- الجمعة يونيو 29, 2012 2:22 am
#51938
سعت الولايات المتحدة الأمريكية في عقود عدة وعبر العديد من الأشكال لتطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني، وقد أخذت محاولات واشنطن عديدًا من الطرق أولها: إبرام اتفاقيات سلام مع بعض الدول العربية وتكبيل هذه الدول بالتزامات تفتح أبوابها وأسواقها على مصراعيها أمام الساسة ورجال الأعمال الصهاينة، وفشلت هذه المساعي بسبب عدم جدية العدو الصهيوني في تنفيذ التزامات الاتفاقيات التي وقعها ورفض الشعوب العربية التطبيع مع هذا الكيان، وربط الأمر بتسوية لم تتحقق مع الفلسطينيين والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.
ورغم أن واشنطن وتل أبيب لم تيأسا من عدم تحقيق النجاح المتوقع وواصلتا مساعيهما لعقد قمم اقتصادية بدأت في الدار البيضاء والقاهرة والدوحة لتطبيع العلاقات الاقتصادية بعيدًا عن الملف السياسي، إلا أن هذه المحاولات كان مصيرها الفشل نتيجة تعقد الأمور وتحدي الكيان الصهيوني لمشاعر العالمين العربي والإسلامي، واستمرار انتهاكاتها للمقدسات وتصفيتها المنظمة للشعب الفلسطيني، وسائل التطبيع التقليدية لم تفلح في تحطيم جدار الرفض العربي للتطبيع مع العدو الصهيوني بعد توقف أي مفاوضات بشأن تعاون اقتصادي إقليمي، وتراجع رجال الأعمال العرب عن استكمال مفاوضاتهم مع نظرائهم الكيان الصهيوني؛ إلا أن هذه التطورات المعقدة لم تفت في عضد واشنطن التي سعت لتطوير وسائلها لتمكين الكيان الصهيوني من اختراق العالم العربي، وقد جاءت محاولتها الأخيرة مواكبة للمسميات الجديدة التي ملأت بها الميديا الأمريكية العالم ضجيجًا مثل العولمة والكوكبة وما إلى ذلك، وتحقيقًا لمخطط شيمون بيريز (رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق) حول الشرق أوسطية، ودمج الكيان الصهيوني في اقتصاديات المنطقة.
تطبيع بلقمة العيش:
وقد كرست واشنطن جهودها لإنجاح محاولتها هذه المرة عبر اتفاق تجاري نادر ومفصل لخدمة المساعي الصهيونية، ولا مثيل له في أي اتفاق تجاري بين أمريكا وجميع دول العالم، حيث تشترط الولايات المتحدة على دول المنطقة التي تريد أن تدخل منتجاتها السوق الأمريكية أن يكون هذا المنتج قد تم إنتاجه بمكون الكيان الصهيوني حتى ولو بنسبة صغيرة 8 % أو 11 % المهم أن هذه النسبة الصغيرة من مكون الكيان الصهيوني ستدخل في أي منتج عربي كشرط لدخول السوق الأمريكية، ويعني وجود المكون الصهيوني في أي سلعة عربية تدخل أمريكا وجود اتصالات وزيارات وتعاون مشترك بين أصحاب المصانع ورجال الأعمال في الدول العربية ونظرائهم في الكيان الصهيوني، وبذلك يتحقق الغرض الكيان الصهيوني والأمريكي في ضمان الهيمنة والسيطرة على المنطقة من خلال التحكم في اقتصادياتها.. عبر اتفاقية يطلق عليها -الكويز-، أي المناطق الصناعية المؤهلة.. بداية هذا الاتفاق كان بين أمريكا والكيان الصهيوني ثم رأت الولايات المتحدة تطويره وتعميمه على دول المنطقة بما يخدم المصالح الصهيونية.
ويشترط للاستفادة من اتفاقية -الكويز- والحصول على الإعفاء أن يكون المنتج قد تم إنتاجه في المناطق الصناعية المؤهلة وفقًا لقواعد المنشأ المعمول بها لدى جمارك الولايات المتحدة، وأن يتضمن نسبة مكون الكيان الصهيوني لا يقل عن 8 % وتصل إلى 17 %، ونسبة أخرى تدخل في الصناعة المؤهلة تمنح السلعة المصدرة منها إعفاءات، ولكنها لا تمنح السلعة الأمريكية الواردة أية إعفاءات؛ بمعنى أن الالتزامات غير متكافئة بعكس اتفاق التجارة الحرة، فإنه يمنح مزايا وإعفاءات ويرتب التزامات متكافئة.. أما الفارق الأساسي فيكمن في أن الإعفاءات من الرسوم الجمركية تبدأ من اليوم الأول لتنفيذ الاتفاقية بنسبة صفر %، بينما في اتفاقية التجارة الحرة تندرج الإعفاءات بنسب متفق عليها لمدة عشر سنوات.
وتوضح القراءة الأولى لهذه الاتفاقية، النادر وجودها على مستوى العالم، أن أمريكا تغازل بها دول المنطقة بمنحها مزايا وإعفاءات جمركية لمنتجاتها التي تشمل مكونًا صهيونيًا.
تجربة تركيا والأردن الفوائد للصهاينة:
فهذه الاتفاقية التي بموجبها تستطيع الدول العربية تصدير منتجاتها بدون جمارك للسوق الأمريكية تعد ميزة اقتصادية.. وكانت تركيا قد سبقت دول المنطقة في توقيع هذه الاتفاقية مع واشنطن بعد تدشين التحالف العسكري مع تل أبيب عام 1996، وتم إنشاء أكثر من 5 مناطق صناعية مؤهلة في تركيا تنفيذًا لاتفاقية الكويز، ورغم أن الصادرات الصناعية التركية قد زادت لواشنطن بمقدار 13 % بعد توقيع هذه الاتفاقية إلا أن رجال أعمال أتراك قد شكوا كثيرًا من رداءة المكون الكيان الصهيوني وعدم جودته وتسببه في حدوث أخطاء فنية في المنتج التركي إلا أنه وسعيًا للاستفادة من مميزات الكويز تجنبوا انتقاد هذه العيوب بصورة متكررة رغمًا عنهم. ورغم ذلك لم يستفد الاقتصاد التركي من هذه المميزات ودخل نفقًا مظلمًا حيث تراكمت المديونيات وأصاب الاقتصاد ركود كبير لدرجة أن تركيا طلبت دعم صندوق النقد والبنك الدوليين للتدخل لإنقاذ اقتصادها من هذا النفق، وكانت الكيان الصهيوني المستفيد الأول من هذه الاتفاقية كون العلاقات التجارية الأمريكية التركية كانت مزدهرة أصلاً، ولم تكن بحاجة لمثل هذه الاتفاقيات.
ورغم عدم تحقيق أنقرة لفوائد جمة من وراء الكويز إلا أن الأردن كانت الدولة التالية لتركيا انضمامًا لهذه الاتفاقية عام 2001، وكان انضمام عمان ذا مغزى كبير، ويعني الكثير لأمريكا والكيان الصهيوني، وقد ضمن الاتفاق دخول تل أبيب كحكومة موقعة على الاتفاق في مفاوضات على نسبة المكون الصهيوني الذي يصدر إلى السوق الأمريكية. وقد أتى توقيع هذا الاتفاق مع واشنطن بعد سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع تل أبيب وواشنطن آخرها اتفاق التجارة الحرة مع أمريكا.. لكن كل هذا الكم لم يحقق للأردن أي فوائد باستثناء زيادة صادراتها لواشنطن بمقدار 400 مليون دولار، وهذا رقم لا يقارن بالإغراءات التي قدمت لعمان التي تواجه سنوات عجافًا منذ 1994، حيث لم تلمس ثمارًا حقيقية للسلام ولا من جراء هذه الاتفاقيات، بل لم يحظ الأردن بالإعفاء من المديونية العالية التي سعى لها اعتمادًا على دوره في عملية السلام.
كويز مصر:
وفي هذا الإطار وقَّعت مصر ظهر الثلاثاء 14/12/2004م أول اتفاقية صناعية واقتصادية مع الكيان الصهيوني، وهي الاتفاقية المعروفة باسم المناطق المؤهلة أو (الكويز). ووفقا لمعلومات رسمية صادرة عن وزارة التجارة المصرية فإن الاتفاق المصري مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة يشير إلى أن قواعد المنشأ المتفق عليها تمثل 35% من قيمة المنتج يتم تصنيعها محليا، على أن تتضمن 11,7% مدخلات الكيان الصهيونية من سعر بيع المصنع، ويمكن استخدام مدخلات أمريكية بحيث لا تتجاوز قيمتها 15%، كما يمكن استخدام مدخلات من قطاع غزة والضفة الغربية.وتم اختيار 3 مناطق صناعية في 7 مناطق جغرافية تتمثل في: 15 مايو، والعاشر من رمضان، وشبرا الخيمة، والبدرشين (القاهرة الكبرى)، وبرج العرب، والعامرية (الإسكندرية)، وبور سعيد لتكون المناطق التي سيشملها الاتفاق، مع إمكانية إضافة مناطق أخرى في المستقبل.وحسب مصادر حكومية فإن المنشآت الصناعية بالمناطق الصناعية المؤهلة التي تم اختيارها تمثل نحو 60% من إجمالي المنشآت الصناعية، كما تستوعب 63% من إجمالي العمالة، ويقدر الاستثمار الصناعي بها بحوالي 58% من إجمالي الاستثمارات، ومعظمها يعمل في صناعة المنسوجات والملابس والأغذية والصناعات الهندسية والمعدنية.وتستفيد من هذا الاتفاق كافة المنتجات المصنعة بالمناطق الصناعية المؤهلة من غذائية أو منسوجات أو أثاث أو صناعات معدنية، كما تستفيد أيضا منه مصانع القطاعين العام والخاص القائمة بهذه المناطق، سواء كانت مصانع صغيرة أو كبيرة.
وتم الاتفاق كذلك على أن يكون تطبيق نظام الكويز اختياريا على المصانع القائمة بالمناطق الصناعية التي تم اختيارها؛ حيث إن المصانع تتمتع بحرية تطبيق هذا النظام.ولا يوجد بالاتفاق توقيت زمني لانتهاء المزايا الممنوحة بمقتضى هذه التيسيرات، وإنما تعد مرحلة انتقالية تمهيدا لتطبيق اتفاق منطقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما لا توجد أي التزامات ضمن التيسيرات المقدمة بضرورة وجود مساهمة الكيان الصهيونية في رؤوس أموال المشروعات بهذه المناطق.
ما هو الكويز؟
كلمة كويز (Q.I.Z) اختصار إنجليزي لعبارة: "المناطق الصناعية المؤهلة" التي طرحها الكونجرس الأمريكي في 1996؛ بهدف دعم السلام في منطقة الشرق الأوسط. وهذه المناطق توافق عليها الحكومة الأمريكية، بينما يتم تصميمها من قبل السلطات المحلية في الدول الراغبة في توقيع الاتفاق كمنطقة مغلقة ومحددة، وتدخل صادرات هذه المنطقة إلى الولايات المتحدة دون حصص أو رسوم جمركية أو ضرائب أخرى.
ويشترط للاستفادة من الكويز والحصول على الإعفاء أن يكون المنتج قد تم إنتاجه في المناطق الصناعية المؤهلة وفقا لقواعد المنشأ المعمول بها لدى جمارك الولايات المتحدة، وأن يتضمن نسبة مكون الكيان الصهيوني لا يقل عن 8% وتصل إلى 17%، وأيضا نسبة أخرى من المكونات الأمريكية قد تصل إلى 15%.وقواعد المنشأ يقصد بها الأنظمة التي تحدد نسب المكونات أو المدخلات التي تم استخدامها في صناعة أو إنتاج السلعة؛ مما أضفى عليها صفة "السلعة"، ويؤدي لإمكانية كتابة "صنعت في دولة كذا" عليها. ومن ثم لا يجوز اعتبار أي سلعة تجارية جديدة أو مختلفة لمجرد أنها حصلت على عمليات جمع أو تغليف بسيطة لا تغير خصائصها من الناحية المادية.
غير أنه في الوقت الذي يمنح الكويز إعفاءات للسلعة المصدرة من المنطقة الصناعية الداخلة في الاتفاق؛ فإنه لا يمنح السلعة الأمريكية الواردة أي إعفاءات؛ بمعنى أن الالتزامات غير متكافئة؛ أي معاملة تفضيلية من جانب واحد، بعكس اتفاق التجارة الحرة؛ فإنه يمنح مزايا وإعفاءات، ويرتب التزامات متكافئة. أما الفارق الأساسي فيكمن في أن الإعفاءات من الرسوم الجمركية تبدأ في الكويز منذ اليوم الأول لتنفيذ الاتفاقية بنسبة صفر%، بينما في اتفاقية التجارة الحرة تتدرج الإعفاءات بنسب متفق عليها لمدة 10 سنوات.
والمناطق الصناعية المؤهلة هي عبارة عن مساحات أرضية تحدد من قبل مصر والولايات المتحدة، تخصص للإنتاج الذي يصدر إلى الأسواق الأمريكية بدون رسوم أو جمارك وبدون قيود علي الكميات المصدرة، مما يميزها بالتالي عن مثيلاتها المصدرة إلى الولايات المتحدة من المناطق والأقطار الأخرى ويشترط في المنتجات التي تؤهل للاستفادة من هذه الاتفاقية أن تكون قد تمت أو أنتجت أو صنعت في نفس المنطقة المؤهلة.
مخاطر تطبيق الكويز المصري:
فسياسياً، يعني هذا النموذج لو تم تعميمه أن أكثر من نصف الدول العربية ستقيم علاقات كاملة مع دولة العدو مقابل مكاسب اقتصادية مشكوكٌ بأمرها من المتاجرة مع أمريكا، وهو ما يشكل تنازلاً كاملاً حتى عن السقف السياسي المتدني أصلاً للمبادرة السعودية المطروحة في قمة بيروت.
واقتصادياً، تتضمن شروط منطقة التجارة الحرة نقطتان أساسيتان لا يكمن أن نراهما بمعزل عن بعضهما: الأولى هي مضي الدول العربية بقوة في خصخصة القطاع العام، والثانية هي حق رأس المال الأمريكي والصهيوني بالعمل بحرية في منطقة التجارة الحرة. والنتيجة الموضوعية لهذين الشرطين، إذا أخذا معاً، هي وضع الأساس المادي والمؤسسي لتغلغل الطرف الأمريكي-الصهيوني في مفاصل الاقتصاديات العربية.
-كما أن إن المؤيدين للاتفاق يغفلون أن اتفاقية الكويز هي إحدى أدوات تحقيق مشروع الشرق الأوسط الذي طرحه شيمون بيريز (زعيم حزب العمل الحالي)، ويهدف إلى دمج الكيان الصهيوني في الاقتصاديات العربية، واستبدال الهيمنة الاقتصادية باحتلال أراضي المنطقة، كما أنه من جهة أخرى تسليم مصري بالمشروع الأمريكي في المنطقة الذي يربط جوائز اتفاقات التجارة الحرة مع دول المنطقة بالتطبيع مع العدو الكيان الصهيوني.
- كما إن وجود مكون الكيان الصهيوني في أي سلعة مصرية تدخل الولايات المتحدة يعني فتح الباب واسعا أمام التجسس الصناعي للكيان الصهيوني. ويذكّر المعارضون للكويز في هذا الصدد بالجاسوس عزام عزام الذي كان يعمل في صناعة النسيج بمدينة العاشر من رمضان، وبأن القضية التي ألقي القبض عليه فيها هي تجسس معظمه صناعي.
- إن المقارنة بين الاقتصاديين المصري والأردني أمر غير علمي وغير صحيح لاختلافهما، كما أن الأردن ليس لديه صناعة نسيج وطنية مثل مصر، بل إن مجلة ميرب الأمريكية في 26/6/ 2003 تشير إلى أن أكثر من 80 بالمائة من الشركات العاملة في المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن شركات آسيوية تنشط في صناعتي النسيج والأمتعة، وأن حوالي نصف العشرين ألف عامل فيها ليسوا من الأردنيين أصلا، هذا في الوقت الذي تسوء فيه ظروف العمل ويتم تجاهل الحد الأدنى للأجور.
- إن مسألة جذب الكويز لاستثمارات أجنبية تقدر بخمسة مليارات دولار لمصر أمر وهمي وغير حقيقي في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية؛ حيث بلغت حوالي 237 مليون دولار فقط في العام الماضي.
- إن هناك خداعا في الحجة التي تطرحها الحكومة بأن تطبيق الجات سيقضي على صناعة المنسوجات، خاصة مع إلغاء نظام الحصص داخل السوق الأمريكية؛ وهو ما سيصعب المنافسة المصرية مع المنتجات الصينية والهندية. وحتى يسهل خداع الرأي العام فقد ضخم المنتفعون بالاتفاق من حجم صادرات المنسوجات إلى الولايات المتحدة وأوصلوها إلى 600 مليون دولار، وبالعودة إلى أرقام العام المالي الأخير 2003 -2004 وجدنا أن صادراتنا من المنسوجات إلى كل دول العالم بلغت 613 مليون دولار مقابل 559 بالعام الأسبق. وكانت المفاجأة من خلال بيانات وزارة التجارة أن التوزيع النسبي لصادرات النسيج عام 2003 كانت النسبة الكبرى فيه للاتحاد الأوربي؛ حيث بلغت 36% من الإجمالي، بينما كانت النسبة المتجهة إلى الولايات المتحدة 28%. ونفس الأمر في عام 2002: بنسبة 37% للاتحاد الأوربي و28% لأمريكا؛ بل إن نصيب دول الاتحاد الأوربي بلغ 52% عام 2000، و54% عام 1999. وهكذا يتناسى هؤلاء أننا حاليا في شراكة مع الاتحاد الأوربي تتيح لنا إعفاء الصادرات المصرية من السلع الصناعية من الرسوم الجمركية ودون أي قيود كمية، ومن هنا قد لا نكون بحاجة إلى دخول السوق الأمريكية عبر بوابة الكيان الصهيوني.
- بالإضافة إلى ضعف القدرة التنافسية للصناعة المصرية بما يحول أصلا دون الاستفادة من الاتفاق، على غرار عدم قدرتها على الاستفادة من اتفاقات أخرى مثل الكوميسا أو الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
- كما إن اختيار عدد من المناطق الصناعية دون غيرها قد يؤدي لفجوة بين العمال وهجرة من منطقة صناعية إلى أخرى، كما أن الاختيار أساسا خضع لمصالح رجال الأعمال؛ فبعض المدن داخل المناطق (مثل البدرشين التي دخلت الكويز) لا تقارَن صناعيا مثلا بالمحلة الكبرى أو الإسماعيلية التي لم تدخل الاتفاق، رغم أنهما من القلاع الصناعة المصرية، وهو الأمر الذي دفع بأصحاب المصانع في الإسماعيلية إلى إعلان استغاثة واعتصام احتجاجا على حرمانهم من الكويز.
– ومن ضمن المخاطر المستقبلية أن اتفاق الكويز مع مصر يفتح الباب أمام تعميم التجربة مع دول عربية؛ بحيث تقيم علاقات تجارية مع الكيان الصهيوني، بما يساعد على زيادة اختراق الكيان الصهيوني للمنطقة العربية.
رأي الخبراء:
السفير جمال الدين بيومي رئيس اتحاد المستثمرين العرب يرى أن اتفاقية الكويز ما هي إلا صورة من صور الضغط الأمريكي على مصر لتسهيل اختراق الكيان الصهيوني للاقتصاد العربي، وإنهاء حالة المقاطعة العربية بكافة درجاتها والتي تسببت في عزلة الكيان الصهيوني اقتصاديًا عن دول المنطقة مشيرًا إلى أن الهدف الأول من اتفاقية الكويز هو دمج اقتصاد الكيان الصهيوني مع اقتصاديات دول المنطقة بعيدًا عن التزامات صهيونية فيما يخص عملية السلام.
وكان على الدول العربية أن تربط هذا الاتفاق بحدوث تقدم في عملية السلام، وأن الضغوط الأمريكية المتتالية على مصر ما هي إلا بداية لمساعي أمريكية لفرض اتفاقية الكويز على الدول العربية وخصوصًا دول الخليج العربي التي ترغب واشنطن في اختراق الكيان الصهيوني لها كونها دول غنية وليست لديها قاعدة صناعية أو بنية تحتية، مما يعطي تل أبيب فرصة ذهبية لتحقيق مكاسب جمة، وهذا ما يؤكده سيل المفاوضات الدائرة مع دول خليجية وعربية عدة للانضمام للاتفاقية.
وأضاف بيومي أنه على الرغم من أن بعض الفوائد التي قد تعود على اقتصاديات الدول الموقعة على الكويز؛ إلا أن هناك شكوكًا حول الهدف الأمريكي الحقيقي ألا وهو تمكين الكيان الصهيوني من اختراق المنطقة والاندماج فيها كعضو سياسي واقتصادي فاعل، وذلك بإعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية للمنطقة بما يتفق وتقاطع المصالح الصهيونية الأمريكية.. كما أن انفتاح المنطقة العربية على السوق العالمية والتجارة الدولية متعددة الأطراف من شأنه أن يدعم المخططات الأمريكية التي تستهدف الهيمنة اقتصاديًا وسياسيًا، ليس على بلدان المنطقة فحسب بل على العالم أجمع.
ومن جانبه يرفض الدكتور حسن عبد الفضيل -الخبير الاقتصادي- اتفاقية الكويز لأنها لا تخدم مصالح الدول العربية، بل تحولها إلى مقرات لصناعات ملوثة للبيئة وإقالة الاقتصاد الصهيوني من عثرته؛ حيث لم يحقق هذا الاقتصاد أي طفرات تنموية في السنوات الأخيرة، كما أن الوضع الاقتصادي الصهيوني متدن جدًا، لذا فاتفاقية كهذه تقدم له طوق النجاة. فهذه اتفاقية سياسية وليست اقتصادية في المقام الأول، تفتح أبواب العالم العربي أمام الصناعات الصهيونية والأمريكية والتي لا تستطيع الصناعات العربية منافستها، وأضاف أن هذه فرصة لنشر المصانع الصهيونية في العالم العربي، وقد تستغل هذه المصانع للإضرار بالبيئة وبصحة المواطن العربي، وليس أدل على ذلك من أحد مصانع البذور الذي اكتشف أخيرًا مدى الأضرار الصحية لمنتجاته على المواطن المصري والزراعة المصرية.. كما أن بنود الاتفاق تعكس انحيازاً كاملاً للكيان الصهيوني وسعيًا لجعله الفائز الأول من اتفاق كهذا.
وتساءل عبد الفضيل لماذا لا تستغل الدول العربية اتفاقيات مثل الشراكة مع الاتحاد الأوروبي البعيدة عن السطوة الصهيونية أو اتفاقيات مع النمور الآسيوية، بدلاً من هذه الاتفاقية التي لا هدف لها إلا إدخال الدول العربية إلى النادي الصهيوني؛ مشيرًا أن إلى الدول العربية ليست أقل من المكسيك والمغرب ودول أمريكا اللاتينية لتوقيع اتفاق تجارة حرة مع واشنطن بدون أن تكون الكيان الصهيوني وسيطًا.
ما هو البديل؟
وقبل التحدث عن البديل يجب أن نبحث أولاً أسباب تدهور صناعة النسيج والتصدير كما حددها الخبراء وهي مجموعة من الأسباب التي تؤثر على القدرة التصديرية لنسيج المصري: الأسباب الداخلية: تتركز في التعنت الواضح من جانب مصلحه الجمارك ضد المصدرين العاملين بنظام السماح المؤقت الذي تعتمد عليه الصناعات التصديرية في كل دول العالم المصدرة لمنتجاتها، وقد ظهر ذلك التعنت بدءا من عام1999 بإصدار قرارات متضاربة ومتعسفة ضد مستخدمي نظام السماح المؤقت مما أربك العمل بالمصانع وتسبب عنه التأخير في الالتزام بشروط التصدير إلى الخارج وكانت النتيجة إحجام عدد من المستوردين الأجانب عن تجديد التعاقدات مع المصانع المصرية وتم إلغاء عدد كبير من الصفقات.
وحول نظام السماح المؤقت يقول السيد كميل شمعون (نائب رئيس المركز المصري للقطن، وأحد المستثمرين اللبنانيين في مصر): إن نظام السماح المؤقت في مصر يعد من أكبر معوقات التصدير وباتخاذ تونس التي تستخدم نفس النظام في تصديرها للملابس كمثال مقارن مع مصر نجد أن واردات المصانع التونسية تصل من الجمارك إلى المصنع خلال24 ساعة في حين يستغرق الإفراج عن الواردات في مصر أسبوعين إلى ثلاثة. وتبلغ نسبه الصادرات السلعية إلى الناتج المحلي في تونس29% ونسبتها في مصر4% ويبلغ نصيب المواطن التونسي من الصادرات600 دولار سنويا بينما هو في مصر63 دولاراً للمواطن.
وفي الإطار نفسه تكشف دراسة لجمعيه مصدري الملابس أن صادرات الملابس الجاهزة تواجه صعوبات متعددة، حيث أصبحت عمليه تسويه الضمانات بالنسبة للمصدرين إجراءً مرهقاً بما تصدره مصلحه الجمارك من قرارات غير ثابتة ومتضاربة واستخدام أساليب الإرهاب للمصانع بالتهديد بإغلاقها أو منع التعامل معها. هذا إلى جانب فرض رسوم جديدة عالية لتجديد الأذون المستخدمة في النظام وتأخير التسويات بسبب الإجراءات الروتينية التي تصر الجمارك على اتباعها، ووجود تناقض واضح بين ما تهدف إليه القيادة السياسية في مصر من تشجيع التصدير وما تتخذه مصلحه الجمارك من إجراءات تعسفية ضد المصدرين وخاصة مصدري الملابس الجاهزة. وتنفي جمعيه مصدري الملابس الجاهزة التهمة عن المصدرين بقولها إنهم لا يحتاجون إلى التهريب بسبب: احتفاظ الجمارك بعينات من الخامات المستوردة لمطابقتها عند التصدير لا يستوردون بضائع مصنعه بل خامات لغزل القطن أو أقمشة معينه غير فاخرة ومستلزمات الإنتاج للملابس. أما التهريب فإنه إما ملابس جاهزة وإما أقمشة فاخرة، وتشير إلى أنه على الرغم من قيام مصدري الملابس بمطالبه مصلحة الجمارك بإصدار دليل إجراءات يوضح خطوات العمل والمستندات المطلوبة والرسوم إلا أن ذلك الدليل لم يصدر بل لا يزال الأمر متروكاً لكل منفذ جمركي ليطبق ما يراه من قرارات صادره عن مصلحه الجمارك وما أكثرها.
وقد اقترحت جمعيه مصدري الملابس الجاهزة عدداً من الحلول منها:
إصدار تعليمات جمركيه واضحة في نظام السماح المؤقت تطبق في جميع المنافذ الجمركية. تجديد الشهادات لمدة عام وبرسم لا يزيد عن مئة جنيه كما جرى العمل عليه في السابق. -الإفراج عن الواردات لمصانع الملابس الجاهزة خلال48 ساعة كحد أقصى. -إعفاء مستلزمات إنتاج الملابس من الجمارك أو فرض رسم جمركي لا يزيد على1% مع إعفاء واردات التيكيت الخاص بالماركات العالمية التي تحمل اسم العلامة والواردة من العملاء لوضعها على الإنتاج المصري المتعاقد عليه من الرسوم الجمركية فهي غير صالحه للاستخدام أو البيع في غير الغرض المخصص له. -وقف العمل بتحسين السعر جزافيا على الواردات، حيث أصبح ذلك الإجراء متبعاً مع مصدري الملابس دون وجود مستندات موثقه لدي الجمارك تبرر ذلك. -إلغاء القرار الصادر في1/3/2001 بتحصيل3% من القيمة نظير التثمين والفحص بشكل قطعي بعد أن كان العمل هو رد الرسوم للمصدر.
وهناك حلول تشريعية تحتاج سلطه الدولة مثل:
تخفيض الرسوم الجمركية علي خيوط الغزل من30% الحالية إلى5% وستقوم معظم مصانع الملابس الجاهزة للتصدير بدفع الجمارك مما يدعم الخزانة المصرية.
تطبيق نظام الحوافز للمصانع المخصصة للتصدير بما لا يتعارض مع التشريعات والقوانين الدولية. ولدى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية خطة مدروسة للحوافز. إن الأمل معقود على وجود كفاية محلية في تزويد مصانع الملابس الجاهزة بالخامات اللازمة للصناعة محلية من مصر ولكن ذلك يتوقف على تفهم رسالة التصدير المصري وحتميته طبقا لمقولة السيد الرئيس: التصدير أو الموت.
-بالإضافة إلى ضرورة العمل علي زيادة القدرة التنافسية لصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة باعتبارها صناعة كثيفة العمالة، وتوفر فرص عمل للمجتمع وتتمتع فيها مصر بمزايا نسبيه.
وفي النهاية لا يصح - ونحن تحت تأثير زيادة الصادرات ـ أن نتنازل عن العديد من الثوابت.. ومنها التعامل مع الصهاينة.. ولا الخضوع لتهديد أي دولة للقبول بالطرف الصهيوني حتى تزيد صادراتنا..
حيث يتساءل الشارع العربي كله ألا يوجد طريق أخر لزيادة الصادرات إلا بالتعاون مع الكيان الصهيوني.. وهل أصبح الكيان الصهيوني وأمريكا هي المنقذ لجميع مشاكلنا حتى صادراتنا.. لماذا اختيار أسهل الطرق وأذلها لزيادة الصادرات.. ولماذا اختيار طريق إلى أمريكا يمر على دماء الأبرياء وجثث الضحايا من النساء والأطفال والعجائز.. لماذا اختيار طريق مملوء بجثث الشهداء الفلسطينيين والمصريين.. ولماذا الإصرار على دعم اقتصاد الكيان الصهيوني والتعاون معه رغم استخفافه بنا لدرجة أنه قتل أبناءنا في رفح من مسافة 20 متر وضربت طائرات الأباتشي صاروخا موجها داخل الحدود المصرية في الوقت الذي كان يجتمع فيه الرئيس مبارك مع وزير التجارة الصهيونية...
ورغم أن واشنطن وتل أبيب لم تيأسا من عدم تحقيق النجاح المتوقع وواصلتا مساعيهما لعقد قمم اقتصادية بدأت في الدار البيضاء والقاهرة والدوحة لتطبيع العلاقات الاقتصادية بعيدًا عن الملف السياسي، إلا أن هذه المحاولات كان مصيرها الفشل نتيجة تعقد الأمور وتحدي الكيان الصهيوني لمشاعر العالمين العربي والإسلامي، واستمرار انتهاكاتها للمقدسات وتصفيتها المنظمة للشعب الفلسطيني، وسائل التطبيع التقليدية لم تفلح في تحطيم جدار الرفض العربي للتطبيع مع العدو الصهيوني بعد توقف أي مفاوضات بشأن تعاون اقتصادي إقليمي، وتراجع رجال الأعمال العرب عن استكمال مفاوضاتهم مع نظرائهم الكيان الصهيوني؛ إلا أن هذه التطورات المعقدة لم تفت في عضد واشنطن التي سعت لتطوير وسائلها لتمكين الكيان الصهيوني من اختراق العالم العربي، وقد جاءت محاولتها الأخيرة مواكبة للمسميات الجديدة التي ملأت بها الميديا الأمريكية العالم ضجيجًا مثل العولمة والكوكبة وما إلى ذلك، وتحقيقًا لمخطط شيمون بيريز (رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق) حول الشرق أوسطية، ودمج الكيان الصهيوني في اقتصاديات المنطقة.
تطبيع بلقمة العيش:
وقد كرست واشنطن جهودها لإنجاح محاولتها هذه المرة عبر اتفاق تجاري نادر ومفصل لخدمة المساعي الصهيونية، ولا مثيل له في أي اتفاق تجاري بين أمريكا وجميع دول العالم، حيث تشترط الولايات المتحدة على دول المنطقة التي تريد أن تدخل منتجاتها السوق الأمريكية أن يكون هذا المنتج قد تم إنتاجه بمكون الكيان الصهيوني حتى ولو بنسبة صغيرة 8 % أو 11 % المهم أن هذه النسبة الصغيرة من مكون الكيان الصهيوني ستدخل في أي منتج عربي كشرط لدخول السوق الأمريكية، ويعني وجود المكون الصهيوني في أي سلعة عربية تدخل أمريكا وجود اتصالات وزيارات وتعاون مشترك بين أصحاب المصانع ورجال الأعمال في الدول العربية ونظرائهم في الكيان الصهيوني، وبذلك يتحقق الغرض الكيان الصهيوني والأمريكي في ضمان الهيمنة والسيطرة على المنطقة من خلال التحكم في اقتصادياتها.. عبر اتفاقية يطلق عليها -الكويز-، أي المناطق الصناعية المؤهلة.. بداية هذا الاتفاق كان بين أمريكا والكيان الصهيوني ثم رأت الولايات المتحدة تطويره وتعميمه على دول المنطقة بما يخدم المصالح الصهيونية.
ويشترط للاستفادة من اتفاقية -الكويز- والحصول على الإعفاء أن يكون المنتج قد تم إنتاجه في المناطق الصناعية المؤهلة وفقًا لقواعد المنشأ المعمول بها لدى جمارك الولايات المتحدة، وأن يتضمن نسبة مكون الكيان الصهيوني لا يقل عن 8 % وتصل إلى 17 %، ونسبة أخرى تدخل في الصناعة المؤهلة تمنح السلعة المصدرة منها إعفاءات، ولكنها لا تمنح السلعة الأمريكية الواردة أية إعفاءات؛ بمعنى أن الالتزامات غير متكافئة بعكس اتفاق التجارة الحرة، فإنه يمنح مزايا وإعفاءات ويرتب التزامات متكافئة.. أما الفارق الأساسي فيكمن في أن الإعفاءات من الرسوم الجمركية تبدأ من اليوم الأول لتنفيذ الاتفاقية بنسبة صفر %، بينما في اتفاقية التجارة الحرة تندرج الإعفاءات بنسب متفق عليها لمدة عشر سنوات.
وتوضح القراءة الأولى لهذه الاتفاقية، النادر وجودها على مستوى العالم، أن أمريكا تغازل بها دول المنطقة بمنحها مزايا وإعفاءات جمركية لمنتجاتها التي تشمل مكونًا صهيونيًا.
تجربة تركيا والأردن الفوائد للصهاينة:
فهذه الاتفاقية التي بموجبها تستطيع الدول العربية تصدير منتجاتها بدون جمارك للسوق الأمريكية تعد ميزة اقتصادية.. وكانت تركيا قد سبقت دول المنطقة في توقيع هذه الاتفاقية مع واشنطن بعد تدشين التحالف العسكري مع تل أبيب عام 1996، وتم إنشاء أكثر من 5 مناطق صناعية مؤهلة في تركيا تنفيذًا لاتفاقية الكويز، ورغم أن الصادرات الصناعية التركية قد زادت لواشنطن بمقدار 13 % بعد توقيع هذه الاتفاقية إلا أن رجال أعمال أتراك قد شكوا كثيرًا من رداءة المكون الكيان الصهيوني وعدم جودته وتسببه في حدوث أخطاء فنية في المنتج التركي إلا أنه وسعيًا للاستفادة من مميزات الكويز تجنبوا انتقاد هذه العيوب بصورة متكررة رغمًا عنهم. ورغم ذلك لم يستفد الاقتصاد التركي من هذه المميزات ودخل نفقًا مظلمًا حيث تراكمت المديونيات وأصاب الاقتصاد ركود كبير لدرجة أن تركيا طلبت دعم صندوق النقد والبنك الدوليين للتدخل لإنقاذ اقتصادها من هذا النفق، وكانت الكيان الصهيوني المستفيد الأول من هذه الاتفاقية كون العلاقات التجارية الأمريكية التركية كانت مزدهرة أصلاً، ولم تكن بحاجة لمثل هذه الاتفاقيات.
ورغم عدم تحقيق أنقرة لفوائد جمة من وراء الكويز إلا أن الأردن كانت الدولة التالية لتركيا انضمامًا لهذه الاتفاقية عام 2001، وكان انضمام عمان ذا مغزى كبير، ويعني الكثير لأمريكا والكيان الصهيوني، وقد ضمن الاتفاق دخول تل أبيب كحكومة موقعة على الاتفاق في مفاوضات على نسبة المكون الصهيوني الذي يصدر إلى السوق الأمريكية. وقد أتى توقيع هذا الاتفاق مع واشنطن بعد سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع تل أبيب وواشنطن آخرها اتفاق التجارة الحرة مع أمريكا.. لكن كل هذا الكم لم يحقق للأردن أي فوائد باستثناء زيادة صادراتها لواشنطن بمقدار 400 مليون دولار، وهذا رقم لا يقارن بالإغراءات التي قدمت لعمان التي تواجه سنوات عجافًا منذ 1994، حيث لم تلمس ثمارًا حقيقية للسلام ولا من جراء هذه الاتفاقيات، بل لم يحظ الأردن بالإعفاء من المديونية العالية التي سعى لها اعتمادًا على دوره في عملية السلام.
كويز مصر:
وفي هذا الإطار وقَّعت مصر ظهر الثلاثاء 14/12/2004م أول اتفاقية صناعية واقتصادية مع الكيان الصهيوني، وهي الاتفاقية المعروفة باسم المناطق المؤهلة أو (الكويز). ووفقا لمعلومات رسمية صادرة عن وزارة التجارة المصرية فإن الاتفاق المصري مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة يشير إلى أن قواعد المنشأ المتفق عليها تمثل 35% من قيمة المنتج يتم تصنيعها محليا، على أن تتضمن 11,7% مدخلات الكيان الصهيونية من سعر بيع المصنع، ويمكن استخدام مدخلات أمريكية بحيث لا تتجاوز قيمتها 15%، كما يمكن استخدام مدخلات من قطاع غزة والضفة الغربية.وتم اختيار 3 مناطق صناعية في 7 مناطق جغرافية تتمثل في: 15 مايو، والعاشر من رمضان، وشبرا الخيمة، والبدرشين (القاهرة الكبرى)، وبرج العرب، والعامرية (الإسكندرية)، وبور سعيد لتكون المناطق التي سيشملها الاتفاق، مع إمكانية إضافة مناطق أخرى في المستقبل.وحسب مصادر حكومية فإن المنشآت الصناعية بالمناطق الصناعية المؤهلة التي تم اختيارها تمثل نحو 60% من إجمالي المنشآت الصناعية، كما تستوعب 63% من إجمالي العمالة، ويقدر الاستثمار الصناعي بها بحوالي 58% من إجمالي الاستثمارات، ومعظمها يعمل في صناعة المنسوجات والملابس والأغذية والصناعات الهندسية والمعدنية.وتستفيد من هذا الاتفاق كافة المنتجات المصنعة بالمناطق الصناعية المؤهلة من غذائية أو منسوجات أو أثاث أو صناعات معدنية، كما تستفيد أيضا منه مصانع القطاعين العام والخاص القائمة بهذه المناطق، سواء كانت مصانع صغيرة أو كبيرة.
وتم الاتفاق كذلك على أن يكون تطبيق نظام الكويز اختياريا على المصانع القائمة بالمناطق الصناعية التي تم اختيارها؛ حيث إن المصانع تتمتع بحرية تطبيق هذا النظام.ولا يوجد بالاتفاق توقيت زمني لانتهاء المزايا الممنوحة بمقتضى هذه التيسيرات، وإنما تعد مرحلة انتقالية تمهيدا لتطبيق اتفاق منطقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما لا توجد أي التزامات ضمن التيسيرات المقدمة بضرورة وجود مساهمة الكيان الصهيونية في رؤوس أموال المشروعات بهذه المناطق.
ما هو الكويز؟
كلمة كويز (Q.I.Z) اختصار إنجليزي لعبارة: "المناطق الصناعية المؤهلة" التي طرحها الكونجرس الأمريكي في 1996؛ بهدف دعم السلام في منطقة الشرق الأوسط. وهذه المناطق توافق عليها الحكومة الأمريكية، بينما يتم تصميمها من قبل السلطات المحلية في الدول الراغبة في توقيع الاتفاق كمنطقة مغلقة ومحددة، وتدخل صادرات هذه المنطقة إلى الولايات المتحدة دون حصص أو رسوم جمركية أو ضرائب أخرى.
ويشترط للاستفادة من الكويز والحصول على الإعفاء أن يكون المنتج قد تم إنتاجه في المناطق الصناعية المؤهلة وفقا لقواعد المنشأ المعمول بها لدى جمارك الولايات المتحدة، وأن يتضمن نسبة مكون الكيان الصهيوني لا يقل عن 8% وتصل إلى 17%، وأيضا نسبة أخرى من المكونات الأمريكية قد تصل إلى 15%.وقواعد المنشأ يقصد بها الأنظمة التي تحدد نسب المكونات أو المدخلات التي تم استخدامها في صناعة أو إنتاج السلعة؛ مما أضفى عليها صفة "السلعة"، ويؤدي لإمكانية كتابة "صنعت في دولة كذا" عليها. ومن ثم لا يجوز اعتبار أي سلعة تجارية جديدة أو مختلفة لمجرد أنها حصلت على عمليات جمع أو تغليف بسيطة لا تغير خصائصها من الناحية المادية.
غير أنه في الوقت الذي يمنح الكويز إعفاءات للسلعة المصدرة من المنطقة الصناعية الداخلة في الاتفاق؛ فإنه لا يمنح السلعة الأمريكية الواردة أي إعفاءات؛ بمعنى أن الالتزامات غير متكافئة؛ أي معاملة تفضيلية من جانب واحد، بعكس اتفاق التجارة الحرة؛ فإنه يمنح مزايا وإعفاءات، ويرتب التزامات متكافئة. أما الفارق الأساسي فيكمن في أن الإعفاءات من الرسوم الجمركية تبدأ في الكويز منذ اليوم الأول لتنفيذ الاتفاقية بنسبة صفر%، بينما في اتفاقية التجارة الحرة تتدرج الإعفاءات بنسب متفق عليها لمدة 10 سنوات.
والمناطق الصناعية المؤهلة هي عبارة عن مساحات أرضية تحدد من قبل مصر والولايات المتحدة، تخصص للإنتاج الذي يصدر إلى الأسواق الأمريكية بدون رسوم أو جمارك وبدون قيود علي الكميات المصدرة، مما يميزها بالتالي عن مثيلاتها المصدرة إلى الولايات المتحدة من المناطق والأقطار الأخرى ويشترط في المنتجات التي تؤهل للاستفادة من هذه الاتفاقية أن تكون قد تمت أو أنتجت أو صنعت في نفس المنطقة المؤهلة.
مخاطر تطبيق الكويز المصري:
فسياسياً، يعني هذا النموذج لو تم تعميمه أن أكثر من نصف الدول العربية ستقيم علاقات كاملة مع دولة العدو مقابل مكاسب اقتصادية مشكوكٌ بأمرها من المتاجرة مع أمريكا، وهو ما يشكل تنازلاً كاملاً حتى عن السقف السياسي المتدني أصلاً للمبادرة السعودية المطروحة في قمة بيروت.
واقتصادياً، تتضمن شروط منطقة التجارة الحرة نقطتان أساسيتان لا يكمن أن نراهما بمعزل عن بعضهما: الأولى هي مضي الدول العربية بقوة في خصخصة القطاع العام، والثانية هي حق رأس المال الأمريكي والصهيوني بالعمل بحرية في منطقة التجارة الحرة. والنتيجة الموضوعية لهذين الشرطين، إذا أخذا معاً، هي وضع الأساس المادي والمؤسسي لتغلغل الطرف الأمريكي-الصهيوني في مفاصل الاقتصاديات العربية.
-كما أن إن المؤيدين للاتفاق يغفلون أن اتفاقية الكويز هي إحدى أدوات تحقيق مشروع الشرق الأوسط الذي طرحه شيمون بيريز (زعيم حزب العمل الحالي)، ويهدف إلى دمج الكيان الصهيوني في الاقتصاديات العربية، واستبدال الهيمنة الاقتصادية باحتلال أراضي المنطقة، كما أنه من جهة أخرى تسليم مصري بالمشروع الأمريكي في المنطقة الذي يربط جوائز اتفاقات التجارة الحرة مع دول المنطقة بالتطبيع مع العدو الكيان الصهيوني.
- كما إن وجود مكون الكيان الصهيوني في أي سلعة مصرية تدخل الولايات المتحدة يعني فتح الباب واسعا أمام التجسس الصناعي للكيان الصهيوني. ويذكّر المعارضون للكويز في هذا الصدد بالجاسوس عزام عزام الذي كان يعمل في صناعة النسيج بمدينة العاشر من رمضان، وبأن القضية التي ألقي القبض عليه فيها هي تجسس معظمه صناعي.
- إن المقارنة بين الاقتصاديين المصري والأردني أمر غير علمي وغير صحيح لاختلافهما، كما أن الأردن ليس لديه صناعة نسيج وطنية مثل مصر، بل إن مجلة ميرب الأمريكية في 26/6/ 2003 تشير إلى أن أكثر من 80 بالمائة من الشركات العاملة في المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن شركات آسيوية تنشط في صناعتي النسيج والأمتعة، وأن حوالي نصف العشرين ألف عامل فيها ليسوا من الأردنيين أصلا، هذا في الوقت الذي تسوء فيه ظروف العمل ويتم تجاهل الحد الأدنى للأجور.
- إن مسألة جذب الكويز لاستثمارات أجنبية تقدر بخمسة مليارات دولار لمصر أمر وهمي وغير حقيقي في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية؛ حيث بلغت حوالي 237 مليون دولار فقط في العام الماضي.
- إن هناك خداعا في الحجة التي تطرحها الحكومة بأن تطبيق الجات سيقضي على صناعة المنسوجات، خاصة مع إلغاء نظام الحصص داخل السوق الأمريكية؛ وهو ما سيصعب المنافسة المصرية مع المنتجات الصينية والهندية. وحتى يسهل خداع الرأي العام فقد ضخم المنتفعون بالاتفاق من حجم صادرات المنسوجات إلى الولايات المتحدة وأوصلوها إلى 600 مليون دولار، وبالعودة إلى أرقام العام المالي الأخير 2003 -2004 وجدنا أن صادراتنا من المنسوجات إلى كل دول العالم بلغت 613 مليون دولار مقابل 559 بالعام الأسبق. وكانت المفاجأة من خلال بيانات وزارة التجارة أن التوزيع النسبي لصادرات النسيج عام 2003 كانت النسبة الكبرى فيه للاتحاد الأوربي؛ حيث بلغت 36% من الإجمالي، بينما كانت النسبة المتجهة إلى الولايات المتحدة 28%. ونفس الأمر في عام 2002: بنسبة 37% للاتحاد الأوربي و28% لأمريكا؛ بل إن نصيب دول الاتحاد الأوربي بلغ 52% عام 2000، و54% عام 1999. وهكذا يتناسى هؤلاء أننا حاليا في شراكة مع الاتحاد الأوربي تتيح لنا إعفاء الصادرات المصرية من السلع الصناعية من الرسوم الجمركية ودون أي قيود كمية، ومن هنا قد لا نكون بحاجة إلى دخول السوق الأمريكية عبر بوابة الكيان الصهيوني.
- بالإضافة إلى ضعف القدرة التنافسية للصناعة المصرية بما يحول أصلا دون الاستفادة من الاتفاق، على غرار عدم قدرتها على الاستفادة من اتفاقات أخرى مثل الكوميسا أو الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
- كما إن اختيار عدد من المناطق الصناعية دون غيرها قد يؤدي لفجوة بين العمال وهجرة من منطقة صناعية إلى أخرى، كما أن الاختيار أساسا خضع لمصالح رجال الأعمال؛ فبعض المدن داخل المناطق (مثل البدرشين التي دخلت الكويز) لا تقارَن صناعيا مثلا بالمحلة الكبرى أو الإسماعيلية التي لم تدخل الاتفاق، رغم أنهما من القلاع الصناعة المصرية، وهو الأمر الذي دفع بأصحاب المصانع في الإسماعيلية إلى إعلان استغاثة واعتصام احتجاجا على حرمانهم من الكويز.
– ومن ضمن المخاطر المستقبلية أن اتفاق الكويز مع مصر يفتح الباب أمام تعميم التجربة مع دول عربية؛ بحيث تقيم علاقات تجارية مع الكيان الصهيوني، بما يساعد على زيادة اختراق الكيان الصهيوني للمنطقة العربية.
رأي الخبراء:
السفير جمال الدين بيومي رئيس اتحاد المستثمرين العرب يرى أن اتفاقية الكويز ما هي إلا صورة من صور الضغط الأمريكي على مصر لتسهيل اختراق الكيان الصهيوني للاقتصاد العربي، وإنهاء حالة المقاطعة العربية بكافة درجاتها والتي تسببت في عزلة الكيان الصهيوني اقتصاديًا عن دول المنطقة مشيرًا إلى أن الهدف الأول من اتفاقية الكويز هو دمج اقتصاد الكيان الصهيوني مع اقتصاديات دول المنطقة بعيدًا عن التزامات صهيونية فيما يخص عملية السلام.
وكان على الدول العربية أن تربط هذا الاتفاق بحدوث تقدم في عملية السلام، وأن الضغوط الأمريكية المتتالية على مصر ما هي إلا بداية لمساعي أمريكية لفرض اتفاقية الكويز على الدول العربية وخصوصًا دول الخليج العربي التي ترغب واشنطن في اختراق الكيان الصهيوني لها كونها دول غنية وليست لديها قاعدة صناعية أو بنية تحتية، مما يعطي تل أبيب فرصة ذهبية لتحقيق مكاسب جمة، وهذا ما يؤكده سيل المفاوضات الدائرة مع دول خليجية وعربية عدة للانضمام للاتفاقية.
وأضاف بيومي أنه على الرغم من أن بعض الفوائد التي قد تعود على اقتصاديات الدول الموقعة على الكويز؛ إلا أن هناك شكوكًا حول الهدف الأمريكي الحقيقي ألا وهو تمكين الكيان الصهيوني من اختراق المنطقة والاندماج فيها كعضو سياسي واقتصادي فاعل، وذلك بإعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية للمنطقة بما يتفق وتقاطع المصالح الصهيونية الأمريكية.. كما أن انفتاح المنطقة العربية على السوق العالمية والتجارة الدولية متعددة الأطراف من شأنه أن يدعم المخططات الأمريكية التي تستهدف الهيمنة اقتصاديًا وسياسيًا، ليس على بلدان المنطقة فحسب بل على العالم أجمع.
ومن جانبه يرفض الدكتور حسن عبد الفضيل -الخبير الاقتصادي- اتفاقية الكويز لأنها لا تخدم مصالح الدول العربية، بل تحولها إلى مقرات لصناعات ملوثة للبيئة وإقالة الاقتصاد الصهيوني من عثرته؛ حيث لم يحقق هذا الاقتصاد أي طفرات تنموية في السنوات الأخيرة، كما أن الوضع الاقتصادي الصهيوني متدن جدًا، لذا فاتفاقية كهذه تقدم له طوق النجاة. فهذه اتفاقية سياسية وليست اقتصادية في المقام الأول، تفتح أبواب العالم العربي أمام الصناعات الصهيونية والأمريكية والتي لا تستطيع الصناعات العربية منافستها، وأضاف أن هذه فرصة لنشر المصانع الصهيونية في العالم العربي، وقد تستغل هذه المصانع للإضرار بالبيئة وبصحة المواطن العربي، وليس أدل على ذلك من أحد مصانع البذور الذي اكتشف أخيرًا مدى الأضرار الصحية لمنتجاته على المواطن المصري والزراعة المصرية.. كما أن بنود الاتفاق تعكس انحيازاً كاملاً للكيان الصهيوني وسعيًا لجعله الفائز الأول من اتفاق كهذا.
وتساءل عبد الفضيل لماذا لا تستغل الدول العربية اتفاقيات مثل الشراكة مع الاتحاد الأوروبي البعيدة عن السطوة الصهيونية أو اتفاقيات مع النمور الآسيوية، بدلاً من هذه الاتفاقية التي لا هدف لها إلا إدخال الدول العربية إلى النادي الصهيوني؛ مشيرًا أن إلى الدول العربية ليست أقل من المكسيك والمغرب ودول أمريكا اللاتينية لتوقيع اتفاق تجارة حرة مع واشنطن بدون أن تكون الكيان الصهيوني وسيطًا.
ما هو البديل؟
وقبل التحدث عن البديل يجب أن نبحث أولاً أسباب تدهور صناعة النسيج والتصدير كما حددها الخبراء وهي مجموعة من الأسباب التي تؤثر على القدرة التصديرية لنسيج المصري: الأسباب الداخلية: تتركز في التعنت الواضح من جانب مصلحه الجمارك ضد المصدرين العاملين بنظام السماح المؤقت الذي تعتمد عليه الصناعات التصديرية في كل دول العالم المصدرة لمنتجاتها، وقد ظهر ذلك التعنت بدءا من عام1999 بإصدار قرارات متضاربة ومتعسفة ضد مستخدمي نظام السماح المؤقت مما أربك العمل بالمصانع وتسبب عنه التأخير في الالتزام بشروط التصدير إلى الخارج وكانت النتيجة إحجام عدد من المستوردين الأجانب عن تجديد التعاقدات مع المصانع المصرية وتم إلغاء عدد كبير من الصفقات.
وحول نظام السماح المؤقت يقول السيد كميل شمعون (نائب رئيس المركز المصري للقطن، وأحد المستثمرين اللبنانيين في مصر): إن نظام السماح المؤقت في مصر يعد من أكبر معوقات التصدير وباتخاذ تونس التي تستخدم نفس النظام في تصديرها للملابس كمثال مقارن مع مصر نجد أن واردات المصانع التونسية تصل من الجمارك إلى المصنع خلال24 ساعة في حين يستغرق الإفراج عن الواردات في مصر أسبوعين إلى ثلاثة. وتبلغ نسبه الصادرات السلعية إلى الناتج المحلي في تونس29% ونسبتها في مصر4% ويبلغ نصيب المواطن التونسي من الصادرات600 دولار سنويا بينما هو في مصر63 دولاراً للمواطن.
وفي الإطار نفسه تكشف دراسة لجمعيه مصدري الملابس أن صادرات الملابس الجاهزة تواجه صعوبات متعددة، حيث أصبحت عمليه تسويه الضمانات بالنسبة للمصدرين إجراءً مرهقاً بما تصدره مصلحه الجمارك من قرارات غير ثابتة ومتضاربة واستخدام أساليب الإرهاب للمصانع بالتهديد بإغلاقها أو منع التعامل معها. هذا إلى جانب فرض رسوم جديدة عالية لتجديد الأذون المستخدمة في النظام وتأخير التسويات بسبب الإجراءات الروتينية التي تصر الجمارك على اتباعها، ووجود تناقض واضح بين ما تهدف إليه القيادة السياسية في مصر من تشجيع التصدير وما تتخذه مصلحه الجمارك من إجراءات تعسفية ضد المصدرين وخاصة مصدري الملابس الجاهزة. وتنفي جمعيه مصدري الملابس الجاهزة التهمة عن المصدرين بقولها إنهم لا يحتاجون إلى التهريب بسبب: احتفاظ الجمارك بعينات من الخامات المستوردة لمطابقتها عند التصدير لا يستوردون بضائع مصنعه بل خامات لغزل القطن أو أقمشة معينه غير فاخرة ومستلزمات الإنتاج للملابس. أما التهريب فإنه إما ملابس جاهزة وإما أقمشة فاخرة، وتشير إلى أنه على الرغم من قيام مصدري الملابس بمطالبه مصلحة الجمارك بإصدار دليل إجراءات يوضح خطوات العمل والمستندات المطلوبة والرسوم إلا أن ذلك الدليل لم يصدر بل لا يزال الأمر متروكاً لكل منفذ جمركي ليطبق ما يراه من قرارات صادره عن مصلحه الجمارك وما أكثرها.
وقد اقترحت جمعيه مصدري الملابس الجاهزة عدداً من الحلول منها:
إصدار تعليمات جمركيه واضحة في نظام السماح المؤقت تطبق في جميع المنافذ الجمركية. تجديد الشهادات لمدة عام وبرسم لا يزيد عن مئة جنيه كما جرى العمل عليه في السابق. -الإفراج عن الواردات لمصانع الملابس الجاهزة خلال48 ساعة كحد أقصى. -إعفاء مستلزمات إنتاج الملابس من الجمارك أو فرض رسم جمركي لا يزيد على1% مع إعفاء واردات التيكيت الخاص بالماركات العالمية التي تحمل اسم العلامة والواردة من العملاء لوضعها على الإنتاج المصري المتعاقد عليه من الرسوم الجمركية فهي غير صالحه للاستخدام أو البيع في غير الغرض المخصص له. -وقف العمل بتحسين السعر جزافيا على الواردات، حيث أصبح ذلك الإجراء متبعاً مع مصدري الملابس دون وجود مستندات موثقه لدي الجمارك تبرر ذلك. -إلغاء القرار الصادر في1/3/2001 بتحصيل3% من القيمة نظير التثمين والفحص بشكل قطعي بعد أن كان العمل هو رد الرسوم للمصدر.
وهناك حلول تشريعية تحتاج سلطه الدولة مثل:
تخفيض الرسوم الجمركية علي خيوط الغزل من30% الحالية إلى5% وستقوم معظم مصانع الملابس الجاهزة للتصدير بدفع الجمارك مما يدعم الخزانة المصرية.
تطبيق نظام الحوافز للمصانع المخصصة للتصدير بما لا يتعارض مع التشريعات والقوانين الدولية. ولدى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية خطة مدروسة للحوافز. إن الأمل معقود على وجود كفاية محلية في تزويد مصانع الملابس الجاهزة بالخامات اللازمة للصناعة محلية من مصر ولكن ذلك يتوقف على تفهم رسالة التصدير المصري وحتميته طبقا لمقولة السيد الرئيس: التصدير أو الموت.
-بالإضافة إلى ضرورة العمل علي زيادة القدرة التنافسية لصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة باعتبارها صناعة كثيفة العمالة، وتوفر فرص عمل للمجتمع وتتمتع فيها مصر بمزايا نسبيه.
وفي النهاية لا يصح - ونحن تحت تأثير زيادة الصادرات ـ أن نتنازل عن العديد من الثوابت.. ومنها التعامل مع الصهاينة.. ولا الخضوع لتهديد أي دولة للقبول بالطرف الصهيوني حتى تزيد صادراتنا..
حيث يتساءل الشارع العربي كله ألا يوجد طريق أخر لزيادة الصادرات إلا بالتعاون مع الكيان الصهيوني.. وهل أصبح الكيان الصهيوني وأمريكا هي المنقذ لجميع مشاكلنا حتى صادراتنا.. لماذا اختيار أسهل الطرق وأذلها لزيادة الصادرات.. ولماذا اختيار طريق إلى أمريكا يمر على دماء الأبرياء وجثث الضحايا من النساء والأطفال والعجائز.. لماذا اختيار طريق مملوء بجثث الشهداء الفلسطينيين والمصريين.. ولماذا الإصرار على دعم اقتصاد الكيان الصهيوني والتعاون معه رغم استخفافه بنا لدرجة أنه قتل أبناءنا في رفح من مسافة 20 متر وضربت طائرات الأباتشي صاروخا موجها داخل الحدود المصرية في الوقت الذي كان يجتمع فيه الرئيس مبارك مع وزير التجارة الصهيونية...