النظام السياسي في سويسرا
مرسل: السبت يونيو 30, 2012 11:02 am
النظام السياسي في سويسرا
المجلس الفدرالي، حكومة من دون رئاسة قارة
ليس للحكومة السويسرية، على خلاف غالبية الدول الأخرى، رئيس وزراء أو رئيس دولة قار.
ويتكون الجهاز الحكومي السويسري من سبعة أعضاء، يشغل رئاسة الدولة كل سنة واحد منهم، بحسب نظام خاص للتناوب.
يعود انتخاب أوّل أعضاء للحكومة الفدرالية إلى 16 نوفمبر 1848، وفي ذلك اليوم، انتخب البرلمان الفدرالي، الذي تأسس في السنة نفسها، "الوزراء" السبعة لإدارة دفة الحكم، بالاستناد إلى نصوص الدستور الفدرالي، الذي أقره الشعب بنسبة 75% خلال استفتاء عام نُـظم في 6 يونيو 1848.
وتكفّـل الدستور آنذاك بتنظيم ونقل الصلاحيات من الكانتونات إلى الحكومة المركزية، وأصبح المجلس الفدرالي يتمتع بسلطات أوسع نِـطاق، مما كان حاصلا من قبل.
¬احتكار السلطة
ظلت السلطة لعقود طويلة حِـكرا على حزب واحد، وكان كل أعضاء الحكومة من الحزب الراديكالي (يمين)، على الرغم من أن النظام الفدرالي المُـعتمد، يشترط أن تشمل الحكومة عضوين من الكاثوليك وعضوين ناطقين بلغة من اللغات الوطنية غير الألمانية.
ولم يقبل الحزب الراديكالي التفويت في مقعد بالمجلس الفدرالي إلى منافسه اللّـدود، الحزب الكاثوليكي المحافظ، والذي أصبح يُـعرف بالحزب الديمقراطي المسيحي (من الوسط)، إلا سنة 1891. ولقد منح هذا الأخير مقعدا ثانيا لمواقفه الوطنية المشرّفة خلال الحرب العالمية الأولى.
والتحق الحزب الذي كان يمثل فئات المزارعين والحرفيين والبورجوازيين، والذي أصبح يُـعرف بعد ذلك بحزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، بالحكومة سنة 1929.
ماذا يُقصد بمصطلح:
• المعادلة السحرية
ظهور "المعادلة السحرية" الناجحة
كان على الاشتراكيين انتظار سنة 1943 لكي يحصلوا على أوّل مقعد لهم في الحكومة، وفازوا سنة 1959 بمقعد ثانٍ، وهذا ما سمح بنشأة "المعادلة السحرية"، التي تقضي بتقاسم السلطة بحسب نسبة التمثيل لكل حزب في البرلمان، ولا تزال هذه المعادلة تحكم تقاسم السلطة في سويسرا إلى حد الآن.
لم تتغير المعادلة السياسية التي حكمت تشكيلة المجلس الفدرالي: عضوان من الحزب الراديكالي وعضوان من الديمقراطي المسيحي وعضوان من الحزب الاشتراكي وعضو واحد من حزب الشعب اليميني، منذ ما يزيد عن 40 سنة.
ولكن، مع حلول 2003، وبعد تراجع قاعدته الانتخابية، وجد الحزب الديمقراطي المسيحي نفسه مُـجبرا على ترك أحد مقعديه بالحكومة لحزب الشعب، الذي تزايدت شعبيته بصورة مُـضطردة منذ بداية التسعينات، وبعد الانتخابات العامة سنة 2003، أصبح هذا الحزب اليميني يحتل واجهة المشهد السياسي السويسري.
12.000 موظفا أو يزيد
يُـشرف كل عضو في الحكومة الفدرالية على قسم يشبه "الوزارة" في بلدان أخرى، وحافظت هذه الأقسام على ما كانت عليه سنة 1848، إذا ما استثنينا بعض التغييرات الطفيفة وانتقال بعض المرافق من قسم إلى آخر أو تغيير أسماء بعضها، كوزارة الخارجية، التي كانت تسمّـى سابقا "القسم السياسي".
ويُـدير الوزير الفدرالي، باعتباره رئيسا للقسم، جهازا إداريا يطغى عليه الطابع الهرمي، وقد يصل عدد العاملين فيه إلى 12.000 موظفت، تماما كما هو الأمر حاليا في وزارة الدفاع والرياضة وحماية السكان.
قرارات جماعية
ينص الدستور على أن المجلس الفدرالي يعمل كوِحدة متضامنة متناسقة والقرارات التي يأخذها تصدُر باسم جميع الأعضاء،
وتعبِّـر البيانات الرسمية أيضا عن هذه الوحدة المتماسكة، وذلك، بتصدّرها بعبارة: "قرر المجلس الفدرالي..."، وهنا نعني الأعضاء السبعة، وبعد أن يتم التصويت لقرار ما، فإن جميع الأعضاء مطالبون بتبنيه والدفاع عنه، مهما اختلفت المواقف قبل ذلك أو تعارضت.
وأما عضو الحكومة، إمرأة أو رجل كان، عندما يُـدعى لتولي رئاسة الدولة دوريا (الأسبقية بحسب الأقدمية)، فإنه لا يتمتع بأي سلطات إضافية. فمن تولى ذلك المنصب، يصبح الأوّل من بين زملائه، لا أكثر ولا أقل.
وخلال سنة كاملة، يتولى الرئيس إدارة جلسات المجلس الفدرالي ويمثل الحكومة في الداخل وفي الخارج، ولا يوجد في سويسرا رئيس دولة أو رئيس حكومة.
أعضاء المجلس لا يعزلون
ينتخب البرلمان أعضاء المجلس الفدرالي، وليس عامة الشعب، لمدة أربع سنوات، ولا توجد أي جهة دستورية يمكنها عزلهم خلال تلك الفترة، كما انه ليس بمقدور الحكومة حل البرلمان.
وتجدد عضوية المجلس الفدرالي كل أربع سنوات، وبالضبط في شهر ديسمبر من كل سنة تشهد تنظيم انتخابات تشريعية عامة، وتعقد الجلسة الأولى لغرفتي البرلمان (مجلس الشعب ومجلس الشيوخ) خلال شهر ديسمبر من تلك السنة.
وباستثناء خسارة الحزب الديمقراطي المسيحي لمقعد سنة 2003 لصالح حزب الشعب وإقصاء البرلمان لوزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر يوم 12 ديسمبر 2007، فإنه في العادة يتم تجديد الثقة في الأعضاء السابقين، حتى وإن تغيّـرت نسبة الأصوات لهذا العضو أو ذاك، وهو أمر لا يتجاوز إثارة بعض التعليقات هنا أو هناك.
وعند تجديد عضوية مقعد في المجلس الفدرالي، وهو ما يحصل عن طريق الانتخاب من البرلمان، فإن جميع المواطنين بإمكانهم نظريا الترشح والحصول على أصوات، حتى بالنسبة للذين لا يشغلون أي منصب سياسي.
حضور نسوي محدود
يترشح في العادة للمجلس الفدرالي أعضاء بمجلس الشعب أو بمجلس الشيوخ، لكن حصل أيضا أن انتخب لعضوية المجلس أعضاء بالحكومات الكانتونية.
ولم يكن الدستور يسمح بأكثر من عضو في المجلس الفدرالي ممثلا عن الكانتونات، إلى حين تم تعديل الدستور في استفتاء عام سنة 1999. ولا يشترط الدستور الفدرالي الحالي سوى احترام مبدإ العدالة في تمثيل المناطق الجغرافية والتنوع اللغوي في البلاد.
وبالنسبة لمشاركة المرأة على مستوى الحكومة الفدرالية، فقد اقتصرت على خمس نساء حتى موقى سنة 2007، وأصبحت السيدة إيفلين فيدمر شلومبف سادس وزيرة فيها. وقد انتُـخبت أوّل امرأة لعضوية الحكومة الفدرالية سنة 1984.
تحظى سويسرا بنظام فدرالي تتمتّـع في ظله الكانتونات (الدويلات الأعضاء)، بقدر كبير من الاستقلالية.
هذا النظام الاتحادي، يمثل مُـرتكزا أساسيا للدولة السويسرية الحديثة منذ نشأتها سنة 1848 ويحتل موقعا هاما في الدستور.
الذين تابعوا دراستهم في سويسرا، يعلَـمون أنه من الصّـعب استعادة ذِكريات أيام الدراسة بين شخصين عاشا في كانتونين مختلفين: ففي كانتون، نجد "المدرسة الإعدادية" وفي كانتون آخر، نجد "المعهد الثانوي"، وتختلف المراحل التعليمية والسنوات التي تمتد إليها كل مرحلة، من منطقة إلى أخرى، وهكذا.
ويوجد في سويسرا، هذه الدولة الاتحادية، من النظم التعليمية المختلفة بتِـعداد الكانتونات المشكّـلة لها والتي تبلغ 26 كانتونا.
وبرغم الجهود التي تُـبذل من أجل التقريب بين هذه النّـظم، فإن كل كانتون يحتفِـظ بحق اختيار النظام الذي يرتضيه، وما قطاع التعليم إلا مثالا من بين أمثلة أخرى تدُل على النِّـطاق الواسع من الاستقلالية، الذي تتمتع به الكانتونات والمجموعات المحلية في هذا البلد.
التّـبايُـن نفسه نجِـده أيضا على مستوى المؤسسات السياسية، إذ تختلف دلالة الكلمات من منطقة إلى أخرى، فالمجلس المحلي في نوشاتيل، يُـشير إلى الجهاز التنفيذي، وفي كانتون فو إلى الجهاز التشريعي.
حُـكم ذاتي واسع النطاق
يستند النظام الفدرالي إلى مُـرتكز أساسي، تحتفِـظ بمقتضاه الكانتونات والمجموعات المحلية بأوسع ما يمكن من الصلاحيات، ولا تفوّض إلى السلطات الفدرالية إلا ما يتجاوز قُـدراتها وإمكاناتها.
لكن هذا النظام، تسبب في السنوات الأخيرة في العديد من المشكلات وأتاح الفرصة للذين يُـناوئون النظام الفدرالي لكي يندِّدوا بما يُـسمونه "عقلية الدولة الصغيرة" أو ما يُـمكن أن نطلِـق عليه النزعة الشوفينية.
وأما الكانتونات الحريصة على الدِّفاع عن امتيازاتها واستقلاليتها، فلا تُـفوّت "شاردة أو واردة"، إلا وتذكِّـر بقدسية سيادتها. ومع ذلك، فالنظام الفدرالي مكسب هام من الصّعب مهاجمته أو النّـيل منه.
النظام الفدرالي نقيض المركزية
"الفدرالية"، كلمة مشتقّـة من اللاتينية "فيودوس"، وتشير إلى معاني التحالف والتعاقد، لكن هذا المُـصطلح ليس له معنى واحد وحصري، وقد يدُل في نفس الوقت على معاني مختلفة، فهو يشير إلى نظام الدولة وإلى نمط من العمل السياسي وحتى إلى صنف من البرامج السياسية.
وفي اللغة المتداولة اليوم، يقودنا الحديث عن "الفدرالية" مباشرة إلى شكل من أشكال نُـظم الحكم، وبالإضافة إلى سويسرا، تُـعد ألمانيا والنمسا وروسيا من الدول الاتحادية على مستوى أوروبا.
وفي المقابل، توجد على المسرح الدولي دُول موحّدة وأخرى مركزية، وفي هذا الصنف من النّـظم، تُـعد المناطق المختلفة المشكّـلة للدولة، مجرد وحدات إدارية تتّـبع في قراراتها وتسييرها، المؤسسات المركزية العليا.
ومقارنة بالنظام الفدرالي، لا تتمتع هذه المناطق الإدارية بأي حكم ذاتي، وتعتبر فرنسا وإيطاليا والسويد، أفضل مِـثال لهذا النظام على المستوى الأوروبي.
حصيلة حرب أهلية
النظام الفدرالي، كمبدأ أساسي للتنظم السياسي، منصوص عليه في الدستور السويسري. فقد ورد في المادة 3 منه: "الكانتونات تُـمارس سيادتها، ما لم تخرج عن الحدود التي وضعها الدستور، وتتمتّـع بكل الصلاحيات التي لم يفوِّضها الدستور للحكومة الفدرالية".
لكن كلمة "الفدرالية"، لا وجود لها أصلا في الدستور. فمن وِجهة النظر التاريخية، هذا النظام وما تبعه، كان حصيلة الحرب الأهلية، التي تعرف "بساندربانت" والتي قادت إلى نشأة الدولة الفدرالية سنة 1848، إذ وقفت الكانتونات المتحرّرة من جِـهة مطالِـبة بدولة مركزية قوية، في حين دافعت الكانتونات الكاثوليكية، بالمحافظة من جهة أخرى، على استقلالية الكانتونات.
لقد نجح الدستور، الذي أقرّه الشعب السويسري سنة 1848، في الحفاظ على التوازن بين المعسكرين وأرضى الدّاعين إلى المركزية والداعين إلى الفدرالية في نفس الوقت، وهذا التوازن هو الذي يضمَـن اليوم سيادة واستقلالية الكانتونات.
تقاسم الصلاحيات
إذا كان النظام الفدرالي لا ينحصِـر في شكل من الحُـكم بعينه، وإذا كان هو مجرّد تصوّر لنمط الحُـكم من حيث المبدإ، فإن تقاسم الصلاحيات بين الحكومة الفدرالية والكانتونات على العكس، مسألة واقعية ومثار أخذ وردّ مُـستمر.
ويلاحظ المؤرخ كريستيان ساندرغير، صاحب منشورات "سويسرا الحديثة"، أنه منذ المراجعة الجزئية للدستور سنة 1874، بدأت الكانتونات تفقد شيئا فشيئا سيادتها وأصبح النظام الفدرالي نفسه في خطر، وكثُـرت شكاوى الكانتونات، التي وجدت نفسها تتحوّل مع مرور الزمن إلى أجهزة لتنفيذ القرارات، التي تتخذها الحكومة الفدرالية.
الحدود بين الكانتونات والوِحدة الترابية، من القضايا المُـرتبطة أيضا بالنظام الفدرالي. فإذا كان المواطنون قد رفضوا إلى حدِّ الآن فِـكرة الاندماج بين الكانتونات، وآخرها مشروع الاندماج بين كانتون فو وكانتون جنيف، فإن العملية تحرِز تقدُّما على مستوى المجموعات المحلية، ولم يطرح إلى حدّ الآن السؤال، ما إذا كان ذلك سيؤدّي في النهاية إلى المساس بالحكم المحلي الذي تتمتّـع به.
النظام الفدرالي
الفدرالية، مبدأ في تنظيم الدولة يقضي بمحافظة الدويلات المشكلة للدولة الاتحادية بنِـطاق واسع من الحكم الذاتي. وتحتل الصفة الاتحادية للنظام السياسي في سويسرا موقعا هاما داخل الدستور السويسري.
ومن حيث المبدأ في النظام الفدرالي، لا تقوم الحكومة الاتحادية إلا بالمهام التي تعجِـز عن القيام بها الكانتونات والمجموعات المحلية.
سمح اعتماد النظام الفدرالي في البداية من تحقيق التوازن بين دُعاة المركزية ودُعاة الاستقلالية، فكان حلا وسطا بين المعسكرين، وتوجد في هذا البلد 26 مدوّنة للإجراءات الجنائية مختلفة فيما بينها.
الحكومة
يسمى الجهاز الحكومي في سويسرا منذ عام 1848، المجلس الفدرالي. وهو يتكوّن من سبعة أعضاء يتِـم انتخابهم من طرف البرلمان.
ومثلما أن البرلمان لا يمكنه عزل المجلس الفدرالي، كذلك لا يمكن لهذا الأخير حل البرلمان.
اقتصر التمثيل الحزبي على مستوى المجلس الفدرالي منذ سنة 1943 على أربعة أحزاب، هي الحزب الاشتراكي والحزب الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي وحزب الشعب السويسري.
يتخذ أعضاء المجلس قراراتهم بشكل جماعي، ولا يوجد في سويسرا منصب رئيس دولة أو رئيس الوزراء، ويختار كل سنة رئيس كنفدرالية جديد، بحسب نظام خاص للتناوب، وتنحصر مهمة الرئيس المنتخب في رئاسة جلسات المجلس الفدرالي والقيام بالمهام البروتوكولية ولا يتمتع بأي سلطات إضافية مقارنة بالأعضاء الستة الآخرين.
الفصل الثاني:الأحزاب
حافظ المشهد السياسي الحزبي في سويسرا على استقراره منذ تأسيس الدولة الفدرالية سنة 1848، وظلت أربعة أحزاب تُـهيمن على الساحة السياسية فيها.
وينتمي حوالي 7% من المواطنين إلى أحزاب سياسية مقابل مواطن واحد من جُـملة خمسة في النمسا، وهذه النسبة تتجاوز بكثير نسبة المنتمين لأحزاب سياسية في ألمانيا.
انبثقت الأحزاب الأولى، التي ظهرت على الساحة السويسرية في نهاية القرن التاسع عشر، عن تجمّـعات لأصحاب المصالح، إذ ظهر الحزب الراديكالي الديمقراطي (
PRD ) (يمين) عام 1894 عن التيار الليبرالي، الاتجاه الذي كان مُـهيمنا داخل الدولة الفدرالية الفتية، وفي سنة 1888، نشأ الحزب الاشتراكي السويسري منبثقا عمّـا كان يُـعرف في ألمانيا "بالتيار الاجتماعي الديمقراطي".
وتعود أصول هذه الحركة إلى جمعية غروتلي، التي رأت النور خمسين عما قبل ذلك في جنيف وكانت عبارة عن "جمعية ديمقراطية وطنية مُـناصرة للعمال".
ومع حلول القرن العشرين، أسّس المحافظون الكاثوليك، الخاسر الأكبر في حرب "ساندربانت" والمنافس التقليدي للحزب الراديكالي، حزبا وطنيا أطلِـق عليه "الحزب الديمقراطي المسيحي" (يمين وسط)، في حين نشأ حزب الشعب السويسري، ذو النزعة القومية ممثِّـلا للمزارعين والحِـرفيين والبورجوازيين، وأصبح واحدا من بين الأحزاب الأربع الكبرى في البلاد.
أحزاب المعارضة
طوال القرن العشرين، ظهر على الساحة عدد كبير من الأحزاب الصغيرة، التي نشأت من رحِـم الحركات الاحتجاجية، واستطاع الكثير من تلك الأحزاب التجذر على المستوى المحلي والكانتوني، في حين كان تأثيرها في الغالب محدودا على المستوى الفدرالي، وأما تيارات أقصى اليسار وأقصى اليمين، فقد اندثرت من الوجود.
ومقابل الحزب الليبرالي الموجود خاصة في سويسرا الناطقة بالفرنسية، استطاع حزب الخُـضر دون غيره فرض نفسه كمكَـوِّن سياسيي مُـهمّ من خارج الحكومة على المستوى الفدرالي، ويشارك الخُـضر اليوم في إدارة العديد من الكانتونات والمجموعات المحلية، في حين ظل تحالف المستقلين، الطرف السياسي الأقوى من خارج الحكومة طيلة الفترة 1936-1999.
أساس صلب
تعتمد الأحزاب السياسية السويسرية داخلها إدارة لا مركزية تتطابق وخصائِـص النظام الفدرالي السّـائد في البلاد، وتُـتّـخذ القرارات الحاسمة فيها على مستوى ممثلي الكانتونات والمجموعات المحلية، وليس على مستوى الهيئات الوطنية.
ونشأت الأحزاب الكُـبرى في أغلب الأحوال عن طريق دمج منظمات الكانتونات، تستمِـر في الحفاظ على حيِّـز هام من الاستقلالية، ويتجلى هذا من خلال دفاع الحزب عن مواقف مُـختلفة باختلاف المناطق واختلاف المفاهيم وأساليب العمل السياسي داخل التشكيلة الواحدة من منطقة إلى أخرى.
ويقدم حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) من خلال جناحية ببرن وزيورخ، أفضل مثال على ذلك. ففي برن يمثل هذا الحزب المُـزارعين والتجار ويعمل جنبا إلى جنب مع الدولة، في حين يقدِّم نفسه في زيورخ كقوّة سياسية ليبرالية جديدة تتّـسم بالمحافظة والنزعة القومية.
استقرار طويل الأمد
ظل ميزان القوى بين الأحزاب الممثلة على المستوى الفدرالي على حاله طيلة الفترة الممتدة بين 1919، السنة التي تم فيها انتخاب البرلمان لأول مرة، بحسب الانتخاب النِّـسبي، والستينات من القرن الماضي.
وتحصل الأحزاب الأربعة خلال الانتخابات على نسبة الأصوات نفسها تقريبا، ولكن منذ سنة 1967، اهتزّ هذا الاستقرار مع ظهور توجّهات سياسية جديدة، فتراجع الحزب الاشتراكي لصالح تشكيلات سياسية جديدة، نشأت بعد تحرّكات اجتماعية.
حصل ذلك سنة 1967، حينما حصد تحالف المستقلين 9% من عدد الأصوات، فكانت تلك أفضل نتيجة حققها في تاريخه واستطاع تثبيت موقعه كبديل محتمل لأحزاب اليسار والأحزاب البورجوازية.
صعود حزب الشعب السويسري
عرف المشهد الحزبي السويسري اختلالا آخر لا يقِـل أهمية خلال التسعينات. فبرغم مشاركته على مستوى المجلس الفدرالي، سعى حزب الشعب السويسري إلى تأكيد حضوره كحزب معارض ومكنته هذه الإستراتيجيات من رِبح أصوات إضافية وأصبح من أقوى الأحزاب السويسرية سنة 2003، بعدما استطاع الفوز بما يُـناهز 27% من مجموع الأصوات في الانتخابات العامة، بعد أن ظل لفترة طويلة الحَـلَـقة الأضعف في نادي الكبار.
ونتيجة لفوزه في انتخابات 2003، طالب بمقعد ثانٍ في مجلس الحكومة، وهو ما حصل عليه فعلا، فالتحق زعيمه كريستوف بلوخر "بالحكماء السّبع"، بعد أن أجبر الحزب الديمقراطي المسيحي على إخلاء أحد مقاعده، دافعا بذلك ثمن تراجع شعبيته.
وفي ديسمبر 2007، تمكّـن تحالف واسع ضمّ اليسار والخُـضر والمسيحيين الديمقراطيين أساسا، من الإطاحة بزعيم حزب الشعب السويسري وانتخب بدلا عنه زميلته في الحزب السيدة إيفلين فيدمر - شلومبف لعضوية الحكومة الفدرالية، التي تنتمي إلى فرع كانتون غرابوندن المعروف باعتداله النسبي.
حزب الشعب لم يقبَـل بإبعاد بلوخر واعتبر أنه لم يعُـد ممثّـلا من طرف عضويه في الحكومة (فيدمر - شلومبف وسامويل شميد)، وأعلن انتقاله إلى المعارضة. هذه التطورات أدّت إلى انشقاق داخل حزب الشعب، دفع الجناح الليبرالي إلى تأسيس تشكيلة جديدة تحمل اسم الحزب البورجوازي الديمقراطي.
ومنذ نشأته، وجد هذا الحزب الصغير ممثلا بوزيرين في الحكومة الفدرالية، لكن هذه الوضعية انتهت في موفى 2008. فعلى إثر استقالة وزير الدفاع السابق سامويل شميد، عاد حزب الشعب السويسري إلى صفوف الحكومة الفدرالية، ممثلا بأولي ماورر (في وزارة الدفاع).
الحزب الأقدم هو أيضا الحزب الأكبر
يتبوّأ الحزب الليبرالي الراديكالي المرتبة الأولى من حيث عدد الأعضاء، الذين يبلغ عددهم 90000 شخص (إحصائيات 2004)، يليه حزب الشعب السويسري 80000 عضو، فالحزب الديمقراطي المسيحي 74000 عضوا ثم الحزب الاشتراكي 34.000 عضوا (إحصاء 2007).
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الأعضاء لا يعكس أهمية حجم الأحزاب ولا حقيقة ميزان القوى في البرلمانات والحكومات المحلية على مستوى الكانتونات.
الفصل الثالث:الديمقراطية المباشرة
في سويسرا، الشعب هو صاحب القرار الأخير في القضايا الكبرى، ويُـمكن وصف النظام السياسي المعتمد في هذه البلاد بالديمقراطية شبه المباشرة.
ويمكن للمواطنين المشاركة في صياغة أحكام الدستور وسَـن القوانين، إلى جانب البرلمان، ولا شيء يمنعهم من ذلك.
خلال السنة، يستقبل المواطنون السويسريون رسائل من الكنفدرالية ومن الكانتونات، أربع مرات على الأقل، تدعوهم إلى المشاركة والتعبير عن آرائهم حول قضية أو مجموعة قضايا مطروحة على الساحة الوطنية.
وعلى خلاف الديمقراطيات القائمة على التمثيل النيابي، يمتلك الشعب السويسري حق الانتخاب ويمارسه بشكل منتظم، بوصفه مرجِـعا سياسيا أعلى.
تتِـم أغلب عمليات الاقتراع بطريقة سرية ومن خلال صناديق الاقتراع أو عبر المراسلات البريدية، ولا تزال بعض الكانتونات والمجموعات المحلية تحتفظ إلى حدّ الآن بنظام الجمعيات العامة، حيث يعبِّـر المواطنون عن رأيهم برفع الأيدي.
ينفرد السويسريون أيضا، على خلاف بقية الشعوب، بقَـرار تنظيم استفتاء أو من عدمه، وبدأ العمل بالاستفتاء المباشر سنة 1874 وتمّ تضمينه في الدستور الفدرالي، ثم تلاه حق إطلاق المبادرات الشعبية خلال مراجعة جُـزئية للدستور سنة 1891.
الشعب يعدّل الدستور
يُـصبح من الواجب على الحكومة تنظيم استفتاء شعبي حول تعديل فصل من الدستور أو إضافة فصل جديد أو حتى إجراء مراجعة شاملة له، إذا وجّـه إليها طلبا بهذا الشأن يحظى بموافقة 100.000 شخص، وقبل الوصول إلى هذه المرحلة، لابُـد من المرور بالعديد من الخطوات.
أولا، يتِـم التثبُّـت من الإمضاءات ومن مضمون وصياغة المقترح. بعدئذ، يعبِّـر المجلس الفدرالي عن موقفه من المشروع، قبل إرساله إلى البرلمان لكي يحدِّد هو الآخر موقفه.
ويقرر البرلمان لاحقا دعوة الشعب إلى القبول بنص المبادرة أو رفضه، وقد يقرر أيضا صياغة مشروع مضاد يتم عرضه على المواطنين، إلى جانب المبادرة الأولى، للموافقة عليه، وكثيرا ما يتكرّر هذا الامر. وقد تستغرق العملية برمّـتها سنوات عديدة، لكي يُـقر المشروع أو يرفضه.
الغالبية العُـظمى من المبادرات المُـنادية بتعديل الدستور رُفضت خلال الاستفتاءات التي نُـظمت للغرض ولم يوافق المواطنون في الفترة الممتدة ما بين 1891 و2007، إلا على 15 مقترحا بتعديل الدستور، لكن هذا لا يعني أن هذه الممارسة الديمقراطية غير مجدية. فقد مثلت تلك المبادرات، ولمرّات عديدة، فُـرصا لحوار مُـثمر حول قضايا هامة، كانت ستمر مَـرّ الكرام، دون انتباه المجتمع السياسي.
المصادقة على قرارات برلمانية
إحدى الأدوات المُـجدية في الديمقراطية المباشرة، الاستفتاء الشعبي، فهو يمنح المواطنين الفرصة لإقرار أو رفض القرارات التي يتّـخذها البرلمان، وبعض تلك القرارات يُـفترض وجوبا أخذ رأي الشعب فيها، وفي هذه الحالة، يسمى "الاستفتاء الإجباري".
وفي حالات أخرى، يكون على المواطنين الذين يرغبون في تعطيل قرار برلماني، جمع 50.000 إمضاء للمطالبة بعرض القرار على الشعب. عندئذ، يكون "الاستفتاء التكميلي"، وهذه أيضا من المزايا التي يتمتّـع بها النظام السويسري.
وبفضل هذه السلطة العليا، التي يمنحها الدستور للشعب، يستحضر البرلمان باستمرار أن قراراته ليست نهائية وأن بإمكان الشعب رفضها، وتحرص اللجان البرلمانية خلال صياغة قراراتها على أخذ رأي قِـوى الضغط، والتي بمقدورها أن تُـطلق مبادرة تُـطالب بالرّجوع إلى الشعب، ولذلك، يفضل بعض الخبراء أن يطلقوا على النظام السويسري "ديمقراطية الاستفتاءات".
التصويت في الهواء الطلق
يطبّـق مبدأ الاستفتاء على المستوى الكانتونات والمجموعات المحلية، كما يُـمكن لمجتمع محلي، وضمن دائرة صلاحياته، أن يبتكِـر ما يحلو له من وسائل للسّـماح لمواطنيه بممارسة الديمقراطية المباشرة.
وفي سياق متّـصل، يجتمع المواطنون في أكثر من 84 % من مجموع 3000 مجموعة محلية في سويسرا مرة في السنة على الأقل، في تجمّـع عام على مستوى المنطقة، ويعتبر هذا التجمع، المجلس التشريعي للدائرة.
وفي كانتون (غلاروس)، ونصف الكانتون (أبّـنزل)، ينظم مرة كل سنة تجمّـعا كبيرا يحضره المواطنون الذين لهم الحق في التصويت في ساحة عامة ويتخذون قرارات عبر التصويت برفع الأيدي، ويمثل هذا التجمع أعلى سلطة قرار في الكانتون.
الشعب، تمثله دائما أقلية خلال الإنتخابات
ظلت الديمقراطية السويسرية إلى سنة 1971 مقتصرة على الرجال، على الأقل على المستوى الفدرالي، ومنحت بعض الكانتونات والمجموعات المحلية حق الإقتراع للنساء منذ الستينات، في حين لم يُـمنح ذلك الحق للنساء على المستوى الفدرالي إلا سنة 1971ـ، وكانت سويسرا من آخر الدول الأوروبية التي اتّـخذت هذه الخطوة.
ولكن السويسريات، حتى بعد أن مُـنحن حق التصويت، ظلت مشاركتهن محدودة جدا ولم تتجاوز منذ الخمسينات نسبة 50% إجمالا.
وبحلول سنة 1991، أصبح للمواطنين السويسريين حق التصويت منذ 18 سنة، وسمح للأجانب في بعض الكانتونات الناطقة بالفرنسية بالمشاركة في الاقتراع والترشح على مستوى الكانتون والمجموعات المحلية.
الديمقراطية المباشرة
بإمكان الشعب السويسري المشاركة بفعالية في صياغة بنود الدستور وسَـن القوانين، إلى جانب البرلمان، ويُـسمى هذا النظام، الذي يجمع بين التمثيل النيابي والمشاركة المباشرة الديمقراطية شبه المباشرة.
أبرز أدوات الديقراطية المباشرة، المبادرات الشعبية والاستفتاءات العامة، وهاتان الأداتان توجدان على المستوى الفدرالي وعلى مستوى الكانتونات والمجموعات المحلية.
وتسمح المبادرة الشعبية على المستوى الفدرالي لمائة ألف شخص أمضَـوا عريضة موحّـدة، بالمطالبة بإجراء مراجعة شاملة أو جزئية للدستور الفدرالي عبر الاقتراع العام.
لكن لم تخطّ عتبة الاستفتاء الشعبي بنجاح خلال الفترة الممتدة من 1891 إلى 2007، سوى 15 مبادرة شعبية.
الاستفتاء الشعبي يلعب دور الفرملة، ويسمح جمع 50.000 توقيع على المستوى الفدرالي خلال 3 أشهر بفرض إجراء استفتاء عام حول قوانين سبَـق إقرارها في البرلمان.
لم تحصل المرأة السويسرية على حق التصويت والترشح إلا سنة 1971.
يتمتع الأجانب بحق التصويت والترشح في العديد من الكانتونات والمجموعات المحلية
المجلس الفدرالي، حكومة من دون رئاسة قارة
ليس للحكومة السويسرية، على خلاف غالبية الدول الأخرى، رئيس وزراء أو رئيس دولة قار.
ويتكون الجهاز الحكومي السويسري من سبعة أعضاء، يشغل رئاسة الدولة كل سنة واحد منهم، بحسب نظام خاص للتناوب.
يعود انتخاب أوّل أعضاء للحكومة الفدرالية إلى 16 نوفمبر 1848، وفي ذلك اليوم، انتخب البرلمان الفدرالي، الذي تأسس في السنة نفسها، "الوزراء" السبعة لإدارة دفة الحكم، بالاستناد إلى نصوص الدستور الفدرالي، الذي أقره الشعب بنسبة 75% خلال استفتاء عام نُـظم في 6 يونيو 1848.
وتكفّـل الدستور آنذاك بتنظيم ونقل الصلاحيات من الكانتونات إلى الحكومة المركزية، وأصبح المجلس الفدرالي يتمتع بسلطات أوسع نِـطاق، مما كان حاصلا من قبل.
¬احتكار السلطة
ظلت السلطة لعقود طويلة حِـكرا على حزب واحد، وكان كل أعضاء الحكومة من الحزب الراديكالي (يمين)، على الرغم من أن النظام الفدرالي المُـعتمد، يشترط أن تشمل الحكومة عضوين من الكاثوليك وعضوين ناطقين بلغة من اللغات الوطنية غير الألمانية.
ولم يقبل الحزب الراديكالي التفويت في مقعد بالمجلس الفدرالي إلى منافسه اللّـدود، الحزب الكاثوليكي المحافظ، والذي أصبح يُـعرف بالحزب الديمقراطي المسيحي (من الوسط)، إلا سنة 1891. ولقد منح هذا الأخير مقعدا ثانيا لمواقفه الوطنية المشرّفة خلال الحرب العالمية الأولى.
والتحق الحزب الذي كان يمثل فئات المزارعين والحرفيين والبورجوازيين، والذي أصبح يُـعرف بعد ذلك بحزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، بالحكومة سنة 1929.
ماذا يُقصد بمصطلح:
• المعادلة السحرية
ظهور "المعادلة السحرية" الناجحة
كان على الاشتراكيين انتظار سنة 1943 لكي يحصلوا على أوّل مقعد لهم في الحكومة، وفازوا سنة 1959 بمقعد ثانٍ، وهذا ما سمح بنشأة "المعادلة السحرية"، التي تقضي بتقاسم السلطة بحسب نسبة التمثيل لكل حزب في البرلمان، ولا تزال هذه المعادلة تحكم تقاسم السلطة في سويسرا إلى حد الآن.
لم تتغير المعادلة السياسية التي حكمت تشكيلة المجلس الفدرالي: عضوان من الحزب الراديكالي وعضوان من الديمقراطي المسيحي وعضوان من الحزب الاشتراكي وعضو واحد من حزب الشعب اليميني، منذ ما يزيد عن 40 سنة.
ولكن، مع حلول 2003، وبعد تراجع قاعدته الانتخابية، وجد الحزب الديمقراطي المسيحي نفسه مُـجبرا على ترك أحد مقعديه بالحكومة لحزب الشعب، الذي تزايدت شعبيته بصورة مُـضطردة منذ بداية التسعينات، وبعد الانتخابات العامة سنة 2003، أصبح هذا الحزب اليميني يحتل واجهة المشهد السياسي السويسري.
12.000 موظفا أو يزيد
يُـشرف كل عضو في الحكومة الفدرالية على قسم يشبه "الوزارة" في بلدان أخرى، وحافظت هذه الأقسام على ما كانت عليه سنة 1848، إذا ما استثنينا بعض التغييرات الطفيفة وانتقال بعض المرافق من قسم إلى آخر أو تغيير أسماء بعضها، كوزارة الخارجية، التي كانت تسمّـى سابقا "القسم السياسي".
ويُـدير الوزير الفدرالي، باعتباره رئيسا للقسم، جهازا إداريا يطغى عليه الطابع الهرمي، وقد يصل عدد العاملين فيه إلى 12.000 موظفت، تماما كما هو الأمر حاليا في وزارة الدفاع والرياضة وحماية السكان.
قرارات جماعية
ينص الدستور على أن المجلس الفدرالي يعمل كوِحدة متضامنة متناسقة والقرارات التي يأخذها تصدُر باسم جميع الأعضاء،
وتعبِّـر البيانات الرسمية أيضا عن هذه الوحدة المتماسكة، وذلك، بتصدّرها بعبارة: "قرر المجلس الفدرالي..."، وهنا نعني الأعضاء السبعة، وبعد أن يتم التصويت لقرار ما، فإن جميع الأعضاء مطالبون بتبنيه والدفاع عنه، مهما اختلفت المواقف قبل ذلك أو تعارضت.
وأما عضو الحكومة، إمرأة أو رجل كان، عندما يُـدعى لتولي رئاسة الدولة دوريا (الأسبقية بحسب الأقدمية)، فإنه لا يتمتع بأي سلطات إضافية. فمن تولى ذلك المنصب، يصبح الأوّل من بين زملائه، لا أكثر ولا أقل.
وخلال سنة كاملة، يتولى الرئيس إدارة جلسات المجلس الفدرالي ويمثل الحكومة في الداخل وفي الخارج، ولا يوجد في سويسرا رئيس دولة أو رئيس حكومة.
أعضاء المجلس لا يعزلون
ينتخب البرلمان أعضاء المجلس الفدرالي، وليس عامة الشعب، لمدة أربع سنوات، ولا توجد أي جهة دستورية يمكنها عزلهم خلال تلك الفترة، كما انه ليس بمقدور الحكومة حل البرلمان.
وتجدد عضوية المجلس الفدرالي كل أربع سنوات، وبالضبط في شهر ديسمبر من كل سنة تشهد تنظيم انتخابات تشريعية عامة، وتعقد الجلسة الأولى لغرفتي البرلمان (مجلس الشعب ومجلس الشيوخ) خلال شهر ديسمبر من تلك السنة.
وباستثناء خسارة الحزب الديمقراطي المسيحي لمقعد سنة 2003 لصالح حزب الشعب وإقصاء البرلمان لوزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر يوم 12 ديسمبر 2007، فإنه في العادة يتم تجديد الثقة في الأعضاء السابقين، حتى وإن تغيّـرت نسبة الأصوات لهذا العضو أو ذاك، وهو أمر لا يتجاوز إثارة بعض التعليقات هنا أو هناك.
وعند تجديد عضوية مقعد في المجلس الفدرالي، وهو ما يحصل عن طريق الانتخاب من البرلمان، فإن جميع المواطنين بإمكانهم نظريا الترشح والحصول على أصوات، حتى بالنسبة للذين لا يشغلون أي منصب سياسي.
حضور نسوي محدود
يترشح في العادة للمجلس الفدرالي أعضاء بمجلس الشعب أو بمجلس الشيوخ، لكن حصل أيضا أن انتخب لعضوية المجلس أعضاء بالحكومات الكانتونية.
ولم يكن الدستور يسمح بأكثر من عضو في المجلس الفدرالي ممثلا عن الكانتونات، إلى حين تم تعديل الدستور في استفتاء عام سنة 1999. ولا يشترط الدستور الفدرالي الحالي سوى احترام مبدإ العدالة في تمثيل المناطق الجغرافية والتنوع اللغوي في البلاد.
وبالنسبة لمشاركة المرأة على مستوى الحكومة الفدرالية، فقد اقتصرت على خمس نساء حتى موقى سنة 2007، وأصبحت السيدة إيفلين فيدمر شلومبف سادس وزيرة فيها. وقد انتُـخبت أوّل امرأة لعضوية الحكومة الفدرالية سنة 1984.
تحظى سويسرا بنظام فدرالي تتمتّـع في ظله الكانتونات (الدويلات الأعضاء)، بقدر كبير من الاستقلالية.
هذا النظام الاتحادي، يمثل مُـرتكزا أساسيا للدولة السويسرية الحديثة منذ نشأتها سنة 1848 ويحتل موقعا هاما في الدستور.
الذين تابعوا دراستهم في سويسرا، يعلَـمون أنه من الصّـعب استعادة ذِكريات أيام الدراسة بين شخصين عاشا في كانتونين مختلفين: ففي كانتون، نجد "المدرسة الإعدادية" وفي كانتون آخر، نجد "المعهد الثانوي"، وتختلف المراحل التعليمية والسنوات التي تمتد إليها كل مرحلة، من منطقة إلى أخرى، وهكذا.
ويوجد في سويسرا، هذه الدولة الاتحادية، من النظم التعليمية المختلفة بتِـعداد الكانتونات المشكّـلة لها والتي تبلغ 26 كانتونا.
وبرغم الجهود التي تُـبذل من أجل التقريب بين هذه النّـظم، فإن كل كانتون يحتفِـظ بحق اختيار النظام الذي يرتضيه، وما قطاع التعليم إلا مثالا من بين أمثلة أخرى تدُل على النِّـطاق الواسع من الاستقلالية، الذي تتمتع به الكانتونات والمجموعات المحلية في هذا البلد.
التّـبايُـن نفسه نجِـده أيضا على مستوى المؤسسات السياسية، إذ تختلف دلالة الكلمات من منطقة إلى أخرى، فالمجلس المحلي في نوشاتيل، يُـشير إلى الجهاز التنفيذي، وفي كانتون فو إلى الجهاز التشريعي.
حُـكم ذاتي واسع النطاق
يستند النظام الفدرالي إلى مُـرتكز أساسي، تحتفِـظ بمقتضاه الكانتونات والمجموعات المحلية بأوسع ما يمكن من الصلاحيات، ولا تفوّض إلى السلطات الفدرالية إلا ما يتجاوز قُـدراتها وإمكاناتها.
لكن هذا النظام، تسبب في السنوات الأخيرة في العديد من المشكلات وأتاح الفرصة للذين يُـناوئون النظام الفدرالي لكي يندِّدوا بما يُـسمونه "عقلية الدولة الصغيرة" أو ما يُـمكن أن نطلِـق عليه النزعة الشوفينية.
وأما الكانتونات الحريصة على الدِّفاع عن امتيازاتها واستقلاليتها، فلا تُـفوّت "شاردة أو واردة"، إلا وتذكِّـر بقدسية سيادتها. ومع ذلك، فالنظام الفدرالي مكسب هام من الصّعب مهاجمته أو النّـيل منه.
النظام الفدرالي نقيض المركزية
"الفدرالية"، كلمة مشتقّـة من اللاتينية "فيودوس"، وتشير إلى معاني التحالف والتعاقد، لكن هذا المُـصطلح ليس له معنى واحد وحصري، وقد يدُل في نفس الوقت على معاني مختلفة، فهو يشير إلى نظام الدولة وإلى نمط من العمل السياسي وحتى إلى صنف من البرامج السياسية.
وفي اللغة المتداولة اليوم، يقودنا الحديث عن "الفدرالية" مباشرة إلى شكل من أشكال نُـظم الحكم، وبالإضافة إلى سويسرا، تُـعد ألمانيا والنمسا وروسيا من الدول الاتحادية على مستوى أوروبا.
وفي المقابل، توجد على المسرح الدولي دُول موحّدة وأخرى مركزية، وفي هذا الصنف من النّـظم، تُـعد المناطق المختلفة المشكّـلة للدولة، مجرد وحدات إدارية تتّـبع في قراراتها وتسييرها، المؤسسات المركزية العليا.
ومقارنة بالنظام الفدرالي، لا تتمتع هذه المناطق الإدارية بأي حكم ذاتي، وتعتبر فرنسا وإيطاليا والسويد، أفضل مِـثال لهذا النظام على المستوى الأوروبي.
حصيلة حرب أهلية
النظام الفدرالي، كمبدأ أساسي للتنظم السياسي، منصوص عليه في الدستور السويسري. فقد ورد في المادة 3 منه: "الكانتونات تُـمارس سيادتها، ما لم تخرج عن الحدود التي وضعها الدستور، وتتمتّـع بكل الصلاحيات التي لم يفوِّضها الدستور للحكومة الفدرالية".
لكن كلمة "الفدرالية"، لا وجود لها أصلا في الدستور. فمن وِجهة النظر التاريخية، هذا النظام وما تبعه، كان حصيلة الحرب الأهلية، التي تعرف "بساندربانت" والتي قادت إلى نشأة الدولة الفدرالية سنة 1848، إذ وقفت الكانتونات المتحرّرة من جِـهة مطالِـبة بدولة مركزية قوية، في حين دافعت الكانتونات الكاثوليكية، بالمحافظة من جهة أخرى، على استقلالية الكانتونات.
لقد نجح الدستور، الذي أقرّه الشعب السويسري سنة 1848، في الحفاظ على التوازن بين المعسكرين وأرضى الدّاعين إلى المركزية والداعين إلى الفدرالية في نفس الوقت، وهذا التوازن هو الذي يضمَـن اليوم سيادة واستقلالية الكانتونات.
تقاسم الصلاحيات
إذا كان النظام الفدرالي لا ينحصِـر في شكل من الحُـكم بعينه، وإذا كان هو مجرّد تصوّر لنمط الحُـكم من حيث المبدإ، فإن تقاسم الصلاحيات بين الحكومة الفدرالية والكانتونات على العكس، مسألة واقعية ومثار أخذ وردّ مُـستمر.
ويلاحظ المؤرخ كريستيان ساندرغير، صاحب منشورات "سويسرا الحديثة"، أنه منذ المراجعة الجزئية للدستور سنة 1874، بدأت الكانتونات تفقد شيئا فشيئا سيادتها وأصبح النظام الفدرالي نفسه في خطر، وكثُـرت شكاوى الكانتونات، التي وجدت نفسها تتحوّل مع مرور الزمن إلى أجهزة لتنفيذ القرارات، التي تتخذها الحكومة الفدرالية.
الحدود بين الكانتونات والوِحدة الترابية، من القضايا المُـرتبطة أيضا بالنظام الفدرالي. فإذا كان المواطنون قد رفضوا إلى حدِّ الآن فِـكرة الاندماج بين الكانتونات، وآخرها مشروع الاندماج بين كانتون فو وكانتون جنيف، فإن العملية تحرِز تقدُّما على مستوى المجموعات المحلية، ولم يطرح إلى حدّ الآن السؤال، ما إذا كان ذلك سيؤدّي في النهاية إلى المساس بالحكم المحلي الذي تتمتّـع به.
النظام الفدرالي
الفدرالية، مبدأ في تنظيم الدولة يقضي بمحافظة الدويلات المشكلة للدولة الاتحادية بنِـطاق واسع من الحكم الذاتي. وتحتل الصفة الاتحادية للنظام السياسي في سويسرا موقعا هاما داخل الدستور السويسري.
ومن حيث المبدأ في النظام الفدرالي، لا تقوم الحكومة الاتحادية إلا بالمهام التي تعجِـز عن القيام بها الكانتونات والمجموعات المحلية.
سمح اعتماد النظام الفدرالي في البداية من تحقيق التوازن بين دُعاة المركزية ودُعاة الاستقلالية، فكان حلا وسطا بين المعسكرين، وتوجد في هذا البلد 26 مدوّنة للإجراءات الجنائية مختلفة فيما بينها.
الحكومة
يسمى الجهاز الحكومي في سويسرا منذ عام 1848، المجلس الفدرالي. وهو يتكوّن من سبعة أعضاء يتِـم انتخابهم من طرف البرلمان.
ومثلما أن البرلمان لا يمكنه عزل المجلس الفدرالي، كذلك لا يمكن لهذا الأخير حل البرلمان.
اقتصر التمثيل الحزبي على مستوى المجلس الفدرالي منذ سنة 1943 على أربعة أحزاب، هي الحزب الاشتراكي والحزب الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي وحزب الشعب السويسري.
يتخذ أعضاء المجلس قراراتهم بشكل جماعي، ولا يوجد في سويسرا منصب رئيس دولة أو رئيس الوزراء، ويختار كل سنة رئيس كنفدرالية جديد، بحسب نظام خاص للتناوب، وتنحصر مهمة الرئيس المنتخب في رئاسة جلسات المجلس الفدرالي والقيام بالمهام البروتوكولية ولا يتمتع بأي سلطات إضافية مقارنة بالأعضاء الستة الآخرين.
الفصل الثاني:الأحزاب
حافظ المشهد السياسي الحزبي في سويسرا على استقراره منذ تأسيس الدولة الفدرالية سنة 1848، وظلت أربعة أحزاب تُـهيمن على الساحة السياسية فيها.
وينتمي حوالي 7% من المواطنين إلى أحزاب سياسية مقابل مواطن واحد من جُـملة خمسة في النمسا، وهذه النسبة تتجاوز بكثير نسبة المنتمين لأحزاب سياسية في ألمانيا.
انبثقت الأحزاب الأولى، التي ظهرت على الساحة السويسرية في نهاية القرن التاسع عشر، عن تجمّـعات لأصحاب المصالح، إذ ظهر الحزب الراديكالي الديمقراطي (
PRD ) (يمين) عام 1894 عن التيار الليبرالي، الاتجاه الذي كان مُـهيمنا داخل الدولة الفدرالية الفتية، وفي سنة 1888، نشأ الحزب الاشتراكي السويسري منبثقا عمّـا كان يُـعرف في ألمانيا "بالتيار الاجتماعي الديمقراطي".
وتعود أصول هذه الحركة إلى جمعية غروتلي، التي رأت النور خمسين عما قبل ذلك في جنيف وكانت عبارة عن "جمعية ديمقراطية وطنية مُـناصرة للعمال".
ومع حلول القرن العشرين، أسّس المحافظون الكاثوليك، الخاسر الأكبر في حرب "ساندربانت" والمنافس التقليدي للحزب الراديكالي، حزبا وطنيا أطلِـق عليه "الحزب الديمقراطي المسيحي" (يمين وسط)، في حين نشأ حزب الشعب السويسري، ذو النزعة القومية ممثِّـلا للمزارعين والحِـرفيين والبورجوازيين، وأصبح واحدا من بين الأحزاب الأربع الكبرى في البلاد.
أحزاب المعارضة
طوال القرن العشرين، ظهر على الساحة عدد كبير من الأحزاب الصغيرة، التي نشأت من رحِـم الحركات الاحتجاجية، واستطاع الكثير من تلك الأحزاب التجذر على المستوى المحلي والكانتوني، في حين كان تأثيرها في الغالب محدودا على المستوى الفدرالي، وأما تيارات أقصى اليسار وأقصى اليمين، فقد اندثرت من الوجود.
ومقابل الحزب الليبرالي الموجود خاصة في سويسرا الناطقة بالفرنسية، استطاع حزب الخُـضر دون غيره فرض نفسه كمكَـوِّن سياسيي مُـهمّ من خارج الحكومة على المستوى الفدرالي، ويشارك الخُـضر اليوم في إدارة العديد من الكانتونات والمجموعات المحلية، في حين ظل تحالف المستقلين، الطرف السياسي الأقوى من خارج الحكومة طيلة الفترة 1936-1999.
أساس صلب
تعتمد الأحزاب السياسية السويسرية داخلها إدارة لا مركزية تتطابق وخصائِـص النظام الفدرالي السّـائد في البلاد، وتُـتّـخذ القرارات الحاسمة فيها على مستوى ممثلي الكانتونات والمجموعات المحلية، وليس على مستوى الهيئات الوطنية.
ونشأت الأحزاب الكُـبرى في أغلب الأحوال عن طريق دمج منظمات الكانتونات، تستمِـر في الحفاظ على حيِّـز هام من الاستقلالية، ويتجلى هذا من خلال دفاع الحزب عن مواقف مُـختلفة باختلاف المناطق واختلاف المفاهيم وأساليب العمل السياسي داخل التشكيلة الواحدة من منطقة إلى أخرى.
ويقدم حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) من خلال جناحية ببرن وزيورخ، أفضل مثال على ذلك. ففي برن يمثل هذا الحزب المُـزارعين والتجار ويعمل جنبا إلى جنب مع الدولة، في حين يقدِّم نفسه في زيورخ كقوّة سياسية ليبرالية جديدة تتّـسم بالمحافظة والنزعة القومية.
استقرار طويل الأمد
ظل ميزان القوى بين الأحزاب الممثلة على المستوى الفدرالي على حاله طيلة الفترة الممتدة بين 1919، السنة التي تم فيها انتخاب البرلمان لأول مرة، بحسب الانتخاب النِّـسبي، والستينات من القرن الماضي.
وتحصل الأحزاب الأربعة خلال الانتخابات على نسبة الأصوات نفسها تقريبا، ولكن منذ سنة 1967، اهتزّ هذا الاستقرار مع ظهور توجّهات سياسية جديدة، فتراجع الحزب الاشتراكي لصالح تشكيلات سياسية جديدة، نشأت بعد تحرّكات اجتماعية.
حصل ذلك سنة 1967، حينما حصد تحالف المستقلين 9% من عدد الأصوات، فكانت تلك أفضل نتيجة حققها في تاريخه واستطاع تثبيت موقعه كبديل محتمل لأحزاب اليسار والأحزاب البورجوازية.
صعود حزب الشعب السويسري
عرف المشهد الحزبي السويسري اختلالا آخر لا يقِـل أهمية خلال التسعينات. فبرغم مشاركته على مستوى المجلس الفدرالي، سعى حزب الشعب السويسري إلى تأكيد حضوره كحزب معارض ومكنته هذه الإستراتيجيات من رِبح أصوات إضافية وأصبح من أقوى الأحزاب السويسرية سنة 2003، بعدما استطاع الفوز بما يُـناهز 27% من مجموع الأصوات في الانتخابات العامة، بعد أن ظل لفترة طويلة الحَـلَـقة الأضعف في نادي الكبار.
ونتيجة لفوزه في انتخابات 2003، طالب بمقعد ثانٍ في مجلس الحكومة، وهو ما حصل عليه فعلا، فالتحق زعيمه كريستوف بلوخر "بالحكماء السّبع"، بعد أن أجبر الحزب الديمقراطي المسيحي على إخلاء أحد مقاعده، دافعا بذلك ثمن تراجع شعبيته.
وفي ديسمبر 2007، تمكّـن تحالف واسع ضمّ اليسار والخُـضر والمسيحيين الديمقراطيين أساسا، من الإطاحة بزعيم حزب الشعب السويسري وانتخب بدلا عنه زميلته في الحزب السيدة إيفلين فيدمر - شلومبف لعضوية الحكومة الفدرالية، التي تنتمي إلى فرع كانتون غرابوندن المعروف باعتداله النسبي.
حزب الشعب لم يقبَـل بإبعاد بلوخر واعتبر أنه لم يعُـد ممثّـلا من طرف عضويه في الحكومة (فيدمر - شلومبف وسامويل شميد)، وأعلن انتقاله إلى المعارضة. هذه التطورات أدّت إلى انشقاق داخل حزب الشعب، دفع الجناح الليبرالي إلى تأسيس تشكيلة جديدة تحمل اسم الحزب البورجوازي الديمقراطي.
ومنذ نشأته، وجد هذا الحزب الصغير ممثلا بوزيرين في الحكومة الفدرالية، لكن هذه الوضعية انتهت في موفى 2008. فعلى إثر استقالة وزير الدفاع السابق سامويل شميد، عاد حزب الشعب السويسري إلى صفوف الحكومة الفدرالية، ممثلا بأولي ماورر (في وزارة الدفاع).
الحزب الأقدم هو أيضا الحزب الأكبر
يتبوّأ الحزب الليبرالي الراديكالي المرتبة الأولى من حيث عدد الأعضاء، الذين يبلغ عددهم 90000 شخص (إحصائيات 2004)، يليه حزب الشعب السويسري 80000 عضو، فالحزب الديمقراطي المسيحي 74000 عضوا ثم الحزب الاشتراكي 34.000 عضوا (إحصاء 2007).
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الأعضاء لا يعكس أهمية حجم الأحزاب ولا حقيقة ميزان القوى في البرلمانات والحكومات المحلية على مستوى الكانتونات.
الفصل الثالث:الديمقراطية المباشرة
في سويسرا، الشعب هو صاحب القرار الأخير في القضايا الكبرى، ويُـمكن وصف النظام السياسي المعتمد في هذه البلاد بالديمقراطية شبه المباشرة.
ويمكن للمواطنين المشاركة في صياغة أحكام الدستور وسَـن القوانين، إلى جانب البرلمان، ولا شيء يمنعهم من ذلك.
خلال السنة، يستقبل المواطنون السويسريون رسائل من الكنفدرالية ومن الكانتونات، أربع مرات على الأقل، تدعوهم إلى المشاركة والتعبير عن آرائهم حول قضية أو مجموعة قضايا مطروحة على الساحة الوطنية.
وعلى خلاف الديمقراطيات القائمة على التمثيل النيابي، يمتلك الشعب السويسري حق الانتخاب ويمارسه بشكل منتظم، بوصفه مرجِـعا سياسيا أعلى.
تتِـم أغلب عمليات الاقتراع بطريقة سرية ومن خلال صناديق الاقتراع أو عبر المراسلات البريدية، ولا تزال بعض الكانتونات والمجموعات المحلية تحتفظ إلى حدّ الآن بنظام الجمعيات العامة، حيث يعبِّـر المواطنون عن رأيهم برفع الأيدي.
ينفرد السويسريون أيضا، على خلاف بقية الشعوب، بقَـرار تنظيم استفتاء أو من عدمه، وبدأ العمل بالاستفتاء المباشر سنة 1874 وتمّ تضمينه في الدستور الفدرالي، ثم تلاه حق إطلاق المبادرات الشعبية خلال مراجعة جُـزئية للدستور سنة 1891.
الشعب يعدّل الدستور
يُـصبح من الواجب على الحكومة تنظيم استفتاء شعبي حول تعديل فصل من الدستور أو إضافة فصل جديد أو حتى إجراء مراجعة شاملة له، إذا وجّـه إليها طلبا بهذا الشأن يحظى بموافقة 100.000 شخص، وقبل الوصول إلى هذه المرحلة، لابُـد من المرور بالعديد من الخطوات.
أولا، يتِـم التثبُّـت من الإمضاءات ومن مضمون وصياغة المقترح. بعدئذ، يعبِّـر المجلس الفدرالي عن موقفه من المشروع، قبل إرساله إلى البرلمان لكي يحدِّد هو الآخر موقفه.
ويقرر البرلمان لاحقا دعوة الشعب إلى القبول بنص المبادرة أو رفضه، وقد يقرر أيضا صياغة مشروع مضاد يتم عرضه على المواطنين، إلى جانب المبادرة الأولى، للموافقة عليه، وكثيرا ما يتكرّر هذا الامر. وقد تستغرق العملية برمّـتها سنوات عديدة، لكي يُـقر المشروع أو يرفضه.
الغالبية العُـظمى من المبادرات المُـنادية بتعديل الدستور رُفضت خلال الاستفتاءات التي نُـظمت للغرض ولم يوافق المواطنون في الفترة الممتدة ما بين 1891 و2007، إلا على 15 مقترحا بتعديل الدستور، لكن هذا لا يعني أن هذه الممارسة الديمقراطية غير مجدية. فقد مثلت تلك المبادرات، ولمرّات عديدة، فُـرصا لحوار مُـثمر حول قضايا هامة، كانت ستمر مَـرّ الكرام، دون انتباه المجتمع السياسي.
المصادقة على قرارات برلمانية
إحدى الأدوات المُـجدية في الديمقراطية المباشرة، الاستفتاء الشعبي، فهو يمنح المواطنين الفرصة لإقرار أو رفض القرارات التي يتّـخذها البرلمان، وبعض تلك القرارات يُـفترض وجوبا أخذ رأي الشعب فيها، وفي هذه الحالة، يسمى "الاستفتاء الإجباري".
وفي حالات أخرى، يكون على المواطنين الذين يرغبون في تعطيل قرار برلماني، جمع 50.000 إمضاء للمطالبة بعرض القرار على الشعب. عندئذ، يكون "الاستفتاء التكميلي"، وهذه أيضا من المزايا التي يتمتّـع بها النظام السويسري.
وبفضل هذه السلطة العليا، التي يمنحها الدستور للشعب، يستحضر البرلمان باستمرار أن قراراته ليست نهائية وأن بإمكان الشعب رفضها، وتحرص اللجان البرلمانية خلال صياغة قراراتها على أخذ رأي قِـوى الضغط، والتي بمقدورها أن تُـطلق مبادرة تُـطالب بالرّجوع إلى الشعب، ولذلك، يفضل بعض الخبراء أن يطلقوا على النظام السويسري "ديمقراطية الاستفتاءات".
التصويت في الهواء الطلق
يطبّـق مبدأ الاستفتاء على المستوى الكانتونات والمجموعات المحلية، كما يُـمكن لمجتمع محلي، وضمن دائرة صلاحياته، أن يبتكِـر ما يحلو له من وسائل للسّـماح لمواطنيه بممارسة الديمقراطية المباشرة.
وفي سياق متّـصل، يجتمع المواطنون في أكثر من 84 % من مجموع 3000 مجموعة محلية في سويسرا مرة في السنة على الأقل، في تجمّـع عام على مستوى المنطقة، ويعتبر هذا التجمع، المجلس التشريعي للدائرة.
وفي كانتون (غلاروس)، ونصف الكانتون (أبّـنزل)، ينظم مرة كل سنة تجمّـعا كبيرا يحضره المواطنون الذين لهم الحق في التصويت في ساحة عامة ويتخذون قرارات عبر التصويت برفع الأيدي، ويمثل هذا التجمع أعلى سلطة قرار في الكانتون.
الشعب، تمثله دائما أقلية خلال الإنتخابات
ظلت الديمقراطية السويسرية إلى سنة 1971 مقتصرة على الرجال، على الأقل على المستوى الفدرالي، ومنحت بعض الكانتونات والمجموعات المحلية حق الإقتراع للنساء منذ الستينات، في حين لم يُـمنح ذلك الحق للنساء على المستوى الفدرالي إلا سنة 1971ـ، وكانت سويسرا من آخر الدول الأوروبية التي اتّـخذت هذه الخطوة.
ولكن السويسريات، حتى بعد أن مُـنحن حق التصويت، ظلت مشاركتهن محدودة جدا ولم تتجاوز منذ الخمسينات نسبة 50% إجمالا.
وبحلول سنة 1991، أصبح للمواطنين السويسريين حق التصويت منذ 18 سنة، وسمح للأجانب في بعض الكانتونات الناطقة بالفرنسية بالمشاركة في الاقتراع والترشح على مستوى الكانتون والمجموعات المحلية.
الديمقراطية المباشرة
بإمكان الشعب السويسري المشاركة بفعالية في صياغة بنود الدستور وسَـن القوانين، إلى جانب البرلمان، ويُـسمى هذا النظام، الذي يجمع بين التمثيل النيابي والمشاركة المباشرة الديمقراطية شبه المباشرة.
أبرز أدوات الديقراطية المباشرة، المبادرات الشعبية والاستفتاءات العامة، وهاتان الأداتان توجدان على المستوى الفدرالي وعلى مستوى الكانتونات والمجموعات المحلية.
وتسمح المبادرة الشعبية على المستوى الفدرالي لمائة ألف شخص أمضَـوا عريضة موحّـدة، بالمطالبة بإجراء مراجعة شاملة أو جزئية للدستور الفدرالي عبر الاقتراع العام.
لكن لم تخطّ عتبة الاستفتاء الشعبي بنجاح خلال الفترة الممتدة من 1891 إلى 2007، سوى 15 مبادرة شعبية.
الاستفتاء الشعبي يلعب دور الفرملة، ويسمح جمع 50.000 توقيع على المستوى الفدرالي خلال 3 أشهر بفرض إجراء استفتاء عام حول قوانين سبَـق إقرارها في البرلمان.
لم تحصل المرأة السويسرية على حق التصويت والترشح إلا سنة 1971.
يتمتع الأجانب بحق التصويت والترشح في العديد من الكانتونات والمجموعات المحلية