أيضا ظرفية هذه الحركة.
من اجل تشغيل الطريق نحو الديمقراطية وافقت الحكومة العسكرية على قوانين العفو وغيرت النظام الانتخابي لإقرار التعددية الحزبية ( بدل الثنائية) وقد قبلت المعارضة بهذه القوانين أو على الأقل لم تجعل منها مشكلا كبيرا.
وأخيرا، من خصوصيات التجربة البرازيلية بشأن الانتقال الديمقراطي يمكن ذكر العناصر التالية:
اعتماد دمقرطة النظام على مسلسل الانتخابات.
وجود المؤسسة العسكرية لم يؤد إلى تجميد أو حل البرلمان كما لم تعمل المؤسسة العسكرية على القضاء على نظام الانتخابات.
فوز الحزب المعارض في الانتخابات سنة 1974 في 16 ولاية.
التفتح السياسي بدأ من الأعلى إلى الأسفل.
غياب ميثاق تعاقدي.
احترافية الجيش.
لم تتصرف الحكومة والمعارضة كأعداء وإنما كشركاء غير مباشرين.
أهمية الأحزاب السياسية وبالخصوص حزب IDB
فالانتقال الديمقراطي في البرازيل قد أسست له المؤسسة العسكرية " مأسسة النظام الديكتاتوري" والانتقال الديمقراطي يختلف عن باقي التجارب لسببين:
1) أن تفتح النظام السياسي ابتدأ عبر الانتخابات.
2) لم يعمل الجيش على الإطاحة بنظام الانتخابات أو حل البرلمان.
2.1- الانتقال عبر إصلاحات اقتصادية
هناك أكثر من انتقال ديمقراطي في العملية السياسية الواحدة، هناك انتقال اقتصادي وآخر اجتماعي وثالث قانوني ومؤسساتي. وبالتالي فالحديث يجري حول مجموعة من الانتقالات داخل نفس التجربة. اما بخصوص تجربة " بولونيا " التي عرفت الانتقال من النظام الشيوعي إلى النظام الديمقراطي التعددي ذي الاقتصاد الليبرالي.
إن صعوبة الانتقال الاقتصادي من النموذج الموجه الذي يعتمد التخطيط إلى نموذج اقتصادي ليبرالي يعتمد السوق الحرة. فهناك صعوبات داخلية في إعادة تكييف مؤسسات الإنتاج مع النظام الرأسمالي، وهناك صعوبات على المستوى الخارجي في العلاقة مع الاقتصاديات الأوربية القوية.
مع كل هذه الصعوبات يجب الاعتراف بأن صيرورة الاندماج في الاتحاد الأوربي شكلت ما يشبه آلية هائلة للدمقرطة في بولونيا فـ " الشرطة الصلبة " التي يفرضها النظام الأوربي على كل راغب في الاندماج في اتحاده، تدفع الأنظمة إلى إعمال إصلاحات هيكلية على كل المستويات، ثم أن مفاتيح الانتقال الديمقراطي حسب ما أفرزته تجربة بولونيا هي الرأسمال البشري، جودة التعليم والمرونة في التعاطي مع الأوضاع الداخلية والخارجية.
3.1 الانتقال عبر آليات أخرى
لقد فتحت تجارب دولية، كجنوب إفريقيا، والشيلي نقاشا قويا حول حقوق الإنسان، تم تأسيس مائدة للحوار كافة الأطراف لمعالجة قضية الانتهاكات المتعددة لحقوق الإنسان هادفة من ذلك توضيح مصير المعتقلين المفقودين والتأكد من الأماكن التي تتواجد بها حثتهم.
فنشأت لجن للبحث عن الحقيقة، من خلال مسطرة المساءلة. فالحقيقة، ثم الإنصاف. للوصول إلى الهدف الكبير وهو المصالحة.
ولكن لكل بلد تجربته من الناحيتين الاجتماعية والسياسية، وتعامل كل بلد مع المسألة الحقوقية محكوم ببدأ البنية، رغم الأمال المعقودة عليها سلفا.
ويكتسي مفهوم التعامل مع " الماضي الأسود " معنى خاصا في تجارب متعددة ولبلدان عدة، فالماضي الأسود وما عرفه من انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان، ألقت بظلالها على الكثير من المواقف مع مسألة " القطيعة" مع الماضي ولكن القطيعة لا تعني الانطلاق من الصفر بقدر ما ترمي إلى التغيير والتجديد دون فقدان خيط التواصل مع النقط القوية في ماضي الشعوب وتاريخها.
II ـ إشكالية الانتقال الديمقراطي في المغرب: السياق والرهانات
سوف أبرز في هاته النقطة من جهة أولى المحددات العامة للمسلسل السياسي والدستوري وبالضبط المحددات السياسية. ومن جهة ثانية الفاعلون وإشكالية الانتقال، ومن جهة ثالثة الهندسة الدستورية للانتقال ، الغاية هي توضيح مختلف هاته النقط من أجل تعميق النقاش حول إشكالية الانتقال اليمقراطي بالمغرب.
1.2 المحددات العامة للمسلسل السياسي والدستوري
عرف المغرب منذ عقد التسعينيات من القرن 20 مجموعة من الأحداث التي اعتبرها المتبعون والمهتمون بالحياة السياسية بمثابة مؤشرات على تحول نوعي في اتجاه ليبرالية سياسية أكثر افتاحا. هذه الأحداث التي ارتقت حسب تحليلات الفاعلين السياسيين لترمز إما إلى بداية الانتقال الديمقراطي، أو انتكاسة الانتقال. ومن بين أهم هذه الأحداث والمبارات البارزة التي أرخت وساهمت في تداول حديث من هذا النوع، نذكر ما يلي:
تاسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1990.
إحداث وزارة حقوق الإنسان سنة 1993.
إطلاق سراح المعتقلين السياسيين عودة المنفيين في غشت 1991 ـ يوليوز 1993 ـ ماي 1994.
صعود نقاش حول الإصلاح السياسي والدستوري والتي قادت إلى ميلاد لوثيقتين الدستورتين الأولى ( 1992) والثانية ( 1996) كنص دستوري يستمر في تأطير الحياة السياسية إلى اليوم.
الانتخابات التشريعية سنة 1997.
ميلاد تجربة التناوب سنة 1998.
الولاية البرلمانية السادسة.
انتقال الملكية سنة 1999.
الانتخابات التشريعية لشتنبر 2002.
الحكومة التقنوقراطية ـ السياسة الجديدة 2002.
لقد كانت هاته لأحداث بمثابة إشارات وتلميحات إلى أن النظام السياسي المغربي يحاول أن يغير من بنيته ومن آلية اشتغاله معلنا ذلك عن بداية مرحلة للتعامل وتدبير الشأن السياسي.
وفي تحليلنا هذا سوف نحاول أن نركز على المحددات العامة للمسلسل السياسي والدستوري. دون الإكثار من جرد وقائع وأحداث سياسية كي لا نقع في عملية تكرار لبعض المواضيع التي سبق عرضها.
1.2 المحددات السياسية
ثقافة الفاعلين السياسين: لقاموس السياسي المتداول:
داخل هذا المسلسل الذي اختلفت إيقاعاته وإشاراته السياسية، راجت في الفضاء السياسي المغربي منذ بداية التسعسنيات بالموازاة مع ذلك مجموعة من المفاهيم والتوضيحات والنعوت السياسية التي جاءت منتظمة في خطب وبيانات وتصريحات لفاعلين السياسيين، تشير إلى نوع الثقافة السياسية السائدة لديهم ومن بين هذه التوضيحات يمكن ان نشير إلى ما يلي:
ـ دولة الحق والقانون ـ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ـ الكتلة الديمقراطية ـ مواصلة التعاقد التاريخي بين الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية ـ السكتة القلبية ـ وثيقة الاستقلال والديمقراطية ـ الأحزاب الإدارية ـ التناوب التوافقي ـ حكومة التناوب ـ التعاقد السياسي ـ الإصلاح السياسي والدستوري ـ الإسلام السياسي ـ بداية الانتقال الديمقراطي ـ نهاية الانتقال ـ أنا رجل الانتقال لديمقراطي ـ موت الكثلة مول النوبة ـ المشروع الحداثي الديمقراطي ـ التطرف ـ الإرهاب...
هذه المفاهيم والنعوت بمكن أن نسجل بصددها مجموعة من الملاحظات نذكر منها ما يلي:
1) هناك فاعلين في الحقل السياسي مازالوا يعيشون على مشروعية حدث الاستقلال رغم مرور حوالي نصف قرن على ذلك. بل إنهم يحاولون صياغة الحاضر على ضوء الماضي ( وثيقة الاستقلال والديمقراطية، إذ دأب هذا الحزب على ضافة مصطلح الديمقراطية إلى نوان وثيقة الاستقلال وذلك بمناسبة ذكرى 11 يناير 1944).
2) استعمال بعض المفاهيم ذات ادلالة الدستورية والمؤسساتية التي تم توظيفه سياسيا دون كتابتها دستوريا ( التناوب، التراضي، التوافق) وهي تعبيرات ومفاهيم تفيد بوجود نوع من الخلط بين البنيات الدستورية المكتوبة واممارسات السياسية والإديولوجية.
3) هناك نوع من الخلط السائد بين المقاربة الشخصانية للسياسة والمقاربة المؤسساتية للانتقال الديمقراطي وهنا نشير مثلا أن الوزير الأول السابق ذ عبد الرحمان اليوسفي وفي تصريح كان قد ادلى به للقناة التلقزيونية TV5 ونشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 28 فبراير 2001 ورد فيه وبالحرف تعبير أنا رجل الانتقال.
4) هناك تسرب لبعض المفاهيم الغريبة والجديدة إلى داخل الحياة السياسية المغربية بعد أحداث أطلس إيسلي وخاصة بعد أحداث 16 ماي 2003.
هذا فيما يخص الحقل السياسي المتداول بين الفاعلين في المجال السياسي والآن سنحول أن نبحث في محددات العلاقة بين الفاعلين.
2.2 الفاعلون السياسيون وإشكالية الانتقال
يلاحظ أن اللعبة السياسية في المغرب قد تدرجت من شكل سياسي باترمونيالي يعتمد على البنيات والعلاقات التقليدية في الممارسة اكثر من اعتمادها على عمل المؤسسات التحديثية ـ السبعينات ـ ثم بعذ ذلك تحولت إلى فضاء سياسي تستند فيه أطراف اللعبة السياسية على آليات التراضي والتوافق، حيث عوضت بها أحزاب الحركة الوطنية فشل وعدم فعالية الفتوات المؤسساتيى في حين وظفتها المؤسسة الملكية من أجل عدم إعطاء أي امتياز لأية حركة سياسية. وفي منتصف السبعينيات انتقلت الحياة السياسية إلى مستوى جديد يرتكظ على نمو ثقافة التسوية والتفاوض بين الفاعلين هذه العلاقة الجديدة التي سمحت للمعارضة السابقة بإعادة منظوراتها الاستراتيجية.
وهنا نشير مثلا إلى تغيير خطاب الاتحاد الاشتراكي، التخلي عن أفكار الزعماء التي كانت تعتبر تنظيماتها بمثابة الحزب الوحيد ( حزب الاستقلال).
وهذه الثقة التي تسربت إلى الفضاء السياسي وانتجت دستوري 1992 و 1996 والتي انبثقت من انتخابات 1997 وحكومة التناوب سنة 1998 لم تكن تحتاج إلى مفاوضات علنية أو مؤثرات سياسية وطنية، وإنما فقط إلى بعض الإشارت البسيطة التي لمحت إلى وجود نوع من الانفراج السياسي ( تعيين شخصيات من المعارضة لقيادة مجلس الشباب والمستقبل ـ ترأس ولي العهد لافتتاح ندوة مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد حول الانتقال الديمقراطي سنة 1996).
وقد شكل هذا الأمر بداية لالتقاء استراتيجيتين ( الملكية، المعارضة) بعد تباعد دام منذ سنة 1959، وقد تمت ترجمة هذا اللقاء وبشكل سري في شكل تعاقد مثلته إلى حد ما حكومة التناو، لكن ما يلاحظ على هذا التعاقد السري هو أنه لم يكن الهدف منه هو تقديم مشروع متكامل بل كان يقتصر على تهيئة الشرط الأولي لكي يتم الانتقال في أحسن الظروف بأقل خسارة ممكنة فتعيين حكومة التناوب سمح بفتح نقاش مجتمعي غير منظم وجهت من خلاله انتقادات لاذعة لملفات الماضي (سنوات الرصاص / المعتقلات). لكن الإشكال كان هو ان التمثل الاجتماعي، كان ينظر لحكومة التناوب من زاويتين يصعب التوفيق بينهما:
الأولى: تحقيق إنجازات استعجالية.
الثانية: العمل في الوقت نفسه على تصفية الماضي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هذا الوضع نتج عنه وجود حالة من الانتظارية ترتب عنها، ظاهرة الاحتجاجات الاجتماعية (اعتصامات المعطلين حملة الشهادات، احتجاجات الحقوقيين...) التي اعتبرها البعض أنها تعبر عن توسع المجال الحقوقي والحريات بالمغرب، في حين رأى فيها البعض الآخر السبب الذي عجل بسقوط حكومة التناوب فيما بعد.
داخل هذا المناخ سوف يتم الإعلان عن انتخابات 27 شتنبر 2002 وهي الانتخابات المباشرة الأولى بعد انتقال الملكية، وقد قدمها الفاعلون السياسيون بكونها انتخابات إنقاذ سياسي، إذ اختزلت فيها جل انتظارات المواطنين، بالموازاة مع ذلك باشرت الأحزاب السياسية بنقد الانتخابات السابقة وقدمت نفسها كضحية لعمليات التزوير، وكأنها تود بذلك أن تبين أن الإشكالية الأساسية التي تعوق التطور في النظام السياسي المغربي هي عدم مصداقية الانتخابات.
لقد كشفت انتخابات 27 شتنبر 2002 رغم كل الانتقادات التي وجهت إليها من بعض الأطراف أن هناك احتكاكا وقع لأول مرة بين الشارع المغربي والديمقراطي، كما أوضحت نسبة المشاركة التي لم تتجاوز 52 % أن الهوة بين المجتمع والنخب السياسية باتت واضحة.
وفي قراءة لنتائج هذه الانتخابات يمكن ن نقول بأنها خلقت إلى حد ما نوعا من الاهتزاز في الحقل، الشيء الذي قاد إلى عدم وضوح التحالفات الممكنة لقيادة لتشكيلة الحكومية الجديدة حيث انقسم الحقل السياسي بين من يدعو إلى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وبين دعاة مقولة " مول النوبة " وأمام هذا الصراع سوف يتم الإعلان عن تعيين وزير أول خارج الأحزاب ذات الأغلبية.
لكن يبقى أهم ما أسفرت عنه هذه الانتخابات هي أنها قد غيرت من ميزان القوة داخل الحياة السياسية المغربية، بعد انفراد حزب العدالة والتنمية بالمعارضة البرلمانية وانتقاله تدريجيا من ممارسة الاحتجاج من البرلمان إلى المجتمع مع باقي التيارات الإسلامية ( العدل والإحسان)، هذا المسار الذي جعل الدولة تقف مترددة بين حدود مسألة إدماج الإسلاميين المعتدلين في اللعبة السياسية، وفكرة المجازفة نحو ديمقراطية حقيقية.
هذه التطورات التي شهدها الفضاء السياسي المغربي تقودنا إلى إبداء الملاحظات التالية:
1- العلاقة بين الفاعلين فيه لم تخرج عن أمرين اثنين:
أن هناك إصلاحات عصرية كانت آخذة طريقها نحو الإنجاز، لكن في نفس الوقت هناك مخاوف من ميلاد قوة سياسية وازنة داخل الأحزاب الوطنية الديمقراطية، وهو ما يفسر الرغبة في خلق الإجماع ثم إعادة التوازن بعد ذلك برسم الخطوط الحمراء.
2- الأحزاب السياسية رغم خطابات الديمقراطية والحداثة فإنها مازالت رهينة للمرجعية التقليدية التاريخية ومازالت تعمل في إطار الدراما الإفريقية التي لابد أن ينتصر فيها الزعيم أو تغنى فيها البنية التنظيمية للحزب، كما أن جل هذه الأحزاب لم تخضع للتطور الذي عرفه المجتمع المغربي بعد السبعينات نتيجة المطالب الجديدة التي يحملها جيل أزيد من 70 % منه ولدوا بعد المسيرة الخضراء.
3.2 الهندسة الدستورية للانتقال
يعبر عدم الاستقرار في الدساتير المكتوبة بالمغرب. خمسة دساتير خلال 30 سنة عن توثر واضح في عملية انتشار الثقافة الدستورية والمؤسساتية، وعن صعوبة في ترتيب التوافقات المعلن عنها مع كل تعديل دستوري. ويمكننا أن نلاحظ أن كل الإصلاحات التي حملتها هذه الدساتير المتعاقبة، وكذا الشروط السياسية لإنجازها تقدمان طريقة واحدة لمعالجة الشيء السياسي، كما أن مضمون الدستورين الأخيرين لا يترجم فعليا الإرادة السياسية المعبر عنها، والتي ساوت بين متطلبات الموجة الجديدة للدستورانية العالمية، والتحولات الكبرى التي يعرفها المجتمع المغربي.
وعلى الرغم من أهمية العناصر التي قدمها الفاعلون السياسيون والتي شكل مسار التصويت على الدستور الأخير منطلقا لها، فإنه يمكن القول بأن هذا التوافق حول الوثيقة الدستورية لا يمكن اعتباره نقاشا نهائيان فهو مثل أي نمط من العلاقات السياسية يرتكز على توازنات ظرفية، عرضية واتفاقية بمعنى أن مسار التوافق غالبا ما يحمل في مضمونه إمكانية العودة إلى مرحلة ما قبل التوافق.
إن الوقوف وتفحص الوثيقة الدستورية والهندسة الدستورية المتبعة فيها يقودنا إلى إبداء الملاحظات التالية:
1- الحياة الدستورية تتميز بوجود ملكية حاكمة تقوم على أساس إمارة المؤمنين كتعبير حقوقي عن نظرية الخلاف، إضافة إلى ملكية تنفيذية.
2- سمو المؤسسة الملكية داخل الهندسة الدستورية مع وجود مفاهيم ذات حمولة واسعة على مستوى التأويل الدستوري مرتبطة بالتقليدانية المغربية.
3- الوثيقة الدستورية وإن وضعت في بابها الأول مجموعة من الحريات والحقوق فإن ذلك لا يرقى بالوثيقة الدستورية المغربية إلى مصاف دساتير المواطنة الحديثة وذلك من خلال تقييد ممارسة هذه الحريات بالإشارة إلى قوانين يتم إعدادها وأجرأتها لفا الدستور.
هذا فيما يخص أهم الخصائص التي تميز الهندسة الدستورية في النظام السياسي المغربي أما فيما يخص الجانب العملي أو الممارسة الدستورية لهذه البنود فسنركز على مسألتين:
أولا: العلاقة بين السلطات وأولوية التنفيذي على التشريعي
أثبتت التجربة الدستورية أن الممارسة السياسية تشرح العلاقة الموجودة بين السلطات الدستورية أكثر من النص الدستوري المكتوب. فالهندسة العامة لتنظيم السلطات في وثيقة 1996، تبين أنه ليس هناك شق مكتوب ينظم العلاقة الدستورية بين الملك والحكومة بالرغم من أن الفصل 24 ينص على أن الملك يعين الوزير الأول، لكن هذا التنصيص جاء داخل حقل الملكية وله دلالاته الدستورية والسياسية: فهو يعد إقحاما للوزير الأول كمفهوم دستوري داخل حقل الملكية، وبالتالي فهو نفي لازدواجية السلطة التنفيذية.
أما فيما يخص علاقة البرلمان بالحكومة فيلاحظ أن هناك قيودا مفروضة على تمثيلية واختصاصات البرلمان تتدعم بهيمنة الجهاز التنفيذي التي تتجاوز التدخل في كل مراحل المسطرة البرلمانية ابتداء من جدول الإعلام، لتنصب على وجود البرلمان كمؤسسة، ذلك أنه منذ سنة 1963 وعلى امتداد الولايات التشريعية رفض القضاء الدستوري الاعتراف للبرلمان بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وبالتالي جعله خاضعا في تدبيره الإداري والمالي للحكومة.
ثانيا: التمثيل السياسي
وحري بنا أن نشير إلى نقطة أساسية ومهمة وهي مسألة التمثيل السياسي، فالنظام السياسي المغربي يستند في أحد جوانب التمثيل السياسي على ما يسمى بالتمثيلية الدورية المجسدة في ممثلي التعددية: الأحزاب السياسية المنظمات النقابية، الجماعات المحلية، الغرف المهنية والمحددين على سبيل الحصر منذ سنة 1970. فبالرغم من اتساع الفضاء السياسي الحالي وتعقده فمازالت آليات التمثيل السياسي تعاني إلى حد ما من التطبيق والانحصار المتمثل في البنيات الكلاسيكية المحددة دستوريا، ولأجل ذلك عمدت السلطة السياسية على إصلاح المنظومة القانونية الحالية، عن طريق إقرار الازدواجية في التمثيلية البرلمانية وذلك بإضافة غرفة ثانية إلى البرلمان اعتبرت في لحظة ميلادها آلية من آليات التمثيل الخاص بفئة الاقتصاديين رغم أن خلفيات إنشاء هذه الغرفة تتجاوز التمثيل السياسي فإنشاءها سنة 1996 جاء في سياق سياسي كان المغرب يستعد فيه لدخول تجربة التناوب ولم تكن السلطة السياسية ثقة مطلقة في الحكومة التي تتشكل من المعارضة، لذلك فالغرف الثانية لم تكن توسيعا للتمثيلية السياسية بقدر ما كانت احتياط دستوري، وجد لإسقاط الحكومة الناتجة عن هذه التجربة في لحظات انزلاقها. وهذا ما يعبر عنه تقنيا الفصل 77 من الدستور الذي يعطي لمجلس المستشارين حقا لا تتمتع به المجالس التي على شاكلته في التجارب الدستورية المقارنة وهو حق إسقاط الحكومة.
وعلى العموم يمكن أن نقول أن انحصار التمثيلية الدورية في البنيات الكلاسيكية وعدم التقنين الدستوري لباقي مؤسسات المجتمع المدني، كمقياس للتمثيل السياسي يجعل فئة مهمة من المغاربة خارج بنية التأطير والتمثيل السياسي التعددي، وهو ما قد يفسر إلى حد ما أحداث 16 ماي الإرهابية، باستغلال الحركات المنعوتة بالتطرف لهذا الفراغ الناتج عن عدم توسيع القضاء التمثيلي لمكونات المجتمع المدني.
ثالثا: المجلس الدستوري
اشتغل المجلس الدستوري منذ إنشاءه بمقتضى دستور 1992 بثلاث تشكيلات قضائية 1994-1999-2002 أنتج خلالها أزيد من 500 قرار دستوري أغلباها كانت تنصب على المادة الانتخابية.
لكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن المجلس وبالرغم من استقلاله الإداري عن المجلس الأعلى للقضاء على العكس مما كان عليه الحال في الغرفة الدستورية وبالرغم من اعتماده على ميزانية خاصة ملحقة بالبلاط الملكي، وبالرغم من تعدد طاقم أعضائه وتنوعهم المهني إلا أن الاجتهاد القضائي لذا المجلس لم يستطع أن يحدث قطيعة مع الاجتهاد السابق للغرفة الدستورية إلا في بعض حالات المنازعات الانتخابية، لكن الأمر المهم الذي ينبغي افشارة غليه هو أن هذا المجلس يحصر عمل المؤسسات ويضيق هامش حركتها باستعماله منهجين قضائيين متناقضين حسب طبيعة الظروف السياسية.
الأول هو مبدأ المطابقة بمعنى أنه لا يعتبر ممنوعا إلا ما نص الدستور صراحة على أنه كذلك.
الثاني: هو مبدأ المناقضة، أي أنه يعتبر محظورا كل ما لم يكن مباحا بصريح النص الدستوري.
وبشكل عام فإن رصد وتحليل الوقائع التي شهدها المغرب منذ نهاية التسعينات يبين ما يلي:
1- هناك استمرار حضور تمثلات الممارسة السياسية القديمة مع بعض محاولات التغيير داخل تركيبة اجتماعية جديدة، فأنماط الفعل والسلوك السياسي العتيقة ظلت تثير العديد من مظاهر التوتر في الحقل السياسي المغربي.
2- الحديث عن التوافق الاجتماعي بين مختلف مكونات الساحة السياسية للبلاد مازال غامضا وخاصة في علاقة الدولة بالماضي وكيفية التعامل معه أو ما يمكن تسميته بموضوع المصالحة الوطنية.
3- وعلى المستوى الاجتماعي يلاحظ أن المخيال والمعتقد الاجتماعي المغربي يعيش ثلاثة أزمنة متقاطعة في زمن واحد، زمن الشرع، زمن الممارسات العرفية، وزمن التحديث بأنماطه الاستهلاكية.
وتبقى الملاحظة الجوهرية التي يمكن أن تخرج بها المتتبع للحقل السياسي المغربي هي الوقوف على مسلسل متغلب باستمرار، فالاتفاق حول حد أدنى من مؤشرات التغيير لا ينفي استعمال مقاييس تأخذ بعين لاعتبار تعقد التوازنات الراهنة وغموضها، الشيء الذي أكثر تعبير عن التغيرات الراهنة من أي نعوت أخرى.
III- المغرب والانتقالات الديمقراطية المقاربة " البرتغال نموذجا "
سوف أتطرق في هاته النقطة أولا إلى الملامح الحقيقة للتجربة البرتغالية في الانتقال، بدأنا بالأحداث السياسية التي عرفتها هاته التجربة ومرور بثورة قرنفل ومميزاتها، وانتهاء بالدور الحقيقي للفاعلين السياسيين والحزبيين هذا من جهة، ومن جهة ثانية سوف أحاول أن أقرأ على ضوء هاته الشروط، أن أجيب على الإشكال التالي: هل التجربة المغربية استطاعت بتراكماتها القريبة زمنيا أن تحدث شروط وانتقالا ديمقراطيا حقيقيا يساير الانتقالات الديمقراطية المقارنة البرتغال كنموذج لذلك.
1.3 شروط الانتقال الديمقراطي بالبرتغال
لقد شكلت التجربة البرتغالية في ميدان الانتقال الديمقراطي نموذجا مثاليا ذو طابع حقوقي وأحادي، وقد عكست هاته التجربة نموذجا للعديد من الأنظمة التي تزايدت فيها الانقلابات العسكرية وسيطرة نظام الحزب السياسي الواحد على الحكم، خصوصا في فترة الخمسينات والستينات، وقد اعتبرت هاته التجربة منبعا لإحدى الموجات الكبرى التي شهدها العالم المعاصر منذ السبعينات هاته الموجة التي بدأت بعد خمس وعشرين دقيقة من منتصف ليلة الخميس 25 أبريل 1974 في لشبونة حين قامت الإذاعة ببث أغنية مدينة البحر وكانت هذه الأغنية بمثابة إشارة انطلاق للوحدات العسكرية حول لشبونة لتنفيذ خطة انقلاب عسكري وضعت بعناية على يد الخياط الشبان الذين قادوا حركة القوات البحرية، وتم الانقلاب بفعالية ونجاح بعد مقاومة ضعيفة فاحتلت الوحدات العسكرية مباني الوزارات والمحطات الإعلامية ومكتب البريد والمطارات والاتصالات الهاتفية، وفي الصباح احتشدت الجماهير في الطرقات لتحية الجنود، وفي المساء كان الديكتاتور المخلوع مارشيلو كايتانو قد استسلم للقادة العسكريين الجدد للبرتغال، ومن اليوم التالي لترحيله إلى منفاه، وهكذا ماتت ديكتاتورية ولدت في انقلاب عسكري مماثل في عام 1926 وقادة مدني صارم هوانطونيو سلازار لمدة خمسة وثلاثين عامة.
وكان انقلاب 25 أبريل بداية قاسية لحركة عالمية نحو الديمقراطية لأن الانقلابات العسكرية عادة ما تقوم بخلع النظم الديمقراطية، ولا تأتي بها والحديث بشكل دقيق عن التجربة البرتغالية يتطلب بحوثا عديدة بالنظر إلى أهمية هاته التجربة وخصوصيتها المتميزة. بالنظر إلى كثافة أحداثها السياسية. هذا ولإبراز الملامح الحقيقية لهاته التجربة سوف أتطرق إلى نقطتين: النقطة الأولى سوف اوضح فيها الأسباب الحقيقية التي كانت وراء انهيار نظام الدولة الجديدة. والنقطة الثانية سوف أبين فيها ملامح الثورة القرنفلية ودورها في بناء الديمقراطية في البرتغال. كما سوف أوضح فيها الدور الذي لعبه مختلف الفاعلين السياسيين والحزبيين في نجاح هاته التجربة.
النقطة الأولى: الأسباب الحقيقية وراء انهيار نظام الدولة الجديدة
هاته النقطة تحيلنا إلى الحديث عن أهم الأحداث السياسية التي شهدتها البرتغال من بداية القرن العشرين إلى فترة السبعينات.
نجد أهم الأحداث ابتدأت سنة 1930 المصادف لإرساء الجمهورية الأولى وسقوط الملكية، تلا ذلك تبيين نظام الديكتاورية مدينة في عهد انطونيو سلازار سنة 1930، الذي ابتدأت مسيرته كأستاذ للاقتصاد السياسي بجامعة كامبرا سنة 1916، بعد ذلك ستتم تعيينه وزيرا للمالية سنة 1928، مع صلاحيات اقتصادية مكنته من تطبيق إصلاح اقتصادي واسع، ومن تم وزيرا أول سنة 1932 مكنته من إحكام قبضته بشكل نهائي على النظام السياسي، ومن دستور جديد يخول له صلاحيات واسعة ومراقبة تامة لدواليب السلطة، سمي هذا النظام بالدولة الجديدة، وقد استوحى سلازار نظاما سياسيا قوميا، يعتمد في أغلب حيثياته على الإديولوجية الفاشية، مستدل في مشروعيته على الكنيسة الكاثوليكية، دعم أثرياء الملاكين والبورجوازيين جميع السلط مركزة في يد رئيس الوزراء،جمعية وطنية تحت سيطرة الحزب الوحيد ـ الاتحاد الوطني ـ مع انتخابات كرست النظام الاستبدادي، وقد عمل نظام الدولة الجديدة على تطبيق رقابة منتظمة على وسائل الإعلام وسجن كل المعارضين، كما عمل على خلق اتحادات شعبية وهيئات حرفبة لمراقبة المواطنين وإحداث كتابة الشرطة السياسية PIPE القلب النابض بسياسة سلازار. على المستوى الخارجي تبنت الدولة الجديدة سياسة استعمارية منظمة ووضعت أجهزة الدولة لخدمة مشروعها الاستعماري خصوصا في جنوب إفريقيا بصفة عامة كان الخطاب الموجه آنذاك أن للنظام دور تاريخي في المحافظ على الإديولوجية الاستعمارية وتقوية الإمبراطورية البرتغالية تحت عطاء تثقيف الشعوب المستعمرة.
وقد عمل نظام سلازار على تقديم مساعدات للأنظمة السلطوية ( النظام فرانكو في إسبانيا) وفتح موانئه لعبور أسلحة القامة من إلمانيا وإيطانيا لفائدة فرانكو وقد نهج نظام الدولة الجديدة سياسة الحياد في محل الصراعات العالمية، خاصة اثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد هاته الحرب تعرض النظام الاستبدادي البرتغالي إلى حظوظ كبيرة من المجتمع الدولي، من طرف الولايا المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة لدمقرطة نظامه بالإضاف إلى كل هاته الأسباب كان سببا في التمهية لثورة 1974 ابتداء من تنحي سلاوار عن الحكم سنة 1968 إثر إصابته بنزيف دماغي في حادثة الكرسي المسهورة ووفاته عام 1970. تولى بعده مرسلو كيطانو الذي رغم محاولاته لتحرير بعض قطاعات الحياة فإته اصطدم بجمود النظام ومعارضة الرئيس AMERICO لسياسة ومع بداية الستينات واجه نظام الدولة الجديدة عزلة وجمود تأمين حتى من طرف خلفائه من النايو وقد شكلت كثير من الحركات التحررية بإفريقيا في الموزمبي، انغولا، غينيا بيساو الرأس الأخظر تهديدا لسلطته وضغظ متفاقما على ميزانيته. وقد شكلت نفقات الحرب الاستعمارية عبثا ثقيلا على اقتصاد البرتغال. وفي ل التهديد بالتجنيد الإجباري لمدة أربع سنوات اضطر الشباب البرتغالي غلى الهجرة والبحث عن آفاق أخرى هروبا من الفقر. بالإضافة إلى أن الساحة السياسية في البرتغال شهدت تميزا وذلك بتشكيل طبقة عاملة بدأت بخوض نظالاتها وتصدت لها الشرطة بالقمع الشرس. وكان اضطرابات لشغيلة النقل الحضري في لشبونة سنة 1968 وعمال أحواض بناء السفن في ليزفاف عام 1969. الدور الكبير في التمهيد لثورة قرنفل. ترى ما هي أهم المميزات التي ميزت هاته الثورة؟
هذا ما سأشير إليه في النقطة الثانية.
النقطة الثانية: ملامح الثورة القرنفلية ودورها في بناء الديمقراطية في البرتغال
أمام ضغط السياسات الاستعمارية وافتقادها لكل الإمكانيات والتأثيرات في المحيط الدولي، لم يكن ليمر دون إحداث تصدع داخل المؤسسة العسكرية البرتغالية وطابعها الديكتاتوري، ومن جهة أخرى تزايد السط والضغط الاجتماعي المتزايد في طرح الإشكالات العميقة وغيجاد الحلول الناجعة لإخراج البرتغال من أزمتها.
هذا الفرض العارم للإيديولوجية الاستعمارية، والتدبير الديكتاتوري، استطاع أن يحقق إجماعا بين المؤسسة العسكرية تمثلت في حركة ضباط مستائين والشعب. ان تعصف بالنظام الفاشي بالبرتغال عبر ما يعرف بـ " ثورة قرنفل " .
هاته الثورة استطاعت بناء سياسة جديدة، لم تواكب الضغط الداخلي، ولم يساير التطور بأوربا، الأمر الذي عجل ببروز مشاريع مجتمعية تتصارع داخل المجتمع البرتغالي، وانفجار الحركة الرئيسية في انهيار النظام الديكتاتوري ( حركة الضباط) لعدم وجود مشروع متماسك لديها.
تفاعل الساحة السياسية في البرتغال، والضغط الاجتماعي الشعبي المتزايد الذي لم يتوانى في احتلال المصانع والضيعات الفلاحية بمرونة سياسية للأمور من قبل التنظيمين القويين بالبلاد الحزب الشيوعي الذي استعاد عافيته بعد أحداث الثورة القرنفلية، والحزب الاشتراكي المهيكل حديثا بقيادة ماريو سواريس.
إجراءات الحكومة في أبريل 1975 بإحداث إصلاح زراعي، وتأميم قطاعات الكهرباء والبترول والنقل وصناعة التعدين، وتجاوبها مع الحد الشعبي، دفعا التنظيمين إلى بلورة استراتيجية التأثير في المشهد السياسي والحركة العسكرية، والمجتمع بشكل عام، للفوز بأكبر قدر من الدعم. الأمر الذي عجل بحدوث مشاحنات واصطدامات بين التنظيمين. انتهت بالمناظرة الشهيرة بين الزعيمين، عززت موقع الحزب الاشتراكي داخل البرتغال. ولعب ماريو سواريس في إرساء نظام بورجوازي يضع حدا للتجارب الثورية في أوربا.
ومن العوامل المساعدة في بلورة مشروع الحزب الاشتراكي نذكر:
* على المستوى الداخلي:
انفتاح الحزب الاشتراكي عن الكنيسة الكاثوليكية بشكل إيجابي رغم تبين العلمانية.
تقوية الحريات ومن ضمنها حرية الصحافة.
هيمنة سياسة الاعتدال وسط الجيش.
على المستوى الخارجي:
اهتمام أوربا المتزايد بعد 1974 بالتحول الديمقراطي في البرتغال، ودعمها وتثبثها لهذا المسار واستقراراه.
انظلاقا من ذلك برز مفهوم الانتقال الديمقراطي كصيرورة يومية داخل المجتمع البرتغالي، والاندماج في الاتحاد الأوربي 1986 اعتبر خطوة جبارة في مجال التنمية البشرية بتحسيس عيش المواطنين عبر المساعدة المالية للاتحاد الأوربي، والدخول في نظام الجهوية لتقوية المناطق اقتصاديا واجتماعيا وتأهيلها للديمقراطية بشكل نهائي رغم شدة الرفض.
مما سبق نؤكد أن الانتقال الديمقراطي بالبرتغال مر بمسار معقد وشاق. استدعى تظافر جهود المسؤولين العسكريي والفاعلين السياسيين والمدنيين بخلقهم لثقافة سياسية ودستور ملائم وتكوين مجتمع مدني قوي طبقة سياسية لها مصداقية ونهج اقتصادي حر.
في الحقيقة يصعب المقارنة مع التجربة البرتغالية. وحيث أن المقارنة تعتبر مغامرة ولكن هذا لا يعني أن هاته التجربة يمكن استخلاص الدروس منها بالرغم مع أنه لا توجد وصفات جاهزة دوليا فيما يخص هذا الموضوع ( الانتقال الديمقراطي).
وسوف أشير في هاته النقطة أولا إلى الظرفية الزمنية للتجربة البرتغالية. ثانيا إلى العوامل التي ساهمت في إنجاح التجربة البرتغالية وفي هاته الإشارتين أستحضر التجربة المغربية.
أولا: أن الظرفية الزمنية المؤطرة للانتقال الديمقراطي في البرتغال تختلف عن التجربة المغربية بحكم أن في البرتغال الانتقال الديمقراطي تم التمهيد له منذ عقد الخمسينات وكانت أحداثه السياسية متوالية وكثيفة منذ بداية العقد الأول من القرن التاسع عشر، هذا دون أن ننسى أن هذا الانتقال عبت فيه ثورة قرنفل دورا كبيرا كما اشرنا إلى ذلك سابقا ورغم أنه تم بمنطق الثورة إلا أن أسلوب التوافق والتداول السلمي للسلطة هو الذي كان سائدا في البرتغال مع إشارة قوية كما أكد الرئيس البرتغالي ماريو سورايس الأب الروحي للديمقراطية في البرتغال: "أن البرتغال لم تتحدث عن مفهوم الانتقال الديمقراطي ولكن سرعان ما وجدت نفسها تعيش وضعا ديمقراطيا وذلك في محاضرة كبرى بالجامعة الصيفية دورة 2006 . في المغرب نجد تعدد الخطابات، ونجد أن هذا المفهوم تداول بشكل كبير في أغلب الأحيان واتخذ هذا التداول شكلا مائعا واستخدم في غير محله. عكس التجربة البرتغالية كما أشرنا سابقا بالرغم من اختلاف الخصوصيات الزمنية والسوسيوسياسية.
ثانيا: إن العامل الخارجي لعب دورا مهما. وهذا لا ينفي أهمية العامل الداخلي باعتبار أنه كان عاملا غنيا استلزم في البرتغال النضال الحزبي، الحركات الاجتماعية ( إضرابات العمال، الاعتصامات...).
في المغرب العامل الخارجي مهم، ولكن أوجه الاختلاف مع تجارب العالم الأخرى هو أن التجربة المغربية الحديث عن الانتقال الديمقراطي يتم في نفس النظام السياسي ومع ذلك لا ننفي أن هناك بعض التعديلات الطفيفة في النظام لم تصل بعض مرور تطوري نحو هدف معين ( الديمقراطية).
في الأخير يمكن أن نخرج بالخلاصات التالية:
الخلاصة الأولى: أنه لا توجد وصفات جاهزة دوليا على مستوى الانتقال الديمقراطي على ضوء التجربة البرتغالية.
الخلاصة الثانية: أن الانتقال الديمقراطي يتطلب مشروع مجتمعي وأحزاب سياسية فاعلة وذات مصداقية تستقطب انخراط عدد ممكن. وأن التناوب لا يشكل إلا أداة وليس غاية في حد ذاته.
الخلاصة الثالثة: أن النظام السياسي في المغرب يعيش حاليا انتقالا ممدا وهو انتقال يتحول أحيانا إلى شكل انتقال محصور Bloqué transition يوحيان السمة التي لازال عليها النظام السياسي هي حالة ليبرالية سياسية تقود تطور تدريجيا لمسلسل الدمقرطة. ليبرالية سياسية في عقد امتياز سياسي اقتصادي واجتماعي مرتبط فقط بإرادة السلطة السياسية وهو الوضع الذي تفسره عودة الخطوط الحمراء بين الحين والآخر.
الخلاصة الرابعة: أن الانتقال الديمقراطي في المغرب يتطلب إرادة حقيقة أو ما يطلق عليه بإرادة الانتقال. ولن يتأتي هذا بدون ترسيخ ثقافة المشاركة والاختلاف. وبدون إصلاح العقليات البنيات الفكرية أولا. ومأسسة المؤسسات ودمقرطتها ثانيا. وهذان الأمران يتطلبات توافق إرادتين: إرادة سياسية لدى المسؤولين من جهة وإرادة شعبية تحمل في ثناياها ثقافة الممانعة والتضحية لدى المثقفين وكل من يحمل هموم هذا الوطن الجريحة والثقيلة، سواء من يشتغل في الحقل المدني أو الأكاديمي أو الحزبي.
إن الانتقال الديمقراطي أمر إيجابي لكن هذا الانتقال يتطلب آليات وتعاقدات حقيقية بين جميع الأطراف لأن الانتقال المحكوم بتنقية المناورة هو نكسة يمكن أن يؤدي إلى تراجعات كارثية. أما الانتقال الممأسس والمعقلن والمبني على ميثاق تعاقدي، فيمكن أن يعطينا درجة للمشاركة وثقة بين جميع الأطراف وهذا هو المدخل الأساسي لتأسيس فضاء التراضي وبالتالي الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية