منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمعاهدات والمواثيق الدولية
#51600
المساعدات الخارجية التي تقدمها الدول القادرة للدول المحتاجة لا تتوقف عند الأسباب والأهداف الإنسانية، بل هي مع ذلك لها أهداف وأبعاد، وفوائد جمة على شعوب الدول التي تقدم المساعدات نفسها، وليس فقط شعوب الدول المحتاجة لها.
زميلنا الشاب المتميز الكاتب إبراهيم القحطاني هو الذي دفعني لكتابة هذا المقال، فهو في مقاله الموجز اليوم ينتقد مساعدات الحكومة للأشقاء هنا وهناك، ويرى بطريقته الساخرة أنها تسبب للمواطنين أزمات صحية، وأتذكر أنني سبق أن طرحت هنا ضرورة قيام وزارة الخارجية بشرح أهداف المساعدات الخارجية، فهي فوق كونها إنسانية، وتمليها العقيدة على بلادنا، فإن لها أهدافا أخرى أمنيةً واقتصاديةً تفيد مواطني الدولة المتبرعة، وأخونا إبراهيم وغيره ممن يرون أن الداخل أولى ليسوا مخطئين تماماً، لكنهم فقط لا يعرفون أن ضرورات الدعم الخارجي لجار أو شقيق أهم للسعوديين – الشعب والحكومة – أنفسهم من سفلتة طريق أو حتى مشروع قطار، فضلا عن أن نسبة هذا الدعم ضئيلة قياسا إلى ميزانية الدولة الضخمة، ولو نظر هؤلاء إلى الولايات المتحدة الأمريكية لوجدوا أن حجم مساعداتها السنوية لدول بعيدة جداً – جغرافياً – عنها تتجاوز 53.3 مليار دولار بينما ديونها الداخلية بلغت أكثر من 14 تريليون دولار أي أن ديونها «متلتلة» كما نقول، وهناك أصوات من داخل أمريكا تتساءل وتتنقد كما يفعل زميلنا إبراهيم، ويقولون لماذا لا نسدد ديوننا أولاً؟ لكن الكونجرس الأمريكي الذي يقر هذه المساعدات، ومعه الرئيس، لهم نظرة أبعد وأشمل، وليتنا نبحث في تلك النظرة، فلعلها تساعدنا في تفسير أسباب مساعداتنا الخارجية التي ليس لها أثر كما يتصور بعضهم على تنميتنا الداخلية، فمساعدات المملكة مع أنها الأكبر بين دول العالم لم تصل إلى ستة مليارات دولار، بينما الميزانية التي تصرف في الداخل أكثر من 150 مليار دولار، وأتصور – شخصياً – أن المساعدات السعودية يجب أن تكون أكبر خاصة في دول الجوار التي قد يفضي تفاقم فقرها إلى مخاطر على وطننا أكبر مما نظن، وربما بصورة تضطرنا إلى خسائر كبيرة كان يغني عنها مضاعفة المساعدات إلى ضعفين أو ثلاثة، وفي صورة مشروعات فعلية على الأرض مثلما بدأت المملكة تفعله في السنوات الأخيرة، حتى تشعر شعوب تلك الدول بأن المساعدات تصلها فعلاً.
وهناك دول كثيرة في العالم، وفي الوطن العربي فضلاً عن دول الخليج كلها، وإيران، تستوجب مصالحها ومصالح شعوبها أن تقدم مساعدات سنوية ودورية لدول كثيرة محتاجة بعضها بعيدة عنها جغرافياً، فما بالك إن كانت تجاورها، وهناك حركة لا تهدأ بينهما، ومقياس المساعدات ليس انتفاء الحاجة الداخلية، فلا توجد دولة في الأرض مع اختلاف النسبة ليس لديها احتياجات داخلية، سواءً تنموية أم معيشية، ولكن أمر المساعدات هذا مختلف وله أثره الإيجابي الداخلي حتى على تنمية واحتياجات الدول التي تقدم المساعدات.
مشكلتنا أننا – أو بعضنا – نفكر في أنفسنا فقط ونقيس المستويات العامة للدول بالمستوى الفردي، فنقول – مثلاً – من غير المعقول أن تقوم بمساعدة جارك في بناء بيته الجديد، بينما بيتك يحتاج للترميم، ونردد من باب السخرية « تركت بيتها وراحت تنظف بيت الجيران » وهكذا تربينا، ورحنا نسحب هذا القياس على وضع دول، ومع أن القياس مختل من أساسه، إلّا أنه حتى مساعدة الجار الذي يبني بيتاً جديداً، قد تكون أهم من ترميم دارك، ولا سيما إذا كان ترميمك لدارك متاحا مستقبلاً، وبيت جارك الجديد سيجعلك في مأمن من أمور كثيرة، أقلها الحسد الذي قد يفضي إلى مشكلات كثيرة، فيما لو ظل جارك دون بيت.
إنني أتفهم مثل هذا التصور والتساؤل الذي أورده الزميل القحطاني في مقاله اليوم، وهو ليس الوحيد في ذلك، ومع أنني أستغرب كيف أن مثقفاً مثله، لم تخطر بباله دول أخرى تقدم مساعدات أضعاف ما تقدم المملكة مع أنها محتاجة داخلياً تنموياً أو ديوناً، إلا أنني أجدها فرصة مهمة لأقول إن على وزارة الخارجية السعودية أن تقوم بواجبها في شرح أهداف وضرورات المساعدات الخارجية التي تقدمها الدول القادرة للدول المحتاجة، ويكون الإيضاح شاملاً الجوانب الإنسانية والاقتصادية والأمنية وغيرها، ومعه الفوائد التي تعود على شعوب الدول التي تقدم المساعدات.
السعوديون الآن يستثمرون في دول عربية و إسلامية عديدة وهي دول فقيرة ومحتاجة، ويسافرون إليها للسياحة ولغيرها، فهل حين تقوم المملكة بدعم تلك الدول سواء بأموال أم مشروعات ستتوقف الفائدة من هذا الدعم على شعوب تلك الدول أم أن السعوديين «مستثمرين وسائحين، وغيرهم « سيستفيدون.
إن الذي يقرر أنه لن يساعد الآخرين حتى يكتفي نهائياً، فإنه يقول لنفسه وللآخرين المحتاجين، لن أساعد أحداً مطلقاً، لأن حاجاته متجددة مستمرة، أمّا الذين سيوجه لهم الرسالة قولاً أو فعلاً، فإن الاضطرار سيدفعهم – حتماً – إلى جعل هذا «الأناني – قصير النظر-» يدفع ثمناً أغلى من الثروة التي استأثر بها لوحده.