منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#51977
تجربة مجلس التعاون الخليجي صيغة فريدة
مع إيماننا بان تجربة مجلس التعاون الخليجي هي صيغة فريدة، أي أنها نهج سلوكي يتفق والطبيعة الخاصة لشعوب ودول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه يجدر بنا أن نستعرض بالتحليل الموضوعي تجربة مجلس التعاون الخليجي ما لها وما عليها.
لا شك إن قيام مجلس التعاون الخليجي هو نتاج مجموعة من العوامل المحلية والإقليمية والدولية، والتي أدت مجتمعة إلى إنشائه، كما أن الدول الأعضاء قد استفادت من تلك العوامل بل ومن خلالها حققت أهداف إستراتيجية. بمعنى أن الهدف من قيام المجلس لم يقتصر على توجهات محدودة، بل إن الهدف الاستراتيجي للمجلس يتمحور حول الجبهات السياسية والاقتصادية والمنية والعسكرية. وكلها تشكل محاور جوهرية لقيام المجلس ونجاح المجلس بل واستمراريته بفاعلية مرهون بمدى السيطرة والتحكم في مسار تلك الأهداف الاستراتيجية.
ومع أن المجلس في سبيل تحقيق أهدافه تلك قد أتبع سياسة المرحلية والتدرج والبعد عن التغيير الانفعالي، ومع أن هناك حجماً لا بأس به من الإنجاز الذي تحقق وبشكل خاص في النواحي الاقتصادية إلا أن ذلك لا ينفي أن المجلس ينتظره الكثير لكي يصل إلى الهدف الاستراتيجي الذي وضعه المجلس وتنتظره شعوب دول المجلس. وهذا مما يحتم علينا مناقشة وإعادة طرح تقييم التجربة التعاونية ووضع أطر جديدة تساعد على الاحتفاظ بما تحقق من إنجازات والبحث في مسببات العوائق التي حالت دون تحقيق كامل الأهداف، وفي الوقت نفسه نستشرف المستقبل ودفع حركة التعاون إلى مرحلة متقدمة.
لا شك كذلك أن المجلس، ومن أجل تحقيق أهدافه الاستراتيجية، قد وضع أولويات للعمل الجماعي وفق مسار يحقق وبصورة تدريجية بناء القاعدة المشتركة، وضمان التفاعل المحقق لتلك القاعدة. فقد بدأ التعاون متجنباً ومستفيداً من أخطاء تجارب الآخرين، في التركيز على المجالات غير المعقدة (الاقتصادية والمالية) بل وأكد على محاولة تحقيق الحد الأدنى من هذه المجالات ومن ثم التحرك التدريجي المتنامي لمسيرة التعاون في هذا المجال، حيث أن التدرج، كما ذكرنا آنفاً، هو مبدأ هام في أعمال المجلس. أي أن التعاون بدأ بأبسط أشكاله لكي لا يصطدم بتعارض المصالح أو اختلاف وجهات النظر بين الدول الأعضاء مما قد يؤدي إلى إجهاض هذه التجربة في مهدها. وهذا التوجه فرض على الدول الأعضاء أن تبدأ بما اتفقت عليه وتأجيل ما اختلفت عليه، غلا أن ما تم تأجيله، ولكثرته، أصبح يهدد مسيرة التعاون. إن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة تعتبر بمثابة المؤشر بل النبراس الذي يفترض أن تستضيء به الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. حيث جاءت تلك الاتفاقية تعبيراً عملياً وامتداً لما يربط دول وشعوب المنطقة من علاقات قوية بل وراسخة رسوخ الجبال. غير إن النجاح والتعاون في المجالات الأكثر حساسية وتعقيداً يعتمد إلى حد كبير على مدى ما يتحقق في المجالات الأقل تعقيداً. لا شك إن ما تحقق من الناحية الاقتصادية كان كبيراً ولكن هذا لا يمنع من القول بأنه قد بقي أيضاً الكثير. لذلك فإن المجلس مطالب بالتحرك المتوازن الفعال المستمر الذي يراعي تحقيق الأهداف الموضوعة من خلال برنامج لأولويات التعاون في ما بين الدول الأعضاء.
أما على المستوى الأكثر تعقيداً وهو المستوى السياسي فإن قيام المجلس ما هو في الواقع إلا دليل على تحديد الهداف الكبرى والخطوط العريضة للعمل الجماعي بين الدول الأعضاء في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. إن الظروف التي تم فيها تأسيس المجلس، بدءاً بالتنافس الدولي في المنطقة والصراع العربي – الإسرائيلي والحرب العراقية الإيرانية لم تكن تساعد على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمجلس آنذاك إلا أن زوال تلك المؤثرات قد وضع المجلس في موقف قد يكون اختباراً له وفي الوقت نفسه حافزاً للدول الأعضاء في المضي قدماً في إعادة صياغة التصورات التعاونية الجادة بما يحقق الأهداف المطلوبة. وقد يكون هذا المناخ الجديد قد كشف عدم قدرة المجلس على إنجاز خططه المطروحة ومن ثم البقاء فقط كجهاز للتنسيق والتعاون فحسب.
إننا ومع حرصنا القوي على نجاح واستمرارية مجلس التعاون نرى أن التشاور الدبلوماسي المستمر بين دول المجلس ووحدة المواقف تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وإن كانت هذه جوهرية، إلا أنها لم تكن بالقدر الكافي لتحقيق الاستراتيجية السياسية التي تتطلع إليها شعوب دول المجلس، إن الاستراتيجية السياسية المأمولة تتمثل في تنسيق سياسي أكبر وتكامل سياسي أقوى والاستفادة من دروس وتجارب الآخرين السابقة ، الناجح منها وما هو غير ذلك، مما يؤدي حتماً إلى الوحدة السياسية الشاملة للدول الأعضاء.
باختصار لقد تجاوزنا مرحلة الجدل حول الأسباب التي أدت إلى قيام مجلس التعاون الخليجي، نظراً لأن المجلس أصبح حقيقة ثابتة لا تقبل الجدل .