منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#51657
إنّ السياسة الخارجية الإماراتية تقوم على العديد من المبادئ الراسخة، ويأتي في مقدمتها التوازن، وهو ما ينعكس في تنوع تحركاتها تجاه الشرق والغرب والشمال والجنوب ضمن إطار قوي من المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.. وتعدّ العلاقة مع الصين نموذجاً ساطعاً لهذا التنوع، ولذلك يأتي مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين 2012 ليؤكد على هذه المبادئ، ليس في إطار العلاقة بين الصين والإمارات فحسب، وإنما بين الصين والمنطقة العربية كلّها..

وينظم المؤتمر بالتعاون مع جامعة الدول العربية، ووزارة الخارجية في دولة الإمارات، واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في البلاد العربية، واتحاد غرف التجارة والصناعة في الدولة.. وتستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة بغرفة تجارة وصناعة الشارقة تحت رعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، حيث يعقد المؤتمر يومي 18-19 يناير القادم في مركز إكسبو الشارقة، بمشاركة من كبار الشخصيات ورجال الأعمال العرب والصينيين والمستثمرين والأكاديميين المتخصصين في ميدان الاقتصاد.

وفي هذا الإطار تحدث حسين المحمودي مدير عام غرفة تجارة وصناعة الشارقة، قائلاً:"إن المؤتمر يأتي تأكيداً على قوة ومتانة العلاقات العربية- الصينية عامة، والإماراتية- الصينية خاصة، كما يؤكّد أن هذه العلاقات تسير بخطا ثابتة نحو التنامي والتطور المستمرين، حيث إن أسس التعاون العربي- الصيني في غاية المتانة، ومستقبله واعد، وكلّ جانب من الجانبين يحترم سياسات واستراتيجيات وثقافات الجانب الآخر، ويسود مُناخ من العمل الدوؤب لتطوير هذه العلاقات بما يضمن استمرارية تطور العلاقات الإماراتية- الصينية نحو الأفضل، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى حرص الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى حكّام الإمارات، على ضرورة تطوير علاقات الدولة مع جمهورية الصين الشعبية، وبذل المزيد من الجهود لدفعها إلى الأمام من أجل تحقيق مصلحة شعبي البلدين الصديقين في مختلف المجالات".

وفي هذا السياق، وبمناسبة استضافتها لهذا الحدث، أجرت غرفة تجارة وصناعة الشارقة العديد من الدراسات والتقارير التي تلقي الضوء على العلاقات العربية- الصينية، ومن ضمنها "العلاقات الإماراتية- الصينية".

فقد حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها عام 1971 على أن تحتفظ بعلاقات تعاون وتفاهم مع الدول الصديقة والشقيقة، وعملت على تطوير مجالات التعاون في الإطار الذي يصب في المنافع المشتركة مع هذه الدول.

ومن هذا المنطلق، أُعلنت العلاقات الدبلوماسية بين أبوظبي وبكين في الأول من نوفمبر عام 1984، فيما افتتحت السفارة الإماراتية في بكين في مارس عام 1987، ومنذ ذلك التاريخ انطلقت مسيرة العلاقات بين البلدين على أساس المصالح المتبادلة والتنسيق المستمر.

القوة الاقتصادية الثانية

الصين اليوم هي إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي تعدّ الآن القوة الاقتصادية الثانية في العالم. ومنذ إصلاح السوق في الصين عام 1978 تمكّن الاقتصاد الصيني من النمو بمعدل 10 % سنوياً.

ويعتقد بعض الخبراء أن الصين سوف تتجاوز الولايات المتحدة في إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2040، ولذلك سعت الإمارات على الدوام لتمتين عرى العلاقات مع الصين يوماً بعد يوم.

وكانت زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة إلى بكين في مايو 1990 على رأس وفد رسمي، وهي الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس دولة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وانعكست تلك الزيارة إيجابياً على العلاقات التجارية والتعاون الاقتصادي بين البلدين اللذين يرتبطان بأكثر من ست اتفاقيات.

إذ تحكم مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين منذ انطلاقها وحتى الآن سلسلة من الاتفاقيات الموقعة في العديد من مجالات التعاون المشترك، أبرزها اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني بين الدولتين الموقعة عام 1985، واتفاقية إنشاء اللجنة الاقتصادية المشتركة، واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المشتركة، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، واتفاقية التعاون في مجال الخدمات الطبية عام 1992، وبروتوكول استيراد النفط من الإمارات، واتفاقية تجارية بين إمارة الشارقة ووزارة التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي الصيني في سبتمبر 1999، واتفاقية التعاون الثقافي والإعلامي بين الصين والإمارات في مايو 2001، واتفاقية تبادل المجرمين بين الدولتين في عام 2002.

وتقول صحيفة "الشعب" الصينية في موقعها على الإنترنت: "إنّ الاهتمام الصيني الكبير بالانفتاح على دولة الإمارات، وتوسيع علاقاتها معها في المجالات كافة، وتوازن السياسة الخارجية الإماراتية الذي ينعكس في تنوّع تحركاتها تجاه الشرق والغرب والشمال والجنوب، أعطى للعلاقات الإماراتية- الصينية تميزاً خاصاً، حيث خدمت هذه الميزة تنمية العلاقات بين البلدين".

ويقول تانغ جيا شيوان عضو مجلس الدولة الصيني إن العلاقات الصينية الإماراتية تقوم على أساس متين، وتتمتع بإمكانيات ضخمة، وتنفتح على آفاق رحبة، مؤكداً أنها قطعت أشواطاً كبيرة بفضل الرعاية المشتركة من قيادتي البلدين والجهود المتضافرة من حكومتيهما.

ووفقاً لتصريحات مسؤولين صينيين آخرين، فإن هناك إمكانيات هائلة كامنة يمكن استغلالها وتطويرها وتوسيع آفاقها لخدمة المصالح المشتركة للدولتين، وهناك العديد من المشروعات الاقتصادية والتجارية والتقنية التي يمكن أن تتعاون الدولتان في تنفيذها، بل إن العديد من الشركات الصينية تتطلع إلى الوصول إلى أسواق الإمارات، التي تمتاز بدينامكيتها الدائبة وجذبها لرؤوس الأموال.

أفضل شريك تجاري

تعدّ الإمارات حالياً أفضل شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط. وتشهد العلاقات التجارية بين الدولتين ازدهاراً كبيراً منذ انطلاقها، حيث بلغت قيمة التجارة المتبادلة بين البلدين خلال السنوات الخمس الماضية (2006-2010) ما يقارب 67 مليار دولار، كما ارتفع حجم التبادل التجاري بين الدولتين خلال عام 2010 ليصل إلى نحو 14 مليار دولار مقابل 13 مليار دولار عام 2009، ما جعل الصين ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات، وأكبر سوق تصديرية إلى الدولة، كما تعدّ الإمارات أكبر سوق تصديرية للصين في الشرق الأوسط.

وتوجد لجنة إماراتية- صينية مشتركة تعمل على تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين إلى مستوى أفضل من خلال التنسيق والتفكر والتشاور بين الجانبين، وتعمل الدولتان على تشجيع المؤسسات التجارية ورجال الأعمال في كل من الصين والإمارات للمشاركة في المعارض التجارية التي تقام في الدولتين، والدخول في مشروعات استثمارية مشتركة أو أحادية تعود بالمنفعة للجانبين.

ويعتمد الاقتصاد الصيني على الإمارات، باعتبارها البوابة التجارية للمصدرين الصينيين في منطقة الشرق الأوسط. ويبلغ عدد الشركات الصينية المسجلة أكثر من ثلاثة آلاف شركة، فيما يفوق عدد الجالية الصينية في الإمارات 200 ألف نسمة.

ومن جانبه يعدّ الباحث محمد بن هويدن أن العلاقات بين الإمارات والصين لم تتسم بعد بدرجة من التوازن المطلوب، أي أن الصين مازالت هي الطرف الأكثر استفادة من هذه العلاقة عن الطرف الإماراتي، وأن درجة الاستفادة المشتركة لم تصل إلى درجة التساوي، وإن كانت عملية قياس درجة الاستفادة ليست بالعملية السهلة، فقد استطاعت الصين أن تفرض نفسها كطرف مهم في معادلة العلاقة بين البلدين، فيما لم تتمكن الإمارات من فرض نفسها بالطريقة ذاتها، فالصين اليوم هي شريك تجاري مهم لدولة الإمارات، حيث إنّها تتبوأ المرتبة الثانية بعد اليابان كأكبر شريك تجاري لدولة الإمارات. واستطاعت الصين أن تخلق من دبي مركزاً تجارياً لإعادة تصدير منتجاتها للكثير من الدول في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، الأمر الذي ساعد في جعل دولة الإمارات الوحيدة في المركز السابع والعشرين ضمن قائمة الثلاثين أكبر دولة المستوردة للبضائع في العالم، كما أن الشركات الصينية استطاعت أن تدخل السوق الإماراتية وتستثمر في مجال المقاولات وتشييد البنية التحتية وحتى في قطاع تقنية المعلومات.

يضيف هويدن: "لكن هذا الحراك الصيني نحو استثمار العلاقة الصينية مع الإمارات لم يقابله حراك إماراتي لاستثمار العلاقة الإماراتية مع الصين، فلو نظرنا إلى أهم أكبر خمس دول تستورد البضائع الإماراتية لما وجدنا الصين من ضمنها، الأمر الذي يؤكد عدم التوازن في العلاقة بين البلدين، ويدعو إلى إعادة تقييم هذا الوضع".

ما يثير الغرابة في هذه المعادلة، حسب الباحث نفسه، هو أن لدى الإمارات أهم ما تحتاجه الصين من الخارج ألا وهو النفط، إلا أننا ما زلنا لسنا مصدرين أساسيين للنفط إلى الصين، كما هو حال دول مثل السعودية أو أنغولا أو إيران. ومن المعلوم أن الصين ليس أي بلد مستورد للطاقة بل هو ثاني أكبر بلد مستهلك للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة ما يجعله مستورداً مهمّاً للنفط لأيّ دولة مصدرة للنفط.

ورغم هذا فإن صادراتنا من النفط للصين مازالت محدودة للغاية، والحجم الأكبر من نفط الإمارات يذهب إلى دول معينة كاليابان.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الصين يمكن أن تعدّ اليوم سوقاً مهمة للاستثمارات الإماراتية، ولاسيما للصناديق السيادية التي تضررت من جراء الأزمة المالية العالمية الأخيرة، والمعروف أن الصين كانت من أقلّ دول العالم تضرراً من تداعيات الأزمة الاقتصادية الأخيرة، الأمر الذي يجعل السوق الصينية سوقاً مغريةً للاستثمار من قبل الصناديق السيادية كصندوق أبوظبي أو دبي للاستثمار، وفي ذلك تنويع لمصادر الاستثمار بعيداً عن منطقة بحدّ ذاتها.

كما أنّ مجالات الاستثمار في قطاع الطاقة في الصين تعدّ من أكثر المجالات التي تشجع الصين الشركات الدولية الأجنبية على الاستثمار من خلاله، ولاسيما في تطوير مصافي تكرير النفط، كما أن استمرار الحاجة إلى تطوير العقارات في الصين وارتفاع أسعارها مقارنة بتراجع أسعارها في مناطق أخرى من العالم يفتح المجال أمام المطورين والشركات الإماراتية كي تستثمر في السوق العقارية الصينية.

ولعل الاستثمار في تقوية العلاقة مع الصين لا يمثل بعداً اقتصادياً فحسب، وإنما يعدّ أيضاً ذا بعد سياسي يتمثل في أن الصين بلد تحركه مصالحة في دعمه للمواقف السياسية للدول الأخرى، أي أن موقف الصين السياسي من أي قضية يعتمد على درجة المصلحة الصينية القائمة مع الدول الأطراف في تلك القضية.

فإذا كان للصين مصالح قوية مع تلك الدولة تجدها تتشدد وتتخذ مواقف مساندة لتلك الدولة، وإذا كانت تلك الدولة لا تتمتع بعلاقات قوية معها، فإن موقف الصين يتراوح بين الاعتدال والليونة أو عدم الاكتراث. والإمارات في موقف يؤهلها لأن تكون علاقتها مع الصين علاقة استراتيجية، من خلال تطوير طبيعة العلاقة معها لتكون أقوى بكثير ممّا هي عليه اليوم.

حالة "المصالح المتبادلة"

يتوقع خبراء الاقتصاد أن ينمو حجم الأعمال التجارية بين الإمارات والصين من 26 بليون دولار إلى 100 بليون بحلول عام 2015.

يضيف الخبراء أن ازدهار النشاط التجاري بين الدولتين جاء نتيجة الاقتصاد وتدفق الأعمال التجارية، فضلاً عن زيادة طلبات الاستثمار، ما فتح المجال لزيادة التعاون التجاري بين الشركات الإماراتية والصينية.

ولذلك يسعى "البنك الصناعي التجاري الصيني"، أحد أكبر المصارف في العالم بأصول تبلغ 2.32 تريليون دولار، إلى تعزيز مكانته في الشرق الأوسط والمساهمة في تطوير التجارة بين الإمارات والصين.

ويأتي نمو العلاقات الصينية الإماراتية على خلفية تنامي دور الإمارات وقوتها على الصعيد الدولي بشكل عام، وفي محيطها الآسيوي بشكل خاص، ولذلك أخذت الإمارات تركز على قوى آسيوية باتت تحتل مكانة مهمة على خارطة العالم، وهو ما يؤكد الأهمية الخاصة التي توليها الدولة لتنويع علاقاتها وتحالفاتها الدولية والموقع الذي تشغله الدائرة الآسيوية في أولويات الدبلوماسية الإماراتية.

وفي هذا الصدد، فإن حالة "المصالح المتبادلة" بين الصين والإمارات، تؤهلهما لتطوير علاقات متميزة يمكن أن تنعكس على نحو إيجابي على المستويات كافة، فالعلاقات العربية- الصينية عامة، قديمة قدم طريق الحرير، وهذه أرضية جيّدة للانطلاق بعلاقات رسمية جديدة وخصوصاً مع وجود أكثر من جالية إسلامية كبيرة في الصين.