صفحة 1 من 1

المحاضرة الثالثة: السبت، 26 رجب 1433

مرسل: الثلاثاء يونيو 26, 2012 6:46 pm
بواسطة مهند مسمار 313
المحاضرة الثالثة: السبت، 26 رجب 1433 – 16 يونيو 2012

الهوية هي رابطة روحية ضميرية بين الفرد و أمته، بمقتضاها يسعى الفرد إلى إعلاء شأن هذه الأمة بين الأمم. و يسعى أيضاً إلى الحفاظ على مقومات الهوية. و مقومات الهوية هي اللغة و الدين و السلالة و التاريخ و الثقافة و العادات و التقاليد و الرموز (الزي الوطني و العلم). و هذا الوعي بالهوية لا يكون بسواد روح العصبية – لا التعصب – بين أفراد الأمة. و العصبية تعني الاعتزاز و الاعتداد بكل ما يتعلق بالهوية، أما التعصب فيقوم على ازدراء الهويات الأخرى.

"إذا ضعفت العصبية في قوم، رماهم الله بالفشل" – محمد عبده

الهوية تؤدي إلى فكرة التكامل السياسي بين أفراد المجتمع و الترابط الوثيق فيما بينهم. فمقومات هوية الأمة هي عوامل تمايزها عن بقية الأمم. أما أزمة الهوية في على عكس كل ما تقوم عليه فكرة الهوية نفسها. و ازدراء الهوية يمثل أحد أبرز عوامل ظواهر التخلف السياسي. إذ من شأنه تغييب فكرة الترابط الوثيق بين أفراد المجتمع و إشاعة الفرقة و الانقسام في صفوف المجتمع و ما يؤدي ذلك إلى صراعات قد تصل أحياناً إلى حرب أهلية مما ينعكس على كل الجهود التنموية بالتدمير. فالاستقرار عماد التنمية.

و ترتبط أزمة الهوية بغياب فكرة المواطنة. و المواطنة تعني المساواة و الشعور بالحقوق و الواجبات. و إذا انتفت المواطنة انتفى الولاء القومي الواحد فتصير كل جماعة تتجه بولائها إلى انتماء فرعي و تترك الانتماء القومي. و بذلك يتحدد السلوك السياسي بحسب الانتماء الفرعي.

صور لأزمة الهوية:
• الشعور بالدونية:
شعور أفراد الأمة بأنهم ينتمون لأمة متخلفة و أن الآخرين سبقوهم. و هذا ناجم عن التخلف الحضاري.
• شعور الفقراء بعدم الانتماء: ينتج هذا الشعور عن التفاوت الطبقي الحاد و سوء توزيع الموارد الاقتصادية و اتساع الفجوة بين الأغنياء و الفقراء.

التباين العرقي و أزمة الهوية:
معظم مجتمعات العالم الثالث تضم جماعات عرقية عديدة لا ترغب في الحياة المشتركة. و هذا يؤدي إلى ظهور الحركات العرقية التي قد تكون انفصالية أو على الأقل جماعات ارتقائية أو استعلائية. و الجماعات الارتقائية أو الاستعلائية هي التي تسعى للسيطرة على الدولة. أما الحركات الانفصالية فهي تسعى للانفصال و تكوين دولة تجسد هويتها. و يعود السبب في ذلك إلى الطبيعة الجغرافية للعالم الثالث و الحدود السياسية التي خطتها يد المستعمر دون أي اعتبار إلا لمصالحه.

التباين الحضاري و الاقتصادي و أزمة الهوية:
نجد أن الكثير من أبناء العالم الثالث يفقدون الثقة في مجتمعاتهم و ما يحكمها من الأنماط الثقافية و السياسية و الاقتصادية ثم يفقدون الثقة في مقومات الهوية ذاتها. و لهذا نجد مفكرين مثل قاسم أمين و طه حسين و غيرهما يطالبون أبناء بلدانهم بالتخلي عما يحكمهم من قيم موروثة و إبدالها بقيم الغرب معتبرين أن ذلك هو السبيل الوحيد لمن أراد التقدم و التمدن.

و لما كانت اللغة من أبرز مقومات الهوية، فقد ظهرت دعوات تناصر أولئك الداعين إلى إحلال كل ما هو غربي في تفاصيل حياة مجتمعات العالم الثالث و من بينها دعوات لإحلال اللغات الأجنبية محل اللغات الأم لتلك البلدان. صحيح أنه في الوقت الحاضر صارت اللغة الإنچليزية ضرورة ملحة، إلا أن استبدالها للحديث في الحياة العامة و التباهي بالإلمام بها كعلامة للتقدم و التحضر فيه تحقير للغة القومية. فسبب التخلف ليس مقومات الهوية ذاتها، بل الكسل و عدم العمل. فهوية الأمة هي الأمة ذاتها.