حيرة نعم يأس لأ
مرسل: السبت يونيو 09, 2012 3:30 pm
فهمي هويدي
هذا أسبوع الحيرة والبلبلة بامتياز. إذ تعين على كل المصريين وغيرهم ممن تعلقت أبصارهم بالشأن المصرى فى كل مكان أن يحبسوا أنفاسهم طوال الأسبوع انتظارا لما يمكن أن تعلنه المحكمة الدستورية العليا يوم الخميس المقبل، ولو أنه مجرد قلق تعلق بما سيصدر فى ذلك اليوم لهان الأمر، لكنه قلق يثير العديد من الأسئلة حول مستقبل الثورة ومن ثم مستقبل مصر، وقد لا أبالغ إذا قلت إن مستقبل العالم العربى بأسره أصبح بدوره على المحك.
خلال الأشهر السابقة كنا مطمئنين نسبيا دون أن نعرف الكثير عما يجرى وراء الكواليس. وكان مبعث اطمئنانا النسبى أن الأمور كانت تمضى فى مسارها الصحيح. وأنه رغم العثرات والمطبات فإن خطوات تأسيس النظام الجديد ظلت مستمرة، وكانت هناك ثقة فى أن المجلس العسكرى سوف يسلم السلطة فى الموعد الذى أعلنه، وهو 30 يونيو الحالى، خصوصا أنه أوفى بالكثير مما وعد به فى التوجه صوب ذلك الهدف.
هذا الوضع اهتز الآن واختلف. إذ ارتبك الجميع حين فوجئوا بالإعلان عن أن المحكمة الدستورية ستقول كلمتها يوم الخميس القادم 14/6 فى الطعن على قانون الانتخابات وفى دستورية تعديل قانون إفساد الحياة السياسية (العزل)، لم أكن وحدى الذى كان ضحية هذا الارتباك، لأننى ما لقيت أحدا ممن يفترض أنهم يعرفون أكثر منى، إلا ووجدته يسبقنى ويردد ذات الأسئلة التى حِرت فى الإجابة عليها: لماذا الجمع بين القضيتين فى جلسة واحدة؟ ولماذا تذكرت المحكمة الدستورية أخيرا الطعن فى قانون انتخابات مجلس الشعب، بعد مضى أكثر من شهرين على ذلك الطعن الذى قدم فى ظروف مريبة، وقد سبق التلويح به من جانب رئيس الوزراء فى الضغط على مجلس الشعب حين اتجه إلى سحب الثقة من الحكومة؟ وهل هى مصادفة أن يعلن الحكم فى القضيتين قبل 48 ساعة من إجراء الانتخابات الرئاسية؟ وما هى السيناريوهات المطروحة بعد ذلك؟ وهل يمكن أن ينتهى الأمر إلى حل مجلس الشعب وإعادة الانتخابات الرئاسية من جديد؟ وفى هذه الحالة هل يؤدى ذلك الاحتمال إلى تأجيل تسليم السلطة للمدنيين فى 30 يونيو، بما قد يستصحبه ذلك من بقاء المجلس العسكرى فى السلطة إلى أجل قد يطول أو يقصر؟
ما اهتز ليس فقط قدرتنا على الفهم والتفسير، ولكن الأخطر والأسوأ أن ثقتنا فيما يحدث اهتزت وتأثرت. ورغم أننى طول الوقت كنت أحد الذين يرجعون بعض النوازل إلى حسن النية وسوء التقدير، ومازلت حريصا على ذلك، إلا أننى لم أجد فيما يحدث ما يساعدنى على الاستمرار فى الالتزام بذلك الموقف. وإزاء الصمت الرسمى الذى لم يقدم لنا إجابة عن أى من تلك الأسئلة، فإننى لم أعد قادرا على الاستمرار فى إحسان الظن، ولا أريد أن أقطع بإساءة الظن ــ رغم أن أغلب الشواهد ترجح هذه الكفة ــ فإننى لا أملك سوى الإقرار بأننى أشم فيما يجرى روائح غير مريحة وغير مطمئنة، تبعث على التوجس والقلق.
لقد قيل لى إن المحكمة الدستورية حرة فى تحديد مواعيد الفصل فى القضايا المعروضة عليها. وبالتالى لا ينبغى أن يحمل تحديد تاريخ 14/6 للفصل فى القضيتين الحساستين المعروضتين عليها بأكثر مما يحتمل، وإذ احترم هذا الرأى إلا أننى لا أراه مقنعا بما فيه الكفاية، من ناحية لأن تحديد مواعيد النطق بالأحكام حق للمحكمة لا ريب، ولكن ما هو مصيرى وسياسى منها يتأثر بملاءمات الأجواء العامة. إذ كما أنه لا يتصور أن تصدر المحكمة قرارا بالفصل فى شرعية ترشيح أى شخص لرئاسة الجمهورية بعد انتخابه وحلفه اليمين، فإنه يظل من غير الملائم أن يصدر ذلك الحكم قبل 48 ساعة من التصويت. وقد ذكرنى النائب عصام سلطان بأن ثمة طعنا فى دستورية المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية التى تبيح إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، قدم عام ١٩٩٥، لكن ذلك الطعن ينتظر دوره أمام المحكمة الدستورية منذ 17 عاما، ولم يبت فيه حتى الآن!
مشكلة الشك الذى يتولد عن أزمة الثقة أن بذرته لا تنبت شجرة واحدة، ولكنها تصنع غابة فى نهاية المطاف، أعنى أن القرائن التى بين أيدينا هذه الأيام لا تدعونا فقط لإساءة الظن بترتيب إعلان الحكم فى جلسة الخميس، لكنها أيضا تحرضنا على إعادة قراءة السجل من أوله. بدءا من قتلة الثوار الذين لا يزالون مجهولين إلى الآن ومرورا بتبرئة مساعدى وزير الداخلية، وانتهاء بإقصاء بعض المرشحين للرئاسة، وإعلان ذلك فى الصباح ثم تقديم أحدهم طعنا فى القرار عند الظهر، الأمر الذى أدى إلى إعادته إلى السباق فى المساء. ثم الإسراع بمساندته ودفعه إلى مقدمة السباق الرئاسى فى وقت لاحق.
الحاصل الآن يبرر الحيرة لا ريب، لكنه لا يسوغ اليأس بأى حال، لأنه أيا كان اللغط أو الالتباس والعبث، فالثابت أن هذا البلد شهد ثورة عظيمة دفع الشعب فيها ثمنا غاليا ليحطم قيوده ويخرج من «القمقم»، الأمر الذى يستحيل معه إعادته إلى محبسه مرة أخرى، وأهم ما ينبغى أن نستخلصه من الأزمة التى تمر بها أن الجميع باتوا مدعوين للاستنفار والاحتشاد دفاعا عن الثورة وعن الحلم الذى صار فى متناول أيديهم، فى حين تجمعت الغربان فى الأفق متأهبة لاختطافه منهم.
هذا أسبوع الحيرة والبلبلة بامتياز. إذ تعين على كل المصريين وغيرهم ممن تعلقت أبصارهم بالشأن المصرى فى كل مكان أن يحبسوا أنفاسهم طوال الأسبوع انتظارا لما يمكن أن تعلنه المحكمة الدستورية العليا يوم الخميس المقبل، ولو أنه مجرد قلق تعلق بما سيصدر فى ذلك اليوم لهان الأمر، لكنه قلق يثير العديد من الأسئلة حول مستقبل الثورة ومن ثم مستقبل مصر، وقد لا أبالغ إذا قلت إن مستقبل العالم العربى بأسره أصبح بدوره على المحك.
خلال الأشهر السابقة كنا مطمئنين نسبيا دون أن نعرف الكثير عما يجرى وراء الكواليس. وكان مبعث اطمئنانا النسبى أن الأمور كانت تمضى فى مسارها الصحيح. وأنه رغم العثرات والمطبات فإن خطوات تأسيس النظام الجديد ظلت مستمرة، وكانت هناك ثقة فى أن المجلس العسكرى سوف يسلم السلطة فى الموعد الذى أعلنه، وهو 30 يونيو الحالى، خصوصا أنه أوفى بالكثير مما وعد به فى التوجه صوب ذلك الهدف.
هذا الوضع اهتز الآن واختلف. إذ ارتبك الجميع حين فوجئوا بالإعلان عن أن المحكمة الدستورية ستقول كلمتها يوم الخميس القادم 14/6 فى الطعن على قانون الانتخابات وفى دستورية تعديل قانون إفساد الحياة السياسية (العزل)، لم أكن وحدى الذى كان ضحية هذا الارتباك، لأننى ما لقيت أحدا ممن يفترض أنهم يعرفون أكثر منى، إلا ووجدته يسبقنى ويردد ذات الأسئلة التى حِرت فى الإجابة عليها: لماذا الجمع بين القضيتين فى جلسة واحدة؟ ولماذا تذكرت المحكمة الدستورية أخيرا الطعن فى قانون انتخابات مجلس الشعب، بعد مضى أكثر من شهرين على ذلك الطعن الذى قدم فى ظروف مريبة، وقد سبق التلويح به من جانب رئيس الوزراء فى الضغط على مجلس الشعب حين اتجه إلى سحب الثقة من الحكومة؟ وهل هى مصادفة أن يعلن الحكم فى القضيتين قبل 48 ساعة من إجراء الانتخابات الرئاسية؟ وما هى السيناريوهات المطروحة بعد ذلك؟ وهل يمكن أن ينتهى الأمر إلى حل مجلس الشعب وإعادة الانتخابات الرئاسية من جديد؟ وفى هذه الحالة هل يؤدى ذلك الاحتمال إلى تأجيل تسليم السلطة للمدنيين فى 30 يونيو، بما قد يستصحبه ذلك من بقاء المجلس العسكرى فى السلطة إلى أجل قد يطول أو يقصر؟
ما اهتز ليس فقط قدرتنا على الفهم والتفسير، ولكن الأخطر والأسوأ أن ثقتنا فيما يحدث اهتزت وتأثرت. ورغم أننى طول الوقت كنت أحد الذين يرجعون بعض النوازل إلى حسن النية وسوء التقدير، ومازلت حريصا على ذلك، إلا أننى لم أجد فيما يحدث ما يساعدنى على الاستمرار فى الالتزام بذلك الموقف. وإزاء الصمت الرسمى الذى لم يقدم لنا إجابة عن أى من تلك الأسئلة، فإننى لم أعد قادرا على الاستمرار فى إحسان الظن، ولا أريد أن أقطع بإساءة الظن ــ رغم أن أغلب الشواهد ترجح هذه الكفة ــ فإننى لا أملك سوى الإقرار بأننى أشم فيما يجرى روائح غير مريحة وغير مطمئنة، تبعث على التوجس والقلق.
لقد قيل لى إن المحكمة الدستورية حرة فى تحديد مواعيد الفصل فى القضايا المعروضة عليها. وبالتالى لا ينبغى أن يحمل تحديد تاريخ 14/6 للفصل فى القضيتين الحساستين المعروضتين عليها بأكثر مما يحتمل، وإذ احترم هذا الرأى إلا أننى لا أراه مقنعا بما فيه الكفاية، من ناحية لأن تحديد مواعيد النطق بالأحكام حق للمحكمة لا ريب، ولكن ما هو مصيرى وسياسى منها يتأثر بملاءمات الأجواء العامة. إذ كما أنه لا يتصور أن تصدر المحكمة قرارا بالفصل فى شرعية ترشيح أى شخص لرئاسة الجمهورية بعد انتخابه وحلفه اليمين، فإنه يظل من غير الملائم أن يصدر ذلك الحكم قبل 48 ساعة من التصويت. وقد ذكرنى النائب عصام سلطان بأن ثمة طعنا فى دستورية المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية التى تبيح إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، قدم عام ١٩٩٥، لكن ذلك الطعن ينتظر دوره أمام المحكمة الدستورية منذ 17 عاما، ولم يبت فيه حتى الآن!
مشكلة الشك الذى يتولد عن أزمة الثقة أن بذرته لا تنبت شجرة واحدة، ولكنها تصنع غابة فى نهاية المطاف، أعنى أن القرائن التى بين أيدينا هذه الأيام لا تدعونا فقط لإساءة الظن بترتيب إعلان الحكم فى جلسة الخميس، لكنها أيضا تحرضنا على إعادة قراءة السجل من أوله. بدءا من قتلة الثوار الذين لا يزالون مجهولين إلى الآن ومرورا بتبرئة مساعدى وزير الداخلية، وانتهاء بإقصاء بعض المرشحين للرئاسة، وإعلان ذلك فى الصباح ثم تقديم أحدهم طعنا فى القرار عند الظهر، الأمر الذى أدى إلى إعادته إلى السباق فى المساء. ثم الإسراع بمساندته ودفعه إلى مقدمة السباق الرئاسى فى وقت لاحق.
الحاصل الآن يبرر الحيرة لا ريب، لكنه لا يسوغ اليأس بأى حال، لأنه أيا كان اللغط أو الالتباس والعبث، فالثابت أن هذا البلد شهد ثورة عظيمة دفع الشعب فيها ثمنا غاليا ليحطم قيوده ويخرج من «القمقم»، الأمر الذى يستحيل معه إعادته إلى محبسه مرة أخرى، وأهم ما ينبغى أن نستخلصه من الأزمة التى تمر بها أن الجميع باتوا مدعوين للاستنفار والاحتشاد دفاعا عن الثورة وعن الحلم الذى صار فى متناول أيديهم، فى حين تجمعت الغربان فى الأفق متأهبة لاختطافه منهم.