منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#51551
(أ) المعارضة بالخارج :

* في العام 1992تأسست منظمة بقيادة أحمد الجلبي المليونير العراقي الذي كان يعيش في المنفى تحت اسم 'المجلس الوطني العراقي' ، وهي منظمة تضم معظم جماعات المعارضة العراقية الموجودة في المنفى وقد أسستها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بصورة سرية في البداية .

وبدأ المجلس الوطني العراقي في إطلاق حملته الدعائية ضد صدام ، وكان من بين أهدافها مواجهة التعاطف الذي نشأ في الخارج نتيجة تطبيق العقوبات الاقتصادية على العراق . وقدم أحمد الجلبي برنامجاً لعراق ما بعد صدام ، يتمثل في الديموقراطية مع حكومة تمثل كافة الجماعات العرقية والدينية والسياسية الموجودة في الدولة .

* كان هناك منافس آخر للمجلس الوطني العراقي وهو 'مجلس الوفاق الوطني العراقي (INA)' الذي كان يقوده إياد علاوي وهو عراقي آخر يعيش في المنفى ، وأصبح بعد ذلك رئيساً للوزراء في شهر يونيو عام 2004 .

(ب) المعارضة الكردية (بالداخل) :

كانت للأكراد في الشمال أحزابهم المعارضة لنظام صدام والمتمثلة في الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني ، والحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني . ومثل سائر العراقيين رأي الأكراد في مغامرة صدام حسين وغزوه للكويت قرب موعد خلاصهم من محنتهم الطويلة مع هذا النظام . فتشكلت في أواخر 1990 'الجبهة الكردستانية العراقية' لتشمل في إطارهما الحزبيين الكرديين الرئيسيين واجتمعت الجبهة المشتركة لتعلن حق الأكراد في الحكم الذاتي . وما أن اندلعت الانتفاضة الشعبية المناهضة لصدام حسين ونظام حكمه أثر هزيمته الساحقة على يد قوات التحالف الدولي في فبراير 1991 ، حتى كان الأكراد مساهمين رئيسيين في تلك الانتفاضة . وفي هذا الأثناء قام الأكراد بتحرير مناطقهم الأربع : أربيل ودهوك والسليمانية وزاخو .

تشجعت المعارضة الكردية باتجاه الحكم الذاتي إثر إنشاء ما سمي بمنطقة الحظر الجوي (خط 36 شمالاً، وخط 32 جنوباً) والتي قلصت قدرات النظام العراقي ومنعته من الاعتداء على معارضيه شمالاً وجنوباً . وهكذا نجحت الجبهة الكردستانية في تكوين إدارة ذاتية : تشريعية وتنفيذية لملء الفراغ الذي تكون بإنسحاب الإدارة الحكومية من المناطق الشمالية . فأجريت في مايو 1992 انتخابات عامة لاختيار 105 أعضاء في المجلس الوطني لإقليم كردستان العراق (توزعت المقاعد بنسبة 100 مقعد للأكراد و5 مقاعد للآشوريين) .

ولأول مرة في تاريخهم يحصل الأكراد لظروف دولية خاصة على حقهم في حرية العمل السياسي .وفي غضون سنتين (1992-1994) استطاعت الحكومة الكردية إطلاق حريات الأكراد في التعليم بلغتهم وسمحت للقوميات الأخرى العربية والتركمانية والآشورية بافتتاح مقرات لها وإصدار صحفها وإقامة محطات الإذاعة والتليفزيون وأنشئت قوات مسلحة وشرطة وأمن محلية وسلطة قضائية مستقلة . وبالتعاون مع منظمات الإغاثة الدولية استطاعت تلك الحكومة إعادة بناء البنية الأساسية للاقتصاد الكردستاني المدمر والتخفيف كثيراً من آثار مشكلة اللاجئين ، حيث أعيد بناء مئات القرى والبلدات التي دمرتها الحكومة العراقية في العقدين المنصرمين .

ولعل أبرز ما اتخذه البرلمان الكردستاني من قرارات هو أن تكون العلاقة بين إقليم كردستان والدولة العراقية في المستقبل على أساس فيدرالي .

(ج) المعارضة الشيعية للنظام :

أثرت بشكل ملموس الأفكار الإيرانية بشأن تصدير الثورة (الخومينية) على الشيعة في العراق منذ العام 1979 . لقد ناشدت طهران الغالبية الشيعية في العراق الإطاحة بحزب البعث 'غير المسلم' من وجهة نظرهم وفي نفس الوقت تصاعدت نداءات محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة الإسلامي الشيعي ، للإطاحة بالحكم الاستبدادي في بغداد ، كما واصل إثارته للشيعة على الرغم من إلقاء القبض عليه خمس مرات منذ العام 1972، حتى تم إعدامه وشقيقته أمينة مع المئات من الشيعة في الخامس من إبريل سنة 1980 .

والشيعة الذين يشكلون حوالي 60%-62% من الشعب العراقي ، يتمركزون في الجنوب وفي مناطق الوسط (مدينة الثورة) حول بغداد ، وأهم تياراتهم في العراق هي :
1 - الحوزة العلمية في النجف وعلى رأسها السيد - على السيستاني الإيراني الأصل (والوريث الروحي للسيد - أبوالقاسم الخوئي والد - عبدالمجيد الخوئي الذي تم اغتياله في صيف 2003) والذي كان الزعيم الأوحد لهم طوال ما يقرب من أربعة عقود ويرى السيد - السيستاني بعدم التدخل المباشر لرجال الدين في السياسة .
2 - المجلس الأعلى للثورة الإسلامية : بزعامة محمد باقر الحكيم والذي اغتيل في تفجير انتحاري في صيف عام 2003 داخل العراق ، وللمجلس دور بارز ونشط في جهود المعارضة الهادفة لإسقاط نظام صدام حسين ، وله نفوذ واسع بين شيعة المنفى كما يلقى دعماً إيرانياً ملموساً .وقد تولى زعامة المجلس – بعد اغتيال مؤسسه – شقيقه عبدالعزيز الحكيم .

3 - تيار مقتدى الصدر : ومقتدى عربي الأصل وهو ابن المرجع محمد محمد صادق الصدر الذي اغتاله النظام عام 1999 ، وهو ابن عم العلامة الكبير محمد باقر الصدر الذي اغتيل عام 1980 . ولهذا التيار قدرة تعبوية هائلة لسيطرته على أكبر تجمع شيعي بالعراق والمسمى بمدينة الثورة وهو حي على حافة بغداد الشرقية يقطنه أكثر من مليون شيعي سمي فيما بعد بمدينة الصدر بعد سيطرة التيار عليه . وأنشأ هذا التيار (بعد سقوط النظام) ميلشيات مسلحة تحولت إلى ما سمي بجيش المهدي ، مما يدل على طموحات واضحة للتيار من أجل السيطرة على الشارع العراقي ، ذلك أنه يطرح نفسه على أنه عصبية عرقية عروبية يواجه بها إيران والتنظيمات الوثيقة الصلة بها والمرجعيات ذات الأصول الإيرانية ، وهو الفصيل الوحيد الذي تميز بمناهضة نظام صدام حسين وبطشه من داخل العراق ، في الوقت الذي صمت فيه الآخرون أو مارسوا معارضتهم من خارج العراق .

4 - تيارات شيعية مختلفة : تشمل الأحزاب والتنظيمات الصغيرة مثل حزب الدعوة ومنظمة العمل الإسلامي والائتلاف الوطني العراقي وحركة الوفاق الإسلامي وحركات غيرها ، وهذه الحركات تعاني من انشقاقات عميقة ، وهي بوجه عام لا تتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة .

وبالعودة إلى أشكال المعارضة الشيعية بالداخل العراقي ، وفي ظل ظروف القمع والديكتاتورية السائدة في عهد صدام حسين ، يمكن التأريخ لأول انتفاضة شيعية حقيقية ضد النظام في مارس 1991 ، إثر انتهاء حرب تحرير الكويت (والمسماة بعاصفة الصحراء) ، حيث ثارت المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية ضد النظام وسيطروا على مؤسسات الدولة وجهاز الإدارة العامة لبعض الوقت قبل أن تسمح القوات الأمريكية لقوات الحرس الجمهوري بالتدخل لقمع هذه الانتفاضة خشية امتداد النفوذ الإيراني بقوة إلى الجنوب العراقي . وبالفعل ثم التنكيل بالشيعة ونقلت الأحداث عبر شاشات التليفزيون ، ونزح الآلاف منهم إلى إيران عبر الحدود .

- كذلك عبرت المقاومة الشيعية للنظام عن غضبها يوم 12 ديسمبر 1996م حيث هاجم عدد من المسلحين التابعين لحزب الدعوة عدي صدام حسين أثناء وجوده بالسيارة ضمن موكب من السيارات في وسط بغداد ، مما أدى إلى قتل سائقه وإصابة عدي بالشلل ولم يعد بإمكانه السير بشكل سليم بعدها .

هروب حسين كامل :

في حدث عارض ، انضم أحد أفراد أسرة صدام من المقربين إليه إلى المعارضة بشكل سافر أدى إلى إثارة الزوابع في وجه النظام .
ففي أغسطس عام 1995 ، انشق حسين كامل المجيد صهر صدام حسين وفر هارباً إلى الأردن . وبدأ يخبر الأردنيين ، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية وكل من يستمع إليه عن أسلحة الدمار الشامل السرية الموجودة لدى صدام بما فيها الأسلحة البيولوجية . وقد قام مفتشو الأمم المتحدة بزيارة لإحدى مزارع الدواجن في بغداد انطلاقا من المعلومات التي أدلى بها حسين كامل قبل أن يعيده صدام هو وأخيه إلى بغداد ويغتالهما . وجد المفتشون في هذه المزرعة صناديق مكدسة بمستندات تتعلق ببرنامج التسليح في العراق . وقد كان هذا بمثابة إثبات غير مسبوق بأن العلماء العراقيين كانوا يعملون بالفعل في برنامج لإنتاج الأسلحة البيولوجية ، وهو ما عادوا لينكروه فيما بعد .

المبحث الرابع : تداعيات انهيار نظام صدام حسين :

* تحولت الولايات المتحدة في عهد الرئيس كلينتون من سياسة الاحتواء المزدوج للنظامين الإيراني والعراقي (باتجاه حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة) إلى المواجهة المفتوحة مع نظام حكم البعث في العراق . حدث هذا التحول بالتحديد مع تعيين مادليين أولبرايت لتحل محل وارين كريستوفر كوزيرة للخارجية الأمريكية في أوائل العام 1997 .
وكانت أولبرايت تقود حملة الولايات المتحدة للضغط على صدام حسين عندما كانت سفيرة في الأمم المتحدة ، واستمرت في هذه الحملة بمجرد استلامها وظيفتها الجديدة . وفي أول حديث لها عن السياسة الخارجية ، أدلت به في جامعة جورج تاون في شهر مارس 1997 ، وجهت نقداً لاذعاً لصدام حسين بسبب سجله الكئيب في انتهاك حقوق الإنسان ، ونتائج عمليات التفتيش عن السلاح التي تقوم بها لجان الأمم المتحدة ، ومراوغته في تنفيذ الحظر المفروض على العراق ، وعدم إعادة الممتلكات التي سرقت من الكويت خلال غزوه لها . وقالت : إن الولايات المتحدة لن تسمح 'للعقرب الذي لدغنا ذات مرة أن يلدغنا مرة ثانية' ، وإن الولايات المتحدة سوف تحاسب صدام حتى ترغمه على الامتثال . كما ألمحت إلى 'تغيير النظام' في النهاية بقولها : 'إن العراق سوف يحصل على مساعدات ضخمة من الغرب لإعادة بنائه بمجرد قيام نظام آخر يعقب النظام الحالي' .

* بدأ الرئيس بوش الابن ولايته في يناير 2001 وهو يحمل تصميماً على إبعاد صدام حسين عن السلطة في العراق ، وإصراراً على استعمال القوة العسكرية إلى أبعد نطاق . وجاءت أحداث سبتمبر 2001 لتضيف إلى قصة 'أسلحة الدمار الشامل' مبرراً قوياً لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في العراق والشرق الأوسط(1).
كانت بيئة الحرب ضد الإرهاب مازالت مهيئة عالمياً ، ومن ثم سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي على استخدام القوة المسلحة 'لتدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية' ، وأمام الضغط الأمريكي – البريطاني الشديد على أعضاء مجلس الأمن مع الوعود بعدم استخدام القرار الجديد لشن الحرب على العراق إلا بعد العودة إلى المجلس ، تم التصويت على مشروع قرار حمل الرقم 1441 ، وهكذا كان موقف أعضاء مجلس الأمن ، ويبدو أن الجميع قد وعى معنى مقولة الرئيس الأمريكي 'من ليس معنا فهو ضدنا' ،ولم يكن أمام العراق هو الآخر والذي بدأ يستشعر الخطر إلا القبول به بعد أن قبل في تاريخ سابق عودة المفتشين إلى العراق والبدء في أعمالهم .
قبل العراق بالقرار 1441 وبدأ يعمل من أجل إعداد التقرير وتقديمه في الوقت المناسب ، وقد استطاع تقديم التقرير ضمن الفترة المحددة والذي بلغت عدد صفحاته 11 ألف صفحة وملاحق تجاوزت ال12 ألف صفحة أخرى .

واستجاب العراق كذلك لجميع فقرات القرار 1441 . ولكن أمام صدور تقويم للتقرير من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بأن العراق لا يستجيب لمتطلبات القرار 1441 ، تقدمت هاتان الدولتان بمشروع قرار جديد يتضمن إعلان عدم التزام العراق وانتهاكه لقرارات مجلس الأمن في عدم تقديم أسلحة الدمار الشامل التي بحوزته إلى المفتشين . إن مجرد إقرار المجلس بذلك يعني السماح لأي من أعضائه باتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة ومنها بالطبع استخدام القوة المسلحة .

* لم يتمكن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من إقناع جميع رؤساء الدول الأعضاء غير الدائمة في مجلس الأمن بتغيير موقفها الذي وقفته منذ البداية بسبب موقف العراق الإيجابي من عمليات التفتيش وتأكيد ذلك في تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية والانموفيك والتي كانت تعرض على المجلس أولاً بأول والتي كانت تعكس بإيجابية تعاون الجانب العراقي .

* أمام تصميم الولايات المتحدة على موقفها وفشلها في الحصول على مباركة من مجلس الأمن ، اجتمع الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء كل من بريطانيا وأسبانيا والبرتغال في جزر الآزور في المحيط الأطلسي ، ووجهوا إنذاراً للعراق لتسليم ما لديه من أسلحة دمار شامل خلال 48 ساعة ، وبخلافه سوف تقوم قوات التحالف بنزع هذه الأسلحة بالقوة المسلحة ، وبانقضاء هذه الفترة كانت الحرب قد بدأت ، وكانت بغداد قد سقطت .

وفي الواقع ، لا يمكن الحديث عن عملية الإحاطة بالنظام العراقي وسقوط بغداد إلا في خطوط عريضة جداً تعتمد المعلومات العامة التي لا تغني عن الإحصاءات الدقيقة والأسرار ذات الطبيعة العسكرية التي يمكن أن يتم الكشف عنها مستقبلاً .

وضمن هذا الإطار لا يمكن الحديث عن حرب متكافئة ، حيث كانت أقوى قوة عسكرية في العالم تواجه قوة عسكرية لدولة نامية بقدرات اقتصادية وعسكرية محدودة تخضع لحصار اقتصادي وسياسي وعسكري وثقافي وعلمي لأكثر من عشر سنوات بعد سنوات طويلة من حروب مدمرة وغياب تام لأي قدرة جوية ، فالقوة الجوية العراقية كانت محيدة تماماً وذلك لعدم وجودها أصلاً بعد حرب تحرير الكويت ، والنتيجة المنطقية تكون معروفة مسبقاً ، حيث انتهت الحرب بدخول القوات الأمريكية صباح يوم 9 ابريل 2003 مدينة بغداد من دون مقاومة تذكر .