الشرق الأوسط في دائرة التسلّح والتّسليح
مرسل: الجمعة يونيو 29, 2012 2:33 am
انتهت الحرب الباردة منذ زمن ولم ينتهِ معها سباق التسلّح، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريفيا. في حين تعدّى الكلام على الشرق الأوسط البلدان العربيّة حصراً ليشمل، بالإضافة إلى هذه الدول، بلداناً مثل إسرائيل وإيران وباكستان وأفغانستان وتركيا. فيما باتت التحالفات قائمة ضمن معسكرين: دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن من جهة، وإيران وسوريا وحزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين من جهة ثانية. صحيح أن الصراع يتّخذ شكل حرب باردة، إلا أن تجارة السلاح السائرة على قدم وساق في هذه المنطقة تستدعي التخوّف من مواجهات عسكريّة بغض النظر عمّا إذا كانت البلدان المعنيّة بهذه المواجهات تخطّط لمثل هذه الخيارات أم لا، وسواء كان ذلك أحد خياراتها أم لا. وفي مختلف الأحوال لا يمكن إغفال حقيقة أن الاندفاع نحو التسلّح والسباق عليه يجعل "شبح الحرب" جاثماً على المنطقة، خصوصاً في ظلّ ازدياد الإنفاق العسكري سواء على المستوى الخاص بنطاقها الجغرافي أم على مستوى العالم. فقد أنفقت دول الشرق الأوسط نحو111 مليار دولار على التسلّح العام 2010، بزيادة بلغت 2.5%، وازداد الإنفاق على التسلّح عالمياً بمتوسط بلغت نسبته 5.1% سنوياً بين عاميّ 2001 و2009(تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام2010). ويشهد العالم تنافساً نوعياً على سوق السلاح، بحيث تتنافس دول أوروبية مثل ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا، بريطانيا، السويد من جهة، مع روسيا والولايات المتّحدة الأميركية من جهة ثانية، على طلب الطائرات الحربية، وبخاصة تلك المقدّمة من الهند والبرازيل.
هذا، وقد أشار التقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "آي آي إس إس" الصادر العام 2011 إلى احتلال الولايات المتّحدة، لجهة الإنفاق على ميزانية الدفاع، المركز الأول بميزانية قدرها 740 مليار دولار. وكان ميخائيل دميترييف، رئيس إدارة التعاون الفنّي والعسكري في الحكومة الروسية قد ذكر مؤخراً، إن حجم صفقات الأسلحة التي أبرمت في 2011 وصلت إلى نحو 48 مليار دولار بزيادة 9.5 مليار دولار عن العام2010. أما عربيّاً فأشار تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى احتلال المملكة العربية السعودية المركز السابع في ميزان الإنفاق العسكري دولياً، بعدما أنفقت على ميزانية دفاعها 64 مليار دولار .وأضاف إن الجزائر كانت الدولة العربيّة الوحيدة التي ارتفعت ميزانية دفاعها بصورة كبيرة وصلت إلى أكثر من 44% خلال العام 2011، هذا في الوقت الذي كان معهد ستوكهولم لأبحاث السلام قد أشار فيه من خلال تقريره المخصّص للتسلح في القارة الإفريقية خلال 2010، إلى أن المغرب والجزائر لوحدهما مثّلا حوالى ثلث نفقات شراء الأسلحة في إفريقيا، حيث لا زالا في المراكز الخمسة الأول في إفريقيا بالنسبة إلى الدول الأكثر إنفاقاً على الأسلحة. ناهيك بارتفاع الإنفاق الدفاعي للعراق بنسبة 9 %، وكذلك سوريا وقطر بنسبة 8 % بحسب تقرير عن العام 2011. فيما تشير المعلومات الصادرة عن تقرير لجنة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، إلى أن حجم إنفاق دول الخليج العربي وحدها على التسلّح في العام 2010 تجاوز 105 مليارات دولار أميركي، بزيادة تبلغ 11 مليار دولار عن العام الذي سبقه 2009.
ولئن كانت التقارير قد أشارت إلى أن حجم تداول الأسلحة زاد في السنوات الأخيرة، إلا أن اللافت أن الدول الخمس الأول في بيع الأسلحة توزّعت بين الولايات المتّحدة الأميركية وروسيامن جهة، والبلدان الأوروبيّة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا من جهة ثانية، وبنسبة قدرت بنحو 75% من صادرات الأسلحة. فالشركات العالمية الضخمة التي تزوّد الأسواق بالأسلحة بطرق مشروعة وقانونية هي أميركية وأوروبيّة(فرنسية وألمانية وبريطانية تحديداً).بحيث تستحوذ 44 شركة أميركية على 60% من مجمل مبيعات الأسلحة(بحسب تقرير معهد ستوكهولم)، مقابل 30 شركة أوروبية تستحوذ على 29% من مجمل المبيعات.
ماذا عن الشرق الأوسط؟
بالعودة إلى منطقة الشرق الأوسط بعامة، فقد اعتبر تقرير معهد ستوكهولم عن سنة2011، أن آسيا والمحيط الهادئ هما أوّل مستورد للأسلحة بنسبة43%، تليهما أوروبا بـنسبة21%، ثم الشرق الأوسط بـنسبة17%، فالقارة الأميركية بنسبة 12%، فإفريقيا في المرتبة الأخيرة 7%. ما يعني أولاً أن الشرق الأوسط هو من كبار مستوردي الأسلحة. كما يعني ذلك ثانياً أن الشرق الأوسط ليس من كبار مستوردي الأسلحة فحسب، بل إنه يستورد أسلحته أيضاً من خارج الدول الخمس الأول في بيع الأسلحة(أي الولايات المتّحدة الأميركية وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا). فإذا كانت نسبة 28% من صادرات الأسلحة الأميركية تتّجه إلى الشرق الأوسط، وإذا كانت بريطانيا خلال الفترة من 2009 إلى 2010، قد صدّرت مواد ومعدّات عسكرية إلى دول الشرق الأوسط بما قيمته 1.8 مليار جنيه استرليني، فقد باعت هولندا سلاحاً بما قيمته 730 مليون يورو إلى كلّ من المغرب وقطر وعُمان والأردن والإمارات، وباعت كندا إلى دول الشرق الأوسط خلال الفترة من 2006 إلى2010 صفقات سلاح وصلت قيمتها إلى21.3 مليون دولار، بيعت نسبة كبيرة منها إلى ليبيا(الأرقام مستقاة من مقال للدكتور قدري سعيد نشر في "مجلة السياسة الدولية"(العدد 184، إبريل 2011) بعنوان "صفقات السلاح الرئيسية بعد الثورات العربية).
في المقابل تشير التوقعات والأخبار إلى استعداد إسرائيل لتوجيه ضربة جويّة إلى إيران هذا العام، فيما يستبعد بعض المراقبين ذلك بحجة أن إسرائيل لا تستطيع الدخول في حرب لوحدها وأن نتنياهو يريد تعهداً من أوباما بدخول أميركا الحرب معها، وأن أوباما ربط ذلك بتطوّر البرنامج النووي الإيراني ووصوله منطقة الإنتاج؛ من جهة ثانية لا تزال أجواء عدم الاستقرار مهيمنة في بلدان "الربيع العربي"، فيما سوريا غارقة في الدماء، وفلسطين متأهبة، ولاسيما أن التقرير السنوي التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية الذي أعدّه مركز البحث السياسي التابع للوزارة يتوقّع انتفاضة ثالثة في العام 2012 تأثراً بالثورات العربية... كما تشير المعطيات إلى مزيد من استيراد السلاح واستهلاكه في الشرق الأوسط، ومزيد من الإنفاق سواء بالنسبة إلى المستهلكين أم المصدّرين حتى خلال الفترات الاقتصادية الصعبة والأزمة المالية العالمية والانكماش الاقتصادي الذي ضرب أميركا ولا يزال يضرب معظم أنحاء أوروبا. فقد لفت المسؤول عن برنامج سيبري حول النفقات العسكرية سام بيرلو فريمان إلى أن "الولايات المتّحدة زادت نفقاتها بنسبة 81% منذ العام 2001 وباتت تمثّل 43% من إجمالي الإنفاق العالمي، أي أكثر بستة أضعاف من صاحبة المركز الثاني الصين". وهو الأمر الذي دفع الكاتبة جودي ديمبسيJudy Dempsey إلى التساؤل في مقال لها نشر في الخامس من آذار/مارس الجاري في صحيفة "نيويورك تايمز" (بعنوانEurope Deals Arms While Defending Rights) عن الطريقة التي ستضبط فيها أوروبا التزامها بالدفاع عن حقوق الإنسان مع بيعها كلّ هذه الأسلحة، والقول بأن ذلك يخالف مدوّنة قواعد السلوك التي وضعها الاتّحاد الأوروبي بشأن صادرات الأسلحة، والتي أقرّها في العام 1998 وتمّ تجديدها في العام 2008 في محاولة لتنسيق سياسات تصدير الأسلحة. فأبدت ديمبسي استغرابها أيضاً من اتجاه الاتّحاد الأوروبي إلى استعادة مصداقيّته في الشرق الأوسط وفي أوساط منظمات المجتمع المدني في الدول غير الديموقراطية، في الوقت الذي يبدو فيه أنه لا يوجد من بين هذه الحكومات الوطنية، أو في الاتّحاد الأوروبي نفسه، مَن يضغط بقوة كافية لتصدير قيم الديمقراطيّة عوضاً عن السلاح. ولئن كان ما ذكرته ديمبسي، ينسحب على الولايات المتّحدة وغيرها من الدول الكبرى المصدّرة للسلح، قد يكون من الممكن الخلوص إلى استنتاج وحيد وهو أن هذا التسلّح لا يبشّر إلا بمزيد من الصراع في منطقة الشرق الأوسط والتفتّت والتشرذم والحروب الأهلية والنزاعات بين الحدود.
هذا، وقد أشار التقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "آي آي إس إس" الصادر العام 2011 إلى احتلال الولايات المتّحدة، لجهة الإنفاق على ميزانية الدفاع، المركز الأول بميزانية قدرها 740 مليار دولار. وكان ميخائيل دميترييف، رئيس إدارة التعاون الفنّي والعسكري في الحكومة الروسية قد ذكر مؤخراً، إن حجم صفقات الأسلحة التي أبرمت في 2011 وصلت إلى نحو 48 مليار دولار بزيادة 9.5 مليار دولار عن العام2010. أما عربيّاً فأشار تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى احتلال المملكة العربية السعودية المركز السابع في ميزان الإنفاق العسكري دولياً، بعدما أنفقت على ميزانية دفاعها 64 مليار دولار .وأضاف إن الجزائر كانت الدولة العربيّة الوحيدة التي ارتفعت ميزانية دفاعها بصورة كبيرة وصلت إلى أكثر من 44% خلال العام 2011، هذا في الوقت الذي كان معهد ستوكهولم لأبحاث السلام قد أشار فيه من خلال تقريره المخصّص للتسلح في القارة الإفريقية خلال 2010، إلى أن المغرب والجزائر لوحدهما مثّلا حوالى ثلث نفقات شراء الأسلحة في إفريقيا، حيث لا زالا في المراكز الخمسة الأول في إفريقيا بالنسبة إلى الدول الأكثر إنفاقاً على الأسلحة. ناهيك بارتفاع الإنفاق الدفاعي للعراق بنسبة 9 %، وكذلك سوريا وقطر بنسبة 8 % بحسب تقرير عن العام 2011. فيما تشير المعلومات الصادرة عن تقرير لجنة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، إلى أن حجم إنفاق دول الخليج العربي وحدها على التسلّح في العام 2010 تجاوز 105 مليارات دولار أميركي، بزيادة تبلغ 11 مليار دولار عن العام الذي سبقه 2009.
ولئن كانت التقارير قد أشارت إلى أن حجم تداول الأسلحة زاد في السنوات الأخيرة، إلا أن اللافت أن الدول الخمس الأول في بيع الأسلحة توزّعت بين الولايات المتّحدة الأميركية وروسيامن جهة، والبلدان الأوروبيّة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا من جهة ثانية، وبنسبة قدرت بنحو 75% من صادرات الأسلحة. فالشركات العالمية الضخمة التي تزوّد الأسواق بالأسلحة بطرق مشروعة وقانونية هي أميركية وأوروبيّة(فرنسية وألمانية وبريطانية تحديداً).بحيث تستحوذ 44 شركة أميركية على 60% من مجمل مبيعات الأسلحة(بحسب تقرير معهد ستوكهولم)، مقابل 30 شركة أوروبية تستحوذ على 29% من مجمل المبيعات.
ماذا عن الشرق الأوسط؟
بالعودة إلى منطقة الشرق الأوسط بعامة، فقد اعتبر تقرير معهد ستوكهولم عن سنة2011، أن آسيا والمحيط الهادئ هما أوّل مستورد للأسلحة بنسبة43%، تليهما أوروبا بـنسبة21%، ثم الشرق الأوسط بـنسبة17%، فالقارة الأميركية بنسبة 12%، فإفريقيا في المرتبة الأخيرة 7%. ما يعني أولاً أن الشرق الأوسط هو من كبار مستوردي الأسلحة. كما يعني ذلك ثانياً أن الشرق الأوسط ليس من كبار مستوردي الأسلحة فحسب، بل إنه يستورد أسلحته أيضاً من خارج الدول الخمس الأول في بيع الأسلحة(أي الولايات المتّحدة الأميركية وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا). فإذا كانت نسبة 28% من صادرات الأسلحة الأميركية تتّجه إلى الشرق الأوسط، وإذا كانت بريطانيا خلال الفترة من 2009 إلى 2010، قد صدّرت مواد ومعدّات عسكرية إلى دول الشرق الأوسط بما قيمته 1.8 مليار جنيه استرليني، فقد باعت هولندا سلاحاً بما قيمته 730 مليون يورو إلى كلّ من المغرب وقطر وعُمان والأردن والإمارات، وباعت كندا إلى دول الشرق الأوسط خلال الفترة من 2006 إلى2010 صفقات سلاح وصلت قيمتها إلى21.3 مليون دولار، بيعت نسبة كبيرة منها إلى ليبيا(الأرقام مستقاة من مقال للدكتور قدري سعيد نشر في "مجلة السياسة الدولية"(العدد 184، إبريل 2011) بعنوان "صفقات السلاح الرئيسية بعد الثورات العربية).
في المقابل تشير التوقعات والأخبار إلى استعداد إسرائيل لتوجيه ضربة جويّة إلى إيران هذا العام، فيما يستبعد بعض المراقبين ذلك بحجة أن إسرائيل لا تستطيع الدخول في حرب لوحدها وأن نتنياهو يريد تعهداً من أوباما بدخول أميركا الحرب معها، وأن أوباما ربط ذلك بتطوّر البرنامج النووي الإيراني ووصوله منطقة الإنتاج؛ من جهة ثانية لا تزال أجواء عدم الاستقرار مهيمنة في بلدان "الربيع العربي"، فيما سوريا غارقة في الدماء، وفلسطين متأهبة، ولاسيما أن التقرير السنوي التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية الذي أعدّه مركز البحث السياسي التابع للوزارة يتوقّع انتفاضة ثالثة في العام 2012 تأثراً بالثورات العربية... كما تشير المعطيات إلى مزيد من استيراد السلاح واستهلاكه في الشرق الأوسط، ومزيد من الإنفاق سواء بالنسبة إلى المستهلكين أم المصدّرين حتى خلال الفترات الاقتصادية الصعبة والأزمة المالية العالمية والانكماش الاقتصادي الذي ضرب أميركا ولا يزال يضرب معظم أنحاء أوروبا. فقد لفت المسؤول عن برنامج سيبري حول النفقات العسكرية سام بيرلو فريمان إلى أن "الولايات المتّحدة زادت نفقاتها بنسبة 81% منذ العام 2001 وباتت تمثّل 43% من إجمالي الإنفاق العالمي، أي أكثر بستة أضعاف من صاحبة المركز الثاني الصين". وهو الأمر الذي دفع الكاتبة جودي ديمبسيJudy Dempsey إلى التساؤل في مقال لها نشر في الخامس من آذار/مارس الجاري في صحيفة "نيويورك تايمز" (بعنوانEurope Deals Arms While Defending Rights) عن الطريقة التي ستضبط فيها أوروبا التزامها بالدفاع عن حقوق الإنسان مع بيعها كلّ هذه الأسلحة، والقول بأن ذلك يخالف مدوّنة قواعد السلوك التي وضعها الاتّحاد الأوروبي بشأن صادرات الأسلحة، والتي أقرّها في العام 1998 وتمّ تجديدها في العام 2008 في محاولة لتنسيق سياسات تصدير الأسلحة. فأبدت ديمبسي استغرابها أيضاً من اتجاه الاتّحاد الأوروبي إلى استعادة مصداقيّته في الشرق الأوسط وفي أوساط منظمات المجتمع المدني في الدول غير الديموقراطية، في الوقت الذي يبدو فيه أنه لا يوجد من بين هذه الحكومات الوطنية، أو في الاتّحاد الأوروبي نفسه، مَن يضغط بقوة كافية لتصدير قيم الديمقراطيّة عوضاً عن السلاح. ولئن كان ما ذكرته ديمبسي، ينسحب على الولايات المتّحدة وغيرها من الدول الكبرى المصدّرة للسلح، قد يكون من الممكن الخلوص إلى استنتاج وحيد وهو أن هذا التسلّح لا يبشّر إلا بمزيد من الصراع في منطقة الشرق الأوسط والتفتّت والتشرذم والحروب الأهلية والنزاعات بين الحدود.