منتديات الحوار الجامعية السياسية

شخصيات صنعت التاريخ

المشرف: بدريه القحطاني

By محمد الشمراني 36
#51705
أدولف ألويس هتلر ((بالألمانية: Adolf Hitler) 20 أبريل 1889 - 30 أبريل 1945) سياسي ألماني نازي، ولد في النمسا، وكان زعيم حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني والمعروف للعامة باسم الحزب النازي. تولى أدولف هتلر حكم ألمانيا في الفترة ما بين عامي 1933 و1945 حيث شغل منصب مستشار الدولة (بالألمانية: Reichskanzler) في الفترة ما بين عامي 1933 و1945، والفوهرر (بالألمانية: Führer) في الفترة ما بين عامي 1934 و1945. واختارته مجلة تايم واحدًا من بين مائة شخصية تركت أكبر الأثر في تاريخ البشرية في القرن العشرين.[1] وباعتباره واحدًا من المحاربين القدامى الذين تقلدوا الأوسمة تقديرًا لجهودهم في الحرب العالمية الأولى بجانب ألمانيا، انضم هتلر إلى الحزب النازي في عام 1920 وأصبح زعيمًا له في عام 1921. وبعد سجنه إثر محاولة انقلاب فاشلة قام بها في عام 1923، استطاع هتلر أن يحصل على تأييد الجماهير بتشجيعه لأفكار تأييد القومية ومعاداة الشيوعية والكاريزما (أو الجاذبية) التي يتمتع بها في إلقاء الخطب وفي الدعاية. في عام 1933، تم تعيينه مستشارًا للبلاد حيث عمل على إرساء دعائم نظام تحكمه نزعة شمولية وديكتاتورية وفاشية. وانتهج هتلر سياسة خارجية لها هدف معلن وهو الاستيلاء على ما أسماه بالمجال الحيوي (بالألمانية: Lebensraum) (ويُقصد به السيطرة على مناطق معينة لتأمين الوجود لألمانيا النازية وضمان رخائها الاقتصادي) وتوجيه موارد الدولة نحو تحقيق هذاالهدف. وقد قامت قوة الدفاع التي أعاد بنائها بغزو بولندا في عام 1939 مما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وخلال ثلاث سنوات، احتلت ألمانيا ودول المحور معظم قارة أوروبا وأجزاء كبيرة من أفريقيا ودول شرق وجنوب شرق آسيا والدول المطلة على المحيط الهادي. ومع ذلك، نجحت دول الحلفاء في أن يكون لها الغلبة في النهاية.

وفي عام 1945، نجحت جيوش الحلفاء في اجتياح ألمانيا من جميع جوانبها وحتى سقوط برلين. وأثناء الأيام الأخيرة من الحرب في عام 1945، تزوج هتلر من عشيقته إيفا براون بعد قصة حب طويلة. وبعد أقل من يومين، انتحر العشيقان

سنوات حياته الأولى:
ولد أدولف هتلر في 20 أبريل 1889 في برونو بالإمبراطورية النمساوية المجرية.[3] كان هتلر الابن الرابع من أصل ستة أبناء أما والده فهو ألويس هتلر (1837 - 1903) الذي كان يعمل موظفًا في الجمارك وكانت والدته كلارا هتلر (1860 - 1907) هي الزوجة الثالثة لوالده, ونظرًا لأن الهوية الحقيقة لوالد ألويس شكلت سرًا غامضًا في تاريخ الرايخ الثالث، كان من المستحيل تحديد العلاقة البيولوجية الحقيقية التي كانت تربط بين ألويس وكلارا؛ وهو الأمر الذي استدعى حصولهما على إعفاء بابوي لإتمام زواجهما. ومن بين الأبناء الستة وهم ثمرة زواج ألويس وكلارا لم يصل إلى مرحلة المراهقة سوى أدولف وشقيقته باولا التي كانت أصغر منه بسبع سنوات. وكان لألويس ابن آخر اسمه ألويس هتلر الابن وابنة اسمها انجيلا من زوجته الثانية.[4]

عاش هتلر طفولة مضطربة حيث كان أبوه عنيفًا في معاملته له ولأمه حتى إن هتلر نفسه صرح إنه في صباه كان يتعرض عادة للضرب من قبل أبيه. وبعدها بسنوات تحدث هتلر إلى مدير أعماله قائلاً: "عقدت - حينئذ - العزم على ألا أبكي مرة أخرى عندما ينهال علي والدي بالسوط. وبعد ذلك بأيام سنحت لي الفرصة كي أضع إرادتي موضع الاختبار. أما والدتي فقد وقفت في رعب تحتمي وراء الباب. أما أنا فأخذت أحصي في صمت عدد الضربات التي كانت تنهال علي مؤخرتي." [5] ويعتقد المؤرخون أن تاريخ العنف العائلي الذي مارسه والد هتلر ضد والدته قد تمت الإشارة إليه في جزء من أجزاء كتابه كفاحي والذي وصف فيه هتلر وصفًا تفصيليًا واقعة عنف عائلي ارتكبها أحد الأزواج ضد زوجته. وتفسر هذه الواقعة بالإضافة إلى وقائع الضرب التي كان يقوم بها والده ضده سبب الارتباط العاطفي العميق بين هتلر ووالدته في الوقت الذي كان يشعر فيه بالاستياء الشديد من والده.

غالبًا ما كانت أسرة هتلر تنتقل من مكان لآخر حيث انتقلت من برونو آم إن إلى مدينة باسساو ومدينة لامباتش ومدينة ليوندينج بالقرب من مدينة لينز. وكان هتلر الطفل طالبًا متفوقًا في مدرسته الابتدائية، ولكنه رسب في الصف السادس، وهي سنته الأولى في Realschule (المدرسة الثانوية) عندما كان يعيش في لينز وكان عليه أن يعيد هذه السنة الدراسية. وقال معلموه عنه إنه "لا يرغب في العمل". ولمدة عام واحد كان هتلر في نفس الصف الدراسي مع لودفيج فيتجنشتاين ؛ الذي يعتبر واحدًا من أكثر الفلاسفة تأثيرًا في القرن العشرين.[6][7][8][9] وبالرغم من أن الولدين كانا في العمر نفسه تقريبًا، فقد كان فيتجنشتاين يسبق هتلر بصفين دراسيين.[10] ولم يتم التأكد من معرفة هتلر وفيتجنشتاين لبعضهما في ذلك الوقت، وكذلك من تذكر أحدهما للآخر.[11]

صرح هتلر معقباً على هذا أن تعثره التعليمي كان نابعًا من تمرده على أبيه الذي أراده أن يحذو حذوه ويكون موظفًا بالجمارك على الرغم من رغبة هتلر في أن يكون رسامًا. ويدعم هذا التفسير الذي قدمه هتلر ذلك الوصف الذي وصف به نفسه بعد ذلك بأنه فنان أساء من حوله فهمه. وبعد وفاة ألويس في الثالث من شهر يناير في عام 1903، لم يتحسن مستوى هتلر الدراسي. بل ترك هتلر المدرسة الثانوية في سن السادسة عشرة دون الحصول على شهادته.

وفي كتابه كفاحي أرجع هتلر تحوله إلى الإيمان بالقومية الألمانية إلى سنوات المراهقة الأولى التي قرأ فيها كتاب من كتب والده عن الحرب الفرنسية البروسية والذي جعله يتساءل حول الأسباب التي جعلت والده وغيره من الألمان ذوي الأصول النمساوية يفشلون في الدفاع عن ألمانيا أثناء الحرب.[

الحرب العالمية الأولى:
خدم هتلر في فرنسا وبلجيكا مع الفوج البافاري الاحتياطي السادس عشر -والذي عرف باسم فوج ليست (بالألمانية: Regiment List) نسبةً إلى قائده الأول-. وانتهت الحرب بتقلده رتبة جيفريتر (وهي رتبة تعادل وكيل عريف في الجيش البريطاني وجندي من الدرجة الأولى في الجيوش الأمريكية). عمل هتلر كرسول بين الجيوش؛ وهي واحدة من أخطر الوظائف على الجبهة الغربية، وكان معرضًا في أغلب الأحيان للإصابة بنيران العدو.[19] كما اشترك في عدد من المعارك الرئيسية على الجبهة الغربية، وتضمنت هذه المعارك: معركة يبريس الأولى ومعركة السوم ومعركة آراس ومعركة باسكيندايلي[20].

ودارت معركة يبريس في أكتوبر من عام 1914 والتي شهدت مقتل حوالي 40,000 جندي خلال عشرين يومًا (وهو ما بين ثلث ونصف عدد الجنود المشاركين فيها). أما الكتيبة التي كان هتلر فرداً من أفرادها فقد تقلص عددها من مائتين وخمسين جندي إلى اثنين وأربعين جنديًا بحلول شهر ديسمبر. وكتب كاتب السير الذاتية جون كيجان أن هذه التجربة قد جعلت هتلر يتجه إلى الانعزال والانطواء على نفسه خلال السنوات الباقية للحرب.[21]

وتقلد هتلر وسامين تقديرًا لشجاعته في الحرب. حيث تقلد وسام الصليب الحديدي من الدرجة الثانية في عام 1914، وتقلد أيضًا وسام الصليب الحديدي من الدرجة الأولى في عام 1918؛ وهو تكريم نادرًا ما يحصل عليه عسكري من رتبة جيفريتر[22]. ومع ذلك، لم تتم ترقية هتلر إلى رتبة أونتيروفيزير (وهي رتبة تعادل العريف في الجيش البريطاني) نظرًا لكونه يفتقر إلى المهارات القيادية من وجهة نظر قادة الفوج الذي كان ينتمي إليه. ويقول بعض المؤرخين الآخرين أن السبب وراء عدم ترقيته يرجع إلى أنه لم يكن مواطناً ألمانياً. وكانت المهام التي كان هتلر يكلف بها في المقرات العسكرية محفوفة عادةً بالمخاطر، ولكنها سمحت له بمتابعة إنتاج أعماله الفنية. وقام هتلر برسم الصور الكاريكاتورية والرسومات التعليمية لإحدى الصحف التابعة للجيش. وفي عام 1916، أصيب هتلر بجرح إما في منطقة أصل الفخذ [23] أو في فخذه الأيسر [24] وذلك أثناء مشاركته في معركة السوم ولكنه عاد إلى الجبهة مرةً أخرى في مارس من عام 1917. وتسلم شارة الجرحى في وقت لاحق من نفس العام. وأشار سباستيان هافنر إلى تجربة هتلر على الجبهة موضحًا أنها سمحت له على أقل تقدير بفهم الحياة العسكرية.

وفي 15 أكتوبر 1918، دخل هتلر إحدى المستشفيات الميدانية على إثر إصابته بعمى مؤقت عقب تعرضه لهجوم بغاز الخردل. ويشير العالم النفسي الإنجليزي ديفيد لويس وكذلك بيرنارد هورسمتان إلى أن إصابة هتلر بالعمى قد تكون نتيجةً اضطراب تحوّلي (والذي كان معروفًا في ذلك الوقت باسم هيستريا).[25] وعقب هتلر على هذه الواقعة فقال إنه أثناء هذه التجربة أصبح مقتنعًا أن سبب وجوده في الحياة هو "إنقاذ ألمانيا." ويحاول بعض الدارسين - خاصةً لوسي دافيدوفيتش، [26] أن يبرهنوا على أن نية هتلر لإبادة يهود أوروبا كانت تامة الرسوخ في ذهنه في ذلك الوقت على الرغم من عدم استقراره على الطريقة التي سيتمكن بها من تنفيذ هذا الأمر. ويعتقد معظم المؤرخين أنه اتخذ هذا القرار في عام 1941 بينما يعتقد البعض الآخر أنه قد عقد العزم عليه في وقت لاحق في عام 1942.
كان إعجاب هتلر بألمانيا قد سيطر عليه منذ زمن بعيد، وأثناء الحرب أصبح وطنيًا متحمسًا أشد الحماس للدفاع عن ألمانيا بالرغم من أنه لم يصبح مواطنًا ألمانيًا حتى عام 1932. ورأي هتلر أن الحرب هي "أعظم الخبرات التي يمكن أن يمر بها المرء في حياته". وفي وقت لاحق، أشاد به عدد من قادته تقديرًا لشجاعته.[27] وصدم هتلر من اتفاقية الاستسلام التي وقعتها ألمانيا في نوفمبر من عام 1918 على الرغم من سيطرة الجيش الألماني حتى ذلك الوقت على أراضِ للعدو.[28] ومثله مثل العديد من المناصرين للقومية الألمانية، كان هتلر يؤمن بأسطورة الطعنة في الظهر (بالألمانية: Dolchstoßlegende) التي قالت بإن الجيش "الذي لم تتم هزيمته في ساحة المعركة" قد "تعرض لطعنة في الظهر" من قادة مدنين وماركسيين على الجبهة الداخلية. وقد عرف هؤلاءالسياسيين فيما بعد باسم مجرمي نوفمبر.

وحرمت معاهدة فرساي ألمانيا من مناطق عديدة كانت تابعة لها، وجردت منطقة رينهارد من الصفة العسكرية التي كانت تتمتع بها، كما فرضت عقوبات اقتصادية مدمرة أخرى على ألمانيا. وأعادت المعاهدة الوجود لدولة بولندا من جديد؛ وهو الأمر الذي اعتبره لألمان - حتى المعتدلين منهم - نوعًا من أنواع الإهانة. وحملت المعاهدة ألمانيا مسئولية كل فظائع الحرب، وهو الأمر الذي ينظر إليه مؤرخون بارزون من أمثال: جون كيجان الآن باعتباره على أقل تقدير تطبيقًا للعدالة من وجهة نظر الطرف المنتصر: فقد طغت الصفة العسكرية على معظم الأمم الأوروبية في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى بشكل متزايد وكانت هذه الأمم تتلهف للقتال. وكان إلقاء اللوم على ألمانيا هو الأساس لفرض إصلاحات على ألمانيا (وقد تم تعديل مقدار هذه الإصلاحات بشكل متكرر وفقًا للخطط المعروفة باسم خطة داوس خطة يونج وHoover Moratorium). أما ألمانيا، فقد رأت أن المعاهدة وخاصةً البند رقم 231 منها وبالتحديد الفقرة التي تتحدث عن مسئولية ألمانيا عما حدث في الحرب نوعًا من أنواع الإهانة. فعلى سبيل المثال، كان هناك تجريد كامل للقوات المسلحة الألمانية من صفتها العسكرية يسمح لها بالاحتفاظ بست بوارج فقط ويمنعها من الاحتفاظ بغواصات أو قوات جوية أو مركبات مدرعة أو جيش يفوق عدده مائة ألفًا من الجنود إلا تحت ظروف التجنيد الإجباري التي يمكن أن تفرضها الحرب. وكان لمعاهدة فرساي دورًا مهمًا في الظروف الاجتماعية والسياسية التي صادفها هتلر وأتباعه من النازيين أثناء سعيهم للفوز بالسلطة. ونظر هتلر وحزبه إلى توقيع "مجرمي نوفمبر" على المعاهدة كسبب يدعوهم إلى بناء ألمانيا من جديد بشكل لا يتكرر معه ما حدث مرةً أخرى. واستخدم هتلر مجرمي نوفمبر ككبش فداء على الرغم من الخيارات المحدودة للغاية والتي كانت متاحة أمام هؤلاء الساسة في مؤتمر باريس للسلام.

دخول هتلر إلى عالم السياسة:
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ظل هتلر في الجيش وعاد إلى ميونيخ حيث شارك في الجنازة العسكرية التي أقيمت لرئيس الوزراء البافاري الذي تم اغتياله - كيرت آيسنر وذلك على خلاف تصريحاته التي أعلنها في وقت لاحق.[29] وفي أعقاب قمع الجمهورية السوفيتية البافارية، شارك هتلر في حضور دورات "الفكر القومي" التي كان ينظمها قسم التعليم والدعاية (Dept Ib/P) التابع للجماعة البافارية التي كان يطلق عليها اسم Reichswehr في مركز القيادة الرئيسي الرابع تحت إشراف كابتن كارل ماير. وتم إلقاء اللوم على الشعب اليهودي الذي ينتشر أفراده في كل أنحاء العالم، وعلى الشيوعيين، وعلى رجال السياسة من كل الانتماءات الحزبية؛ خاصةً تحالف فايمار الائتلافي.

وفى يوليو، 1919، تم تعيين هتلر في منصب جاسوس للشرطة (ألمانية:Verbindungsmann) وكان يتبع (قيادة الاستخبارات (Aufklärungskommando) التي كانت تتبع قوات الدفاع الوطنية (Reichswehr) من أجل التأثير على الجنود الآخرين واختراق صفوف حزب صغير؛ وهو حزب العمال الألماني (DAP).وأثناء استكشافه للحزب، تأثر هتلر بأفكار مؤسس الحزب آنتون دريكسلر المعادية للسامية والقومية والمناهضة للرأسمالية والمعارضة لأفكارالماركسية. وكانت أفكاره تؤيد وجود حكومة قوية ونشيطة؛ وهي أفكار مستوحاة من الأفكار الاشتراكية "غير اليهودية" ومن الإيمان بضرورة وجود تكافل متبادل بين كل أفراد المجتمع. كما حازت مهارات هتلر الخطابية على إعجاب دريكسلر فدعاه إلى الانضمام للحزب ليصبح العضو الخامس والخمسين فيه. كما أصبح هتلر أيضًا العضو السابع في اللجنة التنفيذية التابعة للحزب. وبعد مرور عدة سنوات، أدعى هتلر إنه العضو السابع من الأعضاء المؤسسين للحزب.

كما التقى هتلر مع ديتريش إيكارت وهو واحد من المؤسسين الأوائل للحزب، كما كان عضوًا في الجمعية السرية المعروفة باسم Thule Society.[30] وأصبح إيكارت المعلم الخاص بهتلر الذي يعلمه الطريقة التي يجب أن ينتقي بها ملابسه ويتحدث بها، كما قدمه إلى مجتمع واسع من الناس. ووجه هتلر عميق شكره إلى إيكارت عن طريق الثناء عليه في المجلد الثاني من كتابه المعروف باسم Mein Kampf. وفي محاولة لزيادة شعبية الحزب، قام الحزب بتغيير اسمه إلى حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني (بلألمانية: Nationalsozialistische Deutsche Arbeiterpartei).

وتم تسريح هتلر من الجيش في مارس، 1920، فبدأ مدعومًا بالتشجيع المستمر من أعضاء الحزب من ذوي المناصب الأعلى في المشاركة الكاملة في أنشطة الحزب. وفي بدايات عام 1921، بدأ هتلر يتمكن بشكل كامل من إجادة فن الخطابة أمام الحشود الكبيرة. وفي فبراير، تحدث هتلر أمام حشد يضم حوالي ستة آلاف فرد في ميونيخ. وللدعاية لهذا الاجتماع، أرسل هتلر شاحنتين محملتين بمؤيدي الحزب ليجوبوا الشوارع وهم يحملون الصليب المعقوف محدثين حالة من الفوضى وهم يلقون بالمنشورات صغيرة الحجم إلى الجماهير في أول تنفيذ للخطة التي قاموا بوضعها. انتشرت سمعة هتلر السيئة خارج الحزب نظرًا لشخصيته الفظة وخطاباته الجدلية العنيفة المناهضة لمعاهدة فرساي والسياسيين المنافسين له (بما في ذلك أنصار الحكم الملكي والمنادين بفكرة القومية وغيرهم من الاشتراكيين غير المؤمنين بسياسة التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول؛ واشتهر بوجه خاص بخطاباته المناهضة للماركسيين ولليهود.

واتخذ حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني [31] من ميونيخ مقرًا له. وكانت ميونيخ في ذلك الوقت أرضًا خصبة لمناصري القومية الألمانية الذين كان منهم ضباط من الجيش قد عقدوا العزم على سحق الماركسية وتقويض دعائم جمهورية فايمار (الجمهورية التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933 كنتيجة للحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا الحرب). وبمرور الوقت، لفت هتلر وحركته التي أخذت في النمو أنظار هؤلاء الضباط باعتبارها أداة مناسبة لتحقيق أهدافهم. وفي صيف عام 1921، سافر هتلر إلى برلين لزيارة بعض الجماعات التي كانت تنادي بالقومية. وفي فترة غيابه، كانت هناك حالة من التمرد بين قيادات حزب العمال الألماني في ميونيخ.

وتولت إدارة الحزب لجنة تنفيذية نظر أعضاؤها الأساسيون إلى هتلر باعتباره شخصية متغطرسة ومستبدة. وقام هؤلاء الأعضاء بتشكيل حلف مع مجموعة من الاشتراكيين في مدينة Augsburg. وأسرع هتلر بالعودة إلى ميونيخ وحاول مقاومة الهجمة الشرسة عليه بتقديم استقالته رسميًا من الحزب في 11 يوليو في عام 1920. وعندما أدرك هؤلاء الأعضاء أن خسارتهم لهتلر ستعني عمليًا نهاية الحزب، انتهز هتلر الفرصة وأعلن عن إمكانية عودته إلى الحزب شريطة أن يحل محل دريكسلر في رئاسة الحزب متمتعًا بالنفوذ المطلق فيه. وحاول أعضاء الحزب الحانقين (بما فيهم دريكسلر) الدفاع عن مكانتهم في بداية الأمر. وفي ذلك الوقت، ظهر كتيب مجهول المصدر يحمل عنوان "أدولف هتلر: هل هو خائن؟" (بالإنجليزية: Adolf Hitler: Is he a traitor?) ليهاجم تعطش هتلر للاستيلاء على السلطة وينتقد زمرة الرجال الملتفين حوله والذين يتميزون بالعنف. وردًا على نشر هذا الكتيب عنه في صحيفة تصدر في ميونيخ، أقام هتلر دعوى قضائية بسبب التشهير، وحظى في وقت لاحق بتسوية بسيطة معهم.

وتراجعت اللجنة التنفيذية لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني عن موقفها في نهاية الأمر واعترفت بهزيمتها، وتم التصويت بين أعضاء الحزب بشأن الموافقة على مطالب هتلر. وحصل هتلر على موافقة خمسمائة وثلاثة وأربعين صوتًا من أصوات الأعضاء في مقابل الرفض من صوت واحد فقط. وفي الاجتماع التالي لأعضاء الحزب الذي عقد في التاسع والعشرين من يوليو، 1921، تم تقديم أدولف هتلر بصفته فوهرر (بالألمانية: Führer) لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني؛ وهي المرة الأولى التي تم فيها الإعلان عن هذا اللقب على الملأ.

وبدأت الخطب التي كان هتلر يلقيها في النوادي التي كان يجتمع فيها أفراد الشعب الألماني ليهاجم بها اليهود والديقراطيين الاشتراكيين والليبراليين وأنصار الحكم الملكي الرجعيين والرأسماليين والشيوعيين تؤتي ثمارهاالمرجوة وتجذب إليه المزيد من المؤيدين. وكان من مؤيدي هتلر الأوائل: ردولف هس، والطيار السابق في القوات الجوية هيرمان جورينج وقائد الجيش ايرنست روم الذي أصبح بعد ذلك رئيسًا للمنظمة شبه العسكرية النازية المعروفة باسم SA (كتيبة العاصفة (بالألمانية: Sturmabteilung))التي تولت حماية الاجتماعات والهجوم على خصومه السياسيين. وكوّن هتلر جماعات مستقلة مشابهة مثل: جبهة العمل الألمانية (بالألمانية: Deutsche Werkgemeinschaft) والتي اتخذت من مدينة نورنبيرغ مقرًا لها. وكان يوليوس شترايشر رئيسًا لها، وشغل بعد ذلك منصب Gauleiter (قائد فرع إقليمي لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني) في منطقة Franconia. علاوةً على ذلك، لفت هتلر أنظار أصحاب المصالح التجارية المحليين، وتم قبوله في الدوائر التي كانت تتضمن أصحاب النفوذ في مجتمع مدينة ميونيخ. كما اقترن اسمه باسم القائد العسكري الذي كان ذائعًا في فترة الحرب الجنرال ايريك لودندورف.

إعادة بناء حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني

وفي الوقت الذي تم فيه إطلاق سراح هتلر، كان الموقف السياسي في ألمانيا قد بدأ يهدأ وأخذت الأحوال الاقتصادية في التحسن مما فرض قيودًا على فرص هتلر في الإثارة والتأليب. وبالرغم من أن انقلاب هتلر العسكري قد أكسبه بعض الشهرة على الصعيد القومي، فإن عماد الحزب الذي يترأسه هتلر ظل في مدينة ميونيخ.

وتم حظر نشاط حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني وأعضائه في بافاريا عقب فشل الانقلاب. وتمكن هتلر من إقناع هاينريش هيلد - رئيس وزراء بافاريا - بأن يرفع هذا الحظر مستندًا إلى مزاعمه التي أكد فيها على أن الحزب سيسعى الآن إلى الحصول على السلطة السياسية عبر القنوات الشرعية. وبالرغم من تفعيل رفع الحظر المفروض على حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني في 16 فبراير 1925، فإن هتلر قد جلب على نفسه حظرًا جديدًا نتيحةً لخطبة ملتهبة ألقاها تسببت في إثارة الشغب. ونظرًا لحرمانه من إلقاء الخطابات العامة، قام هتلر بتعيين جريجور شتراسر - الذي تم انتخابه في عام 1924 لعضوية الرايخستاج (البرلمان الألماني)- في منصب رئيس منظمة الرايخ (بالألمانية: Reichsorganisationsleiter)، ومنحه سلطة تنظيم الحزب في شمال ألمانيا. وسلك شتراسر - بالإضافة إلى شقيقه الأصغر اوتو وجوزيف جوبلز - مسلكًا بدأت استقلاليته في التزايد مع مرور الوقت ليؤكد بذلك على وجود العنصر الاشتراكي في برنامج الحزب. وأصبحت قيادة جبهة العمل الألمانية في فرعها الإقليمي في شمال غرب ألمانيا (بالألمانية: Arbeitsgemeinschaft der Gauleiter Nord-West) تشكل جبهة معارضة داخلية داخل الحزب لتهدد سلطة هتلر. ولكن، لحقت الهزيمة بهذه الزمرة المنشقة في مؤتمر بامبرج الذي عقد في عام 1926 والذي انضم جوبلز خلاله إلى هتلر.

وعقب هذا الصدام، زاد هتلر من مركزية سلطته في الحزب. وأكد على وجود منصب القائد الأساسي للحزب (نازية) (بالألمانية: Führerprinzip) كمنصب يجعل منه المسئول الأساسي عن تنظيم شئون الحزب. فلا يتم انتخاب القادة من قبل الجماعات التي يقومون بقيادتها، ولكن يقوم رؤساؤهم من ذوي المراكز الأعلى بتعيينهم ويكون لهم ايضًا الحق في مساءلتهم، بينما يتمتع هؤلاء القادة بالطاعة المطلقة ممن هم أقل منهم مركزًا. وتماشيًا مع ازدراء هتلر لفكرة الديمقراطية فقد جعل كل السلطة والنفوذ تنتقل من أعلى لأسفل.

وكان العامل الرئيسي في ازدياد شعبية هتلر بين الناس هو قدرته على استدعاء روح العزة الوطنية التي عرضتها معاهدة فيرساي للمهانة والتي فرضها الحلفاء الغربيون على الأمبراطورية الألمانية المهزومة. وخسرت ألمانيا جزءاً ذا أهمية اقتصادية من أراضيها في أوروبا إلى جانب مستعمراتها. واعترافًا منها بتحمل المسئولية الكاملة عن الحرب، وافقت على دفع مبلغًا ضخمًا يقدر إجماليًا بحوالي مائة واثنين وثلاثين مليار مارك ألماني من أجل إصلاحات الخسائر التي خلفتها الحرب. واستاء معظم الألمان في مرارة من بنود المعاهدة، ولكن كانت المحاولات السابقة التي قام بها النازيون للحصول على تأييد الشعب الألماني بإلقاء اللوم على "الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم" غير مقبولة بين جمهور الناخبين. وسرعان ما تعلم الحزب الدرس، فبدأ دعاية ماهرة تمزج بين معاداة السامية والهجوم على الأخطاء التي قام بها "نظام فايمار" والأحزاب السياسية الموالية له.

وبعد فشل الانقلاب الذي قاده هتلر للإطاحة بجمهورية فايمار، انتهج هتلر "استراتيجية الشرعية": وهي تعني الامتثال الرسمي لمبادئ جمهورية فايمار حتى يتولى زمام الحكم بصفة قانونية. ومن ثم، يمكنه استغلال المؤسسات التابعة لجمهورية فايمار للتخلص من هذه الجمهورية وتنصيب نفسه ديكتاتوراً على البلاد. وقد عارض بعض أعضاء الحزب، لاسيما ممثلي كتيبة العاصفة شبه العسكرية، هذه الاستراتيجية التي انتهجها هتلر. وسخر روم وآخرون من هتلر وأطلقوا عليه اسم أدولف الشرعي

بداية الحرب العالمية الثانية:
كانت هناك ضرورة حتمية من وجهة نظر هتلر - من منطلق منهجه في معاداة بريطانيا - لضم بولندا إلى جانب ألمانيا باعتبارها دولة تابعة أو حتى دولة محايدة في هذا الصراع. واعتقد هتلر أن تحقيق ذلك يمثل ضرورة على الصعيد الاستراتيجي من ناحية لأنه يضمن تأمين الجانب الشرقي للرايخ، وعلى الصعيد الاقتصادي من ناحية أخرى لتجنب الأثر السلبي للحصار البريطاني[77]. وكان طموح ألمانيا في المقام الأول ينصب على تحويل بولندا إلى دولة تابعة لها، ولكن مع حلول مارس من عام 1939 وعندما رفضت بولندا المطالب الألمانية ثلاث مرات، عقد هتلر عزمه على تدمير بولندا تنفيذًا للهدف الرئيسي للسياسة الخارجية لألمانيا في عام 1939[97]. وفي الثالث من أبريل لعام 1939، أمر هتلر قواته العسكرية ببدء التجهيز للمخطط المعروف باسم غزو بولندا (بالألمانية: Fall Weiss)؛ وهو مخطط يقضي بتنفيذ الغزو الألماني في الخامس والعشرين من أغسطس في عام 1939. وفي أغسطس من عام 1939، تحدث هتلر مع قادته العسكريين عن خطته الرئيسية لعام 1939 فقال: "إقامة علاقة مقبولة بين ألمانيا وبولندا من أجل محاربة الغرب". ولكن نظرًا لأن البولنديين لن يقبلوا بالتعاون مع ألمانيا من أجل إقامة "علاقة مقبولة" (بمعنى أن يوافقوا على أن تصبح بولندا دولة تابعة لألمانيا)، فقد رأى هتلر أنه لن يكون هناك بديل عن محو بولندا من الوجود [98]. وقد أوضح المؤرخ جيرهارد فاينبرج أن شعب هتلر كان يشتمل على مجموعة تؤمن بفكرة تدمير بولندا (فقد كانت المشاعر المعادية لبولندا قوية جدًا في الجيش الألماني)، ولكنهم كانوا أقل رضا عن فكرة الدخول في حرب مع بريطانيا وفرنسا. فإذا كان هذا هو الثمن الذي يجب أن تدفعه ألمانيا من أجل تدمير بولندا، سيكون هتلر قد نجح على الأرجح بخطته تلك في التعبير عما يريده شعبه. وفي مناقشاته الخاصة مع أعوانه، كان هتلر دائمًا ما يصف بريطانيا بأنها العدو الأساسي لألمانيا الذي يجب أن تلحق به الهزيمة. ومن وجهة نظره، كان محو بولندا من الوجود مقدمة ضرورية يجب أن تتم حتى يتمكن من تحقيق الهدف الذي يسعى إليه وهو تأمين الجانب الشرقي من بلاده وإضافة المزيد إلى المجال الحيوي لألمانيا. وشعر هتلر بالإهانة البالغة من "الوعد" الإنجليزي بحماية الاستقلال البولندي الذي تم الإعلان عنه في الحادي والثلاثين من شهر مارس في عام 1939، وأخبر معاونيه أنه "سيسقي البريطانيين من مر الكأس حتى يستجيروا" [85]، وفي خطابه الذي ألقاه في مدينة فيلهيلمسهافن (بالألمانية: Wilhelmshaven) بمناسبة تدشين البارجة "Admiral Tirpitz" في الأول من أبريل من عام 1939، هدد هتلر بإلغاء المعاهدة البحرية بين بريطانيا وألمانيا إذا أصر البريطانيين على "سياسة التطويق" والتي تتمثل في "ضمانهم" للاستقلال البولندي[85]. وكجزء من منهجه الجديد، أبدى هتلر تبرمه في خطاب ألقاه أمام الرايخستاج في الثامن والعشرين من أبريل في عام 1939 من "سياسة التطويق" التي تستعملها بريطانيا مع ألمانيا، وأعلن إلغاء كل من المعاهدة البحرية بين بريطانيا وألمانيا ومعاهدة عدم الاعتداء الألمانية البولندية.

ولإيجاد ذريعة للاعتداء على بولندا، طالب هتلر بضم مدينة دانزيج (بالألمانية: Danzig) التي تتمتع بالحكم الذاتي، وكذلك بحقه في إنشاء طرق "إقليمية إضافية" عبر الممر البولندي الذي تم اقتطاعه من ألمانيا رغمًا عنها بموجب معاهدة فرساي. وبالنسبة لهتلر، كانت مدينة دانزيج مجرد ذريعة لتبرير اعتدائه على بولندا تمامًا كما فعل في حالة منطقة ستودينتلاند في عام 1938 وطوال عام 1939. وبينما تم تسليط الضوء على قضية Danzig كأحد شكاوى الألمان، كان الألمان عادةً ما يرفضون الدخول في مناقشات حول هذه القضية[99]. وهكذا، ظهر تعارض ملحوظ في مخططات هتلر بين منهجه طويل الأجل المعادي لبريطانيا - الذي أعد له العدة بالتوسع لحد كبير في "القوات البحرية الألمانية" "والقوات الجوية الألمانية" والذي كان سيستلزم سنوات عديدة حتى يكتمل - وبين سياسته الخارجية الحالية التي انتهجها على مدار عام 1939 والتي كانت ستؤدي على الأرجح إلى اندلاع حرب عامة إثر القيام بأعمال مثل الاعتداء على بولندا[100][101]. واستطاع هتلر أن يتغلب على التمزق الذي كان يعاني منه بين أهدافه قصيرة الأجل وأهدافه طويلة الأجل بمساعدة وزير الخارجية ريبنتروب، الذي أخبر هتلر بأن فرنسا وبريطانيا لن يلتزما بوعودهما تجاه بولندا، وبالتالي ستكون أي حرب بين ألمانيا وبولندا حربًا إقليمية محدودة.وأرجع ريبنتروب تقديره للموقف بشكل جزئي إلى إحدى العبارات التي زعم أن وزير الخارجية الفرنسي جورج بونيت، قد قالها له في ديسمبر من عام 1938 عندما أخبره أن فرنسا الآن تنظر إلى أوروبا الشرقية باعتبارها منطقة نفوذ تخضع لألمانيا وحدها [102]. علاوةً على ذلك، كان منصب ريبنتروب السابق كسفير لألمانيا في لندن سببًا جعل هتلر ينظر إليه باعتباره الخبير النازي الأول في الشئون البريطانية؛ وبالتالي كان لنصيحته عند هتلر وزنها وأهميتها. كذلك، أطلع ريبنتروب هتلر على البرقيات الدبلوماسية التي تدعم تحليله فقط دون غيرها من البرقيات التي لا تساند تحليله[103].

كما أن السفير الألماني في لندن هيربرت فون ديركسن، عمد إلى إرسال تقارير من شأنها دعم تحليل ريبنتروب مثل الرسالة التي حملها موفده في أغسطس من عام 1939 والتي ورد فيها أن نيفيل تشامبرلين يعلم أن "الهيكل الاجتماعي لبريطانيا لن يتحمل الفوضى الناجمة عن الحرب حتى وإن انتصر فيها بالرغم من إيمانه بفكرة الإمبراطورية البريطانية" وبالتالي سيتراجع عن فكرة الحرب[104]. ويمكن ملاحظة الدرجة التي تأثر بها هتلر بنصيحة ريبنتروب من خلال أوامره التي أصدرها ٍإلى الجيش الألماني في الحادي والعشرين من أغسطس في عام 1939 بإعلان حالة تعبئة محدودة ضد بولندا وحدها[105]. واختار هتلر آخر أغسطس كموعد لتنفيذ مخطط Fall Weiss وذلك للحد من الأثر السلبي لإعلان حالة التعبئة على الإنتاج الزراعي الألماني[106]. وكانت المشكلات التي نجمت عن الحاجة لبدء الحملة على بولندا في آخر أغسطس أو بدايات سبتمبر حتى يتم الانتهاء منها قبل موسم هطول الأمطار في شهر أكتوبر، وكذلك حتى تحصل القوات الألمانية على قدر كافِ من الوقت حتى تستطيع الاحتشاد على الحدود البولندية وقد فرضت على هتلر وضعاً وجد نفسه فيه في أغسطس من عام 1939 في أمس الحاجة لتعاون السوفيت معه إذا كان يريد أن يدخل الحرب في هذا العام.

وكانت معاهدة ميونيخ كافية لتبديد آخر أمل تبقى لدى بعض الدوائر السوفيتيية بالاعتقاد في فكرة "معاهدة الأمن الجماعي" [107]، وفي الثالث والعشرين من أغسطس في عام 1939، وافق جوزيف ستالين على عرض هتلر لإبرام اتفاقية عدم اعتداء (معاهدة مولتوف-ريبنتروب)؛ وهي المعاهدة التي نصت بنودها السرية على الاتفاق على تقسيم بولندا. وتعتبر الأسباب التي تقف وراء خيارات هتلر في مجال السياسة الخارجية في عام 1939 من أهم الموضوعات التاريخية التي يثور الجدال بشأنها. فهناك رأي يقول بإن الأزمة المتعلقة بالبنية الاقتصادية للبلاد هي التي دفعت هتلر لأن "يهرب منها إلى الحرب"؛ وذلك كما يرى المؤرخ الماركسي تيموثي ماسون. وهناك رأي آخر يقول بإن تصرفات هتلر كانت متأثرة بدرجة أكبر بعوامل غير اقتصادية؛ وهو الرأي الذي يتنباه المؤرخ الاقتصادي ريتشارد أوفري[108]. والمؤرخون الذين تجادلوا بهذا الشأن مثل: ويليام كار وجيرهارد فاينبرج وايان كيرشو يعتقدون أن أحد الأسباب غير الاقتصادية التي أدت بهتلر إلى أن يتعجل دخول الحرب هي الخوف المرضي الذي كان يستحوذ عليه من فكرة دنو أجله؛ وبالتالي الشعور بعدم وجود الكثير من الوقت أمامه لتنفيذ طموحاته[109][110]. وفي آخر أيام السلام، كان هتلر يتأرجح بين التصميم على محاربة القوى الغربية إذا اضطرته الظروف، وبين العديد من المخططات التي كانت تهدف لإبعاد بريطانيا عن دائرة الحرب. ولكن، على أي حال ما كان هتلر ليتراجع عن هدفه بغزو بولندا[77][111]. وكانت الأسباب التي نجحت في إقناع هتلر بإرجاء الهجوم المقرر على بولندا لفترة قصيرة من تاريخ الخامس والعشرين من أغسطس وحتى لأول من سبتمبر هي تلك الأخبار التي وردت إليه بتوقيع تحالف إنجليزي بولندي في الخامس والعشرين من شهر أغسطس رداً على معاهدة عدم الاعتداء الألمانية الروسية (وذلك بدلاً من توطيد الصلات بين لندن ووارسو كما تنبأ ريبنتروب)، بالإضافة إلى الأخبار التي وردت إليه من إيطاليا بأن موسوليني لن يلتزم بالميثاق المعروف باسم ميثاق الصداقة والتحالف بين ألمانيا وايطاليا (بالإنجليزية: Pact of Steel) (بالألمانية: Stahlpakt) (بالإيطالية: Patto d'Acciaio)[112]. واختار هتلر أن يقضي أيام السلام الأخيرة إما في مراوغة البريطانيين ومحاولة تحييدهم عن طريق "ضمان الحماية وعدم الاعتداء" الذي تقدم به في الخامس والعشرين من شهر أغسطس في عام 1939 إلى الامبراطورية البريطانية أو في إرسال ريبنتروب إلى هندرسون بخطة للسلام في اللحظات الأخيرة قبل نشوب الحرب بشرط زمني يستحيل قبوله حتى يتمكن من إلقاء اللوم على البريطانيين والبولنديين للتسبب في نشوب الحرب[113][114]. وفي الأول من سبتمبر من عام 1939، قامت ألمانيا باجتياح غرب بولندا. وأعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا في الثالث من سبتمبر، ولكن لم تتخذا إجراءات فورية لتفعيل هذا الإعلان. وكان أكثر ما أثار استياء ودهشة هتلر هو تلقيه إعلان الحرب البريطاني في الثالث من سبتمبر من عام 1939، فالتفت إلى ريبنتروب وسأله: "ماذا سنفعل الآن؟"[115]. ولم يكن لدى ريبنتروب ما يقوله سوى أن السفير الفرنسي روبرت كولوندر، قد يقوم في وقت لاحق في هذا اليوم بتقديم الإعلان الفرنسي للحرب على ألمانيا[115]. ولم يمر وقت طويل حتى قامت القوات الروسية باجتياح شرق بولندا في السابع عشر من سبتمبر[

وبعد سقوط بولندا، كانت هناك فترة زمنية أطلق عليها الصحفيون الحرب الزائفة. وفي جزء يقع في الشمال الغربي لبولندا تم ضمه إلى ألمانيا، أوكل هتلر إلى اثنين ممن يحملون رتبة (Gauleiters) (القائدين النازيين الإقليميين المسئولين عن تلك المنطقة) وهما: ألبرت فورستر وأرتر جرايسر مهمة "مد سطوة اللغة والبشر والحضارة الألمانية" إلى هذه المنطقة، ووعدهما بأنهما "لن يكونا عرضة للمساءلة من أي إنسان أو جهة" عن الطريقة التي تتم بها عملية "فرض السطوة الألمانية"[118]. وقد قام كل من فورستر وجرايسر بتفسير هذه الأوامر من منظوره الشخصي. فقد اتبع فورستر سياسة بسيطة تتمثل في جعل البولنديين المحليين يقومون بالتوقيع على نماذج مطبوعة توضح أنهم من أصل ألماني دون الحاجة إلى تقديم وثائق تثبت ذلك. وفي نفس الوقت، قام جرايسر بحملة تطهير عرقي وحشية؛ فقد قام بطرد كل السكان البولنديين المحليين إلى المنطقة الواقعة تحت الاحتلال العسكري الألماني في بولندا[119]. عندئذ، اشتكى جرايسر إلى هتلر - وتلاه هيملر في شكواه - من أن فورستر يقبل آلاف البولنديين كمواطنين ألمان "من أصل ألماني"؛ الأمر الذي يعني تلويث "النقاء العرقي" الألماني. وطلب الاثنان من هتلر أن يأمر فورستر بالتوقف عما يفعله. فما كان من هتلر إلا أن رد عليهما بأن عليهما أن يقوما بتسوية خلافاتهما مع فورستر وألا يقحماه في الموضوع[120]. وتعتبر الطريقة التي تعامل بها هتلر مع المشكلة التي نشبت بين فورستر وجرايسر نموذجاً يبرهن على نظرية ايان كيرشو التي وردت في كتاب “Working Towards the Führer”؛ وهي أن هتلر كان يصدر أوامر غامضة ويسمح لمعاونيه أن يعملوا وفق سياسات خاصة بهم وحدهم.

وبعد غزو بولندا، نشب خلاف كبير آخر بين قوتين مختلفتين؛ تركزت الأولى حول اثنين من ضباط وحدات النخبة النازية الذين كانا يحملان رتبة SS Reichsfüherer وهما هاينريش هيملر وآرتر جرايسر؛ وكانا يناصران وينفذان خططًا للتطهير العرقي في بولندا. بينما تركزت الثانية حول هيرمان جورينج وهانز فرانك وطالبت بتحويل بولندا إلى "مخزن غلال" الرايخ [121]. وتم تسوية هذا الخلاف في مؤتمر تم عقده في الثاني عشر من فبراير في عام 1940 في ضيعة كارينهول (بالألمانية: Karinhall) المملوكة لجورينج. وقد تم حسم الخلاف لصالح وجهة نظر جورينج وفرانك القائمة على الاستغلال الاقتصادي لبولندا، وووضع حد لعملية الترحيل الجماعي التي تتم للسكان البولنديين نظرًا لأنها تعوق النمو الاقتصادي الألماني. علاوةً على ذلك، وفي الخامس عشر من مايو من عام 1940 قام هيملر بعرض مذكرة على هتلر بعنوان" أفكار للتعامل مع السكان الغرباء في الشرق" (بالإنجليزية: Some Thoughts on the Treatment of Alien Population in the East)؛ وكانت هذه المذكرة تطالب بطرد كل السكان اليهود من أوروبا إلى أفريقيا، وتحويل ما تبقى من السكان البولنديين إلى "طبقة عاملة بلا قائد". وقد علق هتلر عن المذكرة بأنها "جيدة وصائبة". وأدى تعليق هتلر على المذكرة إلى الإسراع بتنفيذ خطوات ما أطلق عليه اتفاقية كارينهول، كما أدى إلى انتصار وجهة النظر التي تبناها هاينريش هيملر وجرايسر في التعامل مع بولندا.

واستمرت بريطانيا - التي كانت قواتها قد قامت بمغادرة فرنسا عن طريق البحر من ميناء دونكيرك (بالفرنسية: Dunkerque) - في القتال جنبًا إلى جنب مع المناطق الأخرى الخاضعة لها في معركة الأطلسي. وبعد رفض البريطانيين - الذين أصبحوا الآن تحت قيادة وينستون تشرشل - عروض السلام التي قدمها هتلر.أمر هتلر بشن غارات قصف على المملكة المتحدة. وكانت معركة بريطانيا هي المقدمة التي تسبق الغزو الذي خطط له هتلر. وبدأت الهجمات بالضرب العنيف للقواعد الجوية ومحطات الرادار التي تحمي شمال شرق بريطانيا والتابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية. وبالرغم من ذلك، فشلت القوات الجوية الألمانية في هزيمة القوات الجوية الملكية البريطانية. وفي السابع والعشرين من سبتمبر في عام 1940، وقع المعاهدة ثلاثية الأطراف في برلين كل من؛ سابيرو كوروسو من الإمبراطورية اليابانية وهتلر وتشانو. وكان الغرض من توقيع هذه المعاهدة ثلاثية الأطراف - والتي كانت موجهة ضد قوة لم يتم التصريح على الرغم من أنه كان واضحًا إنها الولايات المتحدة - هو ردع الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم البريطانيين. وتوسعت المعاهدة بعد ذلك لينضم إليها كل من: المجر ورومانيا وبلغاريا. وعرفت الدول الموقعة على هذه المعاهدة إجمالاً باسم تحالف دول المحور. وبنهاية شهر أكتوبر من عام 1940، لم تكن السيادة الجوية الألمانية بعد عملية أسد البحر (بالإنجليزية: Operation Sealion) (عملية أسد البحر؛ الخطة الألمانية لغزو المملكة المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية) قد تأكدت. وأمر هتلر بالقصف - الذي كان يتم في الليل في معظم الأحيان - للمدن البريطانية، وشملت هذه المدن: لندن وبليموث وكوفينتري.

الطريق إلى الهزيمة:
في الثاني والعشرين من شهر يونيو في عام 1941، قام ثلاثة ملايين جندي من القوات الألمانية بمهاجمة الإتحاد السوفيتي ضاربين بمعاهدة عدم الاعتداء التي وقعها هتلر مع ستالين منذ عامين عرض الحائط. وتعتبر الأسباب التي دعت هتلر إلى غزو الإتحاد السوفيتي من الموضوعات التي ثار بشأنها جدلاً تاريخيًا كبيرًا. وقد تم إطلاق اسم رمزي على هذا الغزو وهو عملية بارباروسا. وقد صرح بعض المؤرخين مثل أندريس هيلجروبر أن هذه العملية لم تكن إلا "خطوة مرحلية" ضمن خطة هتلر التي أطلق عليها اسم "خطة الخطوات المرحلية" (بالألمانية: Stufenplan) والتي كانت تستهدف إخضاع العالم. ويعتقد هيلجروبر أن هتلر قد وضع هذه الخطة في سنوات العشرينات من القرن العشرين[122]. وعلى صعيد آخر، يرى مؤرخون آخرون مثل: جون لوكاكس أن هتلر لم يكن لديه أبدًا خطة مرحلية لإخضاع العالم، وأن غزو الإتحاد السوفيتي كان خطوة "قام بها هتلر لغرض معين" بعد أن رفضت بريطانيا الاستسلام[123]. وقد صرح لوكاكس أن السبب الذي صرح به هتلر في حديث خاص لغزو الإتحاد السوفيتي كان بالتحديد أن وينستون تشرشل قد علق الأمل على اشتراك الإتحاد السوفيتي في الحرب إلى جانب قوات الحلفاء، ومن ثم وجد هتلر أن الطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يجبر بريطانيا على الاستسلام هي القضاء على هذا الأمل. وكان ذلك هو السبب الحقيقي الذي دفع هتلر إلى تنفيذ هذه العملية[123]. ومن وجهة نظر لوكاكس، فإن عملية غزو الاتحاد السوفيتي كانت من هذا المنطلق خطوة قام بها هتلر أساسًا ضد بريطانيا لإجبارها على أن تسعى للسلام معه عن طريق تدمير أملها الوحيد في النصر، فلم تكن هذه الخطوة - في حقيقة الأمر - ضد الإتحاد السوفيتي. ويعتقد كلاوس هيلدبراند أن كل من ستالين وهتلر كان يخطط منفرداً للهجوم على الآخر في عام 1941[124]. ويرى هيلدبراند أيضًا أن الأخبار التي انتشرت في ربيع عام 1941 عن احتشاد القوات السوفيتية على الحدود أدت إلى اشتراك هتلر في خطة الفرار إلى الأمام (بالألمانية: flucht nach vorn) (وتعني مجابهة الخطر عن طريق الهجوم بدلاً من الانسحاب)[124]. وتوجد طائفة أخرى من المؤرخين تضم مجموعة متنوعة منهم مثل: فيكتور سافوروف ويواشيم هوفمان وارنست نولت ودافيد ايرفينج تعتقد أن السبب الرسمي الذي صرح به الألمان لقيامهم بعملية غزو الإتحاد السوفيتي في عام 1941 هو السبب الفعلي وراء هذه العملية؛ وبهذا تكون هذه العملية "حرب وقائية" وجد هتلر نفسه مجبرًا على الدخول فيها لتفادي هجوم سوفيتي كان سيعوقه عن تحقيق أحلامه؛ ذلك الهجوم الذي كان مقررًا له أن يتم في يوليو من عام 1941. وتعرضت هذه النظرية لهجوم كبير وتم وصفها بإنها خاطئة؛ وقد قام المؤرخ الأمريكي جيرهارد فاينبرج بتشبيه المدافعين عن نظرية الحرب الوقائية بمن يؤمنون في "الحكايات الخرافية"[125].

واستولت القوات الألمانية في غزوها على أجزاء كبيرة من الأراضي التي شملت، دول البلطيق وروسيا البيضاء وأوكرانيا. كذلك، حاصرت القوات الألمانية الكثير من القوات السوفيتية ودمرتها، وهي القوات التي أصدر ستالين أوامره إليها بعدم الانسحاب. وبالرغم من ذلك، فقد وجدت القوات الألمانية نفسها مجبرة على التوقف قبيل تمكنها من دخول موسكو مباشرةً في ديسمبر من عام 1941 بسبب الشتاء الروسي القارس والمقاومة السوفيتية العنيفة. وفشل الغرو في تحقيق النصر السريع الذي كان هتلر يريده. وفي الثامن عشر من شهر ديسمبر من عام 1941، سجل هاينريش هيلمر الذي كان يحمل رتبة Reichsführer-SS في وحدات النخبة النازية في الدفتر الذي كان يدون فيه تفاصيل المقابلات التي يقوم بها سؤاله إلى هتلر، "ماذا سنفعل مع يهود روسيا؟" وكانت إجابة هتلر على السؤال: "als Partisanen auszurotten" أو "قم بإبادتهم على أنهم أعضاء القوات غير النظامية التي تزعج القوات الألمانية المحتلة بشن الغارات المتكررة عليها"[126]. ويعلق المؤرخ الإسرائيلي يهودا باوير على هذا الموضوع بأنه يمكن اعتبار الملحوظة التي سجلها هيلمر في دفترة هي أقوى الدلائل التي يمكن العثور عليها لإثبات الأمر الصريح الصادر من هتلر بإنشاء الهولوكست
وقد وضع إعلان هتلر الحرب على الولايات المتحدة في الحادي عشر من ديسمبر في عام 1941 بعد أربعة أيام من قيام الإمبراطورية اليابانية بالهجوم على ميناء بيرل هاربور في هاواي، وبعد ستة أيام من اقتراب القوات النازية الألمانية من موسكو في مواجهة ائتلاف ضم أكبر إمبراطورية في العالم ممثلة في الإمبراطورية البريطانية، وأكبر قوة صناعية ومالية في العالم ممثلة في الولايات المتحدة، وأكبر جيش في العالم ممثلاً في الإتحاد السوفيتي.

وفي أواخر عام 1942، لحقت الهزيمة بالقوات الألمانية في معركة العلمين الثانية؛ الأمر الذي وضع حدًا لمحاولة هتلر الاستيلاء على قناة السويس والشرق الأوسط. وفي فبراير من عام 1943، انتهت معركة ستالينجراد الهائلة بتدمير الجيش السادس الألماني. وبعد ذلك، وقعت معركة كورسك الهائلة. وأصبحت قرارات هتلر العسكرية غريبة الأطوار بشكل متزايد، وأخذ الوضع العسكري والاقتصادي لألمانيا في التدهور. كذلك، تدهورت حالة هتلر الصحية. فقد كانت يده اليسرى ترتجف. ويعتقد ايان كيرشو الذي كتب السيرة الذاتية لهتلر وآخرون أن هتلر ربما يكون قد عانى من مرض الشلل الرعاش[127]. كما يشتبه في أن يكون مرض الزهري سببًا في بعض الأعراض المرضية التي ظهرت على هتلر بالرغم من أن الدليل المتوافر على صحة هذا الاعتقاد ضعيف[128].

ويعد اجتياح قوات الحلفاء لصقلية عملية هاسكي في عام 1943، تم عزل موسوليني من قبل بييترو بادوليو الذي أعلن استسلامه لقوات الحلفاء. وطوال عامي 1943 و1944، كانت القوات السوفيتية تجبر جيوش هتلر على الانسحاب بكل ثبات على طول الجبهة الشرقية. وفي السادس من يونيو من عام 1944، تمت عملية إنزال جيوش الحلفاء الغربيون في شمالي فرنسا في واحدة من أكبر العمليات البرمائية التي حدثت في تاريخ العسكرية؛ وهي العملية التي تعرف باسم عملة القائد الأعلى (بالإنجليزية: Operation Overlord). وكان أصحاب الرؤية الواقعية في الجيش الألماني يعرفون أن الهزيمة حتمية، وخطط البعض منهم لإقصاء هتلر عن السلطة. وفي يوليو من عام 1944، قام كلاوس فون شتاوفينبرج بزرع قنبلة في مركز قيادة الفوهرر هتلر المعروف باسم وكر الذئب (بالألمانية: Wolfsschanze) في رستنبورج (بالألمانية: Rastenburg) ولكن هتلر نجا من الموت بأعجوبة. وأصدر هتلر أوامره بالقيام بعملية انتقام وحشية تم فيها تنفيذ حكم الإعدام في أكثر من أربعة آلاف وتسعمائة شخص[129]. الأمر الذي تم أحيانًا عن طريق التجويع في الحبس الانفرادي الذي يعقبه التعرض البطئ للاختناق. وتم القضاء على حركة المقاومة الرئيسية بالرغم من أن بعض المجموعات المتفرقة الأصغر حجمًا استمرت في محاولاتها.

الهزيمة والموت:
وبحلول نهاية عام 1944 كان الجيش الأحمر قد أجبر الألمان على التراجع إلى أوروبا الوسطى، وكانت قوات الحلفاء الغربيون تتقدم صوب ألمانيا. وأدرك هتلر أن ألمانيا قد خسرت الحرب، ولكنه لم يسمح بالانسحاب. وتمنى هتلر أن يقوم بالتفاوض المنفرد من أجل السلام مع الأمريكيين والبريطانيين؛ وهو الأمل الذي دعمه وفاة فرانكلين دي روزفلت في الثاني عشر من أبريل من عام 1945[130][131][132][133]. وسمح عناد هتلر واستخفافه بأخذ الحقائق العسكرية في الاعتبار باستمرار الهولوكوست. كما أصدر هتلر أوامره بالتدمير الكامل لكل البنية التحتية الصناعية الألمانية قبل أن تقع في أيدي قوات الحلفاء. وقال أن فشل ألمانيا في الفوز بالحرب أدى إلى خسارتها لحقها في البقاء[134]. وهكذا، قرر هتلر أن الأمة بأسرها يجب أن تنتهي معه. وعهد هتلر بتنفيذ خطة الأرض المحروقة (تدمير كل ما يمكن أن ينفع العدو قبل الانسحاب من الأرض) إلى وزير التسلح ألبرت سبير الذي لم يطع أمر قائده.

وفي أبريل من عام 1945، هاجمت القوات السوفيتية ضواحي مدينة برلين. ووجد هتلر نفسه في وضع يجبره فيه مطاردوه على الفرار إلى جبال بافاريا ليتمكن من مواجهتهم في جولة أخيرة في المعقل الوطني الذي لجأت إليه الفلول المتبقية من القوات. ولكن هتلر كان مصممًا على أن يعيش في عاصمة بلاده أو يهلك فيها.

وفي العشرين من أبريل، احتفل هتلر بعيد ميلاده السادس والخمسين في "قبو الفوهرر" (بالألمانية: Führerbunker) الذي كان موجودًا أسفل مستشارية الرايخ (بالألمانية: Reichskanzlei). وقام قائد الحامية المحاصرة في "حصن بريسلو (بالألمانية: Festung Breslau) الجنرال هيرمان نيهوف، بتوزيع الشيكولاتة على القوات المحاصرة احتفالاً بذكرى ميلاد القائد[135].

وفي 21 أبريل من عام 1945، استطاعت قوات جورجي جوكوف؛ قوات جبهة روسيا البيضاء الأولى أن تخترق دفاعات الفرقة العسكرية (بالألمانية: Vistula) التابعة لقوات الدفاع الألمانية بقيادة الجنرال جوتهارد هاينريكي أثناء معركة مرتفعات سي لو. وكان السوفيت في هذا الوقت يتقدمون صوب قبو هتلر دون مقاومة تذكر. ومتجاهلاً الحقائق الواضحة، رأى هتلر أن الخلاص من ورطته قد يكون في الوحدات المتداعية للسقوط بقيادة الجنرال فليكس شتاينر. وأصبحت القوات التي يقودها شتاينر معروفة باسم جيش شتاينر المستقل (بالألمانية: Armeeabteilung Steiner). ولكن، لم يكن "لجيش شتاينر المستقل" أي وجود إلا فوق الورق الذي تسطر فوقه الخطط العسكرية. وقد كان هذا الجيش أكبر قليلاً من فيلق، ولكنه كان أصغر من أن يطلق عليه جيش. وأصدر هتلر أوامره إلى شتاينر بمهاجمة الجناح الشمالي من الجزء البارز الضخم في الخط الدفاعي الألماني الذي نجحت قوات جبهة روسيا البيضاء الأولى بقيادة جوكوف في اختراقه. وفي هذه الأثناء، صدرت الأوامر إلى الجيش التاسع الألماني (الذي كان قد أجبر على التحرك إلى جنوب الجزء الذي نجحت قوات المعادية في اختراقه) بمهاجمة الشمال في هجوم يمكن وصفه بإنه هجوم كماشة.

وفي وقت لاحق في الحادي والعشرين من أبريل، أجرى هاينريكي اتصالاً مع هانز كربس - قائد القيادة العليا للجيش (بالألمانية: Oberkommando des Heeres) أو OKH - ليخبره أن خطة هتلر غير قابلة للتنفيذ. وطلب هاينريكي أن يتحدث إلى هتلر، ولكن كربس أخبره أن هتلر مشغول للغاية ولا يستطيع أن يتلقى هذا الاتصال.

وفي الثاني والعشرين من أبريل، وأثناء واحدة من مؤتمراته العسكرية الأخيرة قام هتلر بمقاطعة التقرير الذي كان يتلى عليه ليسأل عن مصير خطة الجنرال شتاينر الهجومية. وكان الرد هو فترة من الصمت الطويل خيمت على الاجتماع. وبعدها، أخبروه بإن الهجوم لم يتم تنفيذه وأن انسحاب وحدات عديدة من جيش شتاينر من برلين – بناءً على أوامر هتلر – أدى إلى ضعف الجبهة وبالتالي نجاح الروس في الدخول إلى برلين. عندها طلب هتلر من جميع الحاضرين - عدا فيلهلم كايتل وهانز كربس وألفريد يودل وفيلهلم برجدورف ومارتن بورمان – مغادرة غرفة الاجتماعات[136]. ثم انفجر فيمن تبقى من حاضري الاجتماع بخطبة مسهبة وعنيفة مندداً بما اعتبره خيانة متعمدة لأوامره وعدم كفاءة من جانب قادته. واختتم كلامه بأن أقسم على أن يبقى في برلين على رأس القوات المدافعة عن المدينة، ثم يطلق النار على نفسه بعد ذلك[137].

وقبل أن ينتهي ذلك اليوم، وجد هتلر أن سبيل النجاة الوحيد أمامه يتمثل في تنفيذ خطة جديدة يستعين فيها بقوات الجيش الثاني عشر بقيادة الجنرال فالتر فنك[138]. وكان الخطة تقتضي أن يقوم فنك بتحويل جيشه – الذي كان يواجه القوات الأمريكية في الغرب حينها – إلى ناحية الشرق لتحرير برلين. وهكذا، يلتحم الجيش الثاني عشر مع الجيش التاسع لاقتحام المدينة[138].

وقام فنك بالفعل بالهجوم، وفي غمار الفوضى استطاع أن يقوم باتصال مؤقت مع حامية بوتسدام. ولكن، لم ينجح بالمرة في الاتصال بالجيش التاسع - كما كان مقررًا في الخطة أصلاً.[139]

وفي الثالث والعشرين من أبريل، ألقى جوزيف جوبلز بالبيان التالي أمام أهل برلين:






أدعوكم للقتال من أجل مدينتكم. حاربوا بكل ما أوتيتم من قوة، من أجل زوجاتكم وأطفالكم، وأمهاتكم وآبائكم. إن أسلحتكم تدافع عن كل ما هو عزيز عليكم، إنها تدافع عن الأجيال التي ستخلفنا. كونوا أعزاء شجعان! كونوا مبدعين وماكرين! (غوليتر) بينكم. وسيظل مع رفاقه معكم. إن زوجته وأطفاله معكم أيضا. إن من سيطر على المدينة بمئتي رجل فحسب، سيستخدم اليوم كل وسيلة لتمكني دفاعات المدينة. ‘ن معركة برلين يجب أن تكون إشارة للأمة جمعاء كي تنهض وتقاتل.[136]

—جوزيف جوبلز، 23 أبريل، برلين


وفي الثالث والعشرين من أبريل أيضًا، قام الرجل الثاني في حكومة الرايخ الثالث وقائد القوات الجوية هيرمان جورينج، بإرسال برقية من منطقة بيرتشتيسغادين (بالألمانية: Berchtesgaden) في بافاريا. وصرح فيها بأنه بعد أن تم حصار هتلر في برلين، فإنه يطالب بتولي حكم ألمانيا خلفًا لهتلر الذي كان قد اختاره لتولي هذا المنصب خلفًا له من قبل. وذكر جورينج فترة زمنية معينة يتم بعدها اعتبار هتلر غير مؤهل للبقاء في الحكم[140]. ورد هتلر - في حنق - بإصدار أوامره بالقبض على جورينج. وعندما كتب وصيته في التاسع والعشرين من أبريل، أعفى جورينج من كل المناصب التي كان يتقلدها في الحكومة

ومع انقضاء يوم السابع والعشرين من شهر أبريل، كانت برلين قد انعزلت تمامًا عن باقي الرايخ.

وفي الثامن والعشرين من أبريل، اكتشف هتلر أن قائد وحدات النخبة النازية هاينريش هيلمر، كان يحاول مناقشة شروط الاستسلام مع الحلفاء (عن طريق الدبلوماسي السويدي كونت فولك بيرنادوت)[143]. وأصدر هتلر أوامره بإلقاء القبض على هيلمر، كما أمر بإطلاق النار على نائب هيلمر في برلين هيرمان فيجلاين[141][144].

وفي مساء الثامن والعشرين من أبريل، صرح الجنرال فينك بأن جيشه الثاني عشر قد تم إجباره على التراجع على طول جبهة القتال. وأضاف إنه لم يعد من الممكن القيام بأية هجمات أخرى على برلين. ولم يبلغ الجنرال ألفريد يودل (القائد الأعلى للجيش) هذه المعلومات إلى هانز كربس في برلين حتى وقت مبكر من صباح يوم الثلاثين من أبريل.

وفي التاسع والعشرين من أبريل، كان كل من هانز كربس وفيلهلم برجدورف وجوزيف جوبلز ومارتن بورمان شهوداً على وصية أدولف هتلر الأخيرة ووقعوا عليها[141]. وقد أملى هتلر هذه الوثيقة على سكرتيرته الخاصة تراودل يونج[145]. وفي نفس اليوم، تم إبلاغ هتلر بأخبار وفاة الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني، العنيفة في الثامن والعشرين من أبريل؛ وهو الأمر الذي زاد من تصميمه أن يتجنب الوقوع في الأسر[146].

وفي الثلاثين من أبريل من عام 1945، وبعد اشتباكات عنيفة انتقلت من شارع إلى شارع في مدينة برلين، وبينما كانت القوات السوفيتية على بعد تقاطع أو اثنين من مقر مستشارية الرايخ، قام هتلر بالانتحار بإطلاق النار داخل فمه وهو يضع في فمه كبسولة سيانيد[147][148]. وقد تم وضع جثة هتلر وجثة إيفا براون - عشيقته التي تزوجها في اليوم السابق لانتحاره - في حفرة صنعتها قنبلة[149][150]. وقام اوتو جونش وبعض الضباط المعاونين الموجودين في قبو القائد بسكب الكثير من البنزين على الجثتين، وإشعال النار فيهما بينما كان الجيش الأحمر مستمرًا في تقدمه ممطرًا المدينة بالقنابل[147].

وفي الثاني من مايو، استسلمت برلين. وفي السنوات التي أعقبت الحرب، تضاربت المعلومات التي وردت في التقارير عن مصير ما تبقى من رفات هتلر. وبعد تفكك الإتحاد السوفيتي، وردت معلومات من التقارير التي كانت محفوظة في الأرشيف السوفيتي أنه قد تم دفن الجثث الخاصة بكل من هتلر وإيفا براون وجوزيف جوبلز وقرينته ماجدا جوبلز وأطفال جوبلز الستة والجنرال هانز كربس والكلاب التي كان هتلر يمتلكها سرًا في مقابر بالقرب من مدينة راثيناو (بالألمانية: Rathenow) في ولاية براندنبورغ (بالألمانية: brandenburg)[151]. وفي عام 1970، فتح السوفيت المقبرة التي تم دفنهم فيها، وتم حرق الرفات التي وجدت بها ونثرها في نهر الالب[152]. ووفقًا للمعلومات الواردة من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، فإن جزء من جمجمة بشرية تم الاحتفاظ بها في الأرشيف الخاص بالجهاز وعرضها في معرض في عام 2000؛ وهي من الرفات التي تبقت من جسد هتلر وتعتبر كل ما تبقى من هذا الرفات. وقد شكك العديد من المؤرخين والباحثين في حقيقة انتماء هذا الجزء من الجمجمة لرفات هتلر