منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#51618
إذا كانت التنمية الاقتصادية في العالم العربي تواجه صعوبات واضحة نتيجة لعوامل هيكلية متعددة فإن التنمية السياسة تتأثر بتعثر التنمية الاقتصادية وتؤثر فيها في آن·· من المؤكد أن تجارب العمل السياسي في مختلف البلدان العربية خلال النصف الأخير من القرن العشرين لم تحقق تراكماً مفيداً للانطلاق بالحياة السياسية في البلدان العربية بما يتوافق مع متطلبات العصر الحديث واستحقاقات التطور في القرن الحادي والعشرين·· تأثرت دول عربية كثيرة خلال الخمسين عاماً الماضية، خصوصاً دول المشرق العربي، بقيام إسرائيل واشتداد الصراع في منطقة الشرق الأوسط واستغراق الأنظمة والأحزاب بحيثيات ذلك الصراع وانعكاسه على الأوضاع الوطنية والمحلية في مختلف تلك الدول· فقد حدث إنقلابات في بلدان مثل مصر وسوريا والعراق بعد هزيمة الجيوش العربية في عام 1948، مباشرة وبعد سنوات، وكانت مبررات الإنقلابيين أنهم جاءوا ليثأروا من خيانة الأنظمة للقضية الفلسطينية·· ولا شك أن تلك الإنقلابات جاءت بقيم للحكم أكدت توجهات شمولية ديكتاتورية وألغت دور الأحزاب السياسية وعززت قبضتها على مقاليد السلطة، ودفعت الكثير من العاملين في الحقل السياسي للهجرة، في حين أدخل العشرات من السياسيين في السجون والمعتقلات·· ولذلك فإن التطور السياسي الطبيعي قد أوقف وعطلت آلياته مما دفع الكثير من المهتمين بالشأن العام لحالة من الإحباط والقنوط وعزز ظاهرة العزوف عن المشاركة والاهتمام بالقضايا العامة·
من جانب آخر أدى توجه الأنظمة الجديدة في البلدان العربية إلى اعتماد الاقتصاد الموجه إلى هروب الرساميل الخاصة وتعطل دور البرجوازية الوطنية في مختلف الأنشطة الاقتصادية الرئيسية·· وهكذا نشأت طبقات جديدة اعتمدت على دور البيروقراطية وكبار رجال السلطة وتكونت لهؤلاء ثروات من التعامل مع الأموال العامة بشكل أو بآخر·· وأدت الهيمنة البيروقراطية والتسلط على مقاليد السياسة والاقتصاد إلى بروز أوضاع فاسدة، وكذلك طغيان عدم الكفاءة في إدارة مختلف الأنشطة الاقتصادية·· ومن دون ريب أن تلك العوامل دفعت بلداناً عربية إلى أوضاع معيشية صعبة، وكذلك تدهورت الأوضاع الاقتصادية وتراجعت أسعار صرف العملات الوطنية وارتفعت معدلات التضخم·· وعندما حاولت بعض الأنظمة، مثل ما حدث في عهد الرئيس الراحل أنور السادات في مصر، إنجاز انفتاح اقتصادي فإن تلك المحاولات لم توفق نظراً لطبيعة الآليات الإصلاحية التي اتبعت ولطبيعة الفئات الاجتماعية التي عهد إليها العودة إلى نظام الاقتصاد الحر· إن معظم عناصر تلك الطبقات ترعرعت في ظل الأنظمة الشمولية واستفادت من هيمنتها وكونت ثرواتها من خلال التعامل الفاسد مع المؤسسات الحكومية· ولم تتوفر فئات تستطيع أن تقوم بمهام التنمية الاقتصادية مستخدمة في ذلك أموالاً تراكمت بفعل الجهود الخاصة والمشروعة· وحتى يومنا هذا وبعد ما يقارب الثلاثين عاماً من محاولات الانفتاح والإصلاح الاقتصادي في أكثر من بلد عربي ماتزال البيروقراطية الحكومية متشبثة بدورها في تحديد العمل الاقتصادي وبما يعزز الاعتماد على الدولة وآليات انفاقها·· ولا شك أن تلك الوضعية تؤثر على الحياة السياسية ويؤكد ذلك أن الدول العربية التي أوجدت أنظمة أحزاب سياسية ماتزال بعيدة عن إمكانيات تحقيق تداول السلطة بين تلك الأحزاب حيث يظل الحزب الحاكم يحكم إلى ما شاء الله·· ويعود ذلك لكون الحزب الحاكم يتمتع بقدرات مهمة تمكنه من توفير امتيازات ومصالح للأفراد والجماعات يعجز عن تحقيقها أي حزب آخر في البلاد·· وهكذا نجد في مصر وسوريا وتونس واليمن أحزاباً كثيرة في المعارضة، أو خارج السلطة، لكنها لا تحلم أن تصل الى السلطة والحكم في يوم من الأيام؟ هذا كما يحدث في الدول الديمقراطية الطبيعية·· هل يمكن أن تتطور هذه الأوضاع بما يدفع لخلق حياة سياسية طبيعية يتمكن خلالها النظام الحزبي والتعددي من تعميق دور المعارضة ويؤهلها للحكم في يوم من الأيام؟ هذا السؤال تصعب الإجابة عليه، في الوقت الذي تظل فيه الحياة الاقتصادية والاجتماعية راكدة من دون تغيير·
إن إشكالية التنمية السياسية في بلداننا تنبع، أيضاً، من حالة التخلف الاجتماعي والتراث الثقافي·· هناك كم من الولاءات العائلية والفئوية والقبلية، وأحياناً الطائفية، التي تعرقل تحويل الولاء إلى المصالح الوطنية، أو المبنية على برامج الأحزاب والمؤسسات السياسية·· هذا الواقع المتخلف يدفع لاستثمار تلك الولاءات البدائية في تحقيق مصالح الأفراد والجماعات على حساب المصالح المجتمعية والوطنية·· وتبرز هذه التوظيفات للولاء البدائي والمتخلف في أكثر من بلد عربي يعتمد النظام البرلماني، أو الديمقراطي تجاوزاً، مثل الكويت ومصر وغيرها حيث يتم الاختيار في الانتخابات في الكثير من المناطق والدوائر الانتخابية على مقدرة المرشح لتوفير مصالح الناخبين المباشرة مثل التوظيف والسكن وتوفير العلاج والتعليم للآباء وغيرها من مصالح طبيعية·· ودون ريب أن مثل هذه الارتباطات المصلحية ما كان لها أن تدوم لو أن أنظمة الحكم وفرت مصالح البشر على أسس عادلة ومن دون تمييز، وهذا يمكن الربط بين هذه السياسات من قبل الأنظمة والعناصر المتخلفة في الأنظمة السياسية التي تستفيد من هذا الواقع المؤلم·
لكننا يجب ألا نغفل إشكالية مهمة في تطور العمل السياسي في البلدان العربية ألا وهي جمود الحياة الحزبية·· إن الكثير من الأحزاب العربية التي نشأ بعضها في ثلاثينيات أو أربعينيات القرن العشرين ماتزال تنطلق من مفاهيم عقائدية تعود لأزمنة نشوئها ولم تستطع أن تستوعب المتغيرات في الحياة الإنسانية المعاصرة، ولذلك فإن الخطاب السياسي مازال بعيداً عن متطلبات الشعوب العربية، وخصوصاً الأجيال الشابة·· ونزيد على ذلك بالقول إن القيادات السياسية الحزبية ظلت متشبثة بمواقعها القيادية وترفض التنازل عن تلك المواقع، بل هي ترفض الحوار والمداولات في شأن القضايا الوطنية من خلال مؤتمرات واجتماعات مفتوحة· من الصحيح القول إن تلك القيادات تعرضت لإضطهاد سياسي ليس له نظير من قبل أنظمة الحكم العسكرية في أكثر من بلد عربي، لكن تحول الظروف ووجود هامش من الانفتاح السياسي لم يدفع تلك القيادات إلى استثماره من أجل تطوير بنيات المؤسسات السياسية التي تقودها··ويبدو أن الأزمة في تطوير الحياة السياسية العربية هيكلية وتتطلب معالجات على مستويات كثيرة وعلى أكثر من صعيد، ومن أهم الأمور هو إنجاز الإصلاحات الاقتصادية، وتعزيز الثقافة الحرة والقضاء على الولاءات المتخلفة·