منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By يزيد الاحيدب36
#51648
الإسلام يُعارض مبدأ الدولة الدينية القائمة على (( نظرية الحق الإلهي ))

الدولة الدينية : أن يحكم الناس باسم الإله ، فيدعي الحاكم أنه مفوض من قبل الله لحكم الناس ، وأنه يحكمهم بهذا الحق كما كان سائداً في أوروبا إلى عصور قريبة ، ويقترب منه أن يحكم الإمام المعصوم ، أو ولاية الفقيه الذي ينوب عن الإمام وقت غيبته كما عند الشيعة !! فلا يجوز لأحد أن يعترض على الحاكم أو يناقشه بناءً على ذلك .
أما في الفقه السياسي الإسلامي فالحاكم الذي يحكم الناس بشر يصيب ويخطئ ويعدل ويظلم ، وللفرد حق مراجعة الإمام ومناصحته .
أترككم مع ما كتبه العلامة سفر الحوالي حول هذا الأمر في كتابه الرائع ( العلمانية ) .
قال الشيخ :

ثالثاً: نظرية الحق الإلهي
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
في المرحلة السابقة للإسلام كان الملوك يستعبدون الناس لأنفسهم زاعمين أن لهم سلالة عرقية خاصة أسمى من العنصر البشري المشترك، وغلا بعض الطواغيت، فادعى أنه إله أو من نسل الآلهة كما فعل أباطرة الروم، ولم يكن ليدور في خلد أي منهم أن للأمة عليه واجبات وحقوقاً، وأن الكرسي والمنصب تكليف لا تشريف، بل كانوا يرون أن ما تقدمه لهم الأمم من مراسم الخدمة والولاء والخضوع المذل والتضحية بالنفس والنفيس لأجلهم ليس إلا واجباً مقدساً يقومون به تجاه العرش المحروس!


جاء الإسلام فنسف هذه الفكرة من أساسها، ورد العبودية كلها لله وحده، وفرض على الحكام تبعات ومسئوليات تناسب مركزهم في الأمة، فرأى الناس في معظم أنحاء المعمورة الولاة المسلمين يرعون مصالحهم، وينهضون بأعباء المسئولية كاملة في الوقت الذي لا يتميزون فيه عن الأمة بكبير فرق.

ولكن الأقطار التي لم يشملها نور الإسلام - لا سيما في أوروبا الهمجية - ظلت ترزح تحت نير الطغاة وظل الفرد الأوروبي عدة قرون يعبد الهين من البشر: الامبراطور والبابا، الأول يدعي أن له الحق في حكم الناس وفق مشيئته ويخضعهم لهواه، والثاني يبارك خطواته ويلزم الشعب بإطاعته لأن ذلك يأمر به الله وتمليه السماء.

وظلت عروش أوروبا تتوارثها سلالات وعائلات معينة لا يجرؤ أحد أن ينافسهم ولا يستسيغ إنسان أن يسأل لماذا يحكم هؤلاء؟ وبماذا يحكمون؟، فالرعاع كلهم مقتنعون تماماً بأنهم يستمدون حكمهم من الله مباشرة!!

وظهر فلاسفة وباحثون برروا هذا الاستبداد والعبودية وفلسفوها في قوالب متعددة؛ فجاء هوبز ليتملق ملوك عصره مطالباً بأن لهم الحق في سلطة مطلقة يستطيعون بها تنفيذ العقد الموهوم، وكذلك كان جان بودان (1596) وجروتس (1645) من المدافعين عن الحكم المطلق، ويعلل بودان ذلك بأن الحكم غير المطلق معرض للثورات والفتن وصراع الأحزاب، وينكر نظرية العقد المجتمع لأنها تمنح الفرد الشعور بالمشاركة في تكوين الدولة.

أما جروتس فيدافع عن الاستبدادية بذريعة أنها أفضل السبل لتطبيق القانون الطبيعي، وأن الناس إذ قد ارتضوا هذا النوع من الحكم، فليس من حقهم أبداً أن يتراجعوا عنه .

وفي القرن التاسع عشر تطورت هذه الفكرات إلى فكرة فلسفية معقدة على يد هيجل (1900)، ومدرسته التالية التي تمثل حلقة وصل بين العقائد المسيحية وبين النظريات الفلسفية المجردة، ولعل أعظم ما حققه أساتذتها هو تحويل الدين إلى فكر ومنطق.

فتحول الله إلى مطلق، والوحي إلى معرفة مطلقة، والمسيح إلى توسط، والشريعة إلى قانون مجرد، أي: أن العقيدة هي الحياة نفسها، والعقائد رموز تفكك إلى حقائق .

ويرى هيجل أن التاريخ هو عبارة عن (تطور منطقي قائم على أساس مفهوم التقدم نحو النظام والمعقولية والحرية)، والدولة ليست مصطنعة عن طريق عقد اجتماعي أو غيره، بل هي كائن طبيعي له وجوده المتميز إذ هي تجسيد للحرية التي يرنو إليها التطور التاريخي.

والتاريخ -في نظره- ظل يتطور وفق قانون: الجدلية حتى بلغ القمة في الدولة البروسية - التي كانت معاصرة لـهيجل - ففيها تجسد المطلق والحرية والألوهية!!

وعلى الرغم من النقد العاصف الذي تعرضت له النظرية من قبل أنصار النظريات الأخرى بسبب تقديسها الزائف للاستبداد، فقد كان لها أثر بالغ -لا سيما- في نفوس الألمان الذين ظلوا على استعداد للانقياد لحكومة ديكتاتورية يرون فيها تجسيداً لأعلى مثلهم القومية فكان بسمارك في القرن الماضي وهتلر في القرن العشرين.

واشتق منها ماكس فيبر نظريته في الكاريسما، ومعناها -عنده- القوة الخاصة التي منحتها الطبيعة للقلة المختارة للدلالة على الزعماء الذين يقوم نفوذهم على اعتقاد عام عند الناس بأن روحهم من روح الله مثل يوليوس قيصر ونابليون .

وهذه النظرية -رغم أن عداوتها للدين ليست كسابقتها - ألحقت بالدين ضرراً بالغاً بتمسحها به وانتسابها اللفظي إليه وادعاء أن طواغيتها يستمدون سلطتهم من تفويض الله لهم، إذ نجم عن ذلك رد فعل عنيف ضد الدين من قبل من يسمون دعاة الحرية الذين وجدوا في هذه الدعوى فرصة لمهاجمة الأديان متذرعين بأنها تبارك الطغيان وتقدس الدكتاتورية .

والحق الذي لا مرية فيه أن الحكام الذين مارسوا الطغيان متسترين بهذه الدعوى هم أبعد ما يكون عن تنفيذ القانون الإلهي أي الحكم بما أنزل الله، فوق أنهم لا يستطيعون إقامة الدليل على أن الله منحهم الحق في التسلط على الأمم وإذلال الشعوب باسمه.

وواقع التاريخ يؤكد أن العدل الرباني والطغيان البشري نقيضان لا يجتمعان، وأن الذين كانوا يحكمون بما أنزل الله -فعلاً- ويستندون في سلطتهم إلى الوحي الإلهي حقيقة هم أعظم حكام البشرية عدلاً وإنصافاً وأشدهم رحمة وتواضعاً، وأنهم بفضل ذلك قد حققوا في دنيا الواقع ما كان الفلاسفة يحلمون به في الخيال، وهاهي ذي سيرة الأنبياء الذين حكموا بني إسرائيل وسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء الراشدين ومن حذا حذوهم تظهر فيها الصورة المشرقة والنموذج الرفيع للحكم الأمثل، وعكس ذلك تماماً كان الحكام الطغاة الذين يتبجحون بنظرية الحق الإلهي، فهم يمثلون أسوأ النماذج للجبروت والاستبداد.

وهكذا كلما كان الحاكم أقرب إلى الحكم بما أنزل الله كان حكمه أقرب إلى النزاهة والاستقامة، وحالت خشية الله بينه وبين أي لون من ألوان الطغيان، وكلما ابتعد عن الحكم بما أنزل الله سقط في مهاوي الظلم؛ وتلطخت صفحة حكمه بصنوف الاستبداد وأنواع الجور.

إذن فليست نظرية الحق الإلهي على حق فيما تضفيه على حكامها من القداسة المصطنعة والعمل حسب تفويض الله وإرادته، وكذلك ليس خصومها على حق في دعوى أن الدين يحبذ الطغيان ويشجع على الاستبداد.

منقول عن
ابو بكر المقدسي / شبكة انا المسلم