By ابراهيم الجمعي - الأربعاء مايو 16, 2012 9:25 am
- الأربعاء مايو 16, 2012 9:25 am
#51548
يتحمل صدام حسين ونظامه المنتهي كامل المسئولية فيما آل إليه العراق من مصير مؤلم على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصولاً إلى الهزيمة العسكرية والاحتلال . لذا وجب علينا تسليط الأضواء في هذا الفصل على الإرهاصات والأحداث والمقدمات التي شكلت بداية النهاية لهذا النظام الديكتاتوري البائس الذي لم يحقق لوطنه ولا لعالمه العربي سوى الهزائم والخسائر والانتكاسات .
وفيما يلي نتناول الحقبة (1979-2003) بالتحليل والدارسة وعلى المحاور التالية :
المبحث الأول : الأوضاع السياسية للعراق (1979-2003) .
المبحث الثاني : الحصار الاقتصادي وهاجس أسلحة الدمار الشامل .
المبحث الثالث : المعارضة العراقية بالداخل والخارج .
المبحث الرابع : تداعيات انهيار نظام صدام حسين .
المبحث الأول : الأوضاع السياسية للعراق (1979-2003) :
منذ وصوله إلى رأس هرم السلطة في العام 1979 ، أحاط صدام حسين نفسه بهالة من القداسة والقوة ، كما بدأ حكمه بسلسلة من التصفيات والمحاكمات في 'محكمة شعبية' على الطراز الشيوعي ، تلتها تصفية دموية للتطهير وفقاً للنموذج الستاليني ، قَتَلَ فيها عدداً من المتآمرين المزعومين بدعوى تأييدهم لسوريا كان بعضهم من أصدقائه المقربين في مجلس قيادة الثورة ... ويمكن القول أن حزب البعث كان أداة صدام للسيطرة على المجتمع أكثر منه حاملاً لأيديولوجية تقدمية . ونجح صدام في الحفاظ على وحدة العراق ولو بالقوة ، فقد تحول الخوف من سطوة نظامه وبسرعة إلى القبضة الحديدية التي تجمع شتات بلد متنوع دينياً وقومياً(1) .
* صحيح أن الرئيس العراقي السابق كان نموذجاً للحاكم المطلق ، بتصفية الخصوم في الداخل ، وإقصاء المعارضة ، والتصفيات الجسدية ، والإعدامات العلنية والمقابر الجماعية ، واغتيالات زعماء الشيعة ورموز المقاومة من كافة الطوائف . الأمر الذي دعا مجموعة من أبناء العراق إلى الهجرة حيث كونوا بؤراً للمعارضة خارج الأوطان مستقلة أو بالتعاون مع القوى الأجنبية ، فكان هو الرئيس العربي الذي وصل نظامه إلى الحد الأقصى من نظم التسلط والقهر حتى خشيه الجميع . فازدوج الخطاب بين التأييد العلني والرفض السري الذي تسمعه أجهزة المخابرات ، فينكل بأصحابه حتى لو كان الهمس بين الأصدقاء في الاجتماعات المغلقة أو بين الأحباء في غرف النوم .
وهكذا اتسم النظام الحاكم إذن طوال حكم صدام حسين بالدكتاتورية والوحشية في التعامل مع أطياف المجتمع العراقي القومية والدينية من أكراد وعرب سنة وشيعة ، وألغيت الحريات وحلت السلطة البوليسية محل القانون .
* ولم يكتف صدام حسين بالقمع داخلياً ، لكنه وفي 22 سبتمبر 1980 بدء حرباً ضروس على جارته بالحدود الشرقية إيران استمرت لثماني أعوام كاملة قتل فيها ما يزيد عن مليون شخص من الطرفين وأصاب الخراب اقتصاد البلدين .
* ولم تقف شهية صدام المفتوحة على الاقتتال والحرب عند حدود خسائره في حرب الثماني سنوات ضد إيران ، وإنما بدأ في 2 أغسطس 1990 مغامرته المشؤومة باحتلاله الكويت بذريعة أن الكويت زادت من معدلات إنتاجها للنفط بشكل متعمد أدى إلى تخفيض أسعاره العالمية ، مما صعب عليه إمكانية سداده لديونه العسكرية الضخمة التي كانت قد بلغت آنذاك حوالي السبعة مليارات دولار .
* واستخدم صدام حسين جهازه الإعلامي للترويج لقوة جيوشه الوهمية وصواريخه العملاقة وأسلحة الدمار الشامل التي يطورها بعد أن استخدم بعضاً منها في حلابجة الكردية . فصواريخ صدام كما صورتها دعاياته كانت قادرة على ضرب إسرائيل وحرقها بالكامل ... ، ثم تحول كل هذا الهراء إلى ذريعة للعدوان عليه . ولم تحرق إسرائيل بل أحُتل العراق .
* ومن غرائب الأمور في تلك الحقبة أن دعاية صدام حسين كانت تصف الهزيمة الساحقة التي منى بها العراق في الكويت في 26-2-1991 بعبارة أطلقها صدام عليها بأنها 'أم المعارك' باعتبار أن قواته قد تصدت للقوات الأمريكية في معركة أسماها الأمريكان بعاصفة الصحراء وباعتبار أن ما تم كان انتصاراً عراقياً !!!
تحرير الكويت والإبقاء على صدام :
بدأت حرب تحرير الكويت (عاصفة الصحراء) بتاريخ 17 يناير 1991 بحملة جوية على العراق في مرحلة أولى ثم تلتها مرحلة الهجوم البري للقوات المتحالفة واستمرت الحرب لمدة 40 يوماً حتى تحرير الكويت من القوات العراقية في تاريخ 26-2-1991م ، فقد كانت الكويت مدمرة وسماؤها مغطاة بالدخان الأسود المتصاعد نتيجة إشعال القوات المنسحبة النيران في أكثر من 740 بئراً للبترول بأوامر صادرة من صدام . وكانت تلك كارثة بيئية لم تتعاف منها الكويت والمناطق المحيطة بها في منطقة الخليج بشكل كامل حتى الآن . وأودت الحرب بحياة 148 من قوات التحالف وأدت إلى إصابة عدة مئات منهم ، كما نتج عنها مصرع آلاف العسكريين العراقيين بالإضافة إلى مئات من المدنيين .
وفي أثناء وقف إطلاق النار الذي وضع نهاية للحرب ، سمح للعراقيين بالاحتفاظ بما لديهم من الطائرات المروحية التي لم يتم تدميرها في الحرب لاستخدامها في أغراض النقل تحديداً . ولأن المروحيات تعد من بين المركبات العسكرية ، فإنها تحولت إلى آلات قمع بدون رحمة لقتل المئات من المتمردين الشيعة الذين لم يوفقوا في حركة التمرد في الجنوب وكذلك المتمردين الأكراد في الشمال ، ونزح الآلاف من اللاجئين إلى تركيا وسوريا وإيران . وقامت الولايات المتحدة وبريطانيا وبمساعدة من فرنسا بتحديد 'مناطق حظر للطيران' (خط 36 شمالاً وخط 32 جنوباً) ، وذلك لحماية السكان من انتقام صدام ومنع طائراته من التحليق في هذه المناطق . بعد ذلك تم قصف دفاعات أرضية عراقية وغيرها من الأهداف ، وكان ذلك يتم في بعض الأحيان بصورة يومية تقريباً طيلة أعوام التسعينيات ، مما أدى إلى إضعاف قدرة المؤسسة العسكرية العراقية التي تضررت بشكل كبير .
وفيما يلي نتناول الحقبة (1979-2003) بالتحليل والدارسة وعلى المحاور التالية :
المبحث الأول : الأوضاع السياسية للعراق (1979-2003) .
المبحث الثاني : الحصار الاقتصادي وهاجس أسلحة الدمار الشامل .
المبحث الثالث : المعارضة العراقية بالداخل والخارج .
المبحث الرابع : تداعيات انهيار نظام صدام حسين .
المبحث الأول : الأوضاع السياسية للعراق (1979-2003) :
منذ وصوله إلى رأس هرم السلطة في العام 1979 ، أحاط صدام حسين نفسه بهالة من القداسة والقوة ، كما بدأ حكمه بسلسلة من التصفيات والمحاكمات في 'محكمة شعبية' على الطراز الشيوعي ، تلتها تصفية دموية للتطهير وفقاً للنموذج الستاليني ، قَتَلَ فيها عدداً من المتآمرين المزعومين بدعوى تأييدهم لسوريا كان بعضهم من أصدقائه المقربين في مجلس قيادة الثورة ... ويمكن القول أن حزب البعث كان أداة صدام للسيطرة على المجتمع أكثر منه حاملاً لأيديولوجية تقدمية . ونجح صدام في الحفاظ على وحدة العراق ولو بالقوة ، فقد تحول الخوف من سطوة نظامه وبسرعة إلى القبضة الحديدية التي تجمع شتات بلد متنوع دينياً وقومياً(1) .
* صحيح أن الرئيس العراقي السابق كان نموذجاً للحاكم المطلق ، بتصفية الخصوم في الداخل ، وإقصاء المعارضة ، والتصفيات الجسدية ، والإعدامات العلنية والمقابر الجماعية ، واغتيالات زعماء الشيعة ورموز المقاومة من كافة الطوائف . الأمر الذي دعا مجموعة من أبناء العراق إلى الهجرة حيث كونوا بؤراً للمعارضة خارج الأوطان مستقلة أو بالتعاون مع القوى الأجنبية ، فكان هو الرئيس العربي الذي وصل نظامه إلى الحد الأقصى من نظم التسلط والقهر حتى خشيه الجميع . فازدوج الخطاب بين التأييد العلني والرفض السري الذي تسمعه أجهزة المخابرات ، فينكل بأصحابه حتى لو كان الهمس بين الأصدقاء في الاجتماعات المغلقة أو بين الأحباء في غرف النوم .
وهكذا اتسم النظام الحاكم إذن طوال حكم صدام حسين بالدكتاتورية والوحشية في التعامل مع أطياف المجتمع العراقي القومية والدينية من أكراد وعرب سنة وشيعة ، وألغيت الحريات وحلت السلطة البوليسية محل القانون .
* ولم يكتف صدام حسين بالقمع داخلياً ، لكنه وفي 22 سبتمبر 1980 بدء حرباً ضروس على جارته بالحدود الشرقية إيران استمرت لثماني أعوام كاملة قتل فيها ما يزيد عن مليون شخص من الطرفين وأصاب الخراب اقتصاد البلدين .
* ولم تقف شهية صدام المفتوحة على الاقتتال والحرب عند حدود خسائره في حرب الثماني سنوات ضد إيران ، وإنما بدأ في 2 أغسطس 1990 مغامرته المشؤومة باحتلاله الكويت بذريعة أن الكويت زادت من معدلات إنتاجها للنفط بشكل متعمد أدى إلى تخفيض أسعاره العالمية ، مما صعب عليه إمكانية سداده لديونه العسكرية الضخمة التي كانت قد بلغت آنذاك حوالي السبعة مليارات دولار .
* واستخدم صدام حسين جهازه الإعلامي للترويج لقوة جيوشه الوهمية وصواريخه العملاقة وأسلحة الدمار الشامل التي يطورها بعد أن استخدم بعضاً منها في حلابجة الكردية . فصواريخ صدام كما صورتها دعاياته كانت قادرة على ضرب إسرائيل وحرقها بالكامل ... ، ثم تحول كل هذا الهراء إلى ذريعة للعدوان عليه . ولم تحرق إسرائيل بل أحُتل العراق .
* ومن غرائب الأمور في تلك الحقبة أن دعاية صدام حسين كانت تصف الهزيمة الساحقة التي منى بها العراق في الكويت في 26-2-1991 بعبارة أطلقها صدام عليها بأنها 'أم المعارك' باعتبار أن قواته قد تصدت للقوات الأمريكية في معركة أسماها الأمريكان بعاصفة الصحراء وباعتبار أن ما تم كان انتصاراً عراقياً !!!
تحرير الكويت والإبقاء على صدام :
بدأت حرب تحرير الكويت (عاصفة الصحراء) بتاريخ 17 يناير 1991 بحملة جوية على العراق في مرحلة أولى ثم تلتها مرحلة الهجوم البري للقوات المتحالفة واستمرت الحرب لمدة 40 يوماً حتى تحرير الكويت من القوات العراقية في تاريخ 26-2-1991م ، فقد كانت الكويت مدمرة وسماؤها مغطاة بالدخان الأسود المتصاعد نتيجة إشعال القوات المنسحبة النيران في أكثر من 740 بئراً للبترول بأوامر صادرة من صدام . وكانت تلك كارثة بيئية لم تتعاف منها الكويت والمناطق المحيطة بها في منطقة الخليج بشكل كامل حتى الآن . وأودت الحرب بحياة 148 من قوات التحالف وأدت إلى إصابة عدة مئات منهم ، كما نتج عنها مصرع آلاف العسكريين العراقيين بالإضافة إلى مئات من المدنيين .
وفي أثناء وقف إطلاق النار الذي وضع نهاية للحرب ، سمح للعراقيين بالاحتفاظ بما لديهم من الطائرات المروحية التي لم يتم تدميرها في الحرب لاستخدامها في أغراض النقل تحديداً . ولأن المروحيات تعد من بين المركبات العسكرية ، فإنها تحولت إلى آلات قمع بدون رحمة لقتل المئات من المتمردين الشيعة الذين لم يوفقوا في حركة التمرد في الجنوب وكذلك المتمردين الأكراد في الشمال ، ونزح الآلاف من اللاجئين إلى تركيا وسوريا وإيران . وقامت الولايات المتحدة وبريطانيا وبمساعدة من فرنسا بتحديد 'مناطق حظر للطيران' (خط 36 شمالاً وخط 32 جنوباً) ، وذلك لحماية السكان من انتقام صدام ومنع طائراته من التحليق في هذه المناطق . بعد ذلك تم قصف دفاعات أرضية عراقية وغيرها من الأهداف ، وكان ذلك يتم في بعض الأحيان بصورة يومية تقريباً طيلة أعوام التسعينيات ، مما أدى إلى إضعاف قدرة المؤسسة العسكرية العراقية التي تضررت بشكل كبير .