تقرير حول عقوبة الإعدام في سورية
مرسل: الأربعاء يونيو 20, 2012 6:44 pm
المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية
تقرير حول عقوبة الإعدام في سورية
عقوبة الإعدام
أولا: المقدمة:
" مفهوم العقوبة – التخفيف من شدتها – وسائل تنفيذها – محاولة تعريفها.
1- مفهوم العقاب والعقوبة:
لم تك العقوبة محددة في مبدأ حيث أنها كانت تتمثل بالانتقام الفردي الذي يختلف باختلاف الشخص كونها ردة فعل غريزي. إلا أنه ومع التطور وتكون الجماعات رسخ مبدأ القصاص والذي كان للدين أثر كبير في تقريره.
ثم برزت فكرة التفرقة بين الجرائم الخطيرة والجرائم التافهة فشددت التشريعات العقوبة على الجرائم الأولى وخففتها على الثانية إلى أن توصلت المجتمعات إلى المبدأ الأهم وهو أن لا عقوبة إلا بنص جنائي والمؤدى أن لا تطبق عقوبة ما لم ينص عليها سلفا في فرع من المنظومة القانونية .
2- التخفيف من شدة العقوبة:
في مراحلها الأولى كانت العقوبة تميل إلى التشديد وتتمثل في القتل أو الطرد من الجماعة البشرية والذي يفضي بحد ذاته إلى القتل ثم ظهرت العقوبات المقيدة للحرية.....
3- تطور وسائل التنفيذ:
مع تطور البشرية تطورت أيضا وسائل تنفيذ عقوبة الإعدام حيث كانت في التشريعات القديمة تنفذ عن طريق الرجم أو تمزيق جسم الجاني أو إحراقه أو إغراقه أو قطع رأسه كما كانت جماعية التنفيذ ثم تطورت إلى الشنق ثم المقصلة إلى المقعد الكهربائي والحقن بمادة سامة أو الخنق بالغاز والتي اعتبر غالبية المفكرين وفقهاء القانون الجنائي بأن تلك الطرق ووسائل التنفيذ الجماعي تتسم بالوحشية ودليلا على التخلف.
من خلال ما تقدم نستطيع الوصول إلى مقاربة التعريف بالتالي:
((عقوبة الإعدام عقوبة يقررها المجتمع ممثلا بالمشرع يوقعها على من يرتكب جريمة خطيرة منصوص عنها في قانون الجزاء بمقتضى حكم يصدره القضاء)).
4- الجدل حول عقوبة الإعدام وأراء فقهاء القانون الجنائي:
تعرضت عقوبة الإعدام لانتقادات جانب كبير من فقهاء القانون الجنائي والعاملين في مجال مكافحة الجريمة من الإصلاحيين.
وأضحت مع بداية القرن العشرين موضوعا أساسيا لكتابات علماء الإجرام والعقاب والفلاسفة والمفكرين.
كما رد فقهاء آخرون على الحجج التي ساقها معارضي هذه العقوبة ومنتقدوها.
آ- حجج الاتجاه الرافض للعقوبة:
1- يرى أصحاب هذا الاتجاه أن هذه العقوبة تعبر عن الانتقام ولقد تجاوز العلم العقابي المتمدن فكرة الانتقام المتعارضة مع الحضارة والتطور البشري كما أن هذه العقوبة تتعارض مع وتتنافى مع أهداف الجزاء العصري المتمثل بإصلاح المجرم وإعادة تأهيله.
2- تتنافى هذه العقوبة مع مبادئ العدالة حيث أنها لا تراعي الفوارق بين الجناة.
3- لا يمكن العدول عنها بعد تنفيذها في حال ظهور أدلة جديدة تظهر براءة الجاني أو التراجع عن خطأ المحاكم في تقدير الأدلة.
4- ا تستند هذه العقوبة إلى أساس شرعي فليس لأحد أيا كان سلب حق إنسان في الحياة.
5—أنها تفتقر إلى أثر إيجابي.
ب- حجج الاتجاه المؤيد للعقوبة:
1- لا يمكن نعت العقوبة بالانتقام فهي تحقق المساواة والعدالة بواسطة القصاص لا سيما في حالات جرائم القتل العمد.
2- العقوبة شرعية لأنها من جنس عمل المجرم.
3- تحقق ما يصبوا إليه المجتمع من وظيفة الردع.
4- إن احتمال الخطأ في هذه العقوبة هو نفس الاحتمال في جرائم أخرى. كما أن عمل المشرع بتقريره هذه العقوبة شيء وأخطاء القضاة في تقدير الأدلة شيء آخر.
5- كان لهذه العقوبة أثر فعال في انخفاض الجرائم لما تنطوي عليه من ردع.
ثانيا: الجرائم المعاقب عليها بالإعدام
1- التطور الحضاري وتقليص الجرائم المعاقب عليها بالإعدام:
لما كان موضوع هذا البحث يشمل الوطن العربي فإنه لا بد من إلقاء نظرة تاريخية وأثر التطور في تقليص الجرائم التي تطبق عليها عقوبة الإعدام.
آ- في الشريعة الإسلامية:
تطبق عقوبة القتل أو الإعدام على عدد من الجرائم في الشريعة الإسلامية وتتمثل في جرائم زنى المحصن وجريمة الردة وهي الارتداد عن الإسلام بعد اعتناقه وجريمة البغي وجريمة القصاص وجريمة الحرابة وبعض جرائم التعازير عند بعض الفقهاء كقتل الجاسوس ومبتدع البدع ومعتاد الإجرام.
ب- في القوانين العادية والاستثنائية:
جراء التقدم الإنساني وانتشار مبادئ حقوق الإنسان تطور القانون الجنائي في شتى البلدان العربية حيث اقتصرت الجرائم التي تطبق عليها عقوبة الإعدام بالجرائم الماسة بأمن الدولة وجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار. كما نصت على هذه العقوبة القوانين الاستثنائية التي تطبق عند فرض حالة الأحكام العرفية.
1- الجرائم الواقعة على أمن الدولة:
أخذت غالبية تشريعات الجزاء العربية عن القانون المصري الذي استوحى نصوصه من القانون الفرنسي مع مراعاة الواقع المصري والعربي.
ولقد نص قانون الجزاء المصري في ماده على عقوبة الإعدام على الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي في مواده (77- 78- 79- 81) وعلى تلك التي تمس أمن الدولة الداخلي في المواد (88- 89- 91- 92- 93).
وكذلك نص قانون العقوبات السوري على الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي وعقوبتها الإعدام في المواد (263 – 264 – 265 – 266) وعلى الجرائم التي تمس أمن الدولة الداخلي بالمواد (298 – 305).
وفي التشريع اللبناني تقرر عقوبة الإعدام على الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي بموجب المواد (273 – 274 – 275 – 276). كما يقرر عقوبة الإعدام على القتل المقصود المصحوب بظرف مشدد بالمادة / 549 /.
هذا فضلا عما نصت عليه القوانين الاستثنائية التي تصدر أثناء فرض الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ والتي تدوم في دول العالم العربي لآجال طويلة.
2- جرائم القتل:
نصت كافة قوانين العقوبات العربية على جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد كما جاء في المادة / 230 / من قانون العقوبات المصري والمادة / 235 / من قانون العقوبات السوري وهذه المواد لها مقابل في كافة قوانين الجزاء العربية.
3- الجهة القضائية المختصة:
الجهة القضائية الناظرة في الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي في غالبية دول العالم العربي هي محاكم استثنائية تختلف مسمياتها حسب الدولة فهي محاكم أمن الدولة والمحاكم العسكرية أو محاكم ميدانية....
وقد ينظر القضاء العادي ((محاكم الجنايات)) في بعض القضايا جراء ضغوط خارجية أو داخلية لا سيما في العقد الأخير ومع ظهور بعض منظمات ناشطة في مجال حقوق الإنسان.
وحتى هذه المحاكم تخضع في أغلب الأحيان لتأثيرات الحاكم ومنظومته الأمنية.
أما في جرائم القتل العمد فإن الجهة القضائية المختصة بالنظر في هذه القضايا هي محاكم الجنايات.
ثالثا: الضمانات ومدى كفايتها
1- الضمانات:
حاول المشرع في غالبية البلدان العربية إحاطة عقوبة الإعدام بضمانات تكفل حسن تطبيق هذه العقوبة وأبرز هذه الضمانات:
آ- استعمال الرأفة والشفقة:
للمحكمة الناظرة في القضية أن تستعمل الرأفة والشفقة أو أسباب التخفيف الأخرى قانونية كانت أم تقديرية استنسابية لتخفيف الحكم واستبدال عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
ب- الطعن بالحكم:
أجاز القانون للمحكوم عليه في محاكم الجنايات ((دون محاكم أمن الدولة)) في الطعن بالحكم لأسباب مخالفة القانون أو فساد تأويله وتفسيره أو تطبيقه أو عدم تعليل أسباب قناعة المحكمة وتقديرها.
جـ- تصديق الحاكم على الحكم رئيس جمهورية كان أم ملك وإعطائه حق العفو أو تخفيض الحكم. ((وهذا يشمل أحكام المحاكم الاستثنائية)).
ء- أخذ رأي المفتي – في مصر
2- مدى كفاية الضمانات:
آ- من أهم الضمانات التي يجب أن تتوافر للجاني هي المحاكمة العادلة أمام قضاء مستقل.
مما يؤسف له فإن معايير المحاكمة العادلة في بلدان العالم الثالث عامة وفي العالم العربي خصوصا غير متوافرة لا من حيث الإجراءات ولا من حيث تطبيق النماذج القانونية للجرائم المنصوص عنها في قوانين العقوبات لا سيما في الجرائم التي تنسب إلى المحكوم عليهم والمتعلقة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي.
فالمحاكم استثنائية كانت أم عادية لا تتمتع بالاستقلالية ولا بالحيادية. فالسلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية تهيمن وتنال من استقلالية القضاء والقاضي. وغالبية القضاة في هذه الدول يخضعون لهيمنة السلطة التنفيذية وتجاوزاتها وينفذون مشيئتها ورغباتها.
فالمحاكمة العادلة واستقلال القضاء إن يكن غير متوافر فهو مشكوك فيه.
ب- مراقبة المحاكمات:
غالبية البلدان العربية لا تتيح لمنظمات المجتمع المدني الداخلية والدولية مراقبة المحاكمات وإن غياب مراقبة المحاكمات يتيح للمحاكم التي لا تتمتع بالاستقلالية وللسلطة التنفيذية التعسف بالإجراءات والأحكام وتطيح بمبادئ سيادة القانون والعدالة.
جـ- تأمين حرية محامو الدفاع إن في جرائم أمن الدولة أو في الجرائم العادية وعدم مضايقة الدفاع ومساعدته في الحصول على المعلومات.
وهذا منتف أيضا في غالبية البلدان العربية.
هذه بعض من الضمانات الواجب توافرها حيث لا يتيح المقام هنا لنا للتفصيل في ذلك.
رابعا: الأحكام
الخط البياني لأحكام الإعدام في هبوط مستمر وهذا الخط قد يعتريه بعض الصعود في بعض الحالات الأمنية في بعض الدول إلا أنه وبشكل عام يسير هابطا وهذا بتأثير:
أ- انتشار مبادئ وثقافة حقوق الإنسان.
ب- ظهور ناشطين في مجال حقوق الإنسان.
ت- الانفتاح على الحضارة.
ث- التقدم الهائل في مجال الاتصالات والتواصل والإعلام.
فيما خلا أحكام الإعدام التي لا يتاح الحصول على إحصائية لها فإن الأحكام المعلنة أمام محاكم أمن الدولة والجنايات في تراجع مستمر وهي في العقد الأخير تكاد تكون نادرة وهي في سورية مثلا لا تعدو أصابع اليد الواحدة سنويا ويكاد التنفيذ أن يكون بحدوده الدنيا أو حتى معدوما في بعض السنوات.
موقف المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية من عقوبة الإعدام:
إن عقوبات الإعدام لا تتلاءم مع المحاولات المستمرة لترسيخ التأثير والتغيير المرجو في مجال حقوق الإنسان في منطقتنا، فعقوبة الإعدام سالبة لحق الحياة، ولا رجعة فيها، ولا يمكن بعد تنفيذها تدارك أي خطأ قد يحصل عند إصدار الحكم. وعُقُوبة الإعدام تعني سحق غرائز إنسانية أساسية - إرادة البقاء- أما الرَّأي القائل بأنَّ هناك "طريقة إنسانية" في الإعدام، فمحض هراء؛ فالأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام يُعانون رعب انتظار لحظة موتهم المُحَدَّدة سلفاً، كما أنَّ طريقة القتل هذه لا تكون، دائماً، عملية سريرية خالية من الألم وهنا نضيف إلى الإعدام عقوبة التعذيب.
البعض يعتبر ان أهمية عقوبة الإعدام تنبع من كونها عقوبة رادعة لكل مخالفي القوانين او الإرهابيين،ولكن هل نردع الإرهاب بالإرهاب، بالتأكيد يتوجب علينا محاربة الإرهاب والإجرام ولكن يجب فعل ذلك مع احترام حقوق الإنسان وليس بانتهاك الحقوق المدنية والسياسية لأي شخص، ولم نلاحظ في أية دولة من دول العالم بان نسبة الجرائم قد قلت بمجرد تطبيق عقوبة الإعدام بحق المجرمين، وليس هناك دليل علمي واضح يثبت أن عقوبة الإعدام رادعة، وإلا لتقلصت عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة، او في الصين والمملكة العربية السعودية او كورية ج حيث ان هذه الدول هي الأكثر تطبيقا للإعدام ونجد ان أعداد المعدمين يتزايد على مر السنين بدلا من ان يتناقص بسبب الردع.
ويبقى السؤال عن سبب تعرض الفئات المهمّشة في المجتمع لمخاطر هذه العقوبة أكثر من بقيّة الفئات؟ لاشك ان النقص الكبير في التحليل العلمي للأسباب العميقة للجريمة في سورية قد اثر على وضع حلول جذرية أخرى "غير الإعدام" للظواهر الإجرامية.
المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية وفي نظامها الداخلي أكدت ان مرجعيتها الوحيدة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان " المادة 2 تنص:.... وتؤكد المنظمة على استقلالها التام عن أية مرجعية سياسية أو حزبية، وتعمل في سبيل تحقيق أهدافها المنصوص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بكل مواثيقها" ولما كانت الشرعة الدولية متمثلة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدان الدوليان إضافة للبرتوكولات الاختيارية مناهضة لعقوبة الإعدام فالمنظمة مناهضة أيضا لتلك العقوبة.
ان المنظمة الوطنية تعتبر أنّ حقوق الإنسان كلّ لا يتجزأ، ومنظومة كونية في مقاصدها وآلياتها ولهذا فهي موافقة على ما جاء في الفصل الثالث من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفصل السادس من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بهذا العهد والخاص بإلغاء عقوبة الإعدام.
العـهد الدولي الخاص بالحقوق المـدنية والسـياسـية: ينص في بابه الثالث تحت مادته السادسة:
1ـ الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان.وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا
4. لأي شخص حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة. ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات.
5. لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفذ هذه العقوبة بالحوامل
6ـ ليس في هذه المادة أي حكم يجوز التذرع به لتأخير أو منع إلغاء عقوبة الإعدام من قبل أية دولة طرف في هذا العهد
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد ونشر في 10 ديسمبر 1948: المادة 1يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء.
المادة 5 لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أواللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة.
الدستور السوري وإلغاء الإعدام:
ان الدستور السوري لم يركز على الحق في الحياة، وعلى العكس من ذلك عاقب المشرع السوري على جرائم متعددة بالإعدام، والواقع يشير إلى أنه لا توجد أية تدابير تجاه إلغاء هذه العقوبة، فقد توسع في استخدام هذه العقوبة بموجب المراسيم الجزائية الخاصة كقانون الانتساب إلى تنظيم الإخوان المسلمين رقم(49)،وفي حالات متعددة في قوانين مناهضة أهداف الثورة وحماية النظام الاشتراكي وأمن حزب البعث العربي الاشتراكي،ولكن بنفس الوقت أعطى القانون الحق للمحكوم بالإعدام بالتماس العفو أو إبدال العقوبة، كما ان رئيس الجمهورية يستطيع أن يحد من استخدام تلك العقوبة. ذلك لأن الدستور أعطاه الحق بموجب المادة 105 بإصدار العفو الخاص ورد الاعتبار. انه من الممكن إلغاء عقوبة الإعدام من قاموس العقوبات السورية والمجتمع السوري سيتقبل هذه الخطوة شرط ان يتم العمل جديا لذلك، وهذا لا يتم إلا بالتعاون بين الحكومة السورية والمنظمات الحقوقية وناشطي الشأن العام إضافة للمثقفين والكتاب وسط عدم وجود عوائق حقيقية داخل المرجعيّة الثقافيّة للحضارة العربيّة يمكن أن تحول دون تطوّر التشريعات الوضعيّة نحو الحدّ من عقوبة الإعدام وإلغائها، وما يقال عن تشجيع عقوبة الإعدام في الديانات السماوية عائد لعدم فهم ما تتميز به الأديان بما في ذلك الإسلام ونصوصها المرجعية من حيوية وما توفره من إمكانية لقراءات أكثر إنسانية تختلف عن القراءات التقليدية الضيقة وتسمح بنظرة مغايرة للعديد من الجوانب التشريعية، وهو ما يشكل أداة مهمة في إعادة الاعتبار للذات البشرية وتثبيت حق الإنسان في الحياة...ولكن يجب اعتماد أسلوب المرحلية والتدرج على طريق إلغاء تلك العقوبة ولنا في مثل أذربيجان أسوة حسنة حيث ألغت عُقوبة الإعدام في العام 1998بطريقة التدرج على النحو التالي:
أكتوبر 1993 انتُخب حيدر علييف رئيساً، وفُرض وقف تنفيذ عمليات الإعدام بحكم الأمر الواقع. بيد أنّهُ استمر إصدار أحكام بإعدام ما لا يقلّ عن 144 شخصاً بين العامين 1993 و1998
أكتوبر 1994 أُلغيت عُقوبة الإعدام بالنّسبة للنّساء
نوفمبر 1995 اعتُمد دستور جديد أبقي علي عُقوبة الإعدام - كإجراء عقابي استثنائي إلي حين إلغائها التّام، علي الجرائم المرتكبة ضدّ الدّولة، وضد حياة أيّ فرد وصحتة
مايو 1996 أُلغيت عُقوبة الإعدام بالنسبة للرّجال الذين تزيد أعمارهم علي 65 سنة، وتّم تخفيض عدد الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام من 33 جريمة إلى 12 جريمة
أغسطس 1997 أعرب رئيس المحكمة العليا، علناً، عن تأييده لإلغاء عُقوبة الإعدام
يناير 1998 صرّح الرئيس علييف قائلاً - أعتقد أنّ تعزيز مكافحة الجريمة يُقَللُ، في حدّ ذاتة، عدد الأفعال الإجرامية. وفي الوقت نفسه، فإّن "أنسنة" سياستنا وعقوباتنا ستخْلِق، هي الأخرى، لدي الناس موقفاً صحياً إزاء الانتهاكات والجرائم
فبراير 1998 وافق البرلمان بأغلبية 104 أصوات، مقابل ثلاثة أصوات، علي اعتماد اقتراح رئيس الجمهورية بإلغاء عُقوبة الإعدام: وألغيت عُقوبة الإعدام
ان الصعوبات التي تواجهنا من قبيل تنامي ظاهرة الغلوّ والتكفير التي أخذت تهدّد الحياة الفكرية والسياسية في أكثر من مجتمع عربي وتتسبّب في إزهاق الأرواح وإرهاب المفكرين باسم المقدّس، يجب ألا تمنعنا من إدراك حتميّة العمل على بلوغ مستويات أرقى في احترام الذات البشريّة حتى نثري الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمبدأ أساسي جديد وهو أن الدولة لا يمكن أن تتصرّف كما تشاء في حياة مواطنيها، وقد سبق للإنسانية أن حققت مثل هذا الإنجاز بإلغاء العبودية وتحريم التعذيب.
ان بلوغ عدد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام قد وصل إلى 124 دولة ولهذا فإن الدولة السورية مطالبة باتخاذ قرار إلغاء هذه العقوبة من المنظومة الجنائية الوطنية وبالتصديق على البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، وكذلك بالتصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وبملائمة التشريع السوري مع كل المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة، وباعتماد سياسة جنائية عادلة مرتكزة على ضمان حقوق السجناء في الحياة والكرامة الإنسانية والتأهيل وإعادة الإدماج، في ظل قضاء مستقل ونزيه.
توصيات:
ان المنظمة الوطنية تطالب السلطات السورية بإتباع الخطوات التدريجية التالية على طريق إلغاء العقوبة:
• تعزيز ضمانات المحاكمات العادلة، كإجماع كل أعضاء هيئة المحكمة عند الحكم بالإعدام. - إقرار درجة استئنافية وتعقيبية بشكل آلي-دون طلب من المحكوم عليه- وذلك لمراجعة القضايا التي صدرت فيها أحكام بالإعدام.
* إلغاء كل الفصول القانونية التي تنص على الحكم بالإعدام في القضايا السياسية وقضايا الرأي والقضايا المرتبطة بحرية المعتقد.
* تعزيز فرص اللجوء إلى العفو.
* دعم استقلالية القضــاء.
* تنشيط مجالات التفكير في المسائل الدينيّة ذات الصّلة بحقوق الإنسان، ودعم التوجه الداعي إلى إعـادة قـراءة المرجعيات الثقافية والتراثيـة في اتجاه خدمـة قضايا الإنسانية وتأكيـد حقــوق الإنسان.
* العمل على خلق وتطوير المناخات الديمقراطية واعتبار ذلك شرطا من شروط حماية حقوق الإنسان وتوعية الرأي العام بكل القضايا المصيرية وفي مقدمتها حق الإنسان في الحياة.
* تأكيد الدور المتميز للتربية في مجال اكتساب الوعي بالحقوق الأساسية وصيانة الروح البشرية.
* المصادقة على المواثيق الدوليّة عامة والبروتوكول الاختياري الثاني خاصة.
* دعوة المثقفين إلى الانطلاق في عمليّات توعية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام من خلال لقاءات ومناقشات خاصة على مستوى الجامعات والجمعيّات الثقافيّة والندوات العامة
خامسا: الخاتمة
المستخلص من البحث
* منذ ما يفوق المائة عام بدأ العالم المتمدن يتجه نحو إلغاء هذه العقوبة والتي أيا ما كانت الآراء المؤيدة لها فإن شبهة الانتقام تعتريها من جهة أخرى فهي تتعارض مع ما تبتغياه فلسفة العقاب من إصلاح للجاني وإمكانية إصلاح الخطأ.
فلقد ألغت ولاية ميتشغان الأمريكية هذه العقوبة من العام 1874 والبرتغال في العام 1866 وهولندا في العام 1870 وبعض مقاطعات سويسرا والنرويج عام 1902 والسويد عام 1921 والدنمارك عام 1930 واسبانيا عام 1932 وفرنسا عام 1981. ثم ألغت دول الاتحاد الأوربي هذه العقوبة وجعلته شرطا لانضمام الدول إلى الاتحاد.
إن هذه العقوبة بما يشوبها من نزعة الانتقام وعدم إصلاح الخطأ مع إمكانية الوقوع فيه بالرغم من إنزال الألم الجسدي فإنها تأخذ الروح التي تتمثل بالحياة.
كما تتعارض مع فلسفة إصلاح المجرم وإعادة تأهيله وهي هدف وغاية علم العقاب. كما أنها لم تعدد تحقق الردع وتتنافى مع إنسانية الإنسان. وإلغائها يعتبر معيار تمدن الدولة وانتمائها إلى العصر والحضارة.
* أما في الدول التي لا تزال تعتمد هذه العقوبة فإنه من المتعين توفير كافة الضمانات من مراقبة المؤسسات المدنية داخليا ودوليا وتأمين المحاكمات العادلة وتطبيق معايرها الدولية وتحديد النصوص القانوني والدقة في صياغتها بحيث لا تتيح مجالات أو مساحات واسعة في تفسير النصوص وتأويلها.
* إلغاء كافة القوانين الاستثنائية في دول الوطن العربي ورفع الأحكام العرفية وإلغاء قوانين الطوارئ.
* استقلال القضاء وتطبيق هذا المبدأ فعليا.
* تأمين حرية الدفاع كاملة في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام.
* خضوع الأحكام لطرق الطعن والمراجعة.
* إلغاء هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء والمحاماة.
* إلغاء كافة المحاكم الاستثنائية وبأية صورة كانت.
--------------------------------------------------------------------------------
- إعداد: الدكتور عمار قربي، رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية/ المحامي عبد الرحيم غمازة، أمين سر المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية (تقرير حول عقوبة الإعدام في سورية)
تقرير حول عقوبة الإعدام في سورية
عقوبة الإعدام
أولا: المقدمة:
" مفهوم العقوبة – التخفيف من شدتها – وسائل تنفيذها – محاولة تعريفها.
1- مفهوم العقاب والعقوبة:
لم تك العقوبة محددة في مبدأ حيث أنها كانت تتمثل بالانتقام الفردي الذي يختلف باختلاف الشخص كونها ردة فعل غريزي. إلا أنه ومع التطور وتكون الجماعات رسخ مبدأ القصاص والذي كان للدين أثر كبير في تقريره.
ثم برزت فكرة التفرقة بين الجرائم الخطيرة والجرائم التافهة فشددت التشريعات العقوبة على الجرائم الأولى وخففتها على الثانية إلى أن توصلت المجتمعات إلى المبدأ الأهم وهو أن لا عقوبة إلا بنص جنائي والمؤدى أن لا تطبق عقوبة ما لم ينص عليها سلفا في فرع من المنظومة القانونية .
2- التخفيف من شدة العقوبة:
في مراحلها الأولى كانت العقوبة تميل إلى التشديد وتتمثل في القتل أو الطرد من الجماعة البشرية والذي يفضي بحد ذاته إلى القتل ثم ظهرت العقوبات المقيدة للحرية.....
3- تطور وسائل التنفيذ:
مع تطور البشرية تطورت أيضا وسائل تنفيذ عقوبة الإعدام حيث كانت في التشريعات القديمة تنفذ عن طريق الرجم أو تمزيق جسم الجاني أو إحراقه أو إغراقه أو قطع رأسه كما كانت جماعية التنفيذ ثم تطورت إلى الشنق ثم المقصلة إلى المقعد الكهربائي والحقن بمادة سامة أو الخنق بالغاز والتي اعتبر غالبية المفكرين وفقهاء القانون الجنائي بأن تلك الطرق ووسائل التنفيذ الجماعي تتسم بالوحشية ودليلا على التخلف.
من خلال ما تقدم نستطيع الوصول إلى مقاربة التعريف بالتالي:
((عقوبة الإعدام عقوبة يقررها المجتمع ممثلا بالمشرع يوقعها على من يرتكب جريمة خطيرة منصوص عنها في قانون الجزاء بمقتضى حكم يصدره القضاء)).
4- الجدل حول عقوبة الإعدام وأراء فقهاء القانون الجنائي:
تعرضت عقوبة الإعدام لانتقادات جانب كبير من فقهاء القانون الجنائي والعاملين في مجال مكافحة الجريمة من الإصلاحيين.
وأضحت مع بداية القرن العشرين موضوعا أساسيا لكتابات علماء الإجرام والعقاب والفلاسفة والمفكرين.
كما رد فقهاء آخرون على الحجج التي ساقها معارضي هذه العقوبة ومنتقدوها.
آ- حجج الاتجاه الرافض للعقوبة:
1- يرى أصحاب هذا الاتجاه أن هذه العقوبة تعبر عن الانتقام ولقد تجاوز العلم العقابي المتمدن فكرة الانتقام المتعارضة مع الحضارة والتطور البشري كما أن هذه العقوبة تتعارض مع وتتنافى مع أهداف الجزاء العصري المتمثل بإصلاح المجرم وإعادة تأهيله.
2- تتنافى هذه العقوبة مع مبادئ العدالة حيث أنها لا تراعي الفوارق بين الجناة.
3- لا يمكن العدول عنها بعد تنفيذها في حال ظهور أدلة جديدة تظهر براءة الجاني أو التراجع عن خطأ المحاكم في تقدير الأدلة.
4- ا تستند هذه العقوبة إلى أساس شرعي فليس لأحد أيا كان سلب حق إنسان في الحياة.
5—أنها تفتقر إلى أثر إيجابي.
ب- حجج الاتجاه المؤيد للعقوبة:
1- لا يمكن نعت العقوبة بالانتقام فهي تحقق المساواة والعدالة بواسطة القصاص لا سيما في حالات جرائم القتل العمد.
2- العقوبة شرعية لأنها من جنس عمل المجرم.
3- تحقق ما يصبوا إليه المجتمع من وظيفة الردع.
4- إن احتمال الخطأ في هذه العقوبة هو نفس الاحتمال في جرائم أخرى. كما أن عمل المشرع بتقريره هذه العقوبة شيء وأخطاء القضاة في تقدير الأدلة شيء آخر.
5- كان لهذه العقوبة أثر فعال في انخفاض الجرائم لما تنطوي عليه من ردع.
ثانيا: الجرائم المعاقب عليها بالإعدام
1- التطور الحضاري وتقليص الجرائم المعاقب عليها بالإعدام:
لما كان موضوع هذا البحث يشمل الوطن العربي فإنه لا بد من إلقاء نظرة تاريخية وأثر التطور في تقليص الجرائم التي تطبق عليها عقوبة الإعدام.
آ- في الشريعة الإسلامية:
تطبق عقوبة القتل أو الإعدام على عدد من الجرائم في الشريعة الإسلامية وتتمثل في جرائم زنى المحصن وجريمة الردة وهي الارتداد عن الإسلام بعد اعتناقه وجريمة البغي وجريمة القصاص وجريمة الحرابة وبعض جرائم التعازير عند بعض الفقهاء كقتل الجاسوس ومبتدع البدع ومعتاد الإجرام.
ب- في القوانين العادية والاستثنائية:
جراء التقدم الإنساني وانتشار مبادئ حقوق الإنسان تطور القانون الجنائي في شتى البلدان العربية حيث اقتصرت الجرائم التي تطبق عليها عقوبة الإعدام بالجرائم الماسة بأمن الدولة وجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار. كما نصت على هذه العقوبة القوانين الاستثنائية التي تطبق عند فرض حالة الأحكام العرفية.
1- الجرائم الواقعة على أمن الدولة:
أخذت غالبية تشريعات الجزاء العربية عن القانون المصري الذي استوحى نصوصه من القانون الفرنسي مع مراعاة الواقع المصري والعربي.
ولقد نص قانون الجزاء المصري في ماده على عقوبة الإعدام على الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي في مواده (77- 78- 79- 81) وعلى تلك التي تمس أمن الدولة الداخلي في المواد (88- 89- 91- 92- 93).
وكذلك نص قانون العقوبات السوري على الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي وعقوبتها الإعدام في المواد (263 – 264 – 265 – 266) وعلى الجرائم التي تمس أمن الدولة الداخلي بالمواد (298 – 305).
وفي التشريع اللبناني تقرر عقوبة الإعدام على الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي بموجب المواد (273 – 274 – 275 – 276). كما يقرر عقوبة الإعدام على القتل المقصود المصحوب بظرف مشدد بالمادة / 549 /.
هذا فضلا عما نصت عليه القوانين الاستثنائية التي تصدر أثناء فرض الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ والتي تدوم في دول العالم العربي لآجال طويلة.
2- جرائم القتل:
نصت كافة قوانين العقوبات العربية على جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد كما جاء في المادة / 230 / من قانون العقوبات المصري والمادة / 235 / من قانون العقوبات السوري وهذه المواد لها مقابل في كافة قوانين الجزاء العربية.
3- الجهة القضائية المختصة:
الجهة القضائية الناظرة في الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي في غالبية دول العالم العربي هي محاكم استثنائية تختلف مسمياتها حسب الدولة فهي محاكم أمن الدولة والمحاكم العسكرية أو محاكم ميدانية....
وقد ينظر القضاء العادي ((محاكم الجنايات)) في بعض القضايا جراء ضغوط خارجية أو داخلية لا سيما في العقد الأخير ومع ظهور بعض منظمات ناشطة في مجال حقوق الإنسان.
وحتى هذه المحاكم تخضع في أغلب الأحيان لتأثيرات الحاكم ومنظومته الأمنية.
أما في جرائم القتل العمد فإن الجهة القضائية المختصة بالنظر في هذه القضايا هي محاكم الجنايات.
ثالثا: الضمانات ومدى كفايتها
1- الضمانات:
حاول المشرع في غالبية البلدان العربية إحاطة عقوبة الإعدام بضمانات تكفل حسن تطبيق هذه العقوبة وأبرز هذه الضمانات:
آ- استعمال الرأفة والشفقة:
للمحكمة الناظرة في القضية أن تستعمل الرأفة والشفقة أو أسباب التخفيف الأخرى قانونية كانت أم تقديرية استنسابية لتخفيف الحكم واستبدال عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
ب- الطعن بالحكم:
أجاز القانون للمحكوم عليه في محاكم الجنايات ((دون محاكم أمن الدولة)) في الطعن بالحكم لأسباب مخالفة القانون أو فساد تأويله وتفسيره أو تطبيقه أو عدم تعليل أسباب قناعة المحكمة وتقديرها.
جـ- تصديق الحاكم على الحكم رئيس جمهورية كان أم ملك وإعطائه حق العفو أو تخفيض الحكم. ((وهذا يشمل أحكام المحاكم الاستثنائية)).
ء- أخذ رأي المفتي – في مصر
2- مدى كفاية الضمانات:
آ- من أهم الضمانات التي يجب أن تتوافر للجاني هي المحاكمة العادلة أمام قضاء مستقل.
مما يؤسف له فإن معايير المحاكمة العادلة في بلدان العالم الثالث عامة وفي العالم العربي خصوصا غير متوافرة لا من حيث الإجراءات ولا من حيث تطبيق النماذج القانونية للجرائم المنصوص عنها في قوانين العقوبات لا سيما في الجرائم التي تنسب إلى المحكوم عليهم والمتعلقة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي.
فالمحاكم استثنائية كانت أم عادية لا تتمتع بالاستقلالية ولا بالحيادية. فالسلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية تهيمن وتنال من استقلالية القضاء والقاضي. وغالبية القضاة في هذه الدول يخضعون لهيمنة السلطة التنفيذية وتجاوزاتها وينفذون مشيئتها ورغباتها.
فالمحاكمة العادلة واستقلال القضاء إن يكن غير متوافر فهو مشكوك فيه.
ب- مراقبة المحاكمات:
غالبية البلدان العربية لا تتيح لمنظمات المجتمع المدني الداخلية والدولية مراقبة المحاكمات وإن غياب مراقبة المحاكمات يتيح للمحاكم التي لا تتمتع بالاستقلالية وللسلطة التنفيذية التعسف بالإجراءات والأحكام وتطيح بمبادئ سيادة القانون والعدالة.
جـ- تأمين حرية محامو الدفاع إن في جرائم أمن الدولة أو في الجرائم العادية وعدم مضايقة الدفاع ومساعدته في الحصول على المعلومات.
وهذا منتف أيضا في غالبية البلدان العربية.
هذه بعض من الضمانات الواجب توافرها حيث لا يتيح المقام هنا لنا للتفصيل في ذلك.
رابعا: الأحكام
الخط البياني لأحكام الإعدام في هبوط مستمر وهذا الخط قد يعتريه بعض الصعود في بعض الحالات الأمنية في بعض الدول إلا أنه وبشكل عام يسير هابطا وهذا بتأثير:
أ- انتشار مبادئ وثقافة حقوق الإنسان.
ب- ظهور ناشطين في مجال حقوق الإنسان.
ت- الانفتاح على الحضارة.
ث- التقدم الهائل في مجال الاتصالات والتواصل والإعلام.
فيما خلا أحكام الإعدام التي لا يتاح الحصول على إحصائية لها فإن الأحكام المعلنة أمام محاكم أمن الدولة والجنايات في تراجع مستمر وهي في العقد الأخير تكاد تكون نادرة وهي في سورية مثلا لا تعدو أصابع اليد الواحدة سنويا ويكاد التنفيذ أن يكون بحدوده الدنيا أو حتى معدوما في بعض السنوات.
موقف المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية من عقوبة الإعدام:
إن عقوبات الإعدام لا تتلاءم مع المحاولات المستمرة لترسيخ التأثير والتغيير المرجو في مجال حقوق الإنسان في منطقتنا، فعقوبة الإعدام سالبة لحق الحياة، ولا رجعة فيها، ولا يمكن بعد تنفيذها تدارك أي خطأ قد يحصل عند إصدار الحكم. وعُقُوبة الإعدام تعني سحق غرائز إنسانية أساسية - إرادة البقاء- أما الرَّأي القائل بأنَّ هناك "طريقة إنسانية" في الإعدام، فمحض هراء؛ فالأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام يُعانون رعب انتظار لحظة موتهم المُحَدَّدة سلفاً، كما أنَّ طريقة القتل هذه لا تكون، دائماً، عملية سريرية خالية من الألم وهنا نضيف إلى الإعدام عقوبة التعذيب.
البعض يعتبر ان أهمية عقوبة الإعدام تنبع من كونها عقوبة رادعة لكل مخالفي القوانين او الإرهابيين،ولكن هل نردع الإرهاب بالإرهاب، بالتأكيد يتوجب علينا محاربة الإرهاب والإجرام ولكن يجب فعل ذلك مع احترام حقوق الإنسان وليس بانتهاك الحقوق المدنية والسياسية لأي شخص، ولم نلاحظ في أية دولة من دول العالم بان نسبة الجرائم قد قلت بمجرد تطبيق عقوبة الإعدام بحق المجرمين، وليس هناك دليل علمي واضح يثبت أن عقوبة الإعدام رادعة، وإلا لتقلصت عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة، او في الصين والمملكة العربية السعودية او كورية ج حيث ان هذه الدول هي الأكثر تطبيقا للإعدام ونجد ان أعداد المعدمين يتزايد على مر السنين بدلا من ان يتناقص بسبب الردع.
ويبقى السؤال عن سبب تعرض الفئات المهمّشة في المجتمع لمخاطر هذه العقوبة أكثر من بقيّة الفئات؟ لاشك ان النقص الكبير في التحليل العلمي للأسباب العميقة للجريمة في سورية قد اثر على وضع حلول جذرية أخرى "غير الإعدام" للظواهر الإجرامية.
المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية وفي نظامها الداخلي أكدت ان مرجعيتها الوحيدة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان " المادة 2 تنص:.... وتؤكد المنظمة على استقلالها التام عن أية مرجعية سياسية أو حزبية، وتعمل في سبيل تحقيق أهدافها المنصوص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بكل مواثيقها" ولما كانت الشرعة الدولية متمثلة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدان الدوليان إضافة للبرتوكولات الاختيارية مناهضة لعقوبة الإعدام فالمنظمة مناهضة أيضا لتلك العقوبة.
ان المنظمة الوطنية تعتبر أنّ حقوق الإنسان كلّ لا يتجزأ، ومنظومة كونية في مقاصدها وآلياتها ولهذا فهي موافقة على ما جاء في الفصل الثالث من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفصل السادس من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بهذا العهد والخاص بإلغاء عقوبة الإعدام.
العـهد الدولي الخاص بالحقوق المـدنية والسـياسـية: ينص في بابه الثالث تحت مادته السادسة:
1ـ الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان.وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا
4. لأي شخص حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة. ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات.
5. لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفذ هذه العقوبة بالحوامل
6ـ ليس في هذه المادة أي حكم يجوز التذرع به لتأخير أو منع إلغاء عقوبة الإعدام من قبل أية دولة طرف في هذا العهد
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد ونشر في 10 ديسمبر 1948: المادة 1يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء.
المادة 5 لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أواللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة.
الدستور السوري وإلغاء الإعدام:
ان الدستور السوري لم يركز على الحق في الحياة، وعلى العكس من ذلك عاقب المشرع السوري على جرائم متعددة بالإعدام، والواقع يشير إلى أنه لا توجد أية تدابير تجاه إلغاء هذه العقوبة، فقد توسع في استخدام هذه العقوبة بموجب المراسيم الجزائية الخاصة كقانون الانتساب إلى تنظيم الإخوان المسلمين رقم(49)،وفي حالات متعددة في قوانين مناهضة أهداف الثورة وحماية النظام الاشتراكي وأمن حزب البعث العربي الاشتراكي،ولكن بنفس الوقت أعطى القانون الحق للمحكوم بالإعدام بالتماس العفو أو إبدال العقوبة، كما ان رئيس الجمهورية يستطيع أن يحد من استخدام تلك العقوبة. ذلك لأن الدستور أعطاه الحق بموجب المادة 105 بإصدار العفو الخاص ورد الاعتبار. انه من الممكن إلغاء عقوبة الإعدام من قاموس العقوبات السورية والمجتمع السوري سيتقبل هذه الخطوة شرط ان يتم العمل جديا لذلك، وهذا لا يتم إلا بالتعاون بين الحكومة السورية والمنظمات الحقوقية وناشطي الشأن العام إضافة للمثقفين والكتاب وسط عدم وجود عوائق حقيقية داخل المرجعيّة الثقافيّة للحضارة العربيّة يمكن أن تحول دون تطوّر التشريعات الوضعيّة نحو الحدّ من عقوبة الإعدام وإلغائها، وما يقال عن تشجيع عقوبة الإعدام في الديانات السماوية عائد لعدم فهم ما تتميز به الأديان بما في ذلك الإسلام ونصوصها المرجعية من حيوية وما توفره من إمكانية لقراءات أكثر إنسانية تختلف عن القراءات التقليدية الضيقة وتسمح بنظرة مغايرة للعديد من الجوانب التشريعية، وهو ما يشكل أداة مهمة في إعادة الاعتبار للذات البشرية وتثبيت حق الإنسان في الحياة...ولكن يجب اعتماد أسلوب المرحلية والتدرج على طريق إلغاء تلك العقوبة ولنا في مثل أذربيجان أسوة حسنة حيث ألغت عُقوبة الإعدام في العام 1998بطريقة التدرج على النحو التالي:
أكتوبر 1993 انتُخب حيدر علييف رئيساً، وفُرض وقف تنفيذ عمليات الإعدام بحكم الأمر الواقع. بيد أنّهُ استمر إصدار أحكام بإعدام ما لا يقلّ عن 144 شخصاً بين العامين 1993 و1998
أكتوبر 1994 أُلغيت عُقوبة الإعدام بالنّسبة للنّساء
نوفمبر 1995 اعتُمد دستور جديد أبقي علي عُقوبة الإعدام - كإجراء عقابي استثنائي إلي حين إلغائها التّام، علي الجرائم المرتكبة ضدّ الدّولة، وضد حياة أيّ فرد وصحتة
مايو 1996 أُلغيت عُقوبة الإعدام بالنسبة للرّجال الذين تزيد أعمارهم علي 65 سنة، وتّم تخفيض عدد الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام من 33 جريمة إلى 12 جريمة
أغسطس 1997 أعرب رئيس المحكمة العليا، علناً، عن تأييده لإلغاء عُقوبة الإعدام
يناير 1998 صرّح الرئيس علييف قائلاً - أعتقد أنّ تعزيز مكافحة الجريمة يُقَللُ، في حدّ ذاتة، عدد الأفعال الإجرامية. وفي الوقت نفسه، فإّن "أنسنة" سياستنا وعقوباتنا ستخْلِق، هي الأخرى، لدي الناس موقفاً صحياً إزاء الانتهاكات والجرائم
فبراير 1998 وافق البرلمان بأغلبية 104 أصوات، مقابل ثلاثة أصوات، علي اعتماد اقتراح رئيس الجمهورية بإلغاء عُقوبة الإعدام: وألغيت عُقوبة الإعدام
ان الصعوبات التي تواجهنا من قبيل تنامي ظاهرة الغلوّ والتكفير التي أخذت تهدّد الحياة الفكرية والسياسية في أكثر من مجتمع عربي وتتسبّب في إزهاق الأرواح وإرهاب المفكرين باسم المقدّس، يجب ألا تمنعنا من إدراك حتميّة العمل على بلوغ مستويات أرقى في احترام الذات البشريّة حتى نثري الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمبدأ أساسي جديد وهو أن الدولة لا يمكن أن تتصرّف كما تشاء في حياة مواطنيها، وقد سبق للإنسانية أن حققت مثل هذا الإنجاز بإلغاء العبودية وتحريم التعذيب.
ان بلوغ عدد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام قد وصل إلى 124 دولة ولهذا فإن الدولة السورية مطالبة باتخاذ قرار إلغاء هذه العقوبة من المنظومة الجنائية الوطنية وبالتصديق على البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، وكذلك بالتصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وبملائمة التشريع السوري مع كل المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة، وباعتماد سياسة جنائية عادلة مرتكزة على ضمان حقوق السجناء في الحياة والكرامة الإنسانية والتأهيل وإعادة الإدماج، في ظل قضاء مستقل ونزيه.
توصيات:
ان المنظمة الوطنية تطالب السلطات السورية بإتباع الخطوات التدريجية التالية على طريق إلغاء العقوبة:
• تعزيز ضمانات المحاكمات العادلة، كإجماع كل أعضاء هيئة المحكمة عند الحكم بالإعدام. - إقرار درجة استئنافية وتعقيبية بشكل آلي-دون طلب من المحكوم عليه- وذلك لمراجعة القضايا التي صدرت فيها أحكام بالإعدام.
* إلغاء كل الفصول القانونية التي تنص على الحكم بالإعدام في القضايا السياسية وقضايا الرأي والقضايا المرتبطة بحرية المعتقد.
* تعزيز فرص اللجوء إلى العفو.
* دعم استقلالية القضــاء.
* تنشيط مجالات التفكير في المسائل الدينيّة ذات الصّلة بحقوق الإنسان، ودعم التوجه الداعي إلى إعـادة قـراءة المرجعيات الثقافية والتراثيـة في اتجاه خدمـة قضايا الإنسانية وتأكيـد حقــوق الإنسان.
* العمل على خلق وتطوير المناخات الديمقراطية واعتبار ذلك شرطا من شروط حماية حقوق الإنسان وتوعية الرأي العام بكل القضايا المصيرية وفي مقدمتها حق الإنسان في الحياة.
* تأكيد الدور المتميز للتربية في مجال اكتساب الوعي بالحقوق الأساسية وصيانة الروح البشرية.
* المصادقة على المواثيق الدوليّة عامة والبروتوكول الاختياري الثاني خاصة.
* دعوة المثقفين إلى الانطلاق في عمليّات توعية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام من خلال لقاءات ومناقشات خاصة على مستوى الجامعات والجمعيّات الثقافيّة والندوات العامة
خامسا: الخاتمة
المستخلص من البحث
* منذ ما يفوق المائة عام بدأ العالم المتمدن يتجه نحو إلغاء هذه العقوبة والتي أيا ما كانت الآراء المؤيدة لها فإن شبهة الانتقام تعتريها من جهة أخرى فهي تتعارض مع ما تبتغياه فلسفة العقاب من إصلاح للجاني وإمكانية إصلاح الخطأ.
فلقد ألغت ولاية ميتشغان الأمريكية هذه العقوبة من العام 1874 والبرتغال في العام 1866 وهولندا في العام 1870 وبعض مقاطعات سويسرا والنرويج عام 1902 والسويد عام 1921 والدنمارك عام 1930 واسبانيا عام 1932 وفرنسا عام 1981. ثم ألغت دول الاتحاد الأوربي هذه العقوبة وجعلته شرطا لانضمام الدول إلى الاتحاد.
إن هذه العقوبة بما يشوبها من نزعة الانتقام وعدم إصلاح الخطأ مع إمكانية الوقوع فيه بالرغم من إنزال الألم الجسدي فإنها تأخذ الروح التي تتمثل بالحياة.
كما تتعارض مع فلسفة إصلاح المجرم وإعادة تأهيله وهي هدف وغاية علم العقاب. كما أنها لم تعدد تحقق الردع وتتنافى مع إنسانية الإنسان. وإلغائها يعتبر معيار تمدن الدولة وانتمائها إلى العصر والحضارة.
* أما في الدول التي لا تزال تعتمد هذه العقوبة فإنه من المتعين توفير كافة الضمانات من مراقبة المؤسسات المدنية داخليا ودوليا وتأمين المحاكمات العادلة وتطبيق معايرها الدولية وتحديد النصوص القانوني والدقة في صياغتها بحيث لا تتيح مجالات أو مساحات واسعة في تفسير النصوص وتأويلها.
* إلغاء كافة القوانين الاستثنائية في دول الوطن العربي ورفع الأحكام العرفية وإلغاء قوانين الطوارئ.
* استقلال القضاء وتطبيق هذا المبدأ فعليا.
* تأمين حرية الدفاع كاملة في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام.
* خضوع الأحكام لطرق الطعن والمراجعة.
* إلغاء هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء والمحاماة.
* إلغاء كافة المحاكم الاستثنائية وبأية صورة كانت.
--------------------------------------------------------------------------------
- إعداد: الدكتور عمار قربي، رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية/ المحامي عبد الرحيم غمازة، أمين سر المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية (تقرير حول عقوبة الإعدام في سورية)