صفحة 1 من 1

أثر الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية

مرسل: الخميس يونيو 28, 2012 2:31 pm
بواسطة عايد العنزي 36
ميدان العقيدة والدين
فقد كان لمبادئ الحضارة الإسلامية أثر كبير في حركات الإصلاح الدينية التي قامت في أوروبا منذ القرن السابع حتى عصر النهضة الحديثة، فالإسلام الذي أعلن وحدانية الله في ألوهيته وروبوبيته وأسمائه وصفاته، وتنزيهه عن التجسيم والتشبيه والتعطيل، كما أعلن استقلال الإنسان في عبادته وصلته مع الله وفهمه لشرائعه دون وساطة مخلوق أياًّ كانت منزلته، كان عاملاً كبيراً في تفتيح أذهان شعوب أوروبا إلى هذه المبادئ السامية والتأثر بها مع فتوحات الإسلام في الشرق والغرب، إذ قام في القرن السابع الميلادي في الأوروبيين من ينكر عبادة الصور، ثم قام بعدهم من ينكر الوساطة بين الله وعباده، ويدعو إلى الاستقلال في فهم الكتب المقدسة بعيداً عن سلطان رجال الدين ومراقبتهم، ويؤكد كثير من الباحثين أن "لوثر" في حركته الإصلاحية كان متأثراً بما قرأه عن للعلماء المسلمين من آراء في العقيدة والوحي، وقد كانت الجامعات الأوروبية في عصره لا تزال تعتمد على كتب العلماء المسلمين التي ترجمت إلى اللاتينية

ميدان التشريع
لم يقتصر أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الأوروبية على العقيدة والدين والعلوم التطبيقية واللغة، بل تعداه ليشمل مجال التشريع، حيث كان لاتصال الطلاب الأوروبيين بالمدارس والجامعات الإسلامية في الأندلس وغيرها أثر كبير في نقل مجموعة من الأفكار الفقهية والتشريعية إلى لغاتهم، ففي عهد نابليون في مصر ترجم أشهر كتب الفقه المالكي إلى اللغة الفرنسية، ومن أوائل هذه الكتب "كتاب الخليل" الذي كان نواة للقانون المدني الفرنسي، وقد جاء متشابهاً إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي

ميدان العلوم التطبيقية
في الفترة الذهبية من تاريخ الإسلام، أنشئت المدارس والجامعات في مختلف البلاد الإسلامية شرقاً وغرباً، وكثرت المكتبات وامتلأت بالمؤلفات في شتى العلوم من طب ورياضيات وكيمياء وجغرافيا وفلك. اجتذبت هذه المدارس والجامعات والمكتبات الباحثين الأوروبيين عن المعرفة، وكانوا شديدي الإعجاب والشغف بكل ما يدرسون ويقرأون من هذه العلوم في جو من الحرية لا يعرفون له مثيلاً في بلادهم، ففي الوقت الذي كان علماء المسلمين يتحدثون في حلقاتهم العلمية ومؤلفاتهم عن دوران الأرض وكرويتها وحركات الأفلاك والأجرام السماوية، كانت عقول الأوروبيين تمتلئ بالخرافات والأوهام عن هذه الحقائق كلها، ومن ثم ابتدأت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية، وغدت كتب علماء المسلمين تدرس في الجامعات الأوروبية

ميدان اللغة والأدب
فقد تأثر الأوروبيون وخاصة شعراء الأسبان بالأدب العربي تأثراً كبيراً، فقد دخل أدب الفروسية والحماسة والمجاز والتخيلات الراقية إلى الآداب الأوروبية عن طريق الأدب العربي في الأندلس على الخصوص، يقول الكاتب الأسباني المشهور أبانيز " إن أوروبا لم تكن تعرف الفروسية ولا تدين بآدابها المرعية ولا نخوتها الحماسية قبل وفود العرب إلى الأندلس وانتشار فرسانهم وأبطالهم في أقطار الجنوب"، كما تأثرت اللغات الأوروبية على اختلافها باللغة العربية حيث دخلت فيها كلمات عربية في مختلف نواحي الحياة حتى أنها لتكاد كما هي في اللغة العربية، كالقطن والمسك والشراب والجرة والليمون وغير ذلك مما لا يحصى٩٠.
من هنا يتبين لنا أن الحضارة الإسلامية قد أسهمت في وضع أساس الحضارات الحديثة بنصيب موفور وأن فضلها عليها واضح غير منكور، وفي الحق، إن الحضارة الإسلامية قد أحدثت ثورة علمية عَمَّ خيرها العالم الإنساني كله، وقد اعترف بذلك كثير من المفكرين المنصفين الأوروبيين أمثال سارطون وينكلسون ودريبر وزنعريد هونكه، يقول نيكسون: "إن أعمال العرب (أي المسلمين) العلمية اتصفت بالدقة وسعة الأفق. وقد استمد منها العلم الحديث – ما تحمله هذه العبارة من معان - مقوماته بصورة أكثر فعالية مما نفترض٩١". ويقول سيديو: "كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العلم والفلسفة والفنون، وقد نشروهما أينما حلت أقدامهم، وتسربت منهم إلى أوروبا، فكانوا هم سبباً في نهضتها وارتقائها".