- الجمعة يونيو 22, 2012 3:16 pm
#51772
الوحدة الأيطالية
عانت ايطاليا لعدة قرون تمزقاً سياسياً و خضوعاً للقوى الأجنبية , فقد عانت منذ قرون عدة على النزاع من الشرق و الغرب , وقد اتيح لأيطاليا ان تشهد فترة قصيرة من الهدوء في عهد نابليون بونابرت الحاكم الفرنسي الذي سيطر على جميع اوروبا حيث قسم ايطاليا إلى 3 مناطق خضعت كلها للنفوذ الفرنسي المباشر او غير مباشر :
أ-منطقة بيدمونت,وكانت تابعة مباشرة للحكومة الفرنسية.
ب-مملكة أيطاليا,وكان يحكمها يوجين بوهارنيه وهو إبن جوزيفين زوجة نابليون.
ج-مملكة نابولي,عين نابليون اخاه ملكاً عليها.
و قد نقل نابليون مبادئ الثورة الفرنسية , و قضى على بقايا النظام الأقطاعي وحد من سلطة رجال الدين, و قام بتوحيد قانون الإدارة و البلاد,فحظيت إيطاليا بحكومة رشيدة تسهر على مصالح الشعب و تعنى بحل مشاكله بعد أن كانت مسرحاً للفوضى و الأضطراب لقرون طويلة .
بعد هزيمة نابليون قرر مؤتمر فيينا إعادة البلاد إلي اوضاعها القديمة على النحو التالي:-
أ-لمبارديا و البندقية تخضع لحكم النمسا المباشر
ب-مملكة نابولي (الصقليين) تعود إلي حكامها السابقين من أسرة البوربون
ج-الولات الباباوية تعود إلي السيطرة المباشرة لبابا روما
د-دوقيات الوسط تعود إلي حكامها الذي ينتمون إلي أسرة الهابسبرج النمساوية.
هـ- مملكة بيدمونت تعود حكمها إلي أسرة سافوي SAVOY الأيطالية.
وهكذا عادت إيطاليا إلي التمزق و الإنقسام, و خذعت بشكل فعلي لحكم النمسا بزعامت مترنيخ الذي عمد على اخماد الحركات الوطنية بكل صرامة , و اتسمت الحكومة التي تولت في هذه الفترة بالرجعية و الفساد, وألغيت القوانين المستنيرة التي ادخلها نابليون إلي إيطاليا,وقضى على حرية الصحافه و كممت الأفواه, وحرمة الأجتماعات و طورد دعاة الوحده و التحرر في كل مكان.
ثورات الكاربوناري
كن الشعب الأيطالي بعد ان هزت مشاعره مبادئ الثورة الفرنسية , احس بمزايا الوحدة , لم يقبل للخضوع لحالة التمزق, وفي مواجهة بطش الحكومات المتحالفة معا النمسا , لجأ الشعب الأيطالي إلي تكوين الجمعيات السرية التي تسعى إلي تحقيق أهدافه القومية , من اشهر هذه الجمعيات جمعية الكاربوناري التي تأسست في نابولي,وانتشرت بين صفوف العسكريين و المثقفيين , وانشئت لها فروع في انحاء إيطاليا.
و في سنة 1820 تمكن الكاريوناري من اشعال الثورة في نابولي و ارغمت الملك على انشاء دستور جديد و سرعان ما انتقلت إلي بيدمونت و جعلت الملك يتانزل عن حكمه لولي عهده و لكن تحركة جيوش النمسا و سرعان ما استعادة زمام الأمور و اخمدت الثورة في كل مكان .
وعلى اثر قيام ثورة سنة 1830 في فرنسا تجددت ثورات الكاربوناري , و تركزت في الولات الباباوية و دوقيات الوسط , و تمكن الثوار من السيطرت على بعض هذه الدوقيات لكن سرعان ما ان تحرك الجيش النمساوي وقضى على تجمعاتهم , ولم تقدم فرنسا بعد نجاح الثورة فيها على المساعدة التي كان ينتظرونها الأيطاليين لكن ساعدة في قمع الثورة بعد تجددها في الولايات الباباوية في عام 1832 .
وكان سبب فشل ثورات الكاربوناري ترجع اخفاقها بسبب عدم انتشارها بين صفوف الشعب و طبقاته المختلفه , و أيضاً عدم وضوح افكارها .
جمعية إيطاليا الفتاة
جوزيف ماتزيني
ومن بين اعضاء الكاربوناري السابقين برزت شخصية جوزيف ماتزيني (1805-1782)Mazzini الذي كرس حياته لتحقيق الوحدة الأيطالية, وتعرض في سبيل ذالك إلي السجن و النفي و صدر عليه حكم غيابي بالأعدام و اسس ماتزيني 1831 وهو في المنفى في مارسيليا جمعية أيطاليا الفتاة , و اشعل في قلوب مواطنيهنار الوطنية وزودهم بقوة الأمل بأن ((أيطاليا ملكة العالم , و ارض دانتي , مركز الباباوية , مهد النهضة ,ومبعث النور و الحرية لن تموت , بل ستبعث و تعيد سيرتها الأولى)) و قال ذالك لن يحدث إلى إذا قدم الأيطاليون ارواحهم فداء للوطن و عانوا من النفي و السجن بسبب المعتدي الغاصب النمسا و حدد ماتزيني الهدف الذي يسعى إليه وهو إقامة الجمهورية في إيطاليا الموحدة .
وهكذا لم تكن إيطاليا الفتاة مجرد حزب او جمعية إنما كانت روح سرت في إيطاليا بعثت فيها الحيوية و الأقدام و لهذا اطلق على ماتزيني ((روح الثورة الأيطالية))و((نبي الوحدة الأيطالية))
الأحزاب السياسية
إلي جانب إيطالية الفتاة ظهرت بعض الأحزاب الأخرى التي سعت أيضاً إلي توحيد إيطاليا و النهوض بأبنائها , وان اختلفت في إيطاليا الفتاة عن عدم إيمانها بالأتجاه الجمهوري ومن اهم هذه الأحزاب:
الحزب الباباوي الاتحادي: الذي تزعمه البابا بيوس التاسع الذي قام بإطلاق سراح المعتقليين السياسين , ووافق على انشاء مجلس استشاري من العلماننين , و جيش اهلي يحل محل المرتزقه , و انشأ مجلساً بلدياً لمدينة روما , وساوى القساوسة بالأهالي في دفع الضرائب و قد ازعجت هذه الأصلاحات طاغيت النمسا مترنيخ و صرح قائلاً : لقد كنا نتوقع كل شيء ماعدا ظهور بابا حر , و الأن قد ظهر فلا حد لما سنراه في المستقبل))
الحزب الملكي: الذي تزعمه المللك شارل البرت بيدمونت منذ 1831 و هو الذي اخذ يتجاوب معا الحركات الحرة ووافق على مراجعة القانون الجنائي وتخفيض الرقابة على المطبوعات , و تعديل قانون الأجتماعات العامة , واعلن استعداده لخوض حرب ضد النمسا لتحرير إيطاليا .
كافور و نهضت بيدمونت
رغم فشل الثورات التي سبق ذكرها إلا ان إيطاليا لم ترضخ للهزيمة , إذ وعت الحرب , وبدأت الأستعداد لجولة جديده من الكفاح , وانعقد الأمال في هذه المرحلة بملكها الجديد فيكتور عمانويل , الذي تولى العرش سنة 1849 بعد تنازل والده شارل ألبرت نتيجه لهزيمت نتيجة لهزيمته من النمسا , وقد اعلن فيكتور عمانويل استمرار تأييده للحكم الدستوري , وعمل على النهوض بالمللكة و تنمية ثروتها و تعزيز جيشها لتستطيع القيام بالمهمة المرجوة منها .
كافور
وفي هذه الفتره لمع النجم السياسي كافور (1810-1861)وقد تولى كافور وزارة الزراعة سنة 1850 , و اصبح رئيساً للوزراء سنة 1852 , ورغم انه كان ينتسب لطبقة النبلاء إلا انه كان يؤمن بالمبادئ الحرة و العدالة الأجتماعية و النظم الدستورية , وكان يتولى في ذالك الوقت جريده يوميه ذات اتجاه حره , وإلى جانب ذالك كان كافور يتصف بالولاء و الأخلاص الشديد لأيطاليا و لقضية الوحده , واهلته كل تلك الصفات ليلعب دور اساسي في توحيد إيطاليا.
وضع كافور سياسه ذات شقين : داخلي و خارجي ,حتى تتمكن بيدمونت من ان تلعب دورها التاريخي المنتظر.
أ-ففي مجال السياسة الداخلي:-
اهتم كافور بالزراعة و الصناعة و عقد المعاهدات التجارية و شجع على تأسيس الجمعيات التعاوينه و البنوك و انشأ السكك الحديدية و كما اعاد تنظيم الجيش و تسليحه.
ب_وفي مجال السياسة الخارجية:-
عمل على بحث حليف يساعد في حربه القادمه معا النمسا و هذا الحليف هو فرنسا , لذلك انضم معا فرنسا و بريطانيا ضد روسيا في حرب القرم 1853 - 1856 بهدف كسب صداقة و تأييد فرنسا على وجه الخصوص .
وعقد اتجماع سري بين كافور و ملك فرنسا نابليون الثالث , و اتفق الطرفان بصورة سرية ان تنضم فرنسا بجانب بيدمونت ضد النمسا بشرط ان تكون النمسا هي البادئه بالحرب , و بعد طر النمسا من إيطاليا تنضم المقاطعات إلى بيدمونت و تكونت مملكة شمال إيطاليا , التي تدخل في اتحاد معا مملكة إيطاليا الوسطه و مملكة نابولي و روما, و يتولى البابا زعامة هذه الدول الأتحادية و تكون مكافأة فرنسا الحصول على مقاطعتي نيس و سافوي من بيدمونت .
الحرب معا النمسا
بعد ان عقد كافور هذا الأتفاق مع نابليون الثالث و عمد على استفزاز النمسا حتى اعلنت الحرب على بيدمونت في ابريل سنه 1859 , وقامت بالهجوم على أراضي بيدمونت , و دخلت فرنسا الحرب , و هزم النمساويون و اضطروا إلي الأنسحاب , وقامت الثورات في توسكانيا و مورينا و بارما و في الولايات الباباوية, و يبدو أن نابليون تخوف من الروح الثورية , فعقد هدنة منفردة مع النمسا , و اتفق مع إمبراطورها في يوليو 1859على أن تتنازل النمسا عن لمبارديا لبيدمونت ويعاد الأمراء إلي إماراتهم بشرط العفو عن رعاياهم الثوريين (كان الشعب قد قام بطرد و أعلن الانضمام إلي بيدمونت)
وعندما وجدت بيدمونت وحيده في مواجهت النمسا اضطر المللك عمانويل إلي قبول الشروط السابقه , و استقال كافور غاضباً من خيانة نابليون من تخاذل الملك , لأنه اعتبر الحصول على لمبارديا فقط لا يحقق الأماني التي كان يعقدها على نتائج الحرب.
ولكن الشعب الثائر في توسكانيا وبارما و مورينا و روما رفض الخضوع لحكامه السابقين , و أصر على الأنضمام إلي بيدمونت , مما حدا بكافور إلي العودة إلي السلطة في يناير 1860 , ودخل في مفاوضات جديده مع نابليون الثالث ليحصل على موافقته على ضم تلك الإمارات إلي بيدمونت مقابل حصول فرنسا على نيس و سافوي (اللتين لم تحصل عليهما فرنسا نتيجت انسحابها من الحرب)ووافق نابليون بشرط إجراء استفتاء للأهالي , و فعلاً أجري الأستفتاء ووافق الأغلبية على الأنضمام لبيدمونت , و في نفس الشهر حصلت فرنسا على الثمن و هما نيس و سافوي.
وهكذا خطت حركة الوحدة الأيطالية خطوة كبيرة في طريق النجاح , ولم يبق لتحقيق الوحدة الكاملة سوى ضم نابولي و البندقية و الممتلكات الباباوية (بما فيها روما).
غاريبالدي و ضم نابولي
لما كانت هناك صعوبات جمة تعترض ضم البندقية و الممتلكات الباباوية , فقد آثر كافور البدء بضم نابولي , و عهد كافور بهذه المهمة إلي غاريبالدي.
غاريبالدي
ويعتبر غاريبالدي (1807-1882) من الشخصيات الفذة التي أنجبتها إيطاليا في القرن التاسع عشر, ولقد لعبدوراً عظيما في حركة الوحدة الأيطالية لا يقل عن الدور الذي لعبه كل من ماتزيني و كافور , وإذا كان ماتزيني هو (روح الحركة) , وكافور هو عقلها المدبر , فإن غاريبالدي الجندي الشجاع و المقاتل الباسل كان يد الحركة الضاربة و سلاحها المشهر في وجه اعدائها .
آمن غاريبالدي في مطلع شبابه بأفكار ماتزيني و اشترك في الثورات في الثورات و المؤامرات التي قامت سنة 1835 , وفر عتلى أثرها إلي امريكا الجنوبية , حيث اشترك في حرب العصابات هناك ضد الأسبان ,ثم عاد إلى إيطاليا والتحق بقوات بيدمونت في حربها في حربها ضد النمسا سنة 1848 وبعد هزيمة بيدمونت في هذه الحرب ساهم مع ماتزيني في تأسيس جمهورية روما سنة 1849 , و ناضل نضال المستميت دفاعاً عن هذه الجمهورية ضد قوات فرنسا الغازية, ولكنه بعد هذه التجربة الفاشله تراجع عن افكاره الجمهورية وأيد سياسة كافور و فيكتور عمانويل , و كان هو بطل الحرب ضد النمسا 1859.
وفي مايو 1860 كون غاريبالدي فرقة من 1000 رجل عرفوا باسم القمصان الحمراء نزل بهم في جزيرة صقليه و استولى على العاصمة ((باليرمو)) ثم عبر المضيق و تقدم شمالاً و دخل مدينة نابولي عاصمة المملكة في سبتمبر 1860 ولم يبق امامه سوى بعض الحصون و تصبح المملكة في قبضته .
وهنا امر كافور ان تتحرك قوات بيدمونت لمعاونة بيدمونت غاريبالدي , لوقف مؤامرات البابا الغاضب على بيدمونت لضمها لروما , وهدد البابا بأعلان الحرب الدينية على بيدمونت و هزمت قوات البابا اما بيدمونت و احتل جيش بيدمونت أملاك البابا ما عدا روما , ثم تقدموا في اراضي نابولي و انضموا إلى غاربيالدي , و تعاون الجيشان في اخضاع باقي اراضي نابولي , و في اكتوبر سنو 1860 اجري استفتاء في نابولي و صقليه ووافقوا على الأنضمام إلى بيدمونت .
وفي 17 مارس سنة 1861 اعلن اول برلمان إيطالي قيام ((مملكة إيطاليا)) و نودي فيكتور عمانويل ملكاً عليها وقامت الحكومة على اساس دستور بيدمونت سنة 1848.
وفي 6 يونيو السنة نفسها توفي كافور بعد ان قدم لإيطاليا اجل الخدمات , وقد اتصف خلال الفترة التي تولى فيها الحكم تمتع بالجرأة مع الأعتدال ,بالصبر مع بعد النظر و بالمهارة السياسية الفائقة .
أتمام الوحدةالأيطالية
في مايو 1866 عقد تحالف بين إيطاليا و بروسيا(ألمانيا الشرقية) , و في الشهر التالي دخل الطرفان الحرب ضد النمسا و رغم هزيمة إيطاليا في البر و البحر, فإن انتصار بروسيا ادى إلى تنازل النمسا عن البندقية لتنضم إلي إيطاليا في يوليو سنة 1866.
وبقيت روما وحدها خارج نطاق إيطاليا , وكانت فرنسا تقوم بحماية مركز البابا , و فشلت محاولات غاريبالدي في الأستلاء عليها بل انه وقع في الأسر خلال إحدى المعارك , ولكن انسحاب فرنسا من روما سنة 1870 عند قيام الحرب الفرنسية - البروسية و هزيمة فرنسا في موقعة سيدان , اتاح للإيطاليين الفرصة , فدخلوا روما التي انضمت إلي إيطاليا سنة 1870 و اصبحت عاصمة لها .
عانت ايطاليا لعدة قرون تمزقاً سياسياً و خضوعاً للقوى الأجنبية , فقد عانت منذ قرون عدة على النزاع من الشرق و الغرب , وقد اتيح لأيطاليا ان تشهد فترة قصيرة من الهدوء في عهد نابليون بونابرت الحاكم الفرنسي الذي سيطر على جميع اوروبا حيث قسم ايطاليا إلى 3 مناطق خضعت كلها للنفوذ الفرنسي المباشر او غير مباشر :
أ-منطقة بيدمونت,وكانت تابعة مباشرة للحكومة الفرنسية.
ب-مملكة أيطاليا,وكان يحكمها يوجين بوهارنيه وهو إبن جوزيفين زوجة نابليون.
ج-مملكة نابولي,عين نابليون اخاه ملكاً عليها.
و قد نقل نابليون مبادئ الثورة الفرنسية , و قضى على بقايا النظام الأقطاعي وحد من سلطة رجال الدين, و قام بتوحيد قانون الإدارة و البلاد,فحظيت إيطاليا بحكومة رشيدة تسهر على مصالح الشعب و تعنى بحل مشاكله بعد أن كانت مسرحاً للفوضى و الأضطراب لقرون طويلة .
بعد هزيمة نابليون قرر مؤتمر فيينا إعادة البلاد إلي اوضاعها القديمة على النحو التالي:-
أ-لمبارديا و البندقية تخضع لحكم النمسا المباشر
ب-مملكة نابولي (الصقليين) تعود إلي حكامها السابقين من أسرة البوربون
ج-الولات الباباوية تعود إلي السيطرة المباشرة لبابا روما
د-دوقيات الوسط تعود إلي حكامها الذي ينتمون إلي أسرة الهابسبرج النمساوية.
هـ- مملكة بيدمونت تعود حكمها إلي أسرة سافوي SAVOY الأيطالية.
وهكذا عادت إيطاليا إلي التمزق و الإنقسام, و خذعت بشكل فعلي لحكم النمسا بزعامت مترنيخ الذي عمد على اخماد الحركات الوطنية بكل صرامة , و اتسمت الحكومة التي تولت في هذه الفترة بالرجعية و الفساد, وألغيت القوانين المستنيرة التي ادخلها نابليون إلي إيطاليا,وقضى على حرية الصحافه و كممت الأفواه, وحرمة الأجتماعات و طورد دعاة الوحده و التحرر في كل مكان.
ثورات الكاربوناري
كن الشعب الأيطالي بعد ان هزت مشاعره مبادئ الثورة الفرنسية , احس بمزايا الوحدة , لم يقبل للخضوع لحالة التمزق, وفي مواجهة بطش الحكومات المتحالفة معا النمسا , لجأ الشعب الأيطالي إلي تكوين الجمعيات السرية التي تسعى إلي تحقيق أهدافه القومية , من اشهر هذه الجمعيات جمعية الكاربوناري التي تأسست في نابولي,وانتشرت بين صفوف العسكريين و المثقفيين , وانشئت لها فروع في انحاء إيطاليا.
و في سنة 1820 تمكن الكاريوناري من اشعال الثورة في نابولي و ارغمت الملك على انشاء دستور جديد و سرعان ما انتقلت إلي بيدمونت و جعلت الملك يتانزل عن حكمه لولي عهده و لكن تحركة جيوش النمسا و سرعان ما استعادة زمام الأمور و اخمدت الثورة في كل مكان .
وعلى اثر قيام ثورة سنة 1830 في فرنسا تجددت ثورات الكاربوناري , و تركزت في الولات الباباوية و دوقيات الوسط , و تمكن الثوار من السيطرت على بعض هذه الدوقيات لكن سرعان ما ان تحرك الجيش النمساوي وقضى على تجمعاتهم , ولم تقدم فرنسا بعد نجاح الثورة فيها على المساعدة التي كان ينتظرونها الأيطاليين لكن ساعدة في قمع الثورة بعد تجددها في الولايات الباباوية في عام 1832 .
وكان سبب فشل ثورات الكاربوناري ترجع اخفاقها بسبب عدم انتشارها بين صفوف الشعب و طبقاته المختلفه , و أيضاً عدم وضوح افكارها .
جمعية إيطاليا الفتاة
جوزيف ماتزيني
ومن بين اعضاء الكاربوناري السابقين برزت شخصية جوزيف ماتزيني (1805-1782)Mazzini الذي كرس حياته لتحقيق الوحدة الأيطالية, وتعرض في سبيل ذالك إلي السجن و النفي و صدر عليه حكم غيابي بالأعدام و اسس ماتزيني 1831 وهو في المنفى في مارسيليا جمعية أيطاليا الفتاة , و اشعل في قلوب مواطنيهنار الوطنية وزودهم بقوة الأمل بأن ((أيطاليا ملكة العالم , و ارض دانتي , مركز الباباوية , مهد النهضة ,ومبعث النور و الحرية لن تموت , بل ستبعث و تعيد سيرتها الأولى)) و قال ذالك لن يحدث إلى إذا قدم الأيطاليون ارواحهم فداء للوطن و عانوا من النفي و السجن بسبب المعتدي الغاصب النمسا و حدد ماتزيني الهدف الذي يسعى إليه وهو إقامة الجمهورية في إيطاليا الموحدة .
وهكذا لم تكن إيطاليا الفتاة مجرد حزب او جمعية إنما كانت روح سرت في إيطاليا بعثت فيها الحيوية و الأقدام و لهذا اطلق على ماتزيني ((روح الثورة الأيطالية))و((نبي الوحدة الأيطالية))
الأحزاب السياسية
إلي جانب إيطالية الفتاة ظهرت بعض الأحزاب الأخرى التي سعت أيضاً إلي توحيد إيطاليا و النهوض بأبنائها , وان اختلفت في إيطاليا الفتاة عن عدم إيمانها بالأتجاه الجمهوري ومن اهم هذه الأحزاب:
الحزب الباباوي الاتحادي: الذي تزعمه البابا بيوس التاسع الذي قام بإطلاق سراح المعتقليين السياسين , ووافق على انشاء مجلس استشاري من العلماننين , و جيش اهلي يحل محل المرتزقه , و انشأ مجلساً بلدياً لمدينة روما , وساوى القساوسة بالأهالي في دفع الضرائب و قد ازعجت هذه الأصلاحات طاغيت النمسا مترنيخ و صرح قائلاً : لقد كنا نتوقع كل شيء ماعدا ظهور بابا حر , و الأن قد ظهر فلا حد لما سنراه في المستقبل))
الحزب الملكي: الذي تزعمه المللك شارل البرت بيدمونت منذ 1831 و هو الذي اخذ يتجاوب معا الحركات الحرة ووافق على مراجعة القانون الجنائي وتخفيض الرقابة على المطبوعات , و تعديل قانون الأجتماعات العامة , واعلن استعداده لخوض حرب ضد النمسا لتحرير إيطاليا .
كافور و نهضت بيدمونت
رغم فشل الثورات التي سبق ذكرها إلا ان إيطاليا لم ترضخ للهزيمة , إذ وعت الحرب , وبدأت الأستعداد لجولة جديده من الكفاح , وانعقد الأمال في هذه المرحلة بملكها الجديد فيكتور عمانويل , الذي تولى العرش سنة 1849 بعد تنازل والده شارل ألبرت نتيجه لهزيمت نتيجة لهزيمته من النمسا , وقد اعلن فيكتور عمانويل استمرار تأييده للحكم الدستوري , وعمل على النهوض بالمللكة و تنمية ثروتها و تعزيز جيشها لتستطيع القيام بالمهمة المرجوة منها .
كافور
وفي هذه الفتره لمع النجم السياسي كافور (1810-1861)وقد تولى كافور وزارة الزراعة سنة 1850 , و اصبح رئيساً للوزراء سنة 1852 , ورغم انه كان ينتسب لطبقة النبلاء إلا انه كان يؤمن بالمبادئ الحرة و العدالة الأجتماعية و النظم الدستورية , وكان يتولى في ذالك الوقت جريده يوميه ذات اتجاه حره , وإلى جانب ذالك كان كافور يتصف بالولاء و الأخلاص الشديد لأيطاليا و لقضية الوحده , واهلته كل تلك الصفات ليلعب دور اساسي في توحيد إيطاليا.
وضع كافور سياسه ذات شقين : داخلي و خارجي ,حتى تتمكن بيدمونت من ان تلعب دورها التاريخي المنتظر.
أ-ففي مجال السياسة الداخلي:-
اهتم كافور بالزراعة و الصناعة و عقد المعاهدات التجارية و شجع على تأسيس الجمعيات التعاوينه و البنوك و انشأ السكك الحديدية و كما اعاد تنظيم الجيش و تسليحه.
ب_وفي مجال السياسة الخارجية:-
عمل على بحث حليف يساعد في حربه القادمه معا النمسا و هذا الحليف هو فرنسا , لذلك انضم معا فرنسا و بريطانيا ضد روسيا في حرب القرم 1853 - 1856 بهدف كسب صداقة و تأييد فرنسا على وجه الخصوص .
وعقد اتجماع سري بين كافور و ملك فرنسا نابليون الثالث , و اتفق الطرفان بصورة سرية ان تنضم فرنسا بجانب بيدمونت ضد النمسا بشرط ان تكون النمسا هي البادئه بالحرب , و بعد طر النمسا من إيطاليا تنضم المقاطعات إلى بيدمونت و تكونت مملكة شمال إيطاليا , التي تدخل في اتحاد معا مملكة إيطاليا الوسطه و مملكة نابولي و روما, و يتولى البابا زعامة هذه الدول الأتحادية و تكون مكافأة فرنسا الحصول على مقاطعتي نيس و سافوي من بيدمونت .
الحرب معا النمسا
بعد ان عقد كافور هذا الأتفاق مع نابليون الثالث و عمد على استفزاز النمسا حتى اعلنت الحرب على بيدمونت في ابريل سنه 1859 , وقامت بالهجوم على أراضي بيدمونت , و دخلت فرنسا الحرب , و هزم النمساويون و اضطروا إلي الأنسحاب , وقامت الثورات في توسكانيا و مورينا و بارما و في الولايات الباباوية, و يبدو أن نابليون تخوف من الروح الثورية , فعقد هدنة منفردة مع النمسا , و اتفق مع إمبراطورها في يوليو 1859على أن تتنازل النمسا عن لمبارديا لبيدمونت ويعاد الأمراء إلي إماراتهم بشرط العفو عن رعاياهم الثوريين (كان الشعب قد قام بطرد و أعلن الانضمام إلي بيدمونت)
وعندما وجدت بيدمونت وحيده في مواجهت النمسا اضطر المللك عمانويل إلي قبول الشروط السابقه , و استقال كافور غاضباً من خيانة نابليون من تخاذل الملك , لأنه اعتبر الحصول على لمبارديا فقط لا يحقق الأماني التي كان يعقدها على نتائج الحرب.
ولكن الشعب الثائر في توسكانيا وبارما و مورينا و روما رفض الخضوع لحكامه السابقين , و أصر على الأنضمام إلي بيدمونت , مما حدا بكافور إلي العودة إلي السلطة في يناير 1860 , ودخل في مفاوضات جديده مع نابليون الثالث ليحصل على موافقته على ضم تلك الإمارات إلي بيدمونت مقابل حصول فرنسا على نيس و سافوي (اللتين لم تحصل عليهما فرنسا نتيجت انسحابها من الحرب)ووافق نابليون بشرط إجراء استفتاء للأهالي , و فعلاً أجري الأستفتاء ووافق الأغلبية على الأنضمام لبيدمونت , و في نفس الشهر حصلت فرنسا على الثمن و هما نيس و سافوي.
وهكذا خطت حركة الوحدة الأيطالية خطوة كبيرة في طريق النجاح , ولم يبق لتحقيق الوحدة الكاملة سوى ضم نابولي و البندقية و الممتلكات الباباوية (بما فيها روما).
غاريبالدي و ضم نابولي
لما كانت هناك صعوبات جمة تعترض ضم البندقية و الممتلكات الباباوية , فقد آثر كافور البدء بضم نابولي , و عهد كافور بهذه المهمة إلي غاريبالدي.
غاريبالدي
ويعتبر غاريبالدي (1807-1882) من الشخصيات الفذة التي أنجبتها إيطاليا في القرن التاسع عشر, ولقد لعبدوراً عظيما في حركة الوحدة الأيطالية لا يقل عن الدور الذي لعبه كل من ماتزيني و كافور , وإذا كان ماتزيني هو (روح الحركة) , وكافور هو عقلها المدبر , فإن غاريبالدي الجندي الشجاع و المقاتل الباسل كان يد الحركة الضاربة و سلاحها المشهر في وجه اعدائها .
آمن غاريبالدي في مطلع شبابه بأفكار ماتزيني و اشترك في الثورات في الثورات و المؤامرات التي قامت سنة 1835 , وفر عتلى أثرها إلي امريكا الجنوبية , حيث اشترك في حرب العصابات هناك ضد الأسبان ,ثم عاد إلى إيطاليا والتحق بقوات بيدمونت في حربها في حربها ضد النمسا سنة 1848 وبعد هزيمة بيدمونت في هذه الحرب ساهم مع ماتزيني في تأسيس جمهورية روما سنة 1849 , و ناضل نضال المستميت دفاعاً عن هذه الجمهورية ضد قوات فرنسا الغازية, ولكنه بعد هذه التجربة الفاشله تراجع عن افكاره الجمهورية وأيد سياسة كافور و فيكتور عمانويل , و كان هو بطل الحرب ضد النمسا 1859.
وفي مايو 1860 كون غاريبالدي فرقة من 1000 رجل عرفوا باسم القمصان الحمراء نزل بهم في جزيرة صقليه و استولى على العاصمة ((باليرمو)) ثم عبر المضيق و تقدم شمالاً و دخل مدينة نابولي عاصمة المملكة في سبتمبر 1860 ولم يبق امامه سوى بعض الحصون و تصبح المملكة في قبضته .
وهنا امر كافور ان تتحرك قوات بيدمونت لمعاونة بيدمونت غاريبالدي , لوقف مؤامرات البابا الغاضب على بيدمونت لضمها لروما , وهدد البابا بأعلان الحرب الدينية على بيدمونت و هزمت قوات البابا اما بيدمونت و احتل جيش بيدمونت أملاك البابا ما عدا روما , ثم تقدموا في اراضي نابولي و انضموا إلى غاربيالدي , و تعاون الجيشان في اخضاع باقي اراضي نابولي , و في اكتوبر سنو 1860 اجري استفتاء في نابولي و صقليه ووافقوا على الأنضمام إلى بيدمونت .
وفي 17 مارس سنة 1861 اعلن اول برلمان إيطالي قيام ((مملكة إيطاليا)) و نودي فيكتور عمانويل ملكاً عليها وقامت الحكومة على اساس دستور بيدمونت سنة 1848.
وفي 6 يونيو السنة نفسها توفي كافور بعد ان قدم لإيطاليا اجل الخدمات , وقد اتصف خلال الفترة التي تولى فيها الحكم تمتع بالجرأة مع الأعتدال ,بالصبر مع بعد النظر و بالمهارة السياسية الفائقة .
أتمام الوحدةالأيطالية
في مايو 1866 عقد تحالف بين إيطاليا و بروسيا(ألمانيا الشرقية) , و في الشهر التالي دخل الطرفان الحرب ضد النمسا و رغم هزيمة إيطاليا في البر و البحر, فإن انتصار بروسيا ادى إلى تنازل النمسا عن البندقية لتنضم إلي إيطاليا في يوليو سنة 1866.
وبقيت روما وحدها خارج نطاق إيطاليا , وكانت فرنسا تقوم بحماية مركز البابا , و فشلت محاولات غاريبالدي في الأستلاء عليها بل انه وقع في الأسر خلال إحدى المعارك , ولكن انسحاب فرنسا من روما سنة 1870 عند قيام الحرب الفرنسية - البروسية و هزيمة فرنسا في موقعة سيدان , اتاح للإيطاليين الفرصة , فدخلوا روما التي انضمت إلي إيطاليا سنة 1870 و اصبحت عاصمة لها .