- السبت يونيو 30, 2012 1:19 am
#51950
الحديث عن (الديمقراطية) بمعزل عن حاضنتها التي تولد منها وتترعرع وتنمو داخلها ثم تصبح نهجا وسلوكا عاما للجميع، يسحبنا الى إختزال هذا المفهوم، الذي هو الآن يعتبر قبلة يتجه بأنظاره اليها العالم، الى مجرد مجموعة من ألأسئلة العالقة في الهواء، والتي تفتقد الى اصول وجودها وجذور نشأتها..!
عندما يجري الحديث عن "ديمقراطية" معينة بالأسم او الوصف أو حتى الجنس او العرق، نصبح وكأننا أمام نماذج أو أصناف معينة من "الديمقراطية"، يمكن والحال أن نوزعها حسب الطلب، أو أن نلصقها بالمجتمع الذي نريد..!؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال، الحديث عن درجة معينة من الديمقراطية، بمعزل عن المجتمع الذي خلقت فيه، وأصبحت من نتاجه التأريخي الأجتماعي- السياسي، وباالتالي ليس هناك من إمكانية منطقية أن يطالب مجتمع ما بنوع أو درجة أو صنف معين من "الديمقراطية" ، كي يصبح معه من المستساغ القول بأن هذا المجتمع هو مجتمع ديمقراطي، أو أنه يمكن أن يعتبر متماشياّ مع التقاليد والسلوكيات المطلوبة من أصحاب الشأن الذين يرغبون بأن يروا فيه ذلك المجتمع المنشود..!
من البدهي أنه ليس هناك مجتمع ما مدينا بسلوكيته وعاداته وتقاليده ومجمل ثقافته، الى نمط معين من كل ذلك، يفرض عليه رغم مشيئته، أو يطلب منه إتباعه قسرا ، وبمعنى آخر الأعتياد عليه بهذا القدر أو ذاك..! ولكن لا يغيب عن البال ان هناك من يعتقد، بل في الحقيقة من يرغب، ان يكتسي بلده او مجتمعه حلة غير حلته، لكونه يرى فيها أكثر نظارة وأحدث طرازا..!
فالديمقراطية على سبيل المثال ، حتى لو وظفناها كما نوظف أو نستخدم "الوصفة الطبية"، فلا نتوصل بذلك الى معالجة ناجعة للمرض المعين، بسبب بسيط، هو أن الأمراض نفسها تختلف بعضها عن البعض الآخر، ولكل منها أسبابه وأعراضه التي تميزه عن الآخر..! وبالنتيجة فسوف يكون الإخفاق المحصلة الأخيرة في أيدينا، ولم تعد تصبح تلك الوصفة الطبية "إكسير الحياة " الذي كنا نتمناه..!
وإذا كان المجتمع العربي، يجد نفسه اليوم، في حالة تفرض عليه، أن يكون أكثر وضوحا في تناسقه مع سيرورة المجتمع العالمي، وبأن يثبت أنه ليس ذلك النغم النشاز خارج الجوقة، أو من يدعوها بالأوركسترا، أو ذلك الطير المغرد خارج سربه، فليس أمامه إلا أن يمعن النظر باديء ذي بدأ الى نفسه، ليرى فيما إذا كان هو فعلاّ ذلك المجتمع الموحد، ذا السمات المشتركة، والظروف المشتركة، والجغرافية المشتركة، والإقتصاد المتجانس، أم أنه مجتمع توحده لغة مشتركه، وتفرقه حدود سياسية، بأنظمة حكم متعددة، في المعنى والمبنى..!؟
وإذا ما صورنا المجتمع العربي، على أنه مجتمع نخب حاكمة وشعوب محكومة، يبدو الحديث عن "الديمقراطية" مجرد ترف فكري، ولا يبدو هناك من مسوغ منطقي للتساؤل عن أي "ديمقراطية" مطلوبة من مجتمع بهذا الحال..!؟
أما إذا تحدثنا عن رقعة جغرافية تقطنها مجاميع بشرية نطلق عليها دولا عربية بحدود سياسية، فالأمر يختلف في هذه الحالة، والحديث سيجرنا الى مجتمعات عربية بكيانات سياسية، تختلف في سماتها وعاداتها وثقافاتها بعضها عن البعض ألآخر بهذا القدر أو ذاك، وإن جمعتها لغة واحدة وتأريخ مشترك وديانة واحدة، وأرض واحدة. وفي هذه الحالة يصعب معه الحديث عن ديمقراطية معينة وبسمات محددة لكل هذه الجماعات ، الني نطلق عليها تجوزاّ "المجتمع العربي"، وبالتالي إذا ما أردنا الحديث عن "الديمقراطية"، فإنه ينبغي التعريف سلفاّ، بأن الديمقراطية المقصودة، لايمكنها أن تكون شيئاّ مستقلاّ عن كل كيان من هذه الكيانات. وهذا سيدفعنا الى الحديث عن المستويات المختلفة لهذه الديمقراطية من شعب معين الى آخر..؟!
وفي جميع الأحوال، فإن الديمقراطية التي أصبحت تشكل أهم إشكاليات العصر، لايمكن أن تكون صورة واحدة أو طبعات متشابهة لأصل واحد ومقاس ثابت. وكثيراّ ما يجري الحديث اليوم عن إشاعة الديمقراطية في أنظمة الحكم في منطقة الشرق الأوسط ، حيث يتم الحديث عن "المجتمع العربي" فرضاّ، وكأنها لقاح مضاد للأستبداد والدكتاتورية يمكن مجرد حقن الناس به، ليتحول المجتمع وبقدرة قادر الى مجتمع ديمقراطي- ليبرالي، بعد أن كان يعيش في دياجير الظلام والخرافات..!
فالمجتمع العربي المتشكل ضمن حدوده الجغرافية السياسية بكياناته المتعددة، هو وحده القادر على خلق وتطوير أي عملية إجتماعية - سياسية ذات سمات ديمقراطية. والحديث هنا يجري عن ديمقراطية نسبية، تمتلك سمات المجتمع الذي ولدت من رحمه عبر عملية التطور ألإقتصادي- الإجتماعي لذلك الكيان، وخلال مراحل تأريخية، نمت ونضجت عبرها معالم تلك الديمقراطية، والتي قد تبدو في بعض سماتها، في مراحل أدنى مما عليه لدى شعوب وأقوام أخرى أكثر رقياّ في سلم الحضارة والتقدم العلمي..!
أما إذا قصرنا القول على "الديمقراطية" بإعتبارها مشروعاّ جاهزاّ للتسويق، ونموذجاّ صالحاّ، بأن يمكن تبنيه من قبل "المجتمع العربي" إسوة بغيره من ألمجتمعات؛ كصيغة جديدة ملائمة لظروف العصر، فلا بد والحال أن نأخذ بالحسبان عامل التفاوت ألإقتصادي – ألإجتماعي والثقافي – الحضاري لهذا المجتمع مقارنة بذلك "الموديل" المنشود والمعد وفق مقاسات محددة ومفاهيم وقواعد لا تربطها أية روابط مع طبيعة ظروف المجتمع المقصود..!
ولكي يكون الأمر أكثر وضوحاّ، فإن البعض يستدعي أن يقدم "المجمع العربي" نموذجاّ حياّ لديمقراطية جديدة، خارج إطار تكويناته السياسية والإجتماعية، خارج إطار ثقافته ومستوى المنسوب الحضاري الذي هو فيه، نموذجاّ يحاكي ولو ظاهرياّ مستلزمات ومتطلبات سيرورة العولمة التي أخذت مدياتها تأخذ تسارعاّ كبيراّ ونطاق تأثيرها بات شاملاّ أوسع الميادين؛ فالضغوط التي يمارسها رأس المال المالي العالمي على النطاق الدولي، أخذت تستعجل إجراء التغييرات البنيوية التي تحقق مقاصده في المناطق التي لا زالت غير مؤهلة للدخول في عملية العولمة أو أنها لم تستكمل بعد شروطها، وخاصة تلك التي تمتلك مستودعات هائلة من مصادر الطاقة، في الوقت الذي لا زالت فيه مجتمعات هذه المناطق تخضع في بناها الداخلية الى منظومة العلاقات ما قبل الحضارة في أطرها الحالية، رغم أنها في كثير من جوانب تلك الحضارة، تمتلك بعض مظاهرها الخارجية والتي هي في جوهرها ليست من نتاج مجتمعاتها بل هي نتاج مجتمعات قد سبقتها أشواطاّ في عملية الإنتاج الرأسمالي، وبالتالي فإنها تعاني من إشكالية العولمة في جانبين؛ كونها مجتمعات مستهلكة لمنتجات حضارة قد سبقتها في مضمار الإنتاج، من جهة، ومن جهة أخرى، كونها لا زالت متخلفة في ولوج العملية الإنتاجية العالمية ، بسبب عوامل الكبح التي تعيقها من التحرك في مضمار هذه العملية التي دخلت مراحل متقدمة من التطور والتركز، وهذا ما جعل هذه المجتمعات تجد نفسها في المراتب المتدنية من عملية التطور الإقتصا-إجتماعي، وأنها في الغالب الأعم مجرد مجتمعات إستهلاكية، وأسواق مفتوحة لتصريف منتجات البلدان الرأسمالية المتقدمة، ومسوق كبير لمصادر الطاقة ، التي في طريقها الى النضوب، الى تلك البلدان..!
إن عملية الدمقرطة المنشودة لمثل هذه المجتمعات، إذا ما أخذنا بالإعتبار، (الديمقراطية) كنهج وممارسة في الحياة اليومية، على كافة صعدها السياسية والإقتصادية والإجتماعية، سوف نصطدم بواقع هشاشة الأرضية التي يفترض أن تحتضن هذه الممارسة بأشكالها المتقدمة، والتي هي نتاج مجتمعات بلغت في نضجها الإقتصاإجتماعي شوطاّ بعيدا، ومن هنا منبع تناقضها الصارخ مع واقع المجتمعات المراد دمقرطتها، ذلك التناقض، الذي بات ينعكس في حالات ردود الفعل المضاد لهذا القسر، والذي غالبا ّما يأخذ أشكالاّ من التطرف الديني والقومي، بل وحتى يرقى الى درجة العنف المضاد والتمرد على كل ما يمت بصلة الى هذه المساعي التي تريد حشر هذه المجتمعات، ومنها "المجتمع العربي" في قطار (العوملة) المنطلق قدما بسرعة الى الأمام..!
والمحصلة النهائية لذلك، هي ان "الديمقراطية" التي يحلم البعض، حتى من أبناء هذه المجتمعات، بأنها ستكون وحدها كافية لأن ترفع من شأن مجتمعاتها وتضعها في مصاف ركب الحضارة الصاعد، بمجرد تسييسها عن طريق القسر الفوقي وفرضها كحقيقة لا مناص منها، وتجاهل طبيعة الظروف الإجتماعية وأرضية الواقع الذي سيجري نثر بذورها فيها، إن هذه " الديمقراطية" بكل محاسنها وإيجابياتها، ستكون نموذجا مسخا، لا تستسيغه هذه المجتمعات رغم كل ما يملكه أصحابها من نوايا حسنة ومقاصد خيرة..! تلك النوايا وفي كثير من الآحيان، تدفع أصحابها، ومن أجل الخلاص من واقع الإستبداد والتخلف الذي تعيشه شعوبها، الى طلب يد العون من الخارج، أو كما يدعى بتفعيل "العامل الخارجي" لمساعدتها في تحقيق ذلك..!؟
وليس من الجهالة بمكان ، أن يدرك المرء؛ أن أي حضارة مهما بلغت درجة نضجها، هي وليدة عملية التطور ألإقتصادي- الإجتماعي للمجتمع نفسه، ولكن هذا لا يعني أنها لا تؤثر أو تتأثر بحضارات المجتمعات الأخرى. وفي عالمنا المعاصر، فإن هذه العملية تجري بوتائر غاية في السرعة بسبب التطور العالمي الهائل للثورة العلمية والتكنلوجية، التي حطمت كل حدود العزلة والإنفصال بين مختلف شعوب العالم، وحيث أن (الديمقراطية) بإعتبارها نتاج هذه العملية ، فهي الأخرى تخضع لنفس قوانين عملية التطور الحضاري للمجتمعات نفسها، ونموها وتطورها مرهون بنمو وتطور العملية الإقتصاإجتماعية لتلك المجتمعات. ومن هنا جاء هذا التفاوت في الممارسة العملية للديمقراطية بين البلدان المختلفة.
على صعيد "المجتمع العربي" وقد أجملنا فيما تقدم، إشكالية مكونات هذا المجتمع، فإن الحديث يجري دائماّ عن "الديمقراطية" في شكلها السياسي، على صعيد بناء نظام الحكم والدولة ومؤسسات المجتمع المدني، والتعددية السياسية، والحريات العامة ..الخ، أكثر مما يجري عن جوهر هذه "الديمقراطية" في مجال الممارسة العملية، ومستوى المشاركة الحقيقية للمجتمع في الحياة اليومية وصياغة القرار..! ثمة العديد من البلدان في الشرق الأوسط ومنها بعض البلدان العربية، من تتبنى "الديمقراطية" كشكل عام -(الديمقراطية الشكلية)- على الصعيد السياسي – المؤسساتي، ولكنها في الممارسة تنحو الى أساليب القمع والإستبداد بحق شعوبها، وهي بذلك تحاول فقط مجاراة العملية الحضارية العالمية من حيث الشكل، وليس من حيث الجوهر، ومع ذلك فهي تبدو وكأنها خطوة الى الأمام في الإتجاه المساعد لإشاعة الديمقراطية في الحياة اليومية كمنهج وأسلوب وممارسة. ولكن ومع كل ذلك يبقى تطور هذه العملية رهن بمدى تطور عملية التنمية الإقتصادية - الإجتماعية الداخلية لمجتمعات هذه البلدان، ودون تجاهل خصائصها المحلية، فهي وحدها كفيلة برفع وتائر تطور العملية الديمقراطية المنشودة، في خضم شمولية العولمة الكونية..!
_
عندما يجري الحديث عن "ديمقراطية" معينة بالأسم او الوصف أو حتى الجنس او العرق، نصبح وكأننا أمام نماذج أو أصناف معينة من "الديمقراطية"، يمكن والحال أن نوزعها حسب الطلب، أو أن نلصقها بالمجتمع الذي نريد..!؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال، الحديث عن درجة معينة من الديمقراطية، بمعزل عن المجتمع الذي خلقت فيه، وأصبحت من نتاجه التأريخي الأجتماعي- السياسي، وباالتالي ليس هناك من إمكانية منطقية أن يطالب مجتمع ما بنوع أو درجة أو صنف معين من "الديمقراطية" ، كي يصبح معه من المستساغ القول بأن هذا المجتمع هو مجتمع ديمقراطي، أو أنه يمكن أن يعتبر متماشياّ مع التقاليد والسلوكيات المطلوبة من أصحاب الشأن الذين يرغبون بأن يروا فيه ذلك المجتمع المنشود..!
من البدهي أنه ليس هناك مجتمع ما مدينا بسلوكيته وعاداته وتقاليده ومجمل ثقافته، الى نمط معين من كل ذلك، يفرض عليه رغم مشيئته، أو يطلب منه إتباعه قسرا ، وبمعنى آخر الأعتياد عليه بهذا القدر أو ذاك..! ولكن لا يغيب عن البال ان هناك من يعتقد، بل في الحقيقة من يرغب، ان يكتسي بلده او مجتمعه حلة غير حلته، لكونه يرى فيها أكثر نظارة وأحدث طرازا..!
فالديمقراطية على سبيل المثال ، حتى لو وظفناها كما نوظف أو نستخدم "الوصفة الطبية"، فلا نتوصل بذلك الى معالجة ناجعة للمرض المعين، بسبب بسيط، هو أن الأمراض نفسها تختلف بعضها عن البعض الآخر، ولكل منها أسبابه وأعراضه التي تميزه عن الآخر..! وبالنتيجة فسوف يكون الإخفاق المحصلة الأخيرة في أيدينا، ولم تعد تصبح تلك الوصفة الطبية "إكسير الحياة " الذي كنا نتمناه..!
وإذا كان المجتمع العربي، يجد نفسه اليوم، في حالة تفرض عليه، أن يكون أكثر وضوحا في تناسقه مع سيرورة المجتمع العالمي، وبأن يثبت أنه ليس ذلك النغم النشاز خارج الجوقة، أو من يدعوها بالأوركسترا، أو ذلك الطير المغرد خارج سربه، فليس أمامه إلا أن يمعن النظر باديء ذي بدأ الى نفسه، ليرى فيما إذا كان هو فعلاّ ذلك المجتمع الموحد، ذا السمات المشتركة، والظروف المشتركة، والجغرافية المشتركة، والإقتصاد المتجانس، أم أنه مجتمع توحده لغة مشتركه، وتفرقه حدود سياسية، بأنظمة حكم متعددة، في المعنى والمبنى..!؟
وإذا ما صورنا المجتمع العربي، على أنه مجتمع نخب حاكمة وشعوب محكومة، يبدو الحديث عن "الديمقراطية" مجرد ترف فكري، ولا يبدو هناك من مسوغ منطقي للتساؤل عن أي "ديمقراطية" مطلوبة من مجتمع بهذا الحال..!؟
أما إذا تحدثنا عن رقعة جغرافية تقطنها مجاميع بشرية نطلق عليها دولا عربية بحدود سياسية، فالأمر يختلف في هذه الحالة، والحديث سيجرنا الى مجتمعات عربية بكيانات سياسية، تختلف في سماتها وعاداتها وثقافاتها بعضها عن البعض ألآخر بهذا القدر أو ذاك، وإن جمعتها لغة واحدة وتأريخ مشترك وديانة واحدة، وأرض واحدة. وفي هذه الحالة يصعب معه الحديث عن ديمقراطية معينة وبسمات محددة لكل هذه الجماعات ، الني نطلق عليها تجوزاّ "المجتمع العربي"، وبالتالي إذا ما أردنا الحديث عن "الديمقراطية"، فإنه ينبغي التعريف سلفاّ، بأن الديمقراطية المقصودة، لايمكنها أن تكون شيئاّ مستقلاّ عن كل كيان من هذه الكيانات. وهذا سيدفعنا الى الحديث عن المستويات المختلفة لهذه الديمقراطية من شعب معين الى آخر..؟!
وفي جميع الأحوال، فإن الديمقراطية التي أصبحت تشكل أهم إشكاليات العصر، لايمكن أن تكون صورة واحدة أو طبعات متشابهة لأصل واحد ومقاس ثابت. وكثيراّ ما يجري الحديث اليوم عن إشاعة الديمقراطية في أنظمة الحكم في منطقة الشرق الأوسط ، حيث يتم الحديث عن "المجتمع العربي" فرضاّ، وكأنها لقاح مضاد للأستبداد والدكتاتورية يمكن مجرد حقن الناس به، ليتحول المجتمع وبقدرة قادر الى مجتمع ديمقراطي- ليبرالي، بعد أن كان يعيش في دياجير الظلام والخرافات..!
فالمجتمع العربي المتشكل ضمن حدوده الجغرافية السياسية بكياناته المتعددة، هو وحده القادر على خلق وتطوير أي عملية إجتماعية - سياسية ذات سمات ديمقراطية. والحديث هنا يجري عن ديمقراطية نسبية، تمتلك سمات المجتمع الذي ولدت من رحمه عبر عملية التطور ألإقتصادي- الإجتماعي لذلك الكيان، وخلال مراحل تأريخية، نمت ونضجت عبرها معالم تلك الديمقراطية، والتي قد تبدو في بعض سماتها، في مراحل أدنى مما عليه لدى شعوب وأقوام أخرى أكثر رقياّ في سلم الحضارة والتقدم العلمي..!
أما إذا قصرنا القول على "الديمقراطية" بإعتبارها مشروعاّ جاهزاّ للتسويق، ونموذجاّ صالحاّ، بأن يمكن تبنيه من قبل "المجتمع العربي" إسوة بغيره من ألمجتمعات؛ كصيغة جديدة ملائمة لظروف العصر، فلا بد والحال أن نأخذ بالحسبان عامل التفاوت ألإقتصادي – ألإجتماعي والثقافي – الحضاري لهذا المجتمع مقارنة بذلك "الموديل" المنشود والمعد وفق مقاسات محددة ومفاهيم وقواعد لا تربطها أية روابط مع طبيعة ظروف المجتمع المقصود..!
ولكي يكون الأمر أكثر وضوحاّ، فإن البعض يستدعي أن يقدم "المجمع العربي" نموذجاّ حياّ لديمقراطية جديدة، خارج إطار تكويناته السياسية والإجتماعية، خارج إطار ثقافته ومستوى المنسوب الحضاري الذي هو فيه، نموذجاّ يحاكي ولو ظاهرياّ مستلزمات ومتطلبات سيرورة العولمة التي أخذت مدياتها تأخذ تسارعاّ كبيراّ ونطاق تأثيرها بات شاملاّ أوسع الميادين؛ فالضغوط التي يمارسها رأس المال المالي العالمي على النطاق الدولي، أخذت تستعجل إجراء التغييرات البنيوية التي تحقق مقاصده في المناطق التي لا زالت غير مؤهلة للدخول في عملية العولمة أو أنها لم تستكمل بعد شروطها، وخاصة تلك التي تمتلك مستودعات هائلة من مصادر الطاقة، في الوقت الذي لا زالت فيه مجتمعات هذه المناطق تخضع في بناها الداخلية الى منظومة العلاقات ما قبل الحضارة في أطرها الحالية، رغم أنها في كثير من جوانب تلك الحضارة، تمتلك بعض مظاهرها الخارجية والتي هي في جوهرها ليست من نتاج مجتمعاتها بل هي نتاج مجتمعات قد سبقتها أشواطاّ في عملية الإنتاج الرأسمالي، وبالتالي فإنها تعاني من إشكالية العولمة في جانبين؛ كونها مجتمعات مستهلكة لمنتجات حضارة قد سبقتها في مضمار الإنتاج، من جهة، ومن جهة أخرى، كونها لا زالت متخلفة في ولوج العملية الإنتاجية العالمية ، بسبب عوامل الكبح التي تعيقها من التحرك في مضمار هذه العملية التي دخلت مراحل متقدمة من التطور والتركز، وهذا ما جعل هذه المجتمعات تجد نفسها في المراتب المتدنية من عملية التطور الإقتصا-إجتماعي، وأنها في الغالب الأعم مجرد مجتمعات إستهلاكية، وأسواق مفتوحة لتصريف منتجات البلدان الرأسمالية المتقدمة، ومسوق كبير لمصادر الطاقة ، التي في طريقها الى النضوب، الى تلك البلدان..!
إن عملية الدمقرطة المنشودة لمثل هذه المجتمعات، إذا ما أخذنا بالإعتبار، (الديمقراطية) كنهج وممارسة في الحياة اليومية، على كافة صعدها السياسية والإقتصادية والإجتماعية، سوف نصطدم بواقع هشاشة الأرضية التي يفترض أن تحتضن هذه الممارسة بأشكالها المتقدمة، والتي هي نتاج مجتمعات بلغت في نضجها الإقتصاإجتماعي شوطاّ بعيدا، ومن هنا منبع تناقضها الصارخ مع واقع المجتمعات المراد دمقرطتها، ذلك التناقض، الذي بات ينعكس في حالات ردود الفعل المضاد لهذا القسر، والذي غالبا ّما يأخذ أشكالاّ من التطرف الديني والقومي، بل وحتى يرقى الى درجة العنف المضاد والتمرد على كل ما يمت بصلة الى هذه المساعي التي تريد حشر هذه المجتمعات، ومنها "المجتمع العربي" في قطار (العوملة) المنطلق قدما بسرعة الى الأمام..!
والمحصلة النهائية لذلك، هي ان "الديمقراطية" التي يحلم البعض، حتى من أبناء هذه المجتمعات، بأنها ستكون وحدها كافية لأن ترفع من شأن مجتمعاتها وتضعها في مصاف ركب الحضارة الصاعد، بمجرد تسييسها عن طريق القسر الفوقي وفرضها كحقيقة لا مناص منها، وتجاهل طبيعة الظروف الإجتماعية وأرضية الواقع الذي سيجري نثر بذورها فيها، إن هذه " الديمقراطية" بكل محاسنها وإيجابياتها، ستكون نموذجا مسخا، لا تستسيغه هذه المجتمعات رغم كل ما يملكه أصحابها من نوايا حسنة ومقاصد خيرة..! تلك النوايا وفي كثير من الآحيان، تدفع أصحابها، ومن أجل الخلاص من واقع الإستبداد والتخلف الذي تعيشه شعوبها، الى طلب يد العون من الخارج، أو كما يدعى بتفعيل "العامل الخارجي" لمساعدتها في تحقيق ذلك..!؟
وليس من الجهالة بمكان ، أن يدرك المرء؛ أن أي حضارة مهما بلغت درجة نضجها، هي وليدة عملية التطور ألإقتصادي- الإجتماعي للمجتمع نفسه، ولكن هذا لا يعني أنها لا تؤثر أو تتأثر بحضارات المجتمعات الأخرى. وفي عالمنا المعاصر، فإن هذه العملية تجري بوتائر غاية في السرعة بسبب التطور العالمي الهائل للثورة العلمية والتكنلوجية، التي حطمت كل حدود العزلة والإنفصال بين مختلف شعوب العالم، وحيث أن (الديمقراطية) بإعتبارها نتاج هذه العملية ، فهي الأخرى تخضع لنفس قوانين عملية التطور الحضاري للمجتمعات نفسها، ونموها وتطورها مرهون بنمو وتطور العملية الإقتصاإجتماعية لتلك المجتمعات. ومن هنا جاء هذا التفاوت في الممارسة العملية للديمقراطية بين البلدان المختلفة.
على صعيد "المجتمع العربي" وقد أجملنا فيما تقدم، إشكالية مكونات هذا المجتمع، فإن الحديث يجري دائماّ عن "الديمقراطية" في شكلها السياسي، على صعيد بناء نظام الحكم والدولة ومؤسسات المجتمع المدني، والتعددية السياسية، والحريات العامة ..الخ، أكثر مما يجري عن جوهر هذه "الديمقراطية" في مجال الممارسة العملية، ومستوى المشاركة الحقيقية للمجتمع في الحياة اليومية وصياغة القرار..! ثمة العديد من البلدان في الشرق الأوسط ومنها بعض البلدان العربية، من تتبنى "الديمقراطية" كشكل عام -(الديمقراطية الشكلية)- على الصعيد السياسي – المؤسساتي، ولكنها في الممارسة تنحو الى أساليب القمع والإستبداد بحق شعوبها، وهي بذلك تحاول فقط مجاراة العملية الحضارية العالمية من حيث الشكل، وليس من حيث الجوهر، ومع ذلك فهي تبدو وكأنها خطوة الى الأمام في الإتجاه المساعد لإشاعة الديمقراطية في الحياة اليومية كمنهج وأسلوب وممارسة. ولكن ومع كل ذلك يبقى تطور هذه العملية رهن بمدى تطور عملية التنمية الإقتصادية - الإجتماعية الداخلية لمجتمعات هذه البلدان، ودون تجاهل خصائصها المحلية، فهي وحدها كفيلة برفع وتائر تطور العملية الديمقراطية المنشودة، في خضم شمولية العولمة الكونية..!
_