أزمة المشاركة السياسية في الجزائر
مرسل: السبت يونيو 30, 2012 11:26 am
تتضمن التنمية السياسية في إحدى جوانبها، تنمية روح المواطنة والولاء والمشارآة
السياسية، هذه الأخيرة التي تعد مؤشر قوي الدلالة على مدى تطور أو تخلف المجتمع ونظامه
السياسي، فقد اعتبر" هنتنجتون "المشارآة أحد عناصر التنمية السياسية، واقترنت الأخيرة لديه
بالعلاقة بين المأسسة السياسية والمشارآة السياسية من ناحية أخرى. آما تعد أزمة المشارآة
السياسية من بين الأزمات الست المترابطة التي تواجه عملية التنمية السياسية، وتواجه النظام
السياسي عند خروجه من المرحلة التقليدية.
تعتبر أزمة المشارآة السياسية في الجزائر من أهم المواضيع التي لها أثر في إرساء
البناء المؤسسي للدولة، ومن مظاهرة هذه الأزمة هو العزوف عن العمل السياسي والتغيب من
العملية الانتخابية. حيث شهدت الانتخابات التشريعية ل 2007 الكثير من الظواهر السياسية
وطرحت العديد من التساؤلات المهمة.
الإشكالية: ما هي أسباب أزمة المشارآة السياسة عند الشباب الجزائري؟ وما هي تجلياتها؟
- آيف يمكن تفسير ظاهرة عزوف الجزائريين عن المشارآة الانتخابية(الانتخابات التشريعية
والمحلية)
ثم ما هي آثار هذه الأزمة على مستقبل التحول الديمقراطي؟
- منهجيه الدراسة:
قامت الدراسة باستخدام المنهج الوصفي التحليلي في تحليل أزمة المشارآة السياسية في
الجزائر، ثم المنهج القانوني بهدف استقراء بنود الدساتير التي تمس المشارآة السياسية ومدى
تطبيق في الواقع السياسي .
- أهداف الدراسة: تهدف هذه الدراسة إلى تشخيص ازمة المشارآة السياسية في الجزائر
،ومحاولة إيجاد الحلول الممكنة لها
- هيكل الدراسة:وضعت هيكلة الدراسة لتشمل ثلاثة محاور أساسية:أولها، الإطار النظري
تحديد المفاهيم (التنمية السياسية ،التحديث السياسي ،المشارآة السياسية ) ،المحور الثاني ،
أزمة المشارآة السياسية في الجزائر المحور الثالث ،.الانتخابات التشريعية – دراسة في
السلوك الانتخابي-
-
أولا : الإطار النظري تحديد المفاهيم
قبل التطرق إلى الموضوع ينبغي التوقف لتحديد بعض المفاهيم
Bobert أ التنمية السياسية : للتنمية السياسية تعاريف متعددة ، فقد عرفها " روبير برآنهام
حسب خمس مدلولات : " Berghinham
مدلول قانوني : يهتم بالبناء الدستوري للدولة ، بمعنى الأسس الديمقراطية بكل أبعادها
مدلول اقتصادي : يعني تحقيق نمو اقتصادي يتوافق وتطلعات الشعب الاقتصادية
مدلول إداري : ضرورة وجود إدارة مواطنة ملتزمة باحترام مبادي المشروعية الإدارية
والقانونية مع تحقيق شروط الفعالية والكفاءة والعقلانية .
مدلول سياسي : تحقيق الانصهار في منظومة مجتمعية والمشارآة في الحياة السياسية .
( مدلول ثقافي : التنمية عبارة عن تحديث يأتي نتيجة لثقافة سياسية معينة ( 1
هناك من يعرف التنمية السياسية على أساس مؤشرات معينة :
1 تحقيق المساواة بين جميع مواطني المجتمع بغض النظر عن اختلاف الأصول أم
الانتماءات والثقافة الفرعية .
2 مشارآة الجماهير في صنع القرارات ديمقراطيا من خلال النظم البرلمانية والمؤسسات
الدستورية والقانونية ( توفر قنوات شرعية تمكن الجماهير من المشارآة ) .
3 عدم ترآيز السلطة في يد هيئة واحد وتحقيق الفصل بين السلطات .
4 قيام السلطة على أسس عقلانية رشيدة .
5 نمو قدرات الجماهير على إدراك مشكلاتها الحقيقة والتعامل معها تعاملا رشيدا .
6 تحقيق الوحدة والتكامل السياسي بين أجزاء المجتمع من خلال آفاءة نظم التنشئة السياسية
ووجود حد أدنى من الاتفاق حول القيم السياسية ، مع وجود ولاء سياسي للسلطة المرآزية
.(2)
يرى آل من " غابريل ألموند " و وبنكام باول " أن التنمية السياسية تمثل استجابة النظام
السياسي للتغيرات في البيئة المجتمعية والدولية ، وبالذات استجابة النظام لتحديات بناء الدولة
وبناء الأمة والمشارآة السياسية .
وقد وضع " لوسيان باعا " قائمة شاملة تضمنت تعريفات مختلفة ومرآزة لمفهوم التنمية
. ( السياسية انطوت على عشرة تعريفات رئيسية من بينها ( 3
التنمية السياسي هي : التحديث السياسي ، التعبئة السياسية ، بناء الديمقراطية ، تحقيق الاستقرار
، التغيير الاجتماعي ، التنمية الإدارية والقانونية ...الخ
وفي ضوء ما تقدم من تعريفات يمكن القول أن التنمية السياسية هي عملية سياسية تستهدف
تعبئة الجماهير وزيادة وعيهم لرفع مستوى مشارآتهم في الحياة السياسية لتدعيم المؤسسات
الديمقراطية وتحقيق الاستقرار والتكامل.
خلال السعي نحو فهم ودراسة التنمية السياسية واجه علماء السياسية إشكالية العلاقة بين التنمية
السياسية والتحديث السياسي ، وقد ساد الاعتقاد بأن المفهومين متطابقين ، وأن التنمية السياسية
هي مظهر من مظاهر التحديث ، حتى جاء الاعتراض من قبل " صمويل هنتغتون " سنة
1965 وضرورة التمييز بين التنمية السياسية والتحديث السياسي .
ب التحديث السياسي : إن هدف التحديث السياسي هو تنمية قدرات المؤسسات الحكومية
لزيادة فاعليتها ورفع مستوى أدائها حتى تتمكن من انجاز الواجبات الملقاة على عاتقها وعليه
يمكن تحديد ثلاث سمات لتحديث السياسي .
1 تعزيز سلطة الدولة المرآزية مع اضعاف نفوذ مصادر السلطات التقليدية القبلية والأسرية
.
2 دعم صلاحيات التخصصية في المؤسسات السياسية لتحديد المهام والأدوار .
3 زيادة نطاق المشارآة الشعبية في العملية السياسية في إطار التنسيق والتفاهم والاتصال بين
( المواطنين والنظام السياسي آكل ( 4
إن من أهم جوانب التحديث السياسي هو ما يتعلق بالتحولات الضرورية في الاتجاهات
الجماهير بهدف زيادة المشارآة والوعي السياسي وهذه المشارآة تبدأ في المؤسسات غير
الرسمية ، الأحزاب ، النقابات هذه المشارآة لابد من أن تسبقها زيادة فاعلية المؤسسات
السياسية الرسمية .
أن التحديث السياسي لا بد وأن يتمخض عن ظهور الرغبة في المشارآة السياسية لدى قطاعات
أوسع من المواطنين داخل المجتمع للوصول إلى الحداثة، سواء تمثل مظهر الحداثة في التحول
الديمقراطي أو الانتقال بالحياة السياسية إلى التعدد الحزبي
ج -المشارآة السياسية:
تعرف المشارآة السياسية بأنها: "تلك الأنشطة السياسية التي يشارك بمقتضاها أفراد
مجتمع ما في اختيار حكامه وفي صياغة السياسة العامة بشكل مباشر أو غبر مباشر، أي أنها
تعني اشتراك الفرد في مختلف مستويات النظام السياسي.
والمشارآة السياسية تعني، في أوسع معانيها، حق المواطن في أن يؤدي دورا معينا في
عملية صنع القرارات السياسية، وفي أضيق معانيها تعني حق ذلك المواطن في أن يراقب هذه
القرارات بالتقويم والضبط عقب صدورها من الحاآم.
ويميز "جلال عبد الله معوض"( 5)بين المشارآة والاهتمام والتفاعل أو التجاوب،
فالاهتمام يعني عدم السلبية، بحيث يشعر المواطن العادي أن الدولة والشؤون العامة والقرارات
السياسية ترتبط بحياته ووجوده الذاتي تأثيرا وتأثرا، وسواء أدى ذلك إلى استخدام حق معين في
عملية اتخاذ القرار السياسي أو لا، فإن الاهتمام يظل مفهوما مستقلا عن المشارآة.
أما التفاعل فإنه يعني التجاوب، بحيث ينسى المواطن ذاته في نطاق الوجود السياسي،
هذا التفاعل يشكل حلقة تتوسط الاهتمام والمشارآة، فالاهتمام قد يؤدي إلى التفاعل، وآذلك
المشارآة تفرضه.
وتكون عملية المشارآة السياسية من خلال نشاطات سياسية مباشرة آأن يتقلد الفرد
منصبا سياسيا أو يحظى بعضوية حزب. أو يقوم بترشيح نفسه للانتخابات أو يكتفي بمجرد
التصويت أو مناقشة القضايا العامة والاشتراك في الحملات السياسية. آما يمكن أن يحقق
المشارآة من خلال نشاطات سياسية غبر مباشرة آأن يقتصر الفرد على مجرد المعرفة
( والوقوف على المسائل والقضايا العامة ( 6
آما تعد المشارآة السياسية العصب الحيوي للممارسة الديمقراطية وقوامها الأساسي،
والتعبير العملي الصريح لسيادة قيم الحرية والعدالة والمساواة في المجتمع. آما أنها تعد فوق
هذا وذلك مؤشرا قويا الدلالة على مدى تطور أو تخلف المجتمع ونظامه السياسي.
ب. درجات المشارآة السياسية:
وللمشارآة السياسية درجات اتفق عليها بصفة خاصة آل من هربرت ماآلوسكي
وفيربا وناي وروش، وهذه الدرجات هي:
1. تقلد المنصب السياسي.
2. السعي لشغل منصب سياسي أو إداري.
3. العضوية النشطة في تنظيم سياسي.
4. العضوية العادية في تنظيم سياسي.
5. العضوية النشطة في شبه تنظيم سياسي.
6. العضوية العادية في شبه تنظيم سياسي.
7. المشارآة في الاجتماعات السياسية العامة.
8. المشارآة في المناقشات السياسية غير الرسمية.
9. الاهتمام العام بالأمور السياسية.
10 .التصويت.
F. Christopher فالمشارآة السياسية حسب آل من آريستوفر أرترتون
في "آتاب المشارآة السياسية" لا تقتصر فقط Halan Hahn وهالان هان Arterton.
على التصويت في الانتخابات ولكنها تشمل الأعمال والأنشطة والمساعي آافة التي تدخل في
نطاق العملية السياسية بالمعنى الأوسع، والهادفة إلى التأثير على فئة أو طبقة أصحاب النفوذ أو
السلطة، ومثال ذلك الاتصالات مع المسئولين في الحكومة، والمشارآة في تمويل الحملات
الانتخابية، ومناقشة القضايا العامة، وحضور الاجتماعات السياسية، ومحاولة إقناع الآخرين
بتأييد مرشح معين، والعمل في إطار نشاط الأحزاب السياسية، والحصول على عضوية
المنظمات أو التنظيمات السياسية، هذا بالطبع إلى جانب التصويت في العملية الانتخابية.
آذلك فمن أظهر التعريفات التي قدمت للمشارآة السياسية ذلك التعريف "أنها مجموعة
التصرفات الإرادية التي تستهدف التأثير في عملية صنع السياسات العامة، وإدارة شؤون
المجتمع، وآذا تلك التي يتم من خلالها اختيار القيادات السياسية على آافة المستويات الحكومية
من قومية ومحلية وذلك بغض النظر عما إذا آانت هذه التصرفات منظمة أو غير منظمة،
( مؤقتة أو مستمرة، مشروعة أو غير مشروعة، وسواء نجحت في بلوغ غاياتها أو لم تنجح"( 7
إن مفهوم المشارآة السياسية حسب التعاريف السابقة فهي تشمل جميع العمليات
السياسية التي من خلالها تنقل الجماهير مطالبها إلى الصفوة الحاآمة بتأثير في سلوآها عن
(الأحزاب السياسية).
تتجلى أهمية المشارآة السياسية في أنها الآلية الأساسية في إرساء البناء المؤسسي
للدولة والتحديث السياسي)، من تخلف المؤسسات السياسية وعجزها عن تلبية مطالب الفئات
الجديدة وطموحاتها وعدم مواآبتها للتغيرات السياسية والاجتماعية، ومن ثمة تفقد شرعيتها،
وآما حدد "هنتجتون" أن هناك علاقة بين المشارآة السياسية والمؤسسات السياسية، فهو يرى
أن استقرار النظم السياسية من عدمه يتحدد من خلال طبيعة العلاقة بين المتغيرين، فالمشارآة
السياسية هي نتاج العمليات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالتحديث، وتأثير التحديث على
الاستقرار السياسي ينعكس من خلال التفاعل بين التعبئة الاجتماعية والاقتصادية وبين الإحباط
( الاجتماعي وفرض الحرآة السياسية، وبين المشارآة السياسية والمؤسسة السياسية( 8
وتتجلى مساهمة الشعب في المشارآة السياسية من خلال أفراد أو جماعات ضمن نظام
ديمقراطي فهم آأفراد يمكنهم أن يساهموا في الحياة السياسية آناخبين أو عناصر نشطة سياسيا،
أما آجماعات فمن خلال العمل الجماعي آأعضاء في منظمات مجتمعية أو نقابات عملية.
د.دور المشارآة السياسية في التنمية السياسية:
تعرف التنمية على أنها توحيد جهود جميع المواطنين مع الجهود الحكومية لتحسين
الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للجماهير، وربطهم بظروف مجتمعهم
ونمط الحياة فيه، وتمكينهم من المساهمة فى تحقيق التقدم والرقى لمجتمعهم.
وبالتالي هناك ارتباط وثيق وتأثير متبادل بين المشارآة والتنمية حيث تتيح التنمية فرصاً اآبر
لتوسيع مجالات المشارآة، آما تخلق الحافز للمشارآة. فى الوقت الذى تسمح المشارآة
بممارسة الجماهير ضغوطاً على صانع القرار لاتخاذ سياسات لصالح قضايا التنمية..
ولا شك أن الحكومات خاصة في الدول النامية لديها الكثير من المسئوليات الكبرى على
المستوى الوطني، وعليها أعباء آثيرة والتزامات نحو المجتمع، وذلك للتوسع في خطط وبرامج
التنمية الشاملة وفى مقابل ذلك يبقى على الجماهير واجب أن تتحمل بعض الأعباء عن
الحكومة، وأن تجند آل طاقاتها وخبراتها لمساندة الحكومة. وأن تسعى قدر استطاعتها للمشارآة
ثانيا. أزمة المشارآة السياسية في الجزائر.
ا- مفهوم أزمة المشارآة: وهي تشير إلى تدني معدلات مشارآة الجماهير في الحياة السياسية
نظرا للجوء الصفوة إلي وضع العراقيل أمام المتطلعين إلي المشارآة من جهة ، وشيوع
الأمية واستشراء الفقر في صفوف أبناء الشعب . وتصبح المشارآة السياسية أزمة من أزمات
التنمية السياسية” عندما تأخذ جماعات جديدة بالمطالبة بإشراآها في الحكم على نحو أو آخر.
وفي الوقت نفسه تنطوي على أزمة شرعية وتشكل تهديدا لمرآز الجماعة الحاآمة وعلى
الأخص إذا بدت هذه الأخيرة لا تستجيب إلى مطالب القوى الصاعدة ولا ريب ان آل ما يؤدي
إلى تغيير المجتمع ماديا آالتصنيع والتكنولوجيا أو إعادة النظر في النظم الزراعية وغير ذلك
يؤدي إلى تصاعد جماعات اجتماعية تطالب بإشراآها في الحكم.
واستنادا إلى ما تقدم فان المشارآة السياسية تصبح أزمة في حالات هي:
-1 ظهور جماعات تطالب بإشراآها في الحكم.
-2 عدم استجابة الجماعة الحاآمة إلى مطالب القوى الاجتماعية الصاعدة.
تنبع أزمة المشارآة السياسية من عجز النظام عن سد الاحتياجات المتعلقة بالمشارآة السياسية
لجزء آبير من أبناء المجتمع، ولا تعزو هذه الأزمة لسبب بعينه بل أن هناك العديد من العوامل
والتي تتداخل لتشكل هذه الأزمة وهي في حقيقية الأمر جزء من حلقة متصلة يبعضها من
الأزمات التي تعاني منها آثير من الدول وخصوصا في الواقع العربي، مثل أزمة الشرعية ،
وأزمة الهوية ، وأزمة التوزيع ، وأزمة التدخل ، وأزمة التكامل ، فظهور أزمة من هذه
الأزمات لا يعني أنها بعينها الأزمة الموجودة في هذه البلد أو ذاك بل أن وجودها يعني أن هذا
النظام به العديد من الأزمات، بعبارة أخرى أن آل أزمة تؤدي إلى أزمة أو أزمات متتابعة أو
متزامنة مع بعضها البعض.
وهناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور أزمة المشارآة منها :
- عدم وجود وسائل إعلام محايدة . بل نجد أن آثيراً من وسائل الإعلام وخصوصا في
المجتمع العربي محتكرة من قبل السلطة ، وأن ما يطرح على المجتمع إنما هو انعكاس لرغبات
السلطة السياسية التي تتأثر غالباً بنوعية الرسالة الإعلامية المراد تلقينها للمجتمع ، وهي في
الغالب رسالة ذات اتجاه واحد وليس نتيجة للتفاعل بين الأطراف المختلفة في المجتمع بما فيهم
الحاآم والمحكوم ، وبالتالي تظل الرسالة الإعلامية الموجهة عاجزة عن أداء دور حقيقي يسهم
في بناء التنمية والمشارآة السياسية آجزء من هذه التنمية الشاملة.
- أسلوب التنشئة السياسية.
- حداثة التجارب الديمقراطية
- هشاشة أو غياب المؤسسات التنظيمية الفاعلة.
- الموروث الثقيل.
- الضعف الكامن في الأمة.
- استئثار فئة قليلة في المجتمع في إدارة عجلة التنمية في المجتمع والاقتصادية منها على وجه
الخصوص.
ب -أزمة المشارآة السياسية في الجزائر عهد الحزب الواحد:
تمثلت أزمة المشارآة السياسية في الجزائر من خلال عجز المؤسسات السياسية عن
استيعاب القوى السياسية والاجتماعية، فقد رافق حكم الحزب الواحد إقصاء للحريات الفردية
والجماعية،
و برزت رغبة النخب الحاآمة في عدم إشراك القوى الأخرى ،ذات التوجه السياسي
وممارسة النزعة الإقصائية ضدها واحتكارها الكامل للتمثيل في إطار سياسة تعبوية تفتقر إلى
المشارآة، ولذلك فقد اقتصرت رؤية حزب جبهة التحرير بالنسبة إلى المشارآة بمعنى التعبئة
السياسية، التي تأخذ شكل التأييد والحشد والمساندة لبعض القرارات دون الإسهام الحقيقي في
صنعها نتيجة لضعف الحزب، وعدم قدرته على تمكين مختلف القوى من التعبير عن مصالحها
ومطالبها، وبالتالي افتقاد وجود قنوات شرعية أخرى.
إن الجزائر وقبل التحول إلى التعددية الحزبية في 1989 لم تكن تمتلك أية تقاليد أو
ميراثا يفصح عن مشارآة سياسية حقيقية، فالمفهوم السائد هو التعبئة وليس المشارآة، آما أن
الساحة السياسية آانت مغلقة تماما أمام الجبهة التي تسيطر عليها العناصر العسكرية المتعددة
والتكنوقراط، ( 9)وعلى الرغم من التطور الذي شهدته الجزائر في تكوين الجمعيات خلال
السبعينيات، إلا أن النظام السياسي بقي مفتقدا ذلك النضج المؤسسي الذي يجعل من الديمقراطية
قيمة عليا تحكم حياة المجتمع، ولم يبدأ النظام الجديد بالتحول إلا متأخرا، حيث سعى إلى إعلان
1988 في / 1987 الذي فسح المجال لإنشاء الجمعيات، والذي عدل بمرسوم 66 / قانون رقم 5
فبراير ونص على دراسة طلب اعتماد الجمعية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الإيداع،مع السماح
للسلطة بإبداء التحفظات على برامجها إذا آانت تتعارض مع القوانين المعمول بها.
استمر النمط التعبوي للمشارآة لفترة طويلة وتحديداً منذ عام 1962 وحتى عام 1989
مع الأخذ بنظر الاعتبار إن الرئيس الأسبق “ الشاذلي بن جديد” قد أعطى هامشاً محسوباً لحرية
التعبير وتكوين النقابات، ولكن مع استمرار ذلك النمط من المشارآة السياسية آيف تعامل النظام
السياسي مع محاولات الجماعات الصاعدة الرامية إلى تحقيق مطالبها؟ تلك مسألة ارتبطت
بالوضع الاقتصادي في الجزائر لان المتعارف عليه انه في ظل الوفرة لا يمكن الحديث عن
أزمة مشارآة، أو لم تكن حادة أو مهددة للنظام السياسي. وفي حالة الجزائر لم تظهر أزمة
المشارآة بصورة جدية طالما ان عوائد النفط أدت إلى الوفرة، لكن طرحت نفسها آازمة وعانى
منها النظام السياسي مع تدني عوائد النفط وتدهور الوضع الاقتصادي.
ج-المشارآة السياسية بعد التحول الديمقراطي:
يظهر اهتمام النظام السياسي بالمشارآة السياسية من خلال وضع صيغ دستورية و قانونية
تمس المشارآة السياسية وحقوق الانسان ( 10 ) آالاعتراف بالتعددية الحزبية والسياسية:
حيث نصت المادة ( 40 ) من دستور 1989 على "حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي
معترف به.
11 المؤرخ في 05 - تدعم هذا الانفتاح السياسي باتجاه التعددية بصدور القانون رقم 89
جويلية 1989 ، الخاص بالجمعيات ذات الطابع السياسي الذي حدد المبادئ والشروط اللازمة
لتأسيس هذه الجمعيات السياسية، وقواعد عملها، وتمويلها وإيقافها
خصص دستور 1989 فصلا مرآزيا هاما للحقوق والحريات، لأنه يتحدث عن ضمانات
واعترافات هي جوهر الديمقراطية ذاتها، فقد نص على أن "الحريات الأساسية وحقوق الإنسان
والمواطن مضمونة" (المادة 35 ) "وحرية الإبداع الفني والعلمي" (المادة 36 )، "حرية التعبير
.( وتأسيس الجمعيات وعقد الاجتماعات" (المادة 39
.( - حق تولي الوظائف النيابية (المادة 47
.( - حق تولي الوظائف العامة (المادة 48
. اعترف الدستور بحرية التعبير/ المادة 39 / ثم دعمها بقانون الإعلام الصادر في 23 أفريل
1990 فتدعم الإعلام العمومي بإصدارات جديدة (النهار، العقيدة، العناب، الأوراس ...)،
ونشأة الصحف الخاصة.
الاعتراف بتأسيس الجمعيات غير السياسية، المادة " 32 "، وبصدور قانون 4 ديسمبر 1990
والمتعلق بالجمعيات أدى إلى حدوث انفجار فريد من نوعه للظاهرة الجمعوية من حيث عددها
وتنوع مواضيعها ومجالات تدخلها وآذا الفئات الاجتماعية التي تنشطها
د مظاهر أزمة المشارآة في الجزائر:
- غياب التطابق بين المبادئ الإيديولوجية والمواقف والبرامج والنصوص القانونية مع
الممارسات السياسية الملموسة التي صاحبها تفشي الفساد الإداري والسياسي.
مشارآة شكلية موسمية غير فعالة من قبل القوي السياسية حيث لا تظهر الأحزاب إلا أثناء
العملية الانتخابية بهدف تأدية أدوار معينة أم الحصول على الريع الانتخابي
المشارآة السياسية اتخذت شكل التعبئة بغرض خلق مساندة دون أن تعبر عن مشارآة حقيقية
نابعة من اهتمام بما تجري في المجتمع السياسي .
الحفاظ على الوضع القائم سواء في المؤسسات غير الرسمية آالأحزاب والجمعيات وغياب
التداول على السلطة في حياتها الداخلية أو في المؤسسات الرسمية، بقاء نفس الأشخاص
والسياسات.
- عزوف الشباب عن الانضمام للأحزاب السياسية، حيث يلاحظ سيطرة الشيوخ على المناصب
القيادية، وبالتالي غياب التجديد والحيوية لتحريك العمل السياسي.
-عدم المشارآة في الانتخابات الطلابية ( ضعف الإقبال على ممارسة).
ضعف المشارآة في أوجه النشاط الاجتماعي الاخري وفي المجالات غير السياسية للحياة
الاجتماعية ذلك أن مثل هذه المشارآة تؤثر في اتجاهات الأفراد نحو النظام السياسي والعملية
السياسية .
- ضعف الحراك الاجتماعي وعزوف المثقفين
-المقاطعة الانتخابية
- ثالثا.الانتخابات التشريعية – دراسة في السلوك الانتخابي-
شهدت الانتخابات التشريعية التعددية الرابعة 17 ماي 2007 في الجزائر الكثير من
الظواهر السياسية التي ستتناولها الدراسة بالتحليل علي اعتبار أن الانتخابات هي احدي
الآليات الرئيسية في عملية الإصلاح السياسي و التحول الديمقراطي ,ومؤشر لتحديد العلاقة بين
الدولة والمجتمع تضفي الشرعية علي المؤسسات السياسية وتفرض التداول علي السلطة
بالطرق السلمية وتجدد النخبة الحاآمة , آما طرحت الانتخابات الأخيرة العديد من التساؤلات
المهمة :لمادا ظهرت الحملة الانتخابية باردة فاطره؟
ما سبب العزوف عن المشارآة الانتخابية و التجمعات الحزبية؟
- هل غيرت الانتخابات من الخريطة السياسية واستبدلت النخبة الحاآمة, وأعطت الفرصة
للجيل الجديد لتولي المناصب السياسية والمشارآة في صنع القرار ورسم السياسات العامة؟
الظواهر السياسية الأساسية :
1.ظاهرة المنشقين عن الأحزاب السياسية:
واجهت الأحزاب السياسية أثناء وبعد إعداد ترتيب القوائم الانتخابية سلسلة من
الاحتجاجات والاستقالات والتمردات، حيث لجئ أعضاء أحزاب إلى دخول الانتخابات في شكل
قوائم مستقلة حرة والبعض الآخر فضل أحزاب أخرى وفي مراآز ورتب أحسن في قوائم
جديد. يمكن تفسير هذه العضوية المتحرآة وظاهرة الانشقاق إلى ضعف الالتزام الحزبي
وإخفاق الأحزاب في التوغل داخل المجتمع بالإضافة إلى غياب الديمقراطية في الحياة الداخلية
للأحزاب.
2.تدخل المال في العملية الانتخابية:
لعب المال في الانتخابات البرلمانية الجزائرية دورا أساسيا في التأثير سلبا على
العمليات الانتخابية سواء من حيث تقديم رشاوى لرؤساء مكاتب الأحزاب السياسية من طرف
بعض رجال المال والأعمال حتى يكونوا في المراتب الأولى لقوائم الأحزاب في الانتخابات.أو
لشراء الأصوات أثناء عملية التصويت، والسؤال المطروح لماذا يفكر "المقاولون أو رجال
المال" في الترشح آنائب مشرع هل هو حامل لمشروع تغيير وأفكار تساهم في حلول ناجعة
لمشاآل الجماهير؟ لا شك في أن الهدف الرئيسي لبعض الأثرياء ورجال الأعمال الذين
ينخرطون في مثل هذه الأساليب هو الحصول على الحصانة البرلمانية وتوظيفها آمشروع
استثماري يدر على صاحبه الكثير من المكاسب.
3.الحملة الانتخابية إن الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية لسنة 2007 بالرغم من
توفير الوسائل والإمكانات إلا أنها تميزت ببرودة شعبية وعدم التجاوب الجماهيري معها، حيث
عجزت الأحزاب السياسية عن تحرك الرأي العام وتعبئته وإضفاء نوع من الديناميكية على
العملية الانتخابية, مما أدى إلى إلغاء العديد من التجمعات والندوات, هذا العزوف يرجع إلى
غياب برنامج سياسي معقول وحقيقي تسوقه الأحزاب إلى الجماهير , فجميع الأحزاب تقريبا بما
فيها أحزاب التحالف والأحزاب الصغيرة تبنت برامج رئيس الجمهورية وتنازلت عن برامجها
الحزبية.
4. اختيار المرشحين في البرلمان الجزائري:. تميزت عملية ضبط القوائم بحضور العامل
التقليدي (النزعة القبلية، العروش) في انتقاء المرشحين للترشح للانتخابات التشريعية خاصة في
ولايات الشرق الجزائري ومنطقة الهضاب العليا (الجلفة)، والعروشية تنتشر في منطقة الوسط
(الهضاب العليا) والجنوب وهي ظاهرة سوسيولوجي وثقافية آما تدخلت عوامل أخرى في
ترتيب المرشحين آالمال، الذي وظف بشكل واسع من قبل رجال الإعمال في هذه الانتخابات
ومعيار التوازن الجهوي، والمنصب الحكومي، حيث ترشح على رأس القوائم الانتخابية 19
وزيرا
5.ضعف مشارآة تمثيل المرأة في الانتخابات: يلاحظ في هذه الانتخابات هو ضعف
تمثيل المرأة الجزائرية في الترشيح أو التمثيل في المجلس وهذا رغم المكانة التي تحظى بها
المرأة في المجتمع الجزائري من حيث التعليم ونسبة المتحصلين على مستوى جامعي عالي،
حيث تحسنت نسبة تمدرس البنات في الجزائر وبلغت 66.12 % مقابل 65.85 % في أوساط
الذآور، المستوى الثانوية 29.6 % للنساء مقابل 20.20 % للرجال ألا أن مؤشر المشارآة
السياسية للمرأة الجزائرية لا يزال ضعيفا مقارنة بالبلدان العربية والأفريقية التي لا تتوفر على
نفس الكفاءات بالقدر المتوفر للجزائر.
يبقى حجم التمثيل السنوي في البرلمان الجزائري بغرفتيه ضعيف، ففي المجلس الشعبي
الوطني الذي يضم 368 نائبا لا يتعدد عدد النساء 29 ، أما في مجلس الأمة فلا يتعدد عددهن 4
.% نساء مقابل 140 نائب وهو ما يمثل 2.87
6.العزوف عن المشارآة في الانتخابات:
35,65 بالمئة, فمن بلغت نسبة المشارآة في الانتخابات التشريعية 2007
, مجموع 18 مليون و 760 الف و 400 ناخب ,لم يصوت سوء 6 مليون و 687 ألف و 838
وأثناء عملية الفرز تم إلغاء 961 الف و 751 ورقة انتخابية, وبالتالي بلغ عدد الأصوات المعبر
عنها 5 ملايين و 726 ألف و 87 صوت اي حوالى 12 مليون قاطعوا الانتخابات.
تجدر الإشارة أن هذه هي ادني نسبة مشارآة منذ الاستقلال. هذه الأرقام والنسب تعتبر
ترجمة حقيقية لظاهرة عزوف الجزائريين عن المشارآة الانتخابية هذه الظاهرة من ميزة
المواطن الساآن في المدن الكبرى ومنطقة القبائل، قد توسعت إلى مناطق آانت مشهورة بقوة
مشارآتها في مناطق الشرق والغرب، بما فيها الهضاب العليا، فقد سجلنا خلال تشريعيات
2007 ثلاثة عشر ولاية تم فيها تسجيل نسبة مشارآة في الانتخابات، أقل من المعدل الوطني،
آما هو مبين في الجدول.
( جدول رقم ( 1
الولاية نسبة المشارآة
تيزي وزو 16,14
بجاية 17,77
الجزائر العاصمة 18,41
بومرداس 23,96
قسنطينة 25,26
البليدة 26,81
جيجل 27,30
البويرة 28,28
وهران 31,40
باتنة 32,52
سطيف 34،24
غليزان 34,92
الشلف 35,03
الولايات الأقل مشارآة في الانتخابات (أقل من معدل المشارآة الوطني)
- تفسير السلوك الانتخابي: يعتبر التصويت أداة في يد المواطن للرقابة والمشارآة والتأثير،
فالناخب له القدرة أن يمنح صوته أو يمنعه عن المرشحين وفقا لأدائهم وآفاءتهم في التعبير عن
مصالحهم وبالتالي فإن المرشح الذي يرغب في إعادة انتخابه من جديد عادة ما ينظر إلى الدور
الرقابي للتصويت، وقدرة الناخب في إبقاءه أو عزله عن منصبه,آذلك يكشف الإقبال أو عدم
الإقبال على صناديق الانتخابات عن موقف الناخب من العملية الانتخابية ومدى إدراآه لأهميتها
وعزمه على المشارآة أو عدم المشارآة فيها.
يعتبر الامتناع آذلك موقفا سياسيا يحمل رسائل ودلالات سياسية آبرى , هذه الظاهرة
تزداد عند الشباب وسكان المدن والنساء والمتعلمين, تجد تفسيرها في فقدان الثقة في الانتخابات
آوسيلة في التعيير عن الإرادة الشعبية وفي التغيير, هذا بالإضافة إلى تقديم صورة عن
الانتخابات في جميع مراحلها ومستويات تحضيرها, على أنها في الأساس عملية ترمي للإبقاء
علي نظام الحكم القائم ( فضلا عن ضعف أداء البرلمان في الحياة السياسية، حيث (لم يعبر
عن اهتمام الرأي العام ولم يمارس الرقابة والمساءلة والمعارضة البرلمانية وسادت ظاهرة
التغيب عن الجلسات), فشل النظام الحزبي بكل توجهات في أداء وظائفه نتيجة الأزمات
والصراعات الداخلية التي عاشتها الأحزاب السياسية. بالإضافة إلى عوامل نفسية اجتماعية
يعيشها المواطن الجزائري آإلإحباط.
( جدول رقم ( 2
عدد الناخبين المسجلين 18.760.400
عدد المصوتين 6.687.838
% نسبة المشارآة 35.65
عدد الاوراق الملغية 961.751
عدد الاصوات المعبر عنها 5.726.087
السلوك الانتخابي بالأرقام
يمكن تحديد المعوقات التي تحول دون مشارآة الجزائر يبين في العملية السياسية وفي
الانتخابات إلى
1 عدم التطابق بين الممارسات السياسية والقواعد القانونية والنصوص الدستورية ، فعند
استقراء دستور 1989 ، دستور 1996 ، خاصة المواد التي تمس المشارآة السياسية ، نلاحظ
أن هناك تبني لعملية المشارآة الشعبية من خلال إقرارها المساواة بين المواطنين في الفرض
السياسية ، وان السيادة الوطنية ملك للشعب يمارس من خلال البرلمان .
لكن عند تحليل الواقع نرى أن عملية اتخاذ القرار وترآيز السلطة بيد السلطة التنفيذية وأن
البرلمان ليس له وزن أو تأثير في الحياة السياسية الجزائرية.
2 ضعف التنظيمات السياسية الوسطية من أحزاب وجمعيات أهلية وهيئات وتجليات هذا
الضعف في الأزمات الداخلية التي تشهدها الأحزاب الجزائرية (الانشقاقات ،العضوية المتحرآة
، عمومية البرامج ).
السياسية، هذه الأخيرة التي تعد مؤشر قوي الدلالة على مدى تطور أو تخلف المجتمع ونظامه
السياسي، فقد اعتبر" هنتنجتون "المشارآة أحد عناصر التنمية السياسية، واقترنت الأخيرة لديه
بالعلاقة بين المأسسة السياسية والمشارآة السياسية من ناحية أخرى. آما تعد أزمة المشارآة
السياسية من بين الأزمات الست المترابطة التي تواجه عملية التنمية السياسية، وتواجه النظام
السياسي عند خروجه من المرحلة التقليدية.
تعتبر أزمة المشارآة السياسية في الجزائر من أهم المواضيع التي لها أثر في إرساء
البناء المؤسسي للدولة، ومن مظاهرة هذه الأزمة هو العزوف عن العمل السياسي والتغيب من
العملية الانتخابية. حيث شهدت الانتخابات التشريعية ل 2007 الكثير من الظواهر السياسية
وطرحت العديد من التساؤلات المهمة.
الإشكالية: ما هي أسباب أزمة المشارآة السياسة عند الشباب الجزائري؟ وما هي تجلياتها؟
- آيف يمكن تفسير ظاهرة عزوف الجزائريين عن المشارآة الانتخابية(الانتخابات التشريعية
والمحلية)
ثم ما هي آثار هذه الأزمة على مستقبل التحول الديمقراطي؟
- منهجيه الدراسة:
قامت الدراسة باستخدام المنهج الوصفي التحليلي في تحليل أزمة المشارآة السياسية في
الجزائر، ثم المنهج القانوني بهدف استقراء بنود الدساتير التي تمس المشارآة السياسية ومدى
تطبيق في الواقع السياسي .
- أهداف الدراسة: تهدف هذه الدراسة إلى تشخيص ازمة المشارآة السياسية في الجزائر
،ومحاولة إيجاد الحلول الممكنة لها
- هيكل الدراسة:وضعت هيكلة الدراسة لتشمل ثلاثة محاور أساسية:أولها، الإطار النظري
تحديد المفاهيم (التنمية السياسية ،التحديث السياسي ،المشارآة السياسية ) ،المحور الثاني ،
أزمة المشارآة السياسية في الجزائر المحور الثالث ،.الانتخابات التشريعية – دراسة في
السلوك الانتخابي-
-
أولا : الإطار النظري تحديد المفاهيم
قبل التطرق إلى الموضوع ينبغي التوقف لتحديد بعض المفاهيم
Bobert أ التنمية السياسية : للتنمية السياسية تعاريف متعددة ، فقد عرفها " روبير برآنهام
حسب خمس مدلولات : " Berghinham
مدلول قانوني : يهتم بالبناء الدستوري للدولة ، بمعنى الأسس الديمقراطية بكل أبعادها
مدلول اقتصادي : يعني تحقيق نمو اقتصادي يتوافق وتطلعات الشعب الاقتصادية
مدلول إداري : ضرورة وجود إدارة مواطنة ملتزمة باحترام مبادي المشروعية الإدارية
والقانونية مع تحقيق شروط الفعالية والكفاءة والعقلانية .
مدلول سياسي : تحقيق الانصهار في منظومة مجتمعية والمشارآة في الحياة السياسية .
( مدلول ثقافي : التنمية عبارة عن تحديث يأتي نتيجة لثقافة سياسية معينة ( 1
هناك من يعرف التنمية السياسية على أساس مؤشرات معينة :
1 تحقيق المساواة بين جميع مواطني المجتمع بغض النظر عن اختلاف الأصول أم
الانتماءات والثقافة الفرعية .
2 مشارآة الجماهير في صنع القرارات ديمقراطيا من خلال النظم البرلمانية والمؤسسات
الدستورية والقانونية ( توفر قنوات شرعية تمكن الجماهير من المشارآة ) .
3 عدم ترآيز السلطة في يد هيئة واحد وتحقيق الفصل بين السلطات .
4 قيام السلطة على أسس عقلانية رشيدة .
5 نمو قدرات الجماهير على إدراك مشكلاتها الحقيقة والتعامل معها تعاملا رشيدا .
6 تحقيق الوحدة والتكامل السياسي بين أجزاء المجتمع من خلال آفاءة نظم التنشئة السياسية
ووجود حد أدنى من الاتفاق حول القيم السياسية ، مع وجود ولاء سياسي للسلطة المرآزية
.(2)
يرى آل من " غابريل ألموند " و وبنكام باول " أن التنمية السياسية تمثل استجابة النظام
السياسي للتغيرات في البيئة المجتمعية والدولية ، وبالذات استجابة النظام لتحديات بناء الدولة
وبناء الأمة والمشارآة السياسية .
وقد وضع " لوسيان باعا " قائمة شاملة تضمنت تعريفات مختلفة ومرآزة لمفهوم التنمية
. ( السياسية انطوت على عشرة تعريفات رئيسية من بينها ( 3
التنمية السياسي هي : التحديث السياسي ، التعبئة السياسية ، بناء الديمقراطية ، تحقيق الاستقرار
، التغيير الاجتماعي ، التنمية الإدارية والقانونية ...الخ
وفي ضوء ما تقدم من تعريفات يمكن القول أن التنمية السياسية هي عملية سياسية تستهدف
تعبئة الجماهير وزيادة وعيهم لرفع مستوى مشارآتهم في الحياة السياسية لتدعيم المؤسسات
الديمقراطية وتحقيق الاستقرار والتكامل.
خلال السعي نحو فهم ودراسة التنمية السياسية واجه علماء السياسية إشكالية العلاقة بين التنمية
السياسية والتحديث السياسي ، وقد ساد الاعتقاد بأن المفهومين متطابقين ، وأن التنمية السياسية
هي مظهر من مظاهر التحديث ، حتى جاء الاعتراض من قبل " صمويل هنتغتون " سنة
1965 وضرورة التمييز بين التنمية السياسية والتحديث السياسي .
ب التحديث السياسي : إن هدف التحديث السياسي هو تنمية قدرات المؤسسات الحكومية
لزيادة فاعليتها ورفع مستوى أدائها حتى تتمكن من انجاز الواجبات الملقاة على عاتقها وعليه
يمكن تحديد ثلاث سمات لتحديث السياسي .
1 تعزيز سلطة الدولة المرآزية مع اضعاف نفوذ مصادر السلطات التقليدية القبلية والأسرية
.
2 دعم صلاحيات التخصصية في المؤسسات السياسية لتحديد المهام والأدوار .
3 زيادة نطاق المشارآة الشعبية في العملية السياسية في إطار التنسيق والتفاهم والاتصال بين
( المواطنين والنظام السياسي آكل ( 4
إن من أهم جوانب التحديث السياسي هو ما يتعلق بالتحولات الضرورية في الاتجاهات
الجماهير بهدف زيادة المشارآة والوعي السياسي وهذه المشارآة تبدأ في المؤسسات غير
الرسمية ، الأحزاب ، النقابات هذه المشارآة لابد من أن تسبقها زيادة فاعلية المؤسسات
السياسية الرسمية .
أن التحديث السياسي لا بد وأن يتمخض عن ظهور الرغبة في المشارآة السياسية لدى قطاعات
أوسع من المواطنين داخل المجتمع للوصول إلى الحداثة، سواء تمثل مظهر الحداثة في التحول
الديمقراطي أو الانتقال بالحياة السياسية إلى التعدد الحزبي
ج -المشارآة السياسية:
تعرف المشارآة السياسية بأنها: "تلك الأنشطة السياسية التي يشارك بمقتضاها أفراد
مجتمع ما في اختيار حكامه وفي صياغة السياسة العامة بشكل مباشر أو غبر مباشر، أي أنها
تعني اشتراك الفرد في مختلف مستويات النظام السياسي.
والمشارآة السياسية تعني، في أوسع معانيها، حق المواطن في أن يؤدي دورا معينا في
عملية صنع القرارات السياسية، وفي أضيق معانيها تعني حق ذلك المواطن في أن يراقب هذه
القرارات بالتقويم والضبط عقب صدورها من الحاآم.
ويميز "جلال عبد الله معوض"( 5)بين المشارآة والاهتمام والتفاعل أو التجاوب،
فالاهتمام يعني عدم السلبية، بحيث يشعر المواطن العادي أن الدولة والشؤون العامة والقرارات
السياسية ترتبط بحياته ووجوده الذاتي تأثيرا وتأثرا، وسواء أدى ذلك إلى استخدام حق معين في
عملية اتخاذ القرار السياسي أو لا، فإن الاهتمام يظل مفهوما مستقلا عن المشارآة.
أما التفاعل فإنه يعني التجاوب، بحيث ينسى المواطن ذاته في نطاق الوجود السياسي،
هذا التفاعل يشكل حلقة تتوسط الاهتمام والمشارآة، فالاهتمام قد يؤدي إلى التفاعل، وآذلك
المشارآة تفرضه.
وتكون عملية المشارآة السياسية من خلال نشاطات سياسية مباشرة آأن يتقلد الفرد
منصبا سياسيا أو يحظى بعضوية حزب. أو يقوم بترشيح نفسه للانتخابات أو يكتفي بمجرد
التصويت أو مناقشة القضايا العامة والاشتراك في الحملات السياسية. آما يمكن أن يحقق
المشارآة من خلال نشاطات سياسية غبر مباشرة آأن يقتصر الفرد على مجرد المعرفة
( والوقوف على المسائل والقضايا العامة ( 6
آما تعد المشارآة السياسية العصب الحيوي للممارسة الديمقراطية وقوامها الأساسي،
والتعبير العملي الصريح لسيادة قيم الحرية والعدالة والمساواة في المجتمع. آما أنها تعد فوق
هذا وذلك مؤشرا قويا الدلالة على مدى تطور أو تخلف المجتمع ونظامه السياسي.
ب. درجات المشارآة السياسية:
وللمشارآة السياسية درجات اتفق عليها بصفة خاصة آل من هربرت ماآلوسكي
وفيربا وناي وروش، وهذه الدرجات هي:
1. تقلد المنصب السياسي.
2. السعي لشغل منصب سياسي أو إداري.
3. العضوية النشطة في تنظيم سياسي.
4. العضوية العادية في تنظيم سياسي.
5. العضوية النشطة في شبه تنظيم سياسي.
6. العضوية العادية في شبه تنظيم سياسي.
7. المشارآة في الاجتماعات السياسية العامة.
8. المشارآة في المناقشات السياسية غير الرسمية.
9. الاهتمام العام بالأمور السياسية.
10 .التصويت.
F. Christopher فالمشارآة السياسية حسب آل من آريستوفر أرترتون
في "آتاب المشارآة السياسية" لا تقتصر فقط Halan Hahn وهالان هان Arterton.
على التصويت في الانتخابات ولكنها تشمل الأعمال والأنشطة والمساعي آافة التي تدخل في
نطاق العملية السياسية بالمعنى الأوسع، والهادفة إلى التأثير على فئة أو طبقة أصحاب النفوذ أو
السلطة، ومثال ذلك الاتصالات مع المسئولين في الحكومة، والمشارآة في تمويل الحملات
الانتخابية، ومناقشة القضايا العامة، وحضور الاجتماعات السياسية، ومحاولة إقناع الآخرين
بتأييد مرشح معين، والعمل في إطار نشاط الأحزاب السياسية، والحصول على عضوية
المنظمات أو التنظيمات السياسية، هذا بالطبع إلى جانب التصويت في العملية الانتخابية.
آذلك فمن أظهر التعريفات التي قدمت للمشارآة السياسية ذلك التعريف "أنها مجموعة
التصرفات الإرادية التي تستهدف التأثير في عملية صنع السياسات العامة، وإدارة شؤون
المجتمع، وآذا تلك التي يتم من خلالها اختيار القيادات السياسية على آافة المستويات الحكومية
من قومية ومحلية وذلك بغض النظر عما إذا آانت هذه التصرفات منظمة أو غير منظمة،
( مؤقتة أو مستمرة، مشروعة أو غير مشروعة، وسواء نجحت في بلوغ غاياتها أو لم تنجح"( 7
إن مفهوم المشارآة السياسية حسب التعاريف السابقة فهي تشمل جميع العمليات
السياسية التي من خلالها تنقل الجماهير مطالبها إلى الصفوة الحاآمة بتأثير في سلوآها عن
(الأحزاب السياسية).
تتجلى أهمية المشارآة السياسية في أنها الآلية الأساسية في إرساء البناء المؤسسي
للدولة والتحديث السياسي)، من تخلف المؤسسات السياسية وعجزها عن تلبية مطالب الفئات
الجديدة وطموحاتها وعدم مواآبتها للتغيرات السياسية والاجتماعية، ومن ثمة تفقد شرعيتها،
وآما حدد "هنتجتون" أن هناك علاقة بين المشارآة السياسية والمؤسسات السياسية، فهو يرى
أن استقرار النظم السياسية من عدمه يتحدد من خلال طبيعة العلاقة بين المتغيرين، فالمشارآة
السياسية هي نتاج العمليات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالتحديث، وتأثير التحديث على
الاستقرار السياسي ينعكس من خلال التفاعل بين التعبئة الاجتماعية والاقتصادية وبين الإحباط
( الاجتماعي وفرض الحرآة السياسية، وبين المشارآة السياسية والمؤسسة السياسية( 8
وتتجلى مساهمة الشعب في المشارآة السياسية من خلال أفراد أو جماعات ضمن نظام
ديمقراطي فهم آأفراد يمكنهم أن يساهموا في الحياة السياسية آناخبين أو عناصر نشطة سياسيا،
أما آجماعات فمن خلال العمل الجماعي آأعضاء في منظمات مجتمعية أو نقابات عملية.
د.دور المشارآة السياسية في التنمية السياسية:
تعرف التنمية على أنها توحيد جهود جميع المواطنين مع الجهود الحكومية لتحسين
الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للجماهير، وربطهم بظروف مجتمعهم
ونمط الحياة فيه، وتمكينهم من المساهمة فى تحقيق التقدم والرقى لمجتمعهم.
وبالتالي هناك ارتباط وثيق وتأثير متبادل بين المشارآة والتنمية حيث تتيح التنمية فرصاً اآبر
لتوسيع مجالات المشارآة، آما تخلق الحافز للمشارآة. فى الوقت الذى تسمح المشارآة
بممارسة الجماهير ضغوطاً على صانع القرار لاتخاذ سياسات لصالح قضايا التنمية..
ولا شك أن الحكومات خاصة في الدول النامية لديها الكثير من المسئوليات الكبرى على
المستوى الوطني، وعليها أعباء آثيرة والتزامات نحو المجتمع، وذلك للتوسع في خطط وبرامج
التنمية الشاملة وفى مقابل ذلك يبقى على الجماهير واجب أن تتحمل بعض الأعباء عن
الحكومة، وأن تجند آل طاقاتها وخبراتها لمساندة الحكومة. وأن تسعى قدر استطاعتها للمشارآة
ثانيا. أزمة المشارآة السياسية في الجزائر.
ا- مفهوم أزمة المشارآة: وهي تشير إلى تدني معدلات مشارآة الجماهير في الحياة السياسية
نظرا للجوء الصفوة إلي وضع العراقيل أمام المتطلعين إلي المشارآة من جهة ، وشيوع
الأمية واستشراء الفقر في صفوف أبناء الشعب . وتصبح المشارآة السياسية أزمة من أزمات
التنمية السياسية” عندما تأخذ جماعات جديدة بالمطالبة بإشراآها في الحكم على نحو أو آخر.
وفي الوقت نفسه تنطوي على أزمة شرعية وتشكل تهديدا لمرآز الجماعة الحاآمة وعلى
الأخص إذا بدت هذه الأخيرة لا تستجيب إلى مطالب القوى الصاعدة ولا ريب ان آل ما يؤدي
إلى تغيير المجتمع ماديا آالتصنيع والتكنولوجيا أو إعادة النظر في النظم الزراعية وغير ذلك
يؤدي إلى تصاعد جماعات اجتماعية تطالب بإشراآها في الحكم.
واستنادا إلى ما تقدم فان المشارآة السياسية تصبح أزمة في حالات هي:
-1 ظهور جماعات تطالب بإشراآها في الحكم.
-2 عدم استجابة الجماعة الحاآمة إلى مطالب القوى الاجتماعية الصاعدة.
تنبع أزمة المشارآة السياسية من عجز النظام عن سد الاحتياجات المتعلقة بالمشارآة السياسية
لجزء آبير من أبناء المجتمع، ولا تعزو هذه الأزمة لسبب بعينه بل أن هناك العديد من العوامل
والتي تتداخل لتشكل هذه الأزمة وهي في حقيقية الأمر جزء من حلقة متصلة يبعضها من
الأزمات التي تعاني منها آثير من الدول وخصوصا في الواقع العربي، مثل أزمة الشرعية ،
وأزمة الهوية ، وأزمة التوزيع ، وأزمة التدخل ، وأزمة التكامل ، فظهور أزمة من هذه
الأزمات لا يعني أنها بعينها الأزمة الموجودة في هذه البلد أو ذاك بل أن وجودها يعني أن هذا
النظام به العديد من الأزمات، بعبارة أخرى أن آل أزمة تؤدي إلى أزمة أو أزمات متتابعة أو
متزامنة مع بعضها البعض.
وهناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور أزمة المشارآة منها :
- عدم وجود وسائل إعلام محايدة . بل نجد أن آثيراً من وسائل الإعلام وخصوصا في
المجتمع العربي محتكرة من قبل السلطة ، وأن ما يطرح على المجتمع إنما هو انعكاس لرغبات
السلطة السياسية التي تتأثر غالباً بنوعية الرسالة الإعلامية المراد تلقينها للمجتمع ، وهي في
الغالب رسالة ذات اتجاه واحد وليس نتيجة للتفاعل بين الأطراف المختلفة في المجتمع بما فيهم
الحاآم والمحكوم ، وبالتالي تظل الرسالة الإعلامية الموجهة عاجزة عن أداء دور حقيقي يسهم
في بناء التنمية والمشارآة السياسية آجزء من هذه التنمية الشاملة.
- أسلوب التنشئة السياسية.
- حداثة التجارب الديمقراطية
- هشاشة أو غياب المؤسسات التنظيمية الفاعلة.
- الموروث الثقيل.
- الضعف الكامن في الأمة.
- استئثار فئة قليلة في المجتمع في إدارة عجلة التنمية في المجتمع والاقتصادية منها على وجه
الخصوص.
ب -أزمة المشارآة السياسية في الجزائر عهد الحزب الواحد:
تمثلت أزمة المشارآة السياسية في الجزائر من خلال عجز المؤسسات السياسية عن
استيعاب القوى السياسية والاجتماعية، فقد رافق حكم الحزب الواحد إقصاء للحريات الفردية
والجماعية،
و برزت رغبة النخب الحاآمة في عدم إشراك القوى الأخرى ،ذات التوجه السياسي
وممارسة النزعة الإقصائية ضدها واحتكارها الكامل للتمثيل في إطار سياسة تعبوية تفتقر إلى
المشارآة، ولذلك فقد اقتصرت رؤية حزب جبهة التحرير بالنسبة إلى المشارآة بمعنى التعبئة
السياسية، التي تأخذ شكل التأييد والحشد والمساندة لبعض القرارات دون الإسهام الحقيقي في
صنعها نتيجة لضعف الحزب، وعدم قدرته على تمكين مختلف القوى من التعبير عن مصالحها
ومطالبها، وبالتالي افتقاد وجود قنوات شرعية أخرى.
إن الجزائر وقبل التحول إلى التعددية الحزبية في 1989 لم تكن تمتلك أية تقاليد أو
ميراثا يفصح عن مشارآة سياسية حقيقية، فالمفهوم السائد هو التعبئة وليس المشارآة، آما أن
الساحة السياسية آانت مغلقة تماما أمام الجبهة التي تسيطر عليها العناصر العسكرية المتعددة
والتكنوقراط، ( 9)وعلى الرغم من التطور الذي شهدته الجزائر في تكوين الجمعيات خلال
السبعينيات، إلا أن النظام السياسي بقي مفتقدا ذلك النضج المؤسسي الذي يجعل من الديمقراطية
قيمة عليا تحكم حياة المجتمع، ولم يبدأ النظام الجديد بالتحول إلا متأخرا، حيث سعى إلى إعلان
1988 في / 1987 الذي فسح المجال لإنشاء الجمعيات، والذي عدل بمرسوم 66 / قانون رقم 5
فبراير ونص على دراسة طلب اعتماد الجمعية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الإيداع،مع السماح
للسلطة بإبداء التحفظات على برامجها إذا آانت تتعارض مع القوانين المعمول بها.
استمر النمط التعبوي للمشارآة لفترة طويلة وتحديداً منذ عام 1962 وحتى عام 1989
مع الأخذ بنظر الاعتبار إن الرئيس الأسبق “ الشاذلي بن جديد” قد أعطى هامشاً محسوباً لحرية
التعبير وتكوين النقابات، ولكن مع استمرار ذلك النمط من المشارآة السياسية آيف تعامل النظام
السياسي مع محاولات الجماعات الصاعدة الرامية إلى تحقيق مطالبها؟ تلك مسألة ارتبطت
بالوضع الاقتصادي في الجزائر لان المتعارف عليه انه في ظل الوفرة لا يمكن الحديث عن
أزمة مشارآة، أو لم تكن حادة أو مهددة للنظام السياسي. وفي حالة الجزائر لم تظهر أزمة
المشارآة بصورة جدية طالما ان عوائد النفط أدت إلى الوفرة، لكن طرحت نفسها آازمة وعانى
منها النظام السياسي مع تدني عوائد النفط وتدهور الوضع الاقتصادي.
ج-المشارآة السياسية بعد التحول الديمقراطي:
يظهر اهتمام النظام السياسي بالمشارآة السياسية من خلال وضع صيغ دستورية و قانونية
تمس المشارآة السياسية وحقوق الانسان ( 10 ) آالاعتراف بالتعددية الحزبية والسياسية:
حيث نصت المادة ( 40 ) من دستور 1989 على "حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي
معترف به.
11 المؤرخ في 05 - تدعم هذا الانفتاح السياسي باتجاه التعددية بصدور القانون رقم 89
جويلية 1989 ، الخاص بالجمعيات ذات الطابع السياسي الذي حدد المبادئ والشروط اللازمة
لتأسيس هذه الجمعيات السياسية، وقواعد عملها، وتمويلها وإيقافها
خصص دستور 1989 فصلا مرآزيا هاما للحقوق والحريات، لأنه يتحدث عن ضمانات
واعترافات هي جوهر الديمقراطية ذاتها، فقد نص على أن "الحريات الأساسية وحقوق الإنسان
والمواطن مضمونة" (المادة 35 ) "وحرية الإبداع الفني والعلمي" (المادة 36 )، "حرية التعبير
.( وتأسيس الجمعيات وعقد الاجتماعات" (المادة 39
.( - حق تولي الوظائف النيابية (المادة 47
.( - حق تولي الوظائف العامة (المادة 48
. اعترف الدستور بحرية التعبير/ المادة 39 / ثم دعمها بقانون الإعلام الصادر في 23 أفريل
1990 فتدعم الإعلام العمومي بإصدارات جديدة (النهار، العقيدة، العناب، الأوراس ...)،
ونشأة الصحف الخاصة.
الاعتراف بتأسيس الجمعيات غير السياسية، المادة " 32 "، وبصدور قانون 4 ديسمبر 1990
والمتعلق بالجمعيات أدى إلى حدوث انفجار فريد من نوعه للظاهرة الجمعوية من حيث عددها
وتنوع مواضيعها ومجالات تدخلها وآذا الفئات الاجتماعية التي تنشطها
د مظاهر أزمة المشارآة في الجزائر:
- غياب التطابق بين المبادئ الإيديولوجية والمواقف والبرامج والنصوص القانونية مع
الممارسات السياسية الملموسة التي صاحبها تفشي الفساد الإداري والسياسي.
مشارآة شكلية موسمية غير فعالة من قبل القوي السياسية حيث لا تظهر الأحزاب إلا أثناء
العملية الانتخابية بهدف تأدية أدوار معينة أم الحصول على الريع الانتخابي
المشارآة السياسية اتخذت شكل التعبئة بغرض خلق مساندة دون أن تعبر عن مشارآة حقيقية
نابعة من اهتمام بما تجري في المجتمع السياسي .
الحفاظ على الوضع القائم سواء في المؤسسات غير الرسمية آالأحزاب والجمعيات وغياب
التداول على السلطة في حياتها الداخلية أو في المؤسسات الرسمية، بقاء نفس الأشخاص
والسياسات.
- عزوف الشباب عن الانضمام للأحزاب السياسية، حيث يلاحظ سيطرة الشيوخ على المناصب
القيادية، وبالتالي غياب التجديد والحيوية لتحريك العمل السياسي.
-عدم المشارآة في الانتخابات الطلابية ( ضعف الإقبال على ممارسة).
ضعف المشارآة في أوجه النشاط الاجتماعي الاخري وفي المجالات غير السياسية للحياة
الاجتماعية ذلك أن مثل هذه المشارآة تؤثر في اتجاهات الأفراد نحو النظام السياسي والعملية
السياسية .
- ضعف الحراك الاجتماعي وعزوف المثقفين
-المقاطعة الانتخابية
- ثالثا.الانتخابات التشريعية – دراسة في السلوك الانتخابي-
شهدت الانتخابات التشريعية التعددية الرابعة 17 ماي 2007 في الجزائر الكثير من
الظواهر السياسية التي ستتناولها الدراسة بالتحليل علي اعتبار أن الانتخابات هي احدي
الآليات الرئيسية في عملية الإصلاح السياسي و التحول الديمقراطي ,ومؤشر لتحديد العلاقة بين
الدولة والمجتمع تضفي الشرعية علي المؤسسات السياسية وتفرض التداول علي السلطة
بالطرق السلمية وتجدد النخبة الحاآمة , آما طرحت الانتخابات الأخيرة العديد من التساؤلات
المهمة :لمادا ظهرت الحملة الانتخابية باردة فاطره؟
ما سبب العزوف عن المشارآة الانتخابية و التجمعات الحزبية؟
- هل غيرت الانتخابات من الخريطة السياسية واستبدلت النخبة الحاآمة, وأعطت الفرصة
للجيل الجديد لتولي المناصب السياسية والمشارآة في صنع القرار ورسم السياسات العامة؟
الظواهر السياسية الأساسية :
1.ظاهرة المنشقين عن الأحزاب السياسية:
واجهت الأحزاب السياسية أثناء وبعد إعداد ترتيب القوائم الانتخابية سلسلة من
الاحتجاجات والاستقالات والتمردات، حيث لجئ أعضاء أحزاب إلى دخول الانتخابات في شكل
قوائم مستقلة حرة والبعض الآخر فضل أحزاب أخرى وفي مراآز ورتب أحسن في قوائم
جديد. يمكن تفسير هذه العضوية المتحرآة وظاهرة الانشقاق إلى ضعف الالتزام الحزبي
وإخفاق الأحزاب في التوغل داخل المجتمع بالإضافة إلى غياب الديمقراطية في الحياة الداخلية
للأحزاب.
2.تدخل المال في العملية الانتخابية:
لعب المال في الانتخابات البرلمانية الجزائرية دورا أساسيا في التأثير سلبا على
العمليات الانتخابية سواء من حيث تقديم رشاوى لرؤساء مكاتب الأحزاب السياسية من طرف
بعض رجال المال والأعمال حتى يكونوا في المراتب الأولى لقوائم الأحزاب في الانتخابات.أو
لشراء الأصوات أثناء عملية التصويت، والسؤال المطروح لماذا يفكر "المقاولون أو رجال
المال" في الترشح آنائب مشرع هل هو حامل لمشروع تغيير وأفكار تساهم في حلول ناجعة
لمشاآل الجماهير؟ لا شك في أن الهدف الرئيسي لبعض الأثرياء ورجال الأعمال الذين
ينخرطون في مثل هذه الأساليب هو الحصول على الحصانة البرلمانية وتوظيفها آمشروع
استثماري يدر على صاحبه الكثير من المكاسب.
3.الحملة الانتخابية إن الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية لسنة 2007 بالرغم من
توفير الوسائل والإمكانات إلا أنها تميزت ببرودة شعبية وعدم التجاوب الجماهيري معها، حيث
عجزت الأحزاب السياسية عن تحرك الرأي العام وتعبئته وإضفاء نوع من الديناميكية على
العملية الانتخابية, مما أدى إلى إلغاء العديد من التجمعات والندوات, هذا العزوف يرجع إلى
غياب برنامج سياسي معقول وحقيقي تسوقه الأحزاب إلى الجماهير , فجميع الأحزاب تقريبا بما
فيها أحزاب التحالف والأحزاب الصغيرة تبنت برامج رئيس الجمهورية وتنازلت عن برامجها
الحزبية.
4. اختيار المرشحين في البرلمان الجزائري:. تميزت عملية ضبط القوائم بحضور العامل
التقليدي (النزعة القبلية، العروش) في انتقاء المرشحين للترشح للانتخابات التشريعية خاصة في
ولايات الشرق الجزائري ومنطقة الهضاب العليا (الجلفة)، والعروشية تنتشر في منطقة الوسط
(الهضاب العليا) والجنوب وهي ظاهرة سوسيولوجي وثقافية آما تدخلت عوامل أخرى في
ترتيب المرشحين آالمال، الذي وظف بشكل واسع من قبل رجال الإعمال في هذه الانتخابات
ومعيار التوازن الجهوي، والمنصب الحكومي، حيث ترشح على رأس القوائم الانتخابية 19
وزيرا
5.ضعف مشارآة تمثيل المرأة في الانتخابات: يلاحظ في هذه الانتخابات هو ضعف
تمثيل المرأة الجزائرية في الترشيح أو التمثيل في المجلس وهذا رغم المكانة التي تحظى بها
المرأة في المجتمع الجزائري من حيث التعليم ونسبة المتحصلين على مستوى جامعي عالي،
حيث تحسنت نسبة تمدرس البنات في الجزائر وبلغت 66.12 % مقابل 65.85 % في أوساط
الذآور، المستوى الثانوية 29.6 % للنساء مقابل 20.20 % للرجال ألا أن مؤشر المشارآة
السياسية للمرأة الجزائرية لا يزال ضعيفا مقارنة بالبلدان العربية والأفريقية التي لا تتوفر على
نفس الكفاءات بالقدر المتوفر للجزائر.
يبقى حجم التمثيل السنوي في البرلمان الجزائري بغرفتيه ضعيف، ففي المجلس الشعبي
الوطني الذي يضم 368 نائبا لا يتعدد عدد النساء 29 ، أما في مجلس الأمة فلا يتعدد عددهن 4
.% نساء مقابل 140 نائب وهو ما يمثل 2.87
6.العزوف عن المشارآة في الانتخابات:
35,65 بالمئة, فمن بلغت نسبة المشارآة في الانتخابات التشريعية 2007
, مجموع 18 مليون و 760 الف و 400 ناخب ,لم يصوت سوء 6 مليون و 687 ألف و 838
وأثناء عملية الفرز تم إلغاء 961 الف و 751 ورقة انتخابية, وبالتالي بلغ عدد الأصوات المعبر
عنها 5 ملايين و 726 ألف و 87 صوت اي حوالى 12 مليون قاطعوا الانتخابات.
تجدر الإشارة أن هذه هي ادني نسبة مشارآة منذ الاستقلال. هذه الأرقام والنسب تعتبر
ترجمة حقيقية لظاهرة عزوف الجزائريين عن المشارآة الانتخابية هذه الظاهرة من ميزة
المواطن الساآن في المدن الكبرى ومنطقة القبائل، قد توسعت إلى مناطق آانت مشهورة بقوة
مشارآتها في مناطق الشرق والغرب، بما فيها الهضاب العليا، فقد سجلنا خلال تشريعيات
2007 ثلاثة عشر ولاية تم فيها تسجيل نسبة مشارآة في الانتخابات، أقل من المعدل الوطني،
آما هو مبين في الجدول.
( جدول رقم ( 1
الولاية نسبة المشارآة
تيزي وزو 16,14
بجاية 17,77
الجزائر العاصمة 18,41
بومرداس 23,96
قسنطينة 25,26
البليدة 26,81
جيجل 27,30
البويرة 28,28
وهران 31,40
باتنة 32,52
سطيف 34،24
غليزان 34,92
الشلف 35,03
الولايات الأقل مشارآة في الانتخابات (أقل من معدل المشارآة الوطني)
- تفسير السلوك الانتخابي: يعتبر التصويت أداة في يد المواطن للرقابة والمشارآة والتأثير،
فالناخب له القدرة أن يمنح صوته أو يمنعه عن المرشحين وفقا لأدائهم وآفاءتهم في التعبير عن
مصالحهم وبالتالي فإن المرشح الذي يرغب في إعادة انتخابه من جديد عادة ما ينظر إلى الدور
الرقابي للتصويت، وقدرة الناخب في إبقاءه أو عزله عن منصبه,آذلك يكشف الإقبال أو عدم
الإقبال على صناديق الانتخابات عن موقف الناخب من العملية الانتخابية ومدى إدراآه لأهميتها
وعزمه على المشارآة أو عدم المشارآة فيها.
يعتبر الامتناع آذلك موقفا سياسيا يحمل رسائل ودلالات سياسية آبرى , هذه الظاهرة
تزداد عند الشباب وسكان المدن والنساء والمتعلمين, تجد تفسيرها في فقدان الثقة في الانتخابات
آوسيلة في التعيير عن الإرادة الشعبية وفي التغيير, هذا بالإضافة إلى تقديم صورة عن
الانتخابات في جميع مراحلها ومستويات تحضيرها, على أنها في الأساس عملية ترمي للإبقاء
علي نظام الحكم القائم ( فضلا عن ضعف أداء البرلمان في الحياة السياسية، حيث (لم يعبر
عن اهتمام الرأي العام ولم يمارس الرقابة والمساءلة والمعارضة البرلمانية وسادت ظاهرة
التغيب عن الجلسات), فشل النظام الحزبي بكل توجهات في أداء وظائفه نتيجة الأزمات
والصراعات الداخلية التي عاشتها الأحزاب السياسية. بالإضافة إلى عوامل نفسية اجتماعية
يعيشها المواطن الجزائري آإلإحباط.
( جدول رقم ( 2
عدد الناخبين المسجلين 18.760.400
عدد المصوتين 6.687.838
% نسبة المشارآة 35.65
عدد الاوراق الملغية 961.751
عدد الاصوات المعبر عنها 5.726.087
السلوك الانتخابي بالأرقام
يمكن تحديد المعوقات التي تحول دون مشارآة الجزائر يبين في العملية السياسية وفي
الانتخابات إلى
1 عدم التطابق بين الممارسات السياسية والقواعد القانونية والنصوص الدستورية ، فعند
استقراء دستور 1989 ، دستور 1996 ، خاصة المواد التي تمس المشارآة السياسية ، نلاحظ
أن هناك تبني لعملية المشارآة الشعبية من خلال إقرارها المساواة بين المواطنين في الفرض
السياسية ، وان السيادة الوطنية ملك للشعب يمارس من خلال البرلمان .
لكن عند تحليل الواقع نرى أن عملية اتخاذ القرار وترآيز السلطة بيد السلطة التنفيذية وأن
البرلمان ليس له وزن أو تأثير في الحياة السياسية الجزائرية.
2 ضعف التنظيمات السياسية الوسطية من أحزاب وجمعيات أهلية وهيئات وتجليات هذا
الضعف في الأزمات الداخلية التي تشهدها الأحزاب الجزائرية (الانشقاقات ،العضوية المتحرآة
، عمومية البرامج ).