- الأحد يوليو 01, 2012 4:44 pm
#51996
يتسم التشكيل القومى في أوروبا الغربية، والولايات المتحدة، أنه ظهر في مرحلة لم يكن هناك تشكيلات قومية (بالمعنى الحديث) في آسيا وإفريقيا، تتحداه حضاريًّا أو عسكريًّا. وانطلاقًا من نماذج إدراكية اختزالية تتسم بدرجة عالية من التجانس والتحدُّد تكاد تقترب من الانغلاق على الذات. ويلاحظ أن صياغة رؤية الجماعات القومية في غرب أوروبا لنفسها قد استغرق وقتًا طويلا جدًّا تم أثناءه صهر (أو إبادة) اعضاء الأقليات الإثنية التي لا تنتمى للأسطورة القومية. ثم ظهرت الإمبريالية، فزادت من تحدد الأسطورة ومن عدوانيتها وتجانسها وانغلاقها، وأضافت لها مقولات التفوق والنقاء العنصرى التي تختزل الآخر في عنصر واحد متدنى، حتى يمكن تحويله إلى مادة استعمالية. وحينما بدأت التشكيلات القومية في شرق أوروبا ووسطها أخذت طابعًا أكثر تطرفًا في صيغتها السلافية والجرمانية، حيث طرحت الفكرة القومية كانتماء عضوى يكاد يكون بيولوجيًّا. وقد تمت الثورة القومية في الغرب تحت راية الطبقة المتوسطة وقيمها، وبخاصة الملكية الفردية والعقد الاجتماعى، وهي قيم انطلقت من مفهوم أن الفرد (وليس المجتمع أو الجماعة) هي نقطة الانطلاق ووحدة التحليل، وقد تم تخيُّل المجتمع على نمط السوق، علاقات خارجية بين أفرادها جوهرها هو العرض والطلب، والبيع بأغلى الأسعار والشراء بأقلها. وقد انعكس ذلك على مفهوم الفن والفنان، حيث ظهرت الصورة ذات الإطار (بدلا من الرسوم على حوائط الكنائس) كشكل فنى أساسي، فهذه الصورة تعبِّر عن رؤية فنان فرد يعرض فنه الذي يقتنيه من يستطيع شراءه وحسب. وقد ترجم ذلك نفسه إلى رؤية للتاريخ تتسم بالتجانس والتحدد، تركز على أهمية ومركزية الغرب في العالم، وأهمية ومركزية كل ذات قومية ـ فمجَّد البريطانيون الذات البريطانية ومجد الألمان الذات الألمانية. وفى هذا الإطار ظهرت أسطورة الإنسان البدائى والإنسان غير المنطقى ولا عقلانية الشعوب المتخلفة. وعُزلت الحضارات بعضها عن البعض، وعُرِّف التاريخ بأنه ما هو مكتوب وحسب، ثم تم تقسيمه إلى فترات محدَّدة تتحرك نحو هدف حُدِّد مسبقًا يكون عادة هو تحقق الذات القومية الضيقة المتجانسة المحددة. ويصل هذا الاتجاه إلى ذروته (أو هوته) في الأسطورة النازية ثم بعد ذلك في الأسطورة الصهيونية، إذ إن كليهما مجَّد الذات القومية واستبعد الآخر تمامًا.