منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#51664
مـدى اعتبار الحـرب على الإرهـاب
ترسيخ لقيم الديمقراطيـة و احتـرام حقـوق الإنسـان


مقدمـة:إن معظم دول العالم تؤكد دائما على مبدأ حق تقرير مصير الشعوب، و حقها في اختيار أنظمة الحكم فيها دون تدخل أجنبي في حين تأتي تصرفاتها على عكس ذلك.
من بين هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية التي سمحت لنفسها في إطار محاربتها للإرهاب بالتدخل عسكريا لحماية ما تسميهم بالمضطهدين و ذلك بالتغير أو الإطاحة بنظم الحكم الديكتاتورية في بعض الدول، مدعية وجود حالات لانتهاكات لحقوق الإنسان و خرق مبادئ الديمقراطية و هي في هذا لا تنطلق من فراغ بل تستند لبعض النظريات الفقهية الحديثة و التي حاولت تطبيقها خارقة لمبادئ القانون الدولي القاضي باحترام مبدأ هام ألا و هو مبدأ عدم التدخل.
فهل فعلا الحرب على الإرهاب يراد منها إحلال الديمقراطية في العالم و احترام حقوق الإنسان، أم هي حرب تعتمد على قراءة جديدة لأحكام القانون الدولي، تمثل وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية ؟
و في سياق هذه الدراسة سوف نسلط الضوء على أسس النظرية الأخلاقية الحديثة التي حاولت الولايات المتحدة تطبيقها مبرزين جوانب النقص فيها مقارنة مع الفقه التقليدي.
ثم التطرق لتطبيقات هذه النظرية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية في إطار ما أسمته بالقضاء على الأنظمة الديكتاتورية ضمن محاربة الإرهاب الدولي.
I- أسس النظرية الأخلاقية:
1- علاقة الحاكم بالمحكوم و نظرية العقد الاجتماعي.يرى أنصار النظرية الأخلاقية أن الدولة نشأت لحماية حقوق كانت قائمة، و تنازل الفرد عن جزء من حقوقه، فيما يضمن لنفسه التمتع بما بقي له من حقوق و حريات أساسية و من ثم فإن حقوق الحكومات تنتج من التنازل الاختياري للمواطنين عن بعض حقوقهم.


لذلك فإن الحكومات التي تنقلب على مواطنيها تكون قد خالفت شروط العقد الاجتماعي، فإنكارها لحقوق الإنسان تفقد الحماية الممنوحة لها في القانون الدولي و لم يعد لها مبرر كحكومات، كما لم تعد تمثل الشعب لدى العالم الخارجي، و على ذلك لا تكون الدول الأجنبية ملزمة باحترامها في الأخير يفقد الطغاة حقوقهم بسبب مخالفتهم لشروط العقد الاجتماعي بسبب خيانة بسبب وجودهم.
2- حقوق الدول مستمد عن حقوق الأفراد:
يرى مؤسس النظرية الحديثة لتبرير التدخل الإنساني الفقيه الأرجنتيني تيسون Teson أن المبرر المطلق لوجود الدول هو حماية و تنفيذ للحقوق الطبيعية للمواطنين و من ثم فإن الدول التي تتورط في انتهاكات جوهرية لحقوق الإنسان تخون الغرض الذي قامت من أجله، و بذلك فإنها لا تفقد شرعيتها المحلية فقط و لكنها تفقد شرعيتها الدولية على السواء نتيجة لذلك فإن الجيوش الأجنبية مخولة لها أدبيا مساعدة ضحايا الاضطهاد في الإطاحة بالحكام المستبدين.
و يضيف بأن قواعد القانون الدولي تهدف بصفة أساسية الى إقرار حقوق الأفراد، و أنه من الخطأ أن ينظر الفقه الى أن القواعد الدولية تقرر حقوقا للدول، فهذه الحقوق إنما هي في حقيقة الأمر حقوق للأفراد و ليس الدول، و أن الحكومات من الناحية الأخلاقية، تكون مجرد نواب عن الشعب.
و إذا رجعنا للفقه الدولي التقليدي الذي يتزعمه الفقيه Oppenheim نرى بأنه يؤكد هو الآخر على فكرة التدخل الإنساني الدولي ضد الدولة التي ترتكب جرائم كبيرة و تقوم باضطهاد مواطنيها بشكل يؤدي الى إنكار حقوقهم الإنسانية الأساسية، برأيه فإن التدخل لصالح الإنسانية يكون مباحا من الناحية القانونية، نفس الرأي يؤكده القاضي Luterpact حيث هو كذلك يؤكد على قضية معاملة الدولة لمواطنيها بطريقة لا إنسانية فهذه المعاملة من شأنها أن تثير ضمير المجتمع الدولي.
إذا الفقه التقليدي يرى بأن التدخل الإنساني الدولي يكون بشروط محددة هذا ما لم نلمسه في الفقه الحديث الذي يؤكد على أن الدول ليس لها موقف أدبي مستقل عن الأفراد الذين يقطنون الدولة، و أن ذلك السبب الرئيسي و الجوهري في خلق الدول و الحكومات و الإبقاء عليها هو ضمان حماية حقوق الأفراد، بمعنى مسألة بقاء الحكومات يتوقف على مدى ديمقراطية النظام أو الحكم القائم في أية دولة و هي النظرية التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد في إطار ما تسميه بمحاربة الإرهاب الدولي.
3- نظرية السيادة الشعبية:
بكلمة نحن الشعب أطلقت الثورة الأمريكية مفهوم الإدارة الشعبية كمصدر للسلطة السياسية، في أعقابها أكدت الثورة الفرنسية مفهوم السيادة الشعبية، فأصبحت سيادة السيد الحاكم هي سيادة الشعب.
و إنطلاقا من هذه المقدمات تقرر الفقه الإنساني أن السيادة الشعبية هي من أهم أسس الدول الحرة التي تمارس الديمقراطية، و أن السيادة الشعبية تنتهك عندما تبرم الدولة بغزو دولة أخرى و فرض إرادتها عليها، لكن ما حدث للسيادة بمعناها الحديث و لكنه نابع عن حركات عنف داخلية تحاول الاستيلاء على الحكم رغم الإرادة الشعبية عن طريق القوة المجردة أو الإنقلاب أو تزييف العمليات الانتخابية أو عن طريق الفساد المنظم للعمليات الانتخابية التي تحظى فيها قائمة السلطة على نتيجة 100 % من الأصوات، فهل في مثل تلك الحالات يحق لمن يتولى السلطة أن يثير اللفظ القانوني للسيادة القومية لترسيخ وصفه في السياسة الدولية.
إنطلاقا من العرض السابق، يقر الفقه المدافع عن التدخل الإنساني أن نظرية السيادة في القانون الدولي المعاصر أصبحت مقيدة باحترام حقوق الإنسان و حرياته الأساسية و بالتالي فإن الحاكم الذي يحترم حقوق الإنسان يحصن ضد التدخل الأجنبي.
أما الحاكم الذي يرتكب أو يتورط في جرائم لا إنسانية يفقد شرعية حكمه بأن تصبح في حق المواطنين الثورة على ظلمه و طغيانه، كما يفقد شرعيته الدولية، و يصبح من حق المجتمع الدولي التدخل بأي وسيلة من أجل رفع الظلم و الطغيان عن الشعب المحروم من ممارسته حقوقه الإنسانية التي تمثل قيم حضارتنا الإنسانية العظيمة.
II- أسطورة الانتصار الباهر للديمقراطية و حقوق الإنسانمما يثير السخرية هو اعتبار الحرب ضد الإرهاب جزءا من معركة الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان، ذلك أن الولايات المتحدة من خلال القرار 1373 ألزمت جميع الدول بالتعاون الكامل في مجال محاربة الارهاب و رحبت بمساعدة أية حكومة مستعدة للعمل معها في حربها الإرهاب دون اعتبار لسجلها في ميدان انتهاكات حقوق الإنسان.
لكن السعي الى الحصول على مثل هذا التعاون ليس بالأمر الجديد على الولايات المتحدة الأمريكية، فطيلة الحرب الباردة لم تؤخذ انتهاكات حقوق الإنسان بعين الاعتبار في التحالفات التي يتم تكوينها في إطار الحرب ضد الشيوعية و الصراع مع الدول الاشتراكية و ذلك حتى بالنسبة لأعنى الديكتاتوريات.
لقد تم تقديم الحرب على الإرهاب بأنها حرب تحت راية الدفاع عن حقوق الإنسان و اعتبرت الولايات المتحدة بأن هزيمة حكومة طالبان في أفغانستان هي نصر لحقوق الإنسان في هذا البلد و بحسب تعبير الرئيس الأمريكي جورج بوش فقد تم تحرير المواطنين الأفغانستان من حكم طالبان الوحشي و القمعي و تم تحرير النساء الأفغانيات من العنف و القمع و استعدن دورهن في المجتمع الأفغاني.
لكن الحرب على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة هي أبعد ما تكون عن المبادئ الإنسانية و عن القواعد الإنسانية في الفكر الليبرالي الغربي.
ففي هذه الحرب لم تتم الالتزام بالقانون الوضعي في الولايات المتحدة الذي روحا و نصا معاملة إنسانية حتى بالنسبة لمرتكبي أخطر الجرائم، و إنما تم استحداث قوانين جديدة لا تلتزم المعايير و المبادئ الإنسانية التي تزعم الدول الغربية بأنها تسعى الى ترسيخها و احترامها في الدول الأخرى.
و الحرب على الإرهاب هي قبل ذلك حرب تحدي بعيدا عن الشرعية الدولية بمعناها الحقيقي، و عن الاحترام الواجب لقواعد المشروعية الدولية، و بناء على تحالفات عسكرية و غير عسكرية ثم إنشاءها بأسلوب الابتزاز و التهديد السافر، أو عن طريق النفاق أو نتيجة لتعاطف مفاجىء بسبب حقول الصدمة التي حدثت في يوم 11 سبتمبر 2001 بل إنها الى جانب ذلك حرب بعيدة عن التعقل و عن المنهج العقلاني الذي يفترض أنه أساس سياسة و مواقف دولة ليبرالية أو ديمقراطية كالولايات المتحدة.
فما حدث بعد 11 سبتمبر 2001 بدعوى الحرب على الإرهاب يظهر اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية لقراءة ذاتية لأحكام القانون الدولي.
و تمثل وجهة نظرها الخاصة، و تصادر أهم المكتسبات التي حققها تطور القانون الدولي في مجال ترسيخ الاحترام العالمي كحقوق الإنسان الفردية و الجماعية، و احترام السيادة و الاستقلال السياسي و السلامة الإقليمية للدول و مبدأ عدم التدخل.
إن القانون الدولي ليس فيه ما يجيز الإطاحة بحكومة قائمة في أية دولة بواسطة تدخل عسكري أجنبي لمجرد أنها تأوي مطلوبين للعدالة لدى دولة أو دول أخرى، و لو كان هؤلاء المطلوبين يصنفون على أنهم من صنف الإرهابيين".
ثم إن نجاح هذا الأسلوب في الإطاحة بحكومة طالبان قد يغري الولايات المتحدة بإتباعه خارج أفغانستان ، بل قد يعزي دولا أخرى على إتباعه، إذ يكفي توجيه تهمة "إيواء" الإرهابيين لشن حرب تؤدي الى الإطاحة بحكومة الدولة التي تؤوي هؤلاء الأشخاص.
و يمكننا القول بأن في الحرب على الإرهاب تم التنكر لحقوق الإنسان بوصفها حقوقا فردية للأشخاص الطبيعيين المتهمين بالإرهاب، كما تم التنكر لحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها بوصفه حقا جماعيا من حقوق الإنسان لا يجوز التصرف فيه عن طريق التدخل الأجنبي.
هذا التنكر لحقوق الإنسان، يتمثل في ثلاثة أمور أساسية:أولا: تجاهل المبادئ الإنسانية في العمليات الحربية و استبعاد قواعد المعاملة الإنسانية التي رسخها القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ثانيا: تقديم إسقاط حكومة الطالبان و تعويضها بحكومة بديلة تحظى برى الولايات المتحدة و حلفائها، بوصفه انتصارا باهرا للديمقراطية و حقوق الإنسان.
ثالثا: العودة بأفغانستان الى نقطة البداية و هي اندلاع حرب أهلية دامية بين الفصائل الأفغانية المتناحرة التي يجمعها فقط الولاء للولايات المتحدة و العداء لحركة طالبان و تنظيم القاعدة، مع احتمال تطور المقاومة التي تبديها عناصر الطالبان و القاعدة الى حرب عصابات ضد الوجود العسكري الأمريكي و الأجنبي في أفغانستان كما حدث سابقا إبان الاحتلال السوفياتي .

و أخيرا يمكننا أن نقول:
أن التوازن الجدي الناتج عن سقوط حكومة طالبان و تنصيب حكومة مؤقتة، يتوقف على ثلاثة شروط تبدو بعيدة المنال.
أولا: نجاح الحكومة الجديدة في فرض سلطتها على مختلف مناطق أفغانستان فعلية لا إسمية.
ثانيا: توافر شروط قيام السلام الدائم و المستمر في أفغانستان كاستتباب الأمن و الاستقرار، و ضمان تدفق المنح و المساعدات الموعودة للحكومة.
ثالثا: أن لا يتوقف استمرار الحكومة الجديدة على الدعم العسكري الخارجي المتمثل في تواجد القوات الأجنبية و المتمثلة في قوات التحالف العسكري التي تقوده الولايات المتحدة .
غير أن تحقيق أي شرط من هذه الشروط بالشكل المتوخى أو الموعود يتوقف على نجاح القوى الأجنبية و الضغط الخارجي في إحداث تحولات عميقة و جذرية في المجتمع الأفغاني الذي لا يرحب كثيرا بالإصلاحيين الذين يسعون الى قيام أفغانستان ليبرالية و ديمقراطية على الطريقة الغربية و على أساس التمييز بين الدين و السياسة.
كذلك فإن تطبيق الولايات المتحدة الأمريكية للنظرية الأخلاقية الحديثة هو تطبيق غير موفق لأن هناك العديد من الأنظمة الديكتاتورية في العالم و مع ذلك لم تتدخل الولايات المتحدة لعزلهم أو الإطاحة بهم، و من هنا نستطيع أن نقول أن المحك الرئيسي في تطبيق هذه النظرية هو مصلحة الدولة فإذا وجدت الدولة المستغلة أن لها مصالح قومية تدخلت و العكس صحيح.