- السبت يونيو 30, 2012 1:22 am
#51951
تعريف الصراع:
الصراع ظاهرة إنسانية تنشأ عن تعارض المصالح أو رغبة طرفين أو أكثر في القيام بأعمال متعارضة فيما بينها، ذلك هو المنطق البسيط للصراع الذي لا يتم حله إلا بمجموعة متناسقة من التدابير والقواعد،وهذه القواعد متشابهة بالنسبة لكل حالات الصراع وإن تعددت المستويات المختلفة، وهو ما يسمح بالحديث عن نظرية لإدارة الصراعات من اجتماعية لدولية، مع تميز كل مستوى ببعض الخصائص الفرعية المميِزة المقترنة بالمجال وحدوده وطبيعة تفاعلاته وأطرافه.
والصراع يجري مدفوعاً بمجموعة من الرغبات والحاجات الخاصة، فعندما تشعر الأطراف المتفاعلة أن هناك ثمة مصالح يمكن أن تجنيها من جراء الانخراط في الصراع فإنها تقدم على الدخول فيه، وتغريها تلك المصالح بكسر قواعد سابقة أو المغامرة بانتهاك أعراف عامة لإدارة الصراعات على المستويات المختلفة.
وتختلف أشكال الصراع وفقا لمحصلة اعتقادات وتصورات ورغبات القوى المشاركة في أدواره،وللصراع تواجد في كافة أشكال السلوك الاجتماعي،ولكل صراع أرضية يقوم عليها،وهو موجود في الواقع بحكم توازنات وتعقد الواقع ذاته، غير أنه دائماً ما يأتي ممتزجاً بالكثير من التبريرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهناك سبب أصيل لأي صراع كما أن هناك تبرير مباشر لوجوده.
المساومة: إدارة الصراعات الدولية
للصراعات الدولية سمات مشتركة،الأمر الذي يتيح خلق قواعد عامة وأساليب راسخة للتعامل معها،وتعتبر الحروب أقسى تجليات هذه الصراعات، فعندما تقع الحروب فإن ذلك يعني أن هناك ثمة مصالح متناقضة تناقضاً كاملاً في لحظة معينة ،وغير ممكن حلها إلا من خلال اللجوء إلى القوة المسلحة وليس مجرد التهديد بها.
وتعتبر المساومة أكثر أشكال الصراع انتشاراً بين الأفراد والجماعات والدول، وهي عملية تضم أكثر من طرف بينهم مصالح متضاربة نسبيا ويسعى كل طرف لإيجاد نوع من أنواع الاتفاق المرضي الذي يحقق شكلا من التوافق فيما بينهم.
وعملية المساومة تتضمن دائما محاولة من محاولات الإجبار،غير أنه إجبار لا يقوم على آلية تحقيق التفوق من خلال الحرب بل يعتمد على التهديد أو التأثير في الطرف الآخر من أجل قبول تنازلات ما كان ليقبل بها ابتداء، إلا أن عملية المساومة لا يمكن أن تنطوي على أي صورة من اشكال الإجبار الكامل، وإلا صارت أقرب للحرب أو لعبة صراعية فيها فائز ومهزوم .
والمساومة هي أولى صيغ إدارة الصراع في النظام الدولي فهي بمثابة القاعدة الأساسية التي تشتق منها كافة الصيغ الأخرى، والمساومة قائمة على فكرة المنفعة،أما العوامل المؤثرة في سياق المساومة فهي :
عامل الزمن: فتحديد الإطار الزمني للمساومة على درجة عالية من الأهمية،لأن تحديد زمن معين للمساومة يضمن نوعا من الإدارة الدقيقة للصراع الذي يتكون بدوره من مجموعة من المساومات المتعاقبة حينا والمتداخلة حينا آخر،وعمر المساومة قليل جدا مقارنة بعمر الصراع.
الطرف الثالث : قد يكون وجود طرف ثالث في المساومة عاملا مهما قد يلجأ إليه الطرفان للقيام بدور الوساطة لحل الصراع أو لتسهيل التوصل إلى اتفاق،ويشترط في ذلك الطرف الثالث أن يكون ذا مصالح مباشرة حقيقة مع كلا الطرفين ،وأن يتمتع بنفوذ قوي بطريقة أو أخرى على كلا الطرفين،ويعد اختلاف قوة ونفوذ الطرف الثالث على طرف وآخر من أكبر العوائق التي تواجه التوصل إلى اتفاقات مرضية وقابلة للتنفيذ.
السياق الإقليمي: وهو محصلة تفاعلات بيئة الوحدات المكونة للإقليم،وهو في الأساس تقسيم سياسي تحدد قسماته أدوار الصراعات السياسية،وقد يمكن اعتبار الدولة غير العضوفي الإقليم بوضعه الجغرافي عضوا مباشرا فيه بوضعه السياسي،وترتبط فعالية عامل السياق الإقليمي بشكل وماهية المساومات السائدة في المنطقة.
القواعد العامة للمساومة
هناك خمسة موازين أساسية للمساومة هي:
1- ميزان القدرات : وهي القدرات العسكرية والإستراتيجية العامة،بالإضافة إلى الخدمات الإستراتيجية العامة مثل المخابرات والتموين وصيانة المعدات العسكرية والقدرات الاتصالية.
2- ميزان المخاطر : ويقصد به التوازن في المواقف التي تشكل مواجهة تبعات الحصول على ميزة ما أو تجنب تهديد بعينه،كتلك المخاطر التي قد تكتنف عملية الحصول على سلاح نووي.
3- ميزان الإدراك الداخلي : ويتعلق بمدى الاهتمام بالشرعية السياسية في الداخل عند صياغة الموقف التساومي لطرف في مواجهة طرف آخر،بما قد يستتبعه من عدم التركيز-فقط- على شرعية المطالب في بيئة الطرف الداخلية،ولكن النظر-أيضا- إلى وجهة نظر الطرف الآخر.
4- ميزان الاحتياج : ويعبر عن طبيعة ومقدار ما تحتاجه الدولة،وتسعى إلى تحصيله من موارد وإمكانات الدول الأخرى في النظام الدولي.
5- ميزان الحساسية: ويتعلق بمفهوم صناعة الاختلاف في مجال القيم المشتركة.
ويجب أن نفرق هنا بين المبادرة للحرب وبين التهديد بها في إطار المساومة ،فالحرب تعني الاستعمال الفعلي للقوة المسلحة لغرض التأثير الاستراتيجي في الحرب الفعلية،أما التهديد بالحرب فيقصد به:الردع من أجل المنع بإتيان فعل بالقوة.
المساومة العقلانية ونظرية المباريات
تعتبر نظرية المباريات من الصور المثلي التي تتسم بقدر كبير من العقلانية في اتخاذ القرارات التفاعلية، والقرار التفاعلي هو القرار الذي يأخذ رد فعل الطرف الآخر في الاعتبار ونظرية المباريات ليست نظرية وصفية ولكنها بالأساس نظرية معيارية تقوم على العقلانية حيث تهدف إلى بيان كيف يمكن أن تؤخذ قرارات أفضل في أوضاع تفاعلية،حيث تقوم النظرية على معيار أولي هو تعظيم الفوائد .
وللعقلانية أربعة أنماط مختلفة هي :
العقلانية المتشددة : ويقصد بها السلوك الذي يتوخى أقصى درجات العدالة الممكنة بين أطراف المباراة،ويقضي هذا النمط أن تكون جميع أطراف المباراة في وضع عادل ومتكافيء عند بداية المباراة.
العقلانية القصوى: ويقصد به ذلك السلوك الذي لا يتوخى غير تحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب،ويهدف هذا النمط إلى تعظيم المكاسب الذاتية بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
العقلانية المختلطة: ويقصد بها السلوك الذي يمزج بين ضرورات المصلحة الذاتية والاعتبارات الأخلاقية والعامة .
العقلانية الرخوة: ويقصد به السلوك الذي ينحاز دائما إلى كل ما هو سائد ومتوقع في بيئته بغض النظر عن نتائج الحسابات المعقدة.
وقد ظهرت صياغات نظرية المباريات سنة 1944م بواسطة مجموعة من العلماء الأمريكيين،وتسمى هذه النظرية أيضا "مباراة 2×2 حيث يضع الطرف نفسه موضع الطرف الآخر ليرى كيف يفكر ومن ثم كيف تكون ردة فعله.
وتفترض نظرية المباريات أن هناك موقف صراعي ناجم عن وجود علاقات ومصالح تحتم الصراع أملا في الحصول على مكاسب سواء كلية أو اقتساما،ويجري تصور الصراع على شكل مباراة بين طرفين ولكل طرف اختياران الأحسن والأسوأ.
وعند البدء في حساب كل اختيار نجد حساب لما يسمى بالفوائد ويقصد بها مجموعة المزايا،ونجد أيضا التوابع ويقصد بها العوامل المؤثرة على بيئة اللعب والتي يكون اللاعب واعيا بها قبل تحديد المنافع ،كما نجد لكل طرف في الصراع ما يسمى بـ"هيكل المنافع" ويقصد به مجموعة القيم التي تحدد ما يمكن أن يربحه كل طرف من أطراف المباراة.
وللمنفعة عدة عناصر يولد التفاعل فيما بينها هيكل القيم لكل طرف من أطراف المباراة وهي الهدف من المباراة،والموارد المستخدمة،والمعلومات
والمباريات دائما تفاعلية ،أي أن النتيجة ليست فائز على طول الخط أو خاسر على طول الخط،ولكن لعب المباراة يواكبه تخيل أن أحد الطرفين سيحقق المكسب على حساب الطرف الآخر،ولكن السؤال هنا هو :ما هي النقطة التي تحقق أكبر مكسب لطرف في مقابل خسارة ما لطرف آخر؟
وهناك ما يُسمى بـ"الإستراتيجية العلنية" وهي إستراتيجية حاكمة تحدد هيكل المنافع والهيكل التفاعلي للتأثيرات،والطرف أو اللاعب عند تحقيقه أكبر قدر من المنافع في ظل إستراتيجيته الحاكمة يخوض غمار مباراة جديدة بقصد تحقيق نتائج أفضل،وهو ما يمكن أن نسميه "ظل المستقبل".
المساومة هي جوهر فلسفة نظرية المباريات،ولكي يكون أطراف المباريات قادرين على القيام بعملية المساومة بكفاءة وفعالية لابد أن يتوفر القدر الكافي من المعلومات الصحيحة كما أسلفنا.
ولكن ما هو شكل الاتصال الذي يمكن أن يوجد بين أطراف المباريات؟
هناك أربعة أنواع من الاتصالات يمكن أن تجري بين أطراف المباراة هي :
الاتصال الصريح : وهذا النوع من الاتصال يكفل أعلى درجات الوضوح والشفافية مع عدم احتمال وقوع لبس .
الاتصال الضمني: وهو الاتصال الواضح المعنى الغامض العبارة.
الاتصال غير المباشر: وهو النوع الذي يتم من خلال وسيط
الاتصال الصريح المعزز بالاتصال الضمني: وهو النوع من الاتصال الذي يأخذ بأسلوبي الاتصال الصريح والضمني في نفس الوقت.
ولا شك أن للمعلومات قيمة كبيرة في المباريات ، فالمعلومات التي يملكها كل من طرفي المباراة تشكل عاملا فارقا في تحديد من منهما الذي يحسم النتيجة لصالحه سواء أكانت هذه المعلومات سابقة على دخول المباراة أو تمكن طرف ما من الحصول عليها أثناء المباراة ،ونظرا لأن المعلومات في المجال الدولي غير مكتملة أو صعبة المنال فتظهر هنا أهمية أجهزة المخابرات و المعلومات التي تملكها الدولة وكفاءة هذه الأجهزة في جمع المعلومات وتحليلها.
وهناك ثلاث بيئات تجري فيها المباريات هي:
بيئة التأكد : وهي البيئة التي يتوافر فيها الحد الأقصى من المعلومات الكاملة والصحيحة،وهو ما يجعل بدائل القرار على درجة عالية من الوضوح،والاحتمالات تكون على قدر كبير من المحدودية.
بيئة عدم التأكد: وهذه البيئة تتسم بعدم توافر المعلومات الكاملة والصحيحة والمؤكدة وهنا يتم اللجوء إلى أربعة معايير هي:
(أ) معيار المتوسط الحسابي: ويستخدم هذا المعيار عند غياب المعلومات بشكل كامل،فيضطر صانع القرار إلى فرض مجموعة كبيرة من الاحتمالات ثم يستخلص متوسط ما يمكن أن تسفر عنه هذه الاحتمالات المفروضة عن طريق أخذ متوسطها الحسابي.
(ب) معيار أفضل الأسوأ: ويستخدم هذا المعيار عندما تكون المعلومات المتاحة تدفع إلى عدم احتمال نتائج مرضية،وهو ما يدفع صانع القرار صوب اختيار الاحتمالات التي تمنحه أقل خسائر ممكنة،ويتم اختيار البديل الذي يحقق أفضل الأسوأ.
(ج) معيار أفضل الأفضل: ويستخدم هذا المعيار عندما تكون المعلومات المتوافرة لدى صانع القرار تدلل على توافر فرصة في الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب.
(د) معيار الأقل ندما: ويقوم هذا المعيار على فكرة أن هناك-دائما- ثمة تكلفة أو خسارة أو تضحية يتكبدها صانع القرار في حالة اتخاذ القرار السليم،مما يحتم اتخاذ القرار في سياق توخي تخفيض درجة الخسارة وبالتالي الندم في حالة ثبوت عدم سلامة القرار .
بيئة المخاطرة "وهي البيئة الواقعة بين البيئتين السابقتين بيئة التأكد وبيئة عدم التأكد،وتقضي هذه البيئة بأنه باستطاعة صانع القرار توقع احتمال حدوث النتائج الطبيعية باستخدام "القيمة المتوقعة".
أنواع وانماط من المباريات
هناك نوعان وأنماط عدة. والنوع أكبر من النمط. والنوعان هما: نوع المباراة غير التعاونية ونوع المباراة التعاونية. والمباراة الصفرية تعبر عن نمط غير تعاونى. أما مبارة التحالفات فتعبر عن نوع المبارة التعاونية. وكقاعدة عامة المباراة غير التعاونية لا يوجد بها اقتسام عادل أو مرضى عنه بين الأطراف، ومن أبرز أنماط المباريات:
أولا:المباراة الصفرية: وهي المباراة التي تنتهي بفوز أحد الطرفين فوزا كليا،وخسارة الطرف الآخر خسارة كلية،وتحتم كون المباراة صفرية عدة اعتبارات هي:
•عدم قابلية القيمة المتصارع عليها للقسمة.
•رفض أحد الطرفين مبدأ القسمة .
•رفض أحد الطرفين في المشاركة في القيمة.
ثانيا مباراة التهديد: وتمسى أيضا "مباراة الخوف" أو "من سيكون الضحية" وتدور حول:أن هناك طرف أول يهدد طرف ثان،وأن هذا التهديد يتصف بدرجة عالية من المصداقية،وتؤسس مباراة التهديد لأهمية الضربة الأولى كما هو الحال في الردع النووي.
ثالثا مباراة المستغل: وفي هذه المباراة يكون الطرفان غير متساويين في القوة،أي تكون هناك حالة من عدم التكافؤ ويكون توزيع القوى بعيدا عن التعادلية،ولا تكون لمبادئ العدالة أهمية تذكر،بحيث يمكننا القول أن هناك طرف قوي يمارس أساليب الاستغلال على طرف ضعيف.
رابعامباراة القائد:تقوم هذه المباراة على توافر قدر من التعاون بين الطرفين،بحيث يكون الصراع بينهما قائم-فقط- حول من يقود،ولكي يتمكن أحد الطرفين من قيادة طرف آخر لابد أن يكون قادرا على أن يبدأ بالخطو صوب الهدف الذي يسير باتجاهه الطرف الآخر،وتشبه هذه المباراة مباراة المستغل لكنها تختلف معها في طبيعة الظروف،ونسبة الاحتمالات وإمكانية التقارب في مستوى القوة بين الطرفين،بعكس مباراة المستغل،ومن بين أهم المميزات التي ينبغي أن يتحلى بها الطرف القائم بالقيادة هي القدرة على الاقتراب من المقود.
نظرية التحالفات
إذا كانت المساومة مع الأطراف الأخرى من أهم ملامح الصراع الدولي فإن هذا يتوازى في الغالب مع بناء التحالفات.
فالتحالف مكون أساسي من مكونات الصراع الدولي،إذ لا تدخل الدول في العادة أي صراع مع قوى ما إلا وهي في حالة تحالف مع قوى أخرى ، ولولا انتشار الصراعات لما انتشرت التحالفات،حيث إن قيام التحالفات هو حاجة سياسية وملحة لكل دول العالم،وبالتالي مكون أساسي ودائم الوجود في كافة الصراعات الدولية،وتخدم التحالفات الأغراض الآتية:
التآلف: وهو التقارب الذي يتيح لأقطابه الاستفادة من قدرات بعضهم البعض ،فالدول نظريا في حالة صراع دائم مع بعضها البعض،ولكن يبقى هناك ما يمكن تحويله من صراع معك إلى إضافة لقدراتك،إذ أن الدول قد تستطيع من خلال إتباع إستراتيجية التآلف تحويل خسائر المنافسة مع دول أخرى إلى نوع من أنواع مكاسب التكامل والمؤازرة،وبصفة عامة يمكننا تقسيم التآلف إلى نوعين هما :
(أ) التآلف الرسمي: وهو ذلك النوع الذي يتميز بهيكل محدد،ونتيجة وثيقة محددة.
(ب) التآلف غير الرسمي : وهو ذلك النوع الوظيفي الذي يعني حقيقة وجود التعاون والتنسيق على كافة الأصعدة دون الحاجة إلى وجود الاتفاقات والمواثيق.
تعظيم القدرات المسلحة: من أهم الأهداف التي تضعها الدول نصب أعينها عند التفكير في عقد التحالفات،تحقيق قدر من النمو في القدرات المسلحة لمواجهة التهديدات العسكرية والمخاطر الأمنية المتعاظمة .
تعظيم التوقعات الإستراتيجية: الملاحظ أنه عند الإقدام على إقامة تحالف دائما يتم تنظيم التوقعات الإستراتيجية بين قطبي في إطار التصورات والتوقعات السائدة،وتكون درجة واقعية وإجادة تنظيم التوقعات الإستراتيجية عاملا حاسما في تحديد إلى أي مدة زمنية يمكن له أن يستمر،فالتحالفات التي يتوقع أن تثير الكثير من المشكلات لا يتوقع لها الاستمرار بطبيعة الحال.
والآلية المعتمدة في إجراء التوقعات الإستراتيجية تقوم على تقسيم تلك التوقعات إلى توقعات قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى.
وتتميز الأداة الإستراتيجية بأن لها بعدا تنفيذيا،بينما ينتهي دور الأداة التكتيكية عند تحديد الكيفية التي يمكن بها تحقيق الهدف،أما الأداة اللوجستيكية فتعني الوسيلة التي تساعد على تحقيق فعالية التكتيك،وعادة ما تتكون الوسيلة أو الأداة اللوجستيكية من مجموعة خطوات متسلسلة تجري في سياق آمن،ويعتمد التسلسل السياقي سواء في مرحلة التكتيك أو اللوجستي على ضمان نوع من أنواع الاتساق لمختلف الخطوات التنفيذية والتخطيطية،وللنموذج أربعة إطارات عامة ، هي :
(أ) التفتت الجيوبولوتيكي: إن أي إقليم عادة ما يعاني من التفتت الجيوبولوتيكي بدرجة أو بأخرى،إذ أن توافر التميز في جميع صور الجيوبولوتيكا لدولة ما أمر على درجة عالية من الصعوبة،وفي إطار صور الجيوبولتيكا تبرز العلاقة بين بعض نقاط التلاقي والتقاطع للثنائيات المرتبطة،منها:علاقة الأرض بالمجال الجوي،وعلاقة الثقافة بالتكنولوجيا،وعلاقة الإرادة السياسية بالسكان،وعلاقة الموارد الطبيعية بالقدرات التسويقية.
(ب) أدوات التكنولوجيا الراقية :تتوقف فعالية العملية التكنولوجية في دولة ما على توافر قدراتها في أربعة مستويات رئيسية هي:
1- توافر الهياكل الصلبة:ويقصد بها توافر البنية الصناعية القادرة على إنتاج المعدات الثقيلة ووحدات الإنتاج الصناعي،وقطع غيارها.
2- جودة التوزيع البروجرامي:ويقصد بها جودة توزيع برامج التصنيع المختلفة،والتي تبدا ببرامج كلية سرعان ما تنقسم وتتفرع إلى مجموعات متكاملة من البرامج الأكثر تخصصا.
3-جودة الشبكات:ويقصد بها جودة الترابط بين مستويات القيادة،والتحكم،والتنسيق،والمخابرات،وهو الأمر الذي يتصف ببعد استراتيجي مهم.
4-جودة التغذية العكسية :ويقصد بها جودة كل ما يتعلق بتقييم الأداء ،وتقدير الآثار،وكل ما من شأنه تعديل المسار.
(ج)تعبئة الموارد التنظيمية في وقت التهديد:ويمكن الحكم عليها من خلال أربعة مقاييس،هي:
1-المركزية:ويقصد بها قدرة الدولة على السيطرة،والتقدير الجيد لحجم الموارد اللازمة للقيام بعمليات الدفاع.
2- التعويض:وينصرف على قدرة الدولة على معالجة نقص الموارد.
3-نقاط الاتصال:وتشير إلى درجة تمكن الدولة من توفير الخطوط اللازمة للإمداد.
4-التركيز:ويشير إلى مدى قدرة الدولة على خلق آلية محكمة،تضمن لها حدا ملائما من التبسيط والاختصار.
(د)التنسيق العسكري والسياسي والتحالفي: وينقسم على أربع مجموعات من السلوكيات التحالفية،وهي:
(1)الاتفاق الودي:ويمكن فهمه على أنه ذلك الاتفاق المرن حول موضوع من الموضوعات السياسية والعسكرية بين دولتين أو أكثر.
(2) استرخاء الصراع النظامي:ويعني تخفيض الصراع في مجال استراتيجي أو أكثر بشكل منظم،واتفاق تام بين أطراف الصراع.
(3)التحالف العسكري:ويقصد به تحقيق صورة من صور الاندماج في هيكل أو مجموعة هياكل قيادية عسكرية بين دولتين أو أكثر.
(4) التحزم أو الاعتصام:ويشير إلى نوع من أنواع التنسيق السلوكي في واحد أو أكثر من المجالات الإستراتيجية.
وتعد السياسة الخارجية لأية دولة هي نتاج توظيف العديد من الآليات التساومية والتحالفية
التي تصوغ في التحليل الأخير ملامح علاقاتها الدولية في لحظة ما، حيث أن الصراعات متغيرة، والتحالفات الدولية بطبيعتها مؤقتة ، والقواعد متطورة ، والمساومات غير ثابتة لأن القوة التي هي مناط الصراع الدولي ليست ساكنة بل يمكن تحصيلها، كما يمكن فقدها، أو تحول طبيعتها ودورها، وهذا هو ما يجعل العلاقات الدولية في حالة تحول دائم وإعادة تشكل مستمرة.
-
الصراع ظاهرة إنسانية تنشأ عن تعارض المصالح أو رغبة طرفين أو أكثر في القيام بأعمال متعارضة فيما بينها، ذلك هو المنطق البسيط للصراع الذي لا يتم حله إلا بمجموعة متناسقة من التدابير والقواعد،وهذه القواعد متشابهة بالنسبة لكل حالات الصراع وإن تعددت المستويات المختلفة، وهو ما يسمح بالحديث عن نظرية لإدارة الصراعات من اجتماعية لدولية، مع تميز كل مستوى ببعض الخصائص الفرعية المميِزة المقترنة بالمجال وحدوده وطبيعة تفاعلاته وأطرافه.
والصراع يجري مدفوعاً بمجموعة من الرغبات والحاجات الخاصة، فعندما تشعر الأطراف المتفاعلة أن هناك ثمة مصالح يمكن أن تجنيها من جراء الانخراط في الصراع فإنها تقدم على الدخول فيه، وتغريها تلك المصالح بكسر قواعد سابقة أو المغامرة بانتهاك أعراف عامة لإدارة الصراعات على المستويات المختلفة.
وتختلف أشكال الصراع وفقا لمحصلة اعتقادات وتصورات ورغبات القوى المشاركة في أدواره،وللصراع تواجد في كافة أشكال السلوك الاجتماعي،ولكل صراع أرضية يقوم عليها،وهو موجود في الواقع بحكم توازنات وتعقد الواقع ذاته، غير أنه دائماً ما يأتي ممتزجاً بالكثير من التبريرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهناك سبب أصيل لأي صراع كما أن هناك تبرير مباشر لوجوده.
المساومة: إدارة الصراعات الدولية
للصراعات الدولية سمات مشتركة،الأمر الذي يتيح خلق قواعد عامة وأساليب راسخة للتعامل معها،وتعتبر الحروب أقسى تجليات هذه الصراعات، فعندما تقع الحروب فإن ذلك يعني أن هناك ثمة مصالح متناقضة تناقضاً كاملاً في لحظة معينة ،وغير ممكن حلها إلا من خلال اللجوء إلى القوة المسلحة وليس مجرد التهديد بها.
وتعتبر المساومة أكثر أشكال الصراع انتشاراً بين الأفراد والجماعات والدول، وهي عملية تضم أكثر من طرف بينهم مصالح متضاربة نسبيا ويسعى كل طرف لإيجاد نوع من أنواع الاتفاق المرضي الذي يحقق شكلا من التوافق فيما بينهم.
وعملية المساومة تتضمن دائما محاولة من محاولات الإجبار،غير أنه إجبار لا يقوم على آلية تحقيق التفوق من خلال الحرب بل يعتمد على التهديد أو التأثير في الطرف الآخر من أجل قبول تنازلات ما كان ليقبل بها ابتداء، إلا أن عملية المساومة لا يمكن أن تنطوي على أي صورة من اشكال الإجبار الكامل، وإلا صارت أقرب للحرب أو لعبة صراعية فيها فائز ومهزوم .
والمساومة هي أولى صيغ إدارة الصراع في النظام الدولي فهي بمثابة القاعدة الأساسية التي تشتق منها كافة الصيغ الأخرى، والمساومة قائمة على فكرة المنفعة،أما العوامل المؤثرة في سياق المساومة فهي :
عامل الزمن: فتحديد الإطار الزمني للمساومة على درجة عالية من الأهمية،لأن تحديد زمن معين للمساومة يضمن نوعا من الإدارة الدقيقة للصراع الذي يتكون بدوره من مجموعة من المساومات المتعاقبة حينا والمتداخلة حينا آخر،وعمر المساومة قليل جدا مقارنة بعمر الصراع.
الطرف الثالث : قد يكون وجود طرف ثالث في المساومة عاملا مهما قد يلجأ إليه الطرفان للقيام بدور الوساطة لحل الصراع أو لتسهيل التوصل إلى اتفاق،ويشترط في ذلك الطرف الثالث أن يكون ذا مصالح مباشرة حقيقة مع كلا الطرفين ،وأن يتمتع بنفوذ قوي بطريقة أو أخرى على كلا الطرفين،ويعد اختلاف قوة ونفوذ الطرف الثالث على طرف وآخر من أكبر العوائق التي تواجه التوصل إلى اتفاقات مرضية وقابلة للتنفيذ.
السياق الإقليمي: وهو محصلة تفاعلات بيئة الوحدات المكونة للإقليم،وهو في الأساس تقسيم سياسي تحدد قسماته أدوار الصراعات السياسية،وقد يمكن اعتبار الدولة غير العضوفي الإقليم بوضعه الجغرافي عضوا مباشرا فيه بوضعه السياسي،وترتبط فعالية عامل السياق الإقليمي بشكل وماهية المساومات السائدة في المنطقة.
القواعد العامة للمساومة
هناك خمسة موازين أساسية للمساومة هي:
1- ميزان القدرات : وهي القدرات العسكرية والإستراتيجية العامة،بالإضافة إلى الخدمات الإستراتيجية العامة مثل المخابرات والتموين وصيانة المعدات العسكرية والقدرات الاتصالية.
2- ميزان المخاطر : ويقصد به التوازن في المواقف التي تشكل مواجهة تبعات الحصول على ميزة ما أو تجنب تهديد بعينه،كتلك المخاطر التي قد تكتنف عملية الحصول على سلاح نووي.
3- ميزان الإدراك الداخلي : ويتعلق بمدى الاهتمام بالشرعية السياسية في الداخل عند صياغة الموقف التساومي لطرف في مواجهة طرف آخر،بما قد يستتبعه من عدم التركيز-فقط- على شرعية المطالب في بيئة الطرف الداخلية،ولكن النظر-أيضا- إلى وجهة نظر الطرف الآخر.
4- ميزان الاحتياج : ويعبر عن طبيعة ومقدار ما تحتاجه الدولة،وتسعى إلى تحصيله من موارد وإمكانات الدول الأخرى في النظام الدولي.
5- ميزان الحساسية: ويتعلق بمفهوم صناعة الاختلاف في مجال القيم المشتركة.
ويجب أن نفرق هنا بين المبادرة للحرب وبين التهديد بها في إطار المساومة ،فالحرب تعني الاستعمال الفعلي للقوة المسلحة لغرض التأثير الاستراتيجي في الحرب الفعلية،أما التهديد بالحرب فيقصد به:الردع من أجل المنع بإتيان فعل بالقوة.
المساومة العقلانية ونظرية المباريات
تعتبر نظرية المباريات من الصور المثلي التي تتسم بقدر كبير من العقلانية في اتخاذ القرارات التفاعلية، والقرار التفاعلي هو القرار الذي يأخذ رد فعل الطرف الآخر في الاعتبار ونظرية المباريات ليست نظرية وصفية ولكنها بالأساس نظرية معيارية تقوم على العقلانية حيث تهدف إلى بيان كيف يمكن أن تؤخذ قرارات أفضل في أوضاع تفاعلية،حيث تقوم النظرية على معيار أولي هو تعظيم الفوائد .
وللعقلانية أربعة أنماط مختلفة هي :
العقلانية المتشددة : ويقصد بها السلوك الذي يتوخى أقصى درجات العدالة الممكنة بين أطراف المباراة،ويقضي هذا النمط أن تكون جميع أطراف المباراة في وضع عادل ومتكافيء عند بداية المباراة.
العقلانية القصوى: ويقصد به ذلك السلوك الذي لا يتوخى غير تحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب،ويهدف هذا النمط إلى تعظيم المكاسب الذاتية بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
العقلانية المختلطة: ويقصد بها السلوك الذي يمزج بين ضرورات المصلحة الذاتية والاعتبارات الأخلاقية والعامة .
العقلانية الرخوة: ويقصد به السلوك الذي ينحاز دائما إلى كل ما هو سائد ومتوقع في بيئته بغض النظر عن نتائج الحسابات المعقدة.
وقد ظهرت صياغات نظرية المباريات سنة 1944م بواسطة مجموعة من العلماء الأمريكيين،وتسمى هذه النظرية أيضا "مباراة 2×2 حيث يضع الطرف نفسه موضع الطرف الآخر ليرى كيف يفكر ومن ثم كيف تكون ردة فعله.
وتفترض نظرية المباريات أن هناك موقف صراعي ناجم عن وجود علاقات ومصالح تحتم الصراع أملا في الحصول على مكاسب سواء كلية أو اقتساما،ويجري تصور الصراع على شكل مباراة بين طرفين ولكل طرف اختياران الأحسن والأسوأ.
وعند البدء في حساب كل اختيار نجد حساب لما يسمى بالفوائد ويقصد بها مجموعة المزايا،ونجد أيضا التوابع ويقصد بها العوامل المؤثرة على بيئة اللعب والتي يكون اللاعب واعيا بها قبل تحديد المنافع ،كما نجد لكل طرف في الصراع ما يسمى بـ"هيكل المنافع" ويقصد به مجموعة القيم التي تحدد ما يمكن أن يربحه كل طرف من أطراف المباراة.
وللمنفعة عدة عناصر يولد التفاعل فيما بينها هيكل القيم لكل طرف من أطراف المباراة وهي الهدف من المباراة،والموارد المستخدمة،والمعلومات
والمباريات دائما تفاعلية ،أي أن النتيجة ليست فائز على طول الخط أو خاسر على طول الخط،ولكن لعب المباراة يواكبه تخيل أن أحد الطرفين سيحقق المكسب على حساب الطرف الآخر،ولكن السؤال هنا هو :ما هي النقطة التي تحقق أكبر مكسب لطرف في مقابل خسارة ما لطرف آخر؟
وهناك ما يُسمى بـ"الإستراتيجية العلنية" وهي إستراتيجية حاكمة تحدد هيكل المنافع والهيكل التفاعلي للتأثيرات،والطرف أو اللاعب عند تحقيقه أكبر قدر من المنافع في ظل إستراتيجيته الحاكمة يخوض غمار مباراة جديدة بقصد تحقيق نتائج أفضل،وهو ما يمكن أن نسميه "ظل المستقبل".
المساومة هي جوهر فلسفة نظرية المباريات،ولكي يكون أطراف المباريات قادرين على القيام بعملية المساومة بكفاءة وفعالية لابد أن يتوفر القدر الكافي من المعلومات الصحيحة كما أسلفنا.
ولكن ما هو شكل الاتصال الذي يمكن أن يوجد بين أطراف المباريات؟
هناك أربعة أنواع من الاتصالات يمكن أن تجري بين أطراف المباراة هي :
الاتصال الصريح : وهذا النوع من الاتصال يكفل أعلى درجات الوضوح والشفافية مع عدم احتمال وقوع لبس .
الاتصال الضمني: وهو الاتصال الواضح المعنى الغامض العبارة.
الاتصال غير المباشر: وهو النوع الذي يتم من خلال وسيط
الاتصال الصريح المعزز بالاتصال الضمني: وهو النوع من الاتصال الذي يأخذ بأسلوبي الاتصال الصريح والضمني في نفس الوقت.
ولا شك أن للمعلومات قيمة كبيرة في المباريات ، فالمعلومات التي يملكها كل من طرفي المباراة تشكل عاملا فارقا في تحديد من منهما الذي يحسم النتيجة لصالحه سواء أكانت هذه المعلومات سابقة على دخول المباراة أو تمكن طرف ما من الحصول عليها أثناء المباراة ،ونظرا لأن المعلومات في المجال الدولي غير مكتملة أو صعبة المنال فتظهر هنا أهمية أجهزة المخابرات و المعلومات التي تملكها الدولة وكفاءة هذه الأجهزة في جمع المعلومات وتحليلها.
وهناك ثلاث بيئات تجري فيها المباريات هي:
بيئة التأكد : وهي البيئة التي يتوافر فيها الحد الأقصى من المعلومات الكاملة والصحيحة،وهو ما يجعل بدائل القرار على درجة عالية من الوضوح،والاحتمالات تكون على قدر كبير من المحدودية.
بيئة عدم التأكد: وهذه البيئة تتسم بعدم توافر المعلومات الكاملة والصحيحة والمؤكدة وهنا يتم اللجوء إلى أربعة معايير هي:
(أ) معيار المتوسط الحسابي: ويستخدم هذا المعيار عند غياب المعلومات بشكل كامل،فيضطر صانع القرار إلى فرض مجموعة كبيرة من الاحتمالات ثم يستخلص متوسط ما يمكن أن تسفر عنه هذه الاحتمالات المفروضة عن طريق أخذ متوسطها الحسابي.
(ب) معيار أفضل الأسوأ: ويستخدم هذا المعيار عندما تكون المعلومات المتاحة تدفع إلى عدم احتمال نتائج مرضية،وهو ما يدفع صانع القرار صوب اختيار الاحتمالات التي تمنحه أقل خسائر ممكنة،ويتم اختيار البديل الذي يحقق أفضل الأسوأ.
(ج) معيار أفضل الأفضل: ويستخدم هذا المعيار عندما تكون المعلومات المتوافرة لدى صانع القرار تدلل على توافر فرصة في الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب.
(د) معيار الأقل ندما: ويقوم هذا المعيار على فكرة أن هناك-دائما- ثمة تكلفة أو خسارة أو تضحية يتكبدها صانع القرار في حالة اتخاذ القرار السليم،مما يحتم اتخاذ القرار في سياق توخي تخفيض درجة الخسارة وبالتالي الندم في حالة ثبوت عدم سلامة القرار .
بيئة المخاطرة "وهي البيئة الواقعة بين البيئتين السابقتين بيئة التأكد وبيئة عدم التأكد،وتقضي هذه البيئة بأنه باستطاعة صانع القرار توقع احتمال حدوث النتائج الطبيعية باستخدام "القيمة المتوقعة".
أنواع وانماط من المباريات
هناك نوعان وأنماط عدة. والنوع أكبر من النمط. والنوعان هما: نوع المباراة غير التعاونية ونوع المباراة التعاونية. والمباراة الصفرية تعبر عن نمط غير تعاونى. أما مبارة التحالفات فتعبر عن نوع المبارة التعاونية. وكقاعدة عامة المباراة غير التعاونية لا يوجد بها اقتسام عادل أو مرضى عنه بين الأطراف، ومن أبرز أنماط المباريات:
أولا:المباراة الصفرية: وهي المباراة التي تنتهي بفوز أحد الطرفين فوزا كليا،وخسارة الطرف الآخر خسارة كلية،وتحتم كون المباراة صفرية عدة اعتبارات هي:
•عدم قابلية القيمة المتصارع عليها للقسمة.
•رفض أحد الطرفين مبدأ القسمة .
•رفض أحد الطرفين في المشاركة في القيمة.
ثانيا مباراة التهديد: وتمسى أيضا "مباراة الخوف" أو "من سيكون الضحية" وتدور حول:أن هناك طرف أول يهدد طرف ثان،وأن هذا التهديد يتصف بدرجة عالية من المصداقية،وتؤسس مباراة التهديد لأهمية الضربة الأولى كما هو الحال في الردع النووي.
ثالثا مباراة المستغل: وفي هذه المباراة يكون الطرفان غير متساويين في القوة،أي تكون هناك حالة من عدم التكافؤ ويكون توزيع القوى بعيدا عن التعادلية،ولا تكون لمبادئ العدالة أهمية تذكر،بحيث يمكننا القول أن هناك طرف قوي يمارس أساليب الاستغلال على طرف ضعيف.
رابعامباراة القائد:تقوم هذه المباراة على توافر قدر من التعاون بين الطرفين،بحيث يكون الصراع بينهما قائم-فقط- حول من يقود،ولكي يتمكن أحد الطرفين من قيادة طرف آخر لابد أن يكون قادرا على أن يبدأ بالخطو صوب الهدف الذي يسير باتجاهه الطرف الآخر،وتشبه هذه المباراة مباراة المستغل لكنها تختلف معها في طبيعة الظروف،ونسبة الاحتمالات وإمكانية التقارب في مستوى القوة بين الطرفين،بعكس مباراة المستغل،ومن بين أهم المميزات التي ينبغي أن يتحلى بها الطرف القائم بالقيادة هي القدرة على الاقتراب من المقود.
نظرية التحالفات
إذا كانت المساومة مع الأطراف الأخرى من أهم ملامح الصراع الدولي فإن هذا يتوازى في الغالب مع بناء التحالفات.
فالتحالف مكون أساسي من مكونات الصراع الدولي،إذ لا تدخل الدول في العادة أي صراع مع قوى ما إلا وهي في حالة تحالف مع قوى أخرى ، ولولا انتشار الصراعات لما انتشرت التحالفات،حيث إن قيام التحالفات هو حاجة سياسية وملحة لكل دول العالم،وبالتالي مكون أساسي ودائم الوجود في كافة الصراعات الدولية،وتخدم التحالفات الأغراض الآتية:
التآلف: وهو التقارب الذي يتيح لأقطابه الاستفادة من قدرات بعضهم البعض ،فالدول نظريا في حالة صراع دائم مع بعضها البعض،ولكن يبقى هناك ما يمكن تحويله من صراع معك إلى إضافة لقدراتك،إذ أن الدول قد تستطيع من خلال إتباع إستراتيجية التآلف تحويل خسائر المنافسة مع دول أخرى إلى نوع من أنواع مكاسب التكامل والمؤازرة،وبصفة عامة يمكننا تقسيم التآلف إلى نوعين هما :
(أ) التآلف الرسمي: وهو ذلك النوع الذي يتميز بهيكل محدد،ونتيجة وثيقة محددة.
(ب) التآلف غير الرسمي : وهو ذلك النوع الوظيفي الذي يعني حقيقة وجود التعاون والتنسيق على كافة الأصعدة دون الحاجة إلى وجود الاتفاقات والمواثيق.
تعظيم القدرات المسلحة: من أهم الأهداف التي تضعها الدول نصب أعينها عند التفكير في عقد التحالفات،تحقيق قدر من النمو في القدرات المسلحة لمواجهة التهديدات العسكرية والمخاطر الأمنية المتعاظمة .
تعظيم التوقعات الإستراتيجية: الملاحظ أنه عند الإقدام على إقامة تحالف دائما يتم تنظيم التوقعات الإستراتيجية بين قطبي في إطار التصورات والتوقعات السائدة،وتكون درجة واقعية وإجادة تنظيم التوقعات الإستراتيجية عاملا حاسما في تحديد إلى أي مدة زمنية يمكن له أن يستمر،فالتحالفات التي يتوقع أن تثير الكثير من المشكلات لا يتوقع لها الاستمرار بطبيعة الحال.
والآلية المعتمدة في إجراء التوقعات الإستراتيجية تقوم على تقسيم تلك التوقعات إلى توقعات قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى.
وتتميز الأداة الإستراتيجية بأن لها بعدا تنفيذيا،بينما ينتهي دور الأداة التكتيكية عند تحديد الكيفية التي يمكن بها تحقيق الهدف،أما الأداة اللوجستيكية فتعني الوسيلة التي تساعد على تحقيق فعالية التكتيك،وعادة ما تتكون الوسيلة أو الأداة اللوجستيكية من مجموعة خطوات متسلسلة تجري في سياق آمن،ويعتمد التسلسل السياقي سواء في مرحلة التكتيك أو اللوجستي على ضمان نوع من أنواع الاتساق لمختلف الخطوات التنفيذية والتخطيطية،وللنموذج أربعة إطارات عامة ، هي :
(أ) التفتت الجيوبولوتيكي: إن أي إقليم عادة ما يعاني من التفتت الجيوبولوتيكي بدرجة أو بأخرى،إذ أن توافر التميز في جميع صور الجيوبولوتيكا لدولة ما أمر على درجة عالية من الصعوبة،وفي إطار صور الجيوبولتيكا تبرز العلاقة بين بعض نقاط التلاقي والتقاطع للثنائيات المرتبطة،منها:علاقة الأرض بالمجال الجوي،وعلاقة الثقافة بالتكنولوجيا،وعلاقة الإرادة السياسية بالسكان،وعلاقة الموارد الطبيعية بالقدرات التسويقية.
(ب) أدوات التكنولوجيا الراقية :تتوقف فعالية العملية التكنولوجية في دولة ما على توافر قدراتها في أربعة مستويات رئيسية هي:
1- توافر الهياكل الصلبة:ويقصد بها توافر البنية الصناعية القادرة على إنتاج المعدات الثقيلة ووحدات الإنتاج الصناعي،وقطع غيارها.
2- جودة التوزيع البروجرامي:ويقصد بها جودة توزيع برامج التصنيع المختلفة،والتي تبدا ببرامج كلية سرعان ما تنقسم وتتفرع إلى مجموعات متكاملة من البرامج الأكثر تخصصا.
3-جودة الشبكات:ويقصد بها جودة الترابط بين مستويات القيادة،والتحكم،والتنسيق،والمخابرات،وهو الأمر الذي يتصف ببعد استراتيجي مهم.
4-جودة التغذية العكسية :ويقصد بها جودة كل ما يتعلق بتقييم الأداء ،وتقدير الآثار،وكل ما من شأنه تعديل المسار.
(ج)تعبئة الموارد التنظيمية في وقت التهديد:ويمكن الحكم عليها من خلال أربعة مقاييس،هي:
1-المركزية:ويقصد بها قدرة الدولة على السيطرة،والتقدير الجيد لحجم الموارد اللازمة للقيام بعمليات الدفاع.
2- التعويض:وينصرف على قدرة الدولة على معالجة نقص الموارد.
3-نقاط الاتصال:وتشير إلى درجة تمكن الدولة من توفير الخطوط اللازمة للإمداد.
4-التركيز:ويشير إلى مدى قدرة الدولة على خلق آلية محكمة،تضمن لها حدا ملائما من التبسيط والاختصار.
(د)التنسيق العسكري والسياسي والتحالفي: وينقسم على أربع مجموعات من السلوكيات التحالفية،وهي:
(1)الاتفاق الودي:ويمكن فهمه على أنه ذلك الاتفاق المرن حول موضوع من الموضوعات السياسية والعسكرية بين دولتين أو أكثر.
(2) استرخاء الصراع النظامي:ويعني تخفيض الصراع في مجال استراتيجي أو أكثر بشكل منظم،واتفاق تام بين أطراف الصراع.
(3)التحالف العسكري:ويقصد به تحقيق صورة من صور الاندماج في هيكل أو مجموعة هياكل قيادية عسكرية بين دولتين أو أكثر.
(4) التحزم أو الاعتصام:ويشير إلى نوع من أنواع التنسيق السلوكي في واحد أو أكثر من المجالات الإستراتيجية.
وتعد السياسة الخارجية لأية دولة هي نتاج توظيف العديد من الآليات التساومية والتحالفية
التي تصوغ في التحليل الأخير ملامح علاقاتها الدولية في لحظة ما، حيث أن الصراعات متغيرة، والتحالفات الدولية بطبيعتها مؤقتة ، والقواعد متطورة ، والمساومات غير ثابتة لأن القوة التي هي مناط الصراع الدولي ليست ساكنة بل يمكن تحصيلها، كما يمكن فقدها، أو تحول طبيعتها ودورها، وهذا هو ما يجعل العلاقات الدولية في حالة تحول دائم وإعادة تشكل مستمرة.
-