سياسة الاسلام في العلاقات الدولية
مرسل: الأحد مايو 13, 2012 11:11 pm
سياسة الإسلام في العلاقات الدولية
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين...)(1).
وضع الإسلام قانوناً لشدّ الروابط الدبلوماسية، والصداقة مع جميع الدول وحتى الكافرة منها، فجوز ذلك بالنسبة إلى الكفّار الذين لم يؤذوا المسلمين، ونهى عنه مع الكفّار الذين يؤذون المسلمين، حيث يقول تعالى:
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(2).
فالدول الكافرة التي أخرجت المسلمين من ديارهم، مثل إسرائيل، لايجوز للمسلمين إيجاد العلاقات معها، وأمّا الدول الكافرة المحايدة، فلابأس للمسلمين في أن يشدّوا معهم روابط، ويكوّنوا صداقات، ويبرّوا ويحسنوا إليهم.
وهذه الآية نزلت في خزاعة وبني مدلج حيث صالحوا الرسول الأعظم صلی الله عليه و آله على أن لا يقاتلوا المسلمين ولا يعينوا أحداً عليهم(3)، فشد المسلمون معهم الروابط وذهبوا إليهم وبروهم وأقسطوا وأحسنوا إليهم، وذلك حسب الرابطة العالمية التي يجعلها الإسلام بين بني الإنسان، فالإنسان نظير الإنسان، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «فإنهم ـ أي الناس ـ صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق»(4)، ولم يقاطع المسلمون من لم يحاربوهم ولم يخرجوهم، أما لو قاموا ضد المسلمين، فالمسلمون ـ دفاعاً ـ يقاطعونهم ويدافعون بذلك عن أنفسهم، وليجزوا بما فعلوا.
وفي سيرة رسول الله صلی الله عليه و آله مع الكفّار بأصنافهم المختلفة من مشركين ونصارى، خير أسوة لأي نظام إسلامي يقوم على وجه الأرض.
فقد قال الله تعالى عن ذلك:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)(5).
وفي سورة الممتحنة من القرآن الحكيم عدّة من الآيات الكريمة بهذا الشأن، وكذلك آيات متفرقة في مختلف سور القرآن، ونحن نذكر نماذج من ذلك مع مختصر تفسيرها موجزين لـه، من تفسير (مجمع البيان)، فإنّه بيان لجانب من العلاقات الدولية الواردة في القرآن الحكيم.
الإسلام قبل الأرحام
(لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ…)(6).
(لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ) أي، ذووا أرحامكم والمعنى قراباتكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) أي، لا يحملنكم قراباتكم ولا أولادكم التي بمكّة على خيانة النبي صلی الله عليه و آله والمؤمنين، فلن ينفعكم أولئك الذين عصيتم الله لأجلهم (يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ) الله (بَيْنَكُمْ)، فيدخل أهل الإيمان والطاعة الجنّة، وأهل الكفر والمعصية النار، ويميّز بعضكم من بعض ذلك اليوم، فيرى القريب المؤمن في الجنّة قريبه الكافر في النار.
ثم ضرب سبحانه لهم إبراهيم عليه السلام مثلاً في ترك موالاة الكفّار، فقال:
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي، اقتداء حسن (فِي إِبْرَاهِيمَ) خليل الله (وَالَّذِينَ مَعَهُ) ممن آمن به واتبعه، (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ) الكفّار (إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ) فلا نواليكم (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّه) أي، وبراء من الأصنام التي تعبدونها (كَفَرْنَا بِكُمْ) أي، يقولون لهم جحدنا دينكم وأنكرنا معبودكم (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا) فلايكون بيننا موالاة في الدين (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) أي، تصدقوا بوحدانية الله، وإخلاص التوحيد والعبادة لـه، (إِلاّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أي، اقتدوا بإبراهيم في كل أموره، إلا في هذا القول، فلا تقتدوا به فيه، فإنه عليه السلام إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه بالإيمان، فلما تبين لـه أنه عدو لله تبرأ منه(7).
التأسي بصمود إبراهيم
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)(8).
ثم أعاد سبحانه في ذكر الأُسوة فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ) أي، في إبراهيم عليه السلام ومن آمن معه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي، قدوة حسنة، وإنما أعاد ذكر الأُسوة، لأنّ الثاني منعقد بغير ما انعقد به الأوّل، فإنّ الثاني فيه بيان أنّ الأسوة فيهم كان لرجاء ثواب الله وحسن المنقلب، والأوّل فيه بيان أنّ الأسوة في المعاداة للكفّار، وقوله (لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) بدل من قوله (لكم) وهو بدل البعض من الكل مثل قوله: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(9) وفيه بيان أنّ هذه الأُسوة لمن يخاف الله ويخاف عقاب الآخرة وهو قولـه: (وَالْيَوْمِ الآخِرِ) وقيل: يرجو ثواب الله وما يعطيه من ذلك في اليوم الآخر (وَمَن يَتَوَلَّ) أي، ومن يعرض عن هذا الإقتداء بإبراهيم عليه السلام والأنبياء عليهم السلام والمؤمنين والذين معه، فقد أخطأ حظ نفسه وذهب عمّا يعود نفعه إليه فحذفه لدلالة الكلام عليه، وهو قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي، الغني عن ذلك، المحمود في جميع أفعاله، فلا يضرّه تولّيه، ولكنّه ضرّ نفسه.
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ)
أي، ليس ينهاكم الله عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال وبرّهم ومعاملتهم بالعدل، وهو قولـه: (أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي، وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي، العادلين، ثم قال: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) من أهل مكّة وغيرهم (وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ) أي، منازلكم وأملاككم (وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ) أي، عاونوا على ذلك وعاضدوهم ـ وهم العوام والأتباع عاونوا رؤساءهم على الباطل ـ (أَن تَوَلَّوْهُمْ) أي، ينهاكم الله عن أن تولّوهم وتوادّوهم وتحبّوهم. والمعنى، أنّ مكاتبتكم بينهم بإظهار سرّ المؤمنين موالاة لهم (وَمَن يَتَوَلَّهُمْ) منكم. أي، يوالهم وينصرهم (فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) يستحقّون بذلك العذاب الأليم(10).
المؤمنات المهاجرات
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُون)(11).
لما قطع سبحانه الموالاة بين المسلمين والكافرين، بيّن حكم النساء المهاجرات وأزواجهن، فقال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) بالإيمان. أي، استوصفوهن الإيمان، وسمّاهن مؤمنات قبل أن يؤمنّ، لأنّهن اعتقدن الإيمان (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) أي، كنتم تعلمون بالإمتحان ظاهر إيمانهن، والله يعلم حقيقة إيمانهن في الباطن (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) يعني، في الظاهر (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) أي، لا تردّوهن إليهم (لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وهذا يدل على وقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة وإن لم يطلّق المشرك (وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا) أي، وآتوا أزواجهنّ الكفّار ما أنفقوا عليهنّ من المهر (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي، ولا جناح عليكم معاشر المسلمين أن تنكحوا المهاجرات إذا أعطيتموهنّ مهورهنّ التي يستحلّ بها فروجهنّ، لأنهنّ بالإسلام قد بِنَّ من أزواجهنّ (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) أي، لاتمسكوا بنكاح الكافرات، وأصل العصمة المنع، وسمي النكاح عصمة، لأن المنكوحة تكون في حبال الزوج وعصمته… (وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ) أي، إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفّار مرتدّة، فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا منعوها ولم يدفعوها إليكم، كما يسألونكم مهور نسائهم إذا هاجرن إليكم وهو قولـه: (وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا) يعني، ما ذكر الله في هذه الآية (حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ) بجميع الأشياء (حَكِيمٌ) فيما يفعل ويأمر به. ولما نزلت هذه الآية، آمن المؤمنون بحكم الله وأدّوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم، وأبى المشركون أن يقرّوا بحكم الله فيما أمرهم به من أداء نفقات المسلمين، فنزل (وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ) أي، أحد من أزواجكم (إِلَى الْكُفَّارِ) فلحقن بهم مرتدّات (فَعَاقَبْتُمْ) معناه، فغزوتم وأصبتم من الكفّار عقبى ـ وهي: الغنيمة ـ فظفرتم وكانت العاقبة لكم (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم) أي، نساؤهم من المؤمنين (مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا) من المهور عليهنّ من رأس الغنيمة، وكذلك من ذهبت زوجته إلى من بينكم وبينه عهد، فنكث في إعطاء المهر، فالذي ذهبت زوجته يعطى المهر من الغنيمة، ولا ينقص شيئاً من حقه بل يعطى كملا.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي، اجتنبوا معاصي الله الذي أنتم تصدقون به، ولا تجاوزوا أمره، وقالوا: فكان جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعات عن الإسلام، ستّ نسوة:
أم الحكم بنت أبي سفيان، كانت تحت عياض بن شدّاد الفهري.
وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة ـ أخت أم سلمة ـ كانت تحت عمر بن الخطّاب، فلما أراد عمر أن يهاجر، أبت وارتدت.
وبروع بنت عقبة، كانت تحت شماس بن عثمان.
وعمدة بنت عبد العزى بن فضلة، زوجها عمر بن عبدود.
وهند بنت أبي جهل بن هشام، كانت تحت هشام بن العاص بن وائل.
وكلثوم بنت جرول، كانت تحت عمر.
فأعطاهم رسول الله صلی الله عليه و آله مهور نسائهم من الغنيمة(12).
لا.. لكل أنواع الإستعمار
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)(13).
ثم خاطب سبحانه المؤمنين، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) أي، لا تتولّوا اليهود وغيرهم من الكفّار، وذلك أنّ جماعة من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين يتواصلون إليهم بذلك فيصيبون من ثمارهم، فنهى الله المقاتلين عن ذلك، فقال: (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ) أي، من ثواب الآخرة (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) يعني، أنّ اليهود بتكذيبهم محمداً صلی الله عليه و آله وهم يعرفون صدقه وأنّه رسول قد يئسوا من أن يكون لهم في الآخرة حظ، لأنّهم قد أيقنوا بعذاب الله(14).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة الممتحنة: الآية 8.
(2) سورة الممتحنة: الآية 8 و9.
(3) راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص449.
(4) نهج البلاغة، الرسائل: 53 ومن كتاب لـه عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.
(5) سورة الأحزاب: الآية 21.
(6) سورة الممتحنة: الآية 3 و4.
(7) راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي: ج9 ص447ـ448 مورد تفسير الآية.
(8) سورة الممتحنة: الآيات 6ـ9.
(9) سورة آل عمران: الآية 97.
(10) راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص449ـ451.
(11) سورة الممتحنة : الآية 10 و11.
(12) راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص453ـ455.
(13) سورة الممتحنة: الآية 13.
(14) راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص457.
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين...)(1).
وضع الإسلام قانوناً لشدّ الروابط الدبلوماسية، والصداقة مع جميع الدول وحتى الكافرة منها، فجوز ذلك بالنسبة إلى الكفّار الذين لم يؤذوا المسلمين، ونهى عنه مع الكفّار الذين يؤذون المسلمين، حيث يقول تعالى:
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(2).
فالدول الكافرة التي أخرجت المسلمين من ديارهم، مثل إسرائيل، لايجوز للمسلمين إيجاد العلاقات معها، وأمّا الدول الكافرة المحايدة، فلابأس للمسلمين في أن يشدّوا معهم روابط، ويكوّنوا صداقات، ويبرّوا ويحسنوا إليهم.
وهذه الآية نزلت في خزاعة وبني مدلج حيث صالحوا الرسول الأعظم صلی الله عليه و آله على أن لا يقاتلوا المسلمين ولا يعينوا أحداً عليهم(3)، فشد المسلمون معهم الروابط وذهبوا إليهم وبروهم وأقسطوا وأحسنوا إليهم، وذلك حسب الرابطة العالمية التي يجعلها الإسلام بين بني الإنسان، فالإنسان نظير الإنسان، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «فإنهم ـ أي الناس ـ صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق»(4)، ولم يقاطع المسلمون من لم يحاربوهم ولم يخرجوهم، أما لو قاموا ضد المسلمين، فالمسلمون ـ دفاعاً ـ يقاطعونهم ويدافعون بذلك عن أنفسهم، وليجزوا بما فعلوا.
وفي سيرة رسول الله صلی الله عليه و آله مع الكفّار بأصنافهم المختلفة من مشركين ونصارى، خير أسوة لأي نظام إسلامي يقوم على وجه الأرض.
فقد قال الله تعالى عن ذلك:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)(5).
وفي سورة الممتحنة من القرآن الحكيم عدّة من الآيات الكريمة بهذا الشأن، وكذلك آيات متفرقة في مختلف سور القرآن، ونحن نذكر نماذج من ذلك مع مختصر تفسيرها موجزين لـه، من تفسير (مجمع البيان)، فإنّه بيان لجانب من العلاقات الدولية الواردة في القرآن الحكيم.
الإسلام قبل الأرحام
(لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ…)(6).
(لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ) أي، ذووا أرحامكم والمعنى قراباتكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) أي، لا يحملنكم قراباتكم ولا أولادكم التي بمكّة على خيانة النبي صلی الله عليه و آله والمؤمنين، فلن ينفعكم أولئك الذين عصيتم الله لأجلهم (يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ) الله (بَيْنَكُمْ)، فيدخل أهل الإيمان والطاعة الجنّة، وأهل الكفر والمعصية النار، ويميّز بعضكم من بعض ذلك اليوم، فيرى القريب المؤمن في الجنّة قريبه الكافر في النار.
ثم ضرب سبحانه لهم إبراهيم عليه السلام مثلاً في ترك موالاة الكفّار، فقال:
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي، اقتداء حسن (فِي إِبْرَاهِيمَ) خليل الله (وَالَّذِينَ مَعَهُ) ممن آمن به واتبعه، (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ) الكفّار (إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ) فلا نواليكم (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّه) أي، وبراء من الأصنام التي تعبدونها (كَفَرْنَا بِكُمْ) أي، يقولون لهم جحدنا دينكم وأنكرنا معبودكم (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا) فلايكون بيننا موالاة في الدين (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) أي، تصدقوا بوحدانية الله، وإخلاص التوحيد والعبادة لـه، (إِلاّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أي، اقتدوا بإبراهيم في كل أموره، إلا في هذا القول، فلا تقتدوا به فيه، فإنه عليه السلام إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه بالإيمان، فلما تبين لـه أنه عدو لله تبرأ منه(7).
التأسي بصمود إبراهيم
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)(8).
ثم أعاد سبحانه في ذكر الأُسوة فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ) أي، في إبراهيم عليه السلام ومن آمن معه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي، قدوة حسنة، وإنما أعاد ذكر الأُسوة، لأنّ الثاني منعقد بغير ما انعقد به الأوّل، فإنّ الثاني فيه بيان أنّ الأسوة فيهم كان لرجاء ثواب الله وحسن المنقلب، والأوّل فيه بيان أنّ الأسوة في المعاداة للكفّار، وقوله (لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) بدل من قوله (لكم) وهو بدل البعض من الكل مثل قوله: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(9) وفيه بيان أنّ هذه الأُسوة لمن يخاف الله ويخاف عقاب الآخرة وهو قولـه: (وَالْيَوْمِ الآخِرِ) وقيل: يرجو ثواب الله وما يعطيه من ذلك في اليوم الآخر (وَمَن يَتَوَلَّ) أي، ومن يعرض عن هذا الإقتداء بإبراهيم عليه السلام والأنبياء عليهم السلام والمؤمنين والذين معه، فقد أخطأ حظ نفسه وذهب عمّا يعود نفعه إليه فحذفه لدلالة الكلام عليه، وهو قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي، الغني عن ذلك، المحمود في جميع أفعاله، فلا يضرّه تولّيه، ولكنّه ضرّ نفسه.
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ)
أي، ليس ينهاكم الله عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال وبرّهم ومعاملتهم بالعدل، وهو قولـه: (أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي، وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي، العادلين، ثم قال: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) من أهل مكّة وغيرهم (وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ) أي، منازلكم وأملاككم (وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ) أي، عاونوا على ذلك وعاضدوهم ـ وهم العوام والأتباع عاونوا رؤساءهم على الباطل ـ (أَن تَوَلَّوْهُمْ) أي، ينهاكم الله عن أن تولّوهم وتوادّوهم وتحبّوهم. والمعنى، أنّ مكاتبتكم بينهم بإظهار سرّ المؤمنين موالاة لهم (وَمَن يَتَوَلَّهُمْ) منكم. أي، يوالهم وينصرهم (فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) يستحقّون بذلك العذاب الأليم(10).
المؤمنات المهاجرات
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُون)(11).
لما قطع سبحانه الموالاة بين المسلمين والكافرين، بيّن حكم النساء المهاجرات وأزواجهن، فقال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) بالإيمان. أي، استوصفوهن الإيمان، وسمّاهن مؤمنات قبل أن يؤمنّ، لأنّهن اعتقدن الإيمان (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) أي، كنتم تعلمون بالإمتحان ظاهر إيمانهن، والله يعلم حقيقة إيمانهن في الباطن (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) يعني، في الظاهر (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) أي، لا تردّوهن إليهم (لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وهذا يدل على وقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة وإن لم يطلّق المشرك (وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا) أي، وآتوا أزواجهنّ الكفّار ما أنفقوا عليهنّ من المهر (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي، ولا جناح عليكم معاشر المسلمين أن تنكحوا المهاجرات إذا أعطيتموهنّ مهورهنّ التي يستحلّ بها فروجهنّ، لأنهنّ بالإسلام قد بِنَّ من أزواجهنّ (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) أي، لاتمسكوا بنكاح الكافرات، وأصل العصمة المنع، وسمي النكاح عصمة، لأن المنكوحة تكون في حبال الزوج وعصمته… (وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ) أي، إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفّار مرتدّة، فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا منعوها ولم يدفعوها إليكم، كما يسألونكم مهور نسائهم إذا هاجرن إليكم وهو قولـه: (وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا) يعني، ما ذكر الله في هذه الآية (حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ) بجميع الأشياء (حَكِيمٌ) فيما يفعل ويأمر به. ولما نزلت هذه الآية، آمن المؤمنون بحكم الله وأدّوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم، وأبى المشركون أن يقرّوا بحكم الله فيما أمرهم به من أداء نفقات المسلمين، فنزل (وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ) أي، أحد من أزواجكم (إِلَى الْكُفَّارِ) فلحقن بهم مرتدّات (فَعَاقَبْتُمْ) معناه، فغزوتم وأصبتم من الكفّار عقبى ـ وهي: الغنيمة ـ فظفرتم وكانت العاقبة لكم (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم) أي، نساؤهم من المؤمنين (مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا) من المهور عليهنّ من رأس الغنيمة، وكذلك من ذهبت زوجته إلى من بينكم وبينه عهد، فنكث في إعطاء المهر، فالذي ذهبت زوجته يعطى المهر من الغنيمة، ولا ينقص شيئاً من حقه بل يعطى كملا.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي، اجتنبوا معاصي الله الذي أنتم تصدقون به، ولا تجاوزوا أمره، وقالوا: فكان جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعات عن الإسلام، ستّ نسوة:
أم الحكم بنت أبي سفيان، كانت تحت عياض بن شدّاد الفهري.
وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة ـ أخت أم سلمة ـ كانت تحت عمر بن الخطّاب، فلما أراد عمر أن يهاجر، أبت وارتدت.
وبروع بنت عقبة، كانت تحت شماس بن عثمان.
وعمدة بنت عبد العزى بن فضلة، زوجها عمر بن عبدود.
وهند بنت أبي جهل بن هشام، كانت تحت هشام بن العاص بن وائل.
وكلثوم بنت جرول، كانت تحت عمر.
فأعطاهم رسول الله صلی الله عليه و آله مهور نسائهم من الغنيمة(12).
لا.. لكل أنواع الإستعمار
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)(13).
ثم خاطب سبحانه المؤمنين، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) أي، لا تتولّوا اليهود وغيرهم من الكفّار، وذلك أنّ جماعة من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين يتواصلون إليهم بذلك فيصيبون من ثمارهم، فنهى الله المقاتلين عن ذلك، فقال: (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ) أي، من ثواب الآخرة (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) يعني، أنّ اليهود بتكذيبهم محمداً صلی الله عليه و آله وهم يعرفون صدقه وأنّه رسول قد يئسوا من أن يكون لهم في الآخرة حظ، لأنّهم قد أيقنوا بعذاب الله(14).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة الممتحنة: الآية 8.
(2) سورة الممتحنة: الآية 8 و9.
(3) راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص449.
(4) نهج البلاغة، الرسائل: 53 ومن كتاب لـه عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.
(5) سورة الأحزاب: الآية 21.
(6) سورة الممتحنة: الآية 3 و4.
(7) راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي: ج9 ص447ـ448 مورد تفسير الآية.
(8) سورة الممتحنة: الآيات 6ـ9.
(9) سورة آل عمران: الآية 97.
(10) راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص449ـ451.
(11) سورة الممتحنة : الآية 10 و11.
(12) راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص453ـ455.
(13) سورة الممتحنة: الآية 13.
(14) راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص457.