خارطة الطريق
مرسل: الاثنين يوليو 02, 2012 3:12 am
جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول (11/5/2003) إلى القدس والتقائه برئيس الوزراء الصهيوني (ارييل شارون) وأعضاء حكومته ومن ثم لقاءه بمحمود عباس (أبو مازن) رئيس الوزراء الفلسطيني في أريحا لتسليم الأطراف خارطة الطرق (الأمريكية المنشأ) بعد أن شهدت المنطقة العربية تحركات سياسية محمومة قبل وبعد الحرب الأنغلو -أمريكية على العراق كخطوة اعتبرت تتويجا لمخاض طويل بدا مع خطاب الرئيس الأمريكي (بوش الابن) في 24حزيران/يونيو 2002 الذي حدد الإطار العام لتسوية الصراع العربي الصهيوني بحيث يبدأ بتوفير الأمن والاعتراف السياسي بالكيان الصهيوني وينتهي بإقامة دولة فلسطينية والاعتراف عربيا بالدولة الفلسطينية ضمن حدود آمنة.
خلفيات ودوافع الإدارة الأمريكية لنشر خارطة الطرق
مما لا شك فيه أن نشر خارطة الطرق الآن وعرضها على الأطراف المعنية بعد ما يقارب العام على خطاب الرئيس الأمريكي بوش (24حزيران/يونيو2002) وبعدما شهدت المنطقة العربية أحداثا كثيرة أهمها الحرب على العراق يثير العديد من التساؤلات عن خلفيات ودوافع الإدارة الأمريكية للإعلان عن هذه الخارطة – التي تم تأجيل الإعلان عن ولادتها مرات عدة – في هذا الوقت بالذات ولعل مجريات الأحداث منذ 24/6/2002 تكشف عن عدة دوافع صهيونية أمريكية وراء نشر وإعلان خارطة الطرق الآن ومنها :
· محاولة الإدارة الأمريكية– يؤيدها في ذلك حكومة توني بلير – تحسين صورة الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا وإظهارها عربيا ً ودولياً بعدما شنتا حربا غير شرعية على العراق والتي أظهرت الولايات المتحدة كقوة استعمارية إمبريالية جديدة لا تحترم القانون الدولي أو الرأي العام العالمي
وتأتي هذه المحاولة من كون خارطة الطرق متبناة من الرباعية الدولية(الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا الاتحادية، الأمم المتحدة) أي أن الإدارة الأمريكية تحاول إعادة جَسر العلاقة مع أوروبا وروسيا من خلال التظاهر بالرضا عن الدور الأوروبي والروسي كشريك دولي في التصدي للمسائل الدولية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وهذا في حد ذاته يعتبر مدخلا تستثمره الولايات المتحدة في تليين المواقف الأوروبية والروسية الصينية المعارضة للمشروع الأمريكي المطروح في مجلس الأمن لرفع الحصار عن العراق، وإعطاء الإدارة الأمريكية وبريطانيا الدور المركزي في إدارة شؤون أموال العراق لحين تشكيل حكومة عراقية دائمة.
· اختيار انتهاء الحرب على العراق كتوقيت للإعلان عن خارطة الطريق إنما يعبر عن إرادة صهيو – أمريكية في استثمار تداعيات الحرب على العراق المتمثلة في التشتت العربي وحالة الإحباط التي عمت المنطقة للضغط على الأنظمة العربية لقبولها بالشروط الشارونية والأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي – الصهيوني، بعد أن تتراجع عن مواقفها في دعم المقاومة الفلسطينية والقبول بأجندة أمريكية طويلة تمس شؤونها الداخلية تحت ذريعة محاربة "الإرهاب".
· كما أن الإدارة الأمريكية بمشاركة الكيان الصهيوني تحاول من خلال خارطة الطريق استثمار العجز والضعف العربي لوقف المقاومة الفلسطينية ووأد انتفاضة الأقصى لفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني لإنقاذ الكيان الصهيوني من أزماته الحادة التي يعاني منها – بفعل المقاومة – والتي باتت تهدد حاضره ومستقبله، وهذا ما يتضح من مراحل خارطة الطريق الثلاث وبنودها الأمنية الملزمة للطرف الفلسطيني.
مواقف الدول الأطراف من خارطة الطريق
الموقف الفلسطيني:
ينقسم الموقف الفلسطيني إلى قسمين:
القسم الأول: السلطة الفلسطينية:
رحبت السلطة الفلسطينية على لسان رئيس السلطة (ياسر عرفات) كما على لسان رئيس وزرائها (أبو مازن) بخارطة الطرق، ظناً بأن الخطة قادرة على إعادة المسار السياسي التفاوض (الخيار اليتيم الذي تبنته السلطة الفلسطينية) على أمل إحراج الكيان الصهيوني أمام الرأي العام العالمي ودفعه إلى الانسحاب إلى حدود جغرافية نهائية لم تحدد بعد، وذلك بعد أن يتم ترميم الأجهزة، وأشكال مؤسسة حكومية تحفظ لمن هم على رأس السلطة الفلسطينية بروتوكولات شكلية ترضي بعض أصحاب المصالح الطبقية، ومن يولون الثقة للإدارة الأمريكية والعدالة الصهيونية، متذرعين بالواقعية (الانهزامية) المبنية على عجز وضعف النظام العربي الرسمي وهيمنة الإدارة الأمريكية على القرار الدولي.
القسم الثاني: الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة:
أبدت معظم قوى المقاومة (حماس، الجهاد، كتائب شهداء الأقصى، الجبهة الشعبية...) رفضها لخارطة الطرق كونها لا تعبر عن مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، بل إنها ببنودها الأمنية ستعمل على تقويض الانتفاضة وتجرد الشعب الفلسطيني من سلاح المقاومة (السلاح الأوحد بيده) وتشق صف الوحدة الوطنية بعد أن تتحول السلطة الفلسطينية بأجهزتها الأمنية لأداة قمع بإشراف صهيو - أمريكي لاعتقال وتجريم كل من يقاوم الاحتلال ويحمل سلاح المقاومة، الأمر الذي ينذر بقذف شرارة الفتنة في البيت الفلسطيني.
ولذلك أصرت معظم قوى المقاومة يؤيدها في ذلك غالبية الشعب الفلسطيني على استمرار المقاومة طالما الاحتلال قائماً (اظهر استطلاع للرأس أجراه المركز الفلسطيني للإعلام في القدس في منتصف نيسان / ابريل 2003 أن 75.3% من الشعب الفلسطيني يؤيدون استمرار الانتفاضة، وأن 64.6% يؤيدون استمرار العمليات العسكرية المقاومة بما فيها العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال وضد من يسمون بالمدنيين الصهاينة).
موقف الكيان الصهيوني:
بعد نشر خارطة الطريق وقيام وزير الخارجية الأمريكي "كولن باول" بزيارة الكيان الصهيوني، أكدت حكومة شارون على ضرورة إدخال (14) تعديلاً على الخارطة، فقد أعلن الكيان الصهيوني عشية اجتماع شارون – أبو مازن (17/5/2003م) أن الحكومة الصهيونية لن توافق على خارطة الطريق من دون (14) تعديلا عليها، كما أكد "سليفا شالوم" وزير خارجية الكيان أمام الصحفيين في لندن أن "إسرائيل" لديها (14) مساهمة تهدف إلى تعديل خارطة الطريق و إلا فإنني أخشى أن تكون الخارطة مثل كثير من المبادرات الفاشلة" .
وقد وافقت إدارة بوش على الأخذ بعين الاعتبار المطالب الصهيونية معلنة أنها تعالجها ( بشكل تام وجدي في التطبيق )، إلا أن كولين باول الذي أعلن ذلك في بيان مشترك مع مستشارة الأمن القومي الأمريكي كوندوليزا رايس ، حاول تطمين الدول العربية حينما قال إن واشنطن لن تدخل أي تعديلات على خارطة الطريق !
وفي ضوء التعهد الأمريكي العلني بالموافقة على الاشتراطات الصهيونية وتطبيقها عملياً والتي تعني جعل تطبيق الخطة متتالياً وليس متوازياً وتعطي لحكومة العدو كلمة الفصل في الاستمرار في مراحلها وفقاً لما تراه مناسباً لها ،فقد أعلن شارون أنه يوافق على الخطة وسيعرضها على حكومته للموافقة عليها .
وعلى الرغم من عدم موافقة الإدارة الأمريكية على مطلبي حكومة شارون بإلغاء موضوع حق العودة من المفاوضات وشطب البند الذي يتعلق بمبادرة السلام العربية في الخطة، إلا أن حكومة شارون تستطيع أن تستمر في التعذر بهذين البندين في عدم التقدم بالخطة باتجاه الحل النهائي سيما وأن الخطة فيها الكثير من الخطوات القابلة للتعثر والتعطيل بسبب ارتباطها بما يتحقق في الجانب الأمني.
المواقف العربية:
شهد الموقف العربي تباينات واضحة حيال خارطة الطريق:
فالموقف المصري : جاء مرحباً بالخارطة على أمل عودة مسار التسوية من جديد رغم إعراب مصر على لسان وزير خارجيتها (أحمد ماهر ) عن استنكارها لعدم موافقة شارون على الخطة.
والموقف المصري إنما ينسجم مع الرؤية المصرية لحل الصراع العربي – الصهيوني بالطرق السلمية أو الدبلوماسية في ظل الهيمنة الأمريكية والضغوط التي تمارس عليها..
أما الموقف السوري: فعلى الرغم من موقفه المعارض للخطة إلا أنه وفي ظل موجة الضغوط الأمريكية الشديدة والمستمرة اضطر إلى اتخاذ موقف غير محدد ينص على قبول بما يقبل به الشعب الفلسطيني و الإشارات المتكررة بأن سوريا ليست معنية بالخطة طالما أنها لا تعالج موضوع إنهاء الاحتلال الصهيوني لهضبة الجولان !
ولكن موقف لبنان، وهو الموقف الأقرب لحقيقة الموقف السوري، فقد أعلنه الرئيس لحود (16/5/2003م) أثناء زيارة "سولانا" منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: "بأنه من السابق لأوانه اتخاذ موقف رسمي من خارطة الطريق، خصوصاً وأن الخارطة – والقول للحود – ما زالت موضع جدل وتجاذب بين الأطراف المعنية بها مباشرة. ولعل أكثر ما يدفع الموقف اللبناني إلى التعامل مع هذه الخطة سلبياً هو تخوفه من تداعياتها السلبية على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين واحتمال اللجوء إلى توطينهم في بلدانهم مما يثير مشكلة طائفية جديدة في لبنان.
أما الموقف السعودي: فلم يتبلور بعد من خارطة الطريق – رغم موافقة السعودية للحلول السياسية بشكل عام على أساس الشرعية الدولية – حيث يتوقع أن يكون لعمليات التفجير التي تعرضت لها السعودية في عدة مراكز سكنية يقطنها غالبية أمريكية وأجنبية في الرياض في نفس اليوم الذي زار فيه "كولن باول" الرياض (13/5/2003م) آثار وتداعيات سلبية على الموقف السعودي الذي تكثفت الضغوط الأمريكية عليه بعد هذه الأحداث للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في التصدي للإرهاب وإبداء مواقف لينة تجاه الصراع العربي الصهيوني .
مستقبل خارطة الطريق والتسوية السياسية
رغم ما حظيت به خارطة الطريق الأمريكية من اهتمام مبالغ فيه أحياناً منذ (24/6/2003م) إلى الآن، ورغم اجتماع العديد من الدول وخاصة الرباعية للدفع بها إلى الأمام إلا أن مستوى نجاح هذه الخارطة في إعادة مسار التسوية يتضاءل يوماً بعد يوم لعدة عوامل، نذكر منها:
·أن خارطة الطريق ببنودها ومراحلها الثلاث تولي الأهمية لجانب الأمني الصهيوني على حساب الجوانب السياسية، كما أن الاستحقاقات ليست تبادلية متوازنة ومتكافئة، فهي في غالبيتها تقع على عاتق الجانب الفلسطيني رغم أنه الطرف الأضعف والفاقد لحقوقه، الأمر الذي يثير الشك والريبة في الخارطة وأهدافها ونوايا الإدارة الأمريكية.
·خارطة الطريق تكرر نفس الأخطاء والعيوب في اتفاقية أوسلو، حيث حصرت معظم الإجراءات في المرحلة الأولى والثانية بالإجراءات الأمنية وتركت للمرحلة الثالثة أهم المواضيع التي تهم الأطراف للتفاوض والاتفاق المتبادل على اللاجئين – يطالب شارون بعدم عودتهم كشرط مسبق لقبوله قيام دولة فلسطينية -، وعلى القدس، والحدود، والمستوطنات، مما يرجح القول إن الخارطة ستجرد الفلسطينيين من أسباب القوة (المقاومة)ومن ثم فرض الواقع المر والشروط الصهيونية على الفلسطينيين، مما يعني الدوران في حلقة المفاوضات المفرغة كما حدث في اتفاقية أوسلو وتوابعها.
· طبيعة خارطة الطريق الأمنية خاصة بعد التعديلات التي أدخلتها الإدارة الأمريكية عليها بطلب صهيوني ستحول الخارطة إلى أجندة أمنية، والسلطة الفلسطينية إلى محفل أمني لتطبيقها، الأمر الذي سيعقد الأوضاع وسيزيد من إحراج أبو مازن (رئيس الحكومة الفلسطينية) أمام الشعب الفلسطيني.
· توقيت نشر الإدارة الأمريكية لخارطة الطريق (بعد غزو العراق) يدل على نوايا غير حسنة لهذه الإدارة، حيث يبدو أنها ترغب في لعب دور مزدوج، أوله ممارسة دور تجميلي للدبلوماسية الأمريكية التي تشوهت دولياً بفعل غزو العراق والممارسات الإمبريالية على المستوى الدولي. ومن ناحية ثانية العمل على استخدام خارطة الطريق كذريعة لممارسة الضغوط على الفلسطينيين والدول العربية لوقف المقاومة المسماة في القاموس الأمريكي الحديث بـ "الإرهاب" تمهيداً لاستكمال المخطط الصهيو – أمريكي للسيطرة على المنطقة وليس العمل على حل الصراع وإعادة الحقوق لأصحابها، فرئيس الدبلوماسية الأمريكية "كولن باول" أثناء زيارته لفلسطين لم يمارس الضغط على شارون لدفعه لقبول خارطة الطريق بل التمس له العذر على مطالبته بتعديلات إضافية على الخارطة.
·من جانب آخر فإن حكومة أبو مازن التي تشكلت بطلب وضغط صهيو – أمريكي لا تلقى قبولاً لدى الشعب الفلسطيني حيث تزداد الشكوك في مهامها الأمنية هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن استحداث منصب رئيس الوزراء الفلسطيني والطلب الأمريكي بتعيين أبو مازن رئيساً للحكومة بقصد إضعاف عرفات أوجد شرخاً بين عرفات وأبو مازن، وما تقديم صائب عريقات (وزير المفاوضات) طلب استقالته من حكومة أبو مازن قبيل لقاء شارون – أبو مازن (17/5/2003م) إلا تعبيراً عن عمق الخلاف بين عرفات وأبو مازن، فصائب عريقات محسوب على عرفات، مما يعني ازدياد المصاعب أمام أبو مازن المطالب بتنفيذ استحقاقات خارطة الطريق الأمنية.
· والعامل الأهم في رجحان فشل تطبيق خارطة الطريق يتمثل في موقف قوى المقاومة والشعب الفلسطيني الرافض لخارطة الطريق والشاكّ في نوايا الإدارة الأمريكية.
فالشعب الفلسطيني في معظمه يصر على استمرار المقاومة والانتفاضة كخيار وطني قادر على نزع الحقوق من مغتصبيها برغم ارتفاع حجم التضحيات. وما العملية التي شهدتها مستوطنة في وسط الخليل (17/5/2003م) وكذلك العملية الاستشهادية في القدس بعيد اجتماع شارون – أبو مازن (18/5/2003م) والتي أوقعت سبعة قتلى صهاينة وجرح اثنان وعشرين، إلا دليل عملي على خيار الشعب الفلسطيني.
فالملاحظات التي سبقت تشير بوضوح لرجحان فشل خارطة الطريق في ظل استمرار التعنت الصهيوني وممارسة أقسى أنواع الإرهاب والقتل والتدمير والحصار والعقاب الجماعي ظناً من شارون - المقتنع والمؤمن فقط بالعنف – أنه قادر على كسر إرادة الفلسطينيين من التحرر من الاحتلال ومن ثم فرض شروطه عليهم خاصة وأن المنظومة العربية تمر بحالة ضعف والمنطقة تشهد هيمنة أمريكية منحازة للصهاينة الذين يتهيئون من الآن للابتزاز والتأثير على الإدارة الأمريكية بقيادة بوش الابن المرشح للانتخابات الرئاسية، بدءاً من النصف الثاني لهذا العام، الأمر الذي يعين ارتهان الإدارة الأمريكية بالإرادة الصهيونية.
ولكن رغم الهيمنة الأمريكية والتحكم الصهيوني بالإدارة الأمريكية - إلى حد ما – ورغم تشابه ظروف ومعطيات وتداعيات حرب الخليج الثانية في العام 1991م، وحرب الخليج الثالثة في العام 2003م من تمزيق للمنظومة العربية، وانتشار لحالة من الإحباط في العالم العربي، وازدياد الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وازدياد التصعيد الصهيوني، إلا أن الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة أصبح يمثل رافعة للعرب بإيمانه بخيار المقاومة والصمود الناتج عن وعي جماعي فلسطيني تشكل من خلال عمق التجربة النضالية، وانكشاف زيف أوسلو والمروجين لها، الأمر الذي شكل أساساً لقناعة الشعب الفلسطيني بخيار المقاومة والصمود ومناعة له من أن يُلدغ من جحر أوسلو مرتين، وإن اختلفت المسميات، وأُعيدَ توزيع الأدوار من جديد.
خلفيات ودوافع الإدارة الأمريكية لنشر خارطة الطرق
مما لا شك فيه أن نشر خارطة الطرق الآن وعرضها على الأطراف المعنية بعد ما يقارب العام على خطاب الرئيس الأمريكي بوش (24حزيران/يونيو2002) وبعدما شهدت المنطقة العربية أحداثا كثيرة أهمها الحرب على العراق يثير العديد من التساؤلات عن خلفيات ودوافع الإدارة الأمريكية للإعلان عن هذه الخارطة – التي تم تأجيل الإعلان عن ولادتها مرات عدة – في هذا الوقت بالذات ولعل مجريات الأحداث منذ 24/6/2002 تكشف عن عدة دوافع صهيونية أمريكية وراء نشر وإعلان خارطة الطرق الآن ومنها :
· محاولة الإدارة الأمريكية– يؤيدها في ذلك حكومة توني بلير – تحسين صورة الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا وإظهارها عربيا ً ودولياً بعدما شنتا حربا غير شرعية على العراق والتي أظهرت الولايات المتحدة كقوة استعمارية إمبريالية جديدة لا تحترم القانون الدولي أو الرأي العام العالمي
وتأتي هذه المحاولة من كون خارطة الطرق متبناة من الرباعية الدولية(الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا الاتحادية، الأمم المتحدة) أي أن الإدارة الأمريكية تحاول إعادة جَسر العلاقة مع أوروبا وروسيا من خلال التظاهر بالرضا عن الدور الأوروبي والروسي كشريك دولي في التصدي للمسائل الدولية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وهذا في حد ذاته يعتبر مدخلا تستثمره الولايات المتحدة في تليين المواقف الأوروبية والروسية الصينية المعارضة للمشروع الأمريكي المطروح في مجلس الأمن لرفع الحصار عن العراق، وإعطاء الإدارة الأمريكية وبريطانيا الدور المركزي في إدارة شؤون أموال العراق لحين تشكيل حكومة عراقية دائمة.
· اختيار انتهاء الحرب على العراق كتوقيت للإعلان عن خارطة الطريق إنما يعبر عن إرادة صهيو – أمريكية في استثمار تداعيات الحرب على العراق المتمثلة في التشتت العربي وحالة الإحباط التي عمت المنطقة للضغط على الأنظمة العربية لقبولها بالشروط الشارونية والأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي – الصهيوني، بعد أن تتراجع عن مواقفها في دعم المقاومة الفلسطينية والقبول بأجندة أمريكية طويلة تمس شؤونها الداخلية تحت ذريعة محاربة "الإرهاب".
· كما أن الإدارة الأمريكية بمشاركة الكيان الصهيوني تحاول من خلال خارطة الطريق استثمار العجز والضعف العربي لوقف المقاومة الفلسطينية ووأد انتفاضة الأقصى لفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني لإنقاذ الكيان الصهيوني من أزماته الحادة التي يعاني منها – بفعل المقاومة – والتي باتت تهدد حاضره ومستقبله، وهذا ما يتضح من مراحل خارطة الطريق الثلاث وبنودها الأمنية الملزمة للطرف الفلسطيني.
مواقف الدول الأطراف من خارطة الطريق
الموقف الفلسطيني:
ينقسم الموقف الفلسطيني إلى قسمين:
القسم الأول: السلطة الفلسطينية:
رحبت السلطة الفلسطينية على لسان رئيس السلطة (ياسر عرفات) كما على لسان رئيس وزرائها (أبو مازن) بخارطة الطرق، ظناً بأن الخطة قادرة على إعادة المسار السياسي التفاوض (الخيار اليتيم الذي تبنته السلطة الفلسطينية) على أمل إحراج الكيان الصهيوني أمام الرأي العام العالمي ودفعه إلى الانسحاب إلى حدود جغرافية نهائية لم تحدد بعد، وذلك بعد أن يتم ترميم الأجهزة، وأشكال مؤسسة حكومية تحفظ لمن هم على رأس السلطة الفلسطينية بروتوكولات شكلية ترضي بعض أصحاب المصالح الطبقية، ومن يولون الثقة للإدارة الأمريكية والعدالة الصهيونية، متذرعين بالواقعية (الانهزامية) المبنية على عجز وضعف النظام العربي الرسمي وهيمنة الإدارة الأمريكية على القرار الدولي.
القسم الثاني: الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة:
أبدت معظم قوى المقاومة (حماس، الجهاد، كتائب شهداء الأقصى، الجبهة الشعبية...) رفضها لخارطة الطرق كونها لا تعبر عن مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، بل إنها ببنودها الأمنية ستعمل على تقويض الانتفاضة وتجرد الشعب الفلسطيني من سلاح المقاومة (السلاح الأوحد بيده) وتشق صف الوحدة الوطنية بعد أن تتحول السلطة الفلسطينية بأجهزتها الأمنية لأداة قمع بإشراف صهيو - أمريكي لاعتقال وتجريم كل من يقاوم الاحتلال ويحمل سلاح المقاومة، الأمر الذي ينذر بقذف شرارة الفتنة في البيت الفلسطيني.
ولذلك أصرت معظم قوى المقاومة يؤيدها في ذلك غالبية الشعب الفلسطيني على استمرار المقاومة طالما الاحتلال قائماً (اظهر استطلاع للرأس أجراه المركز الفلسطيني للإعلام في القدس في منتصف نيسان / ابريل 2003 أن 75.3% من الشعب الفلسطيني يؤيدون استمرار الانتفاضة، وأن 64.6% يؤيدون استمرار العمليات العسكرية المقاومة بما فيها العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال وضد من يسمون بالمدنيين الصهاينة).
موقف الكيان الصهيوني:
بعد نشر خارطة الطريق وقيام وزير الخارجية الأمريكي "كولن باول" بزيارة الكيان الصهيوني، أكدت حكومة شارون على ضرورة إدخال (14) تعديلاً على الخارطة، فقد أعلن الكيان الصهيوني عشية اجتماع شارون – أبو مازن (17/5/2003م) أن الحكومة الصهيونية لن توافق على خارطة الطريق من دون (14) تعديلا عليها، كما أكد "سليفا شالوم" وزير خارجية الكيان أمام الصحفيين في لندن أن "إسرائيل" لديها (14) مساهمة تهدف إلى تعديل خارطة الطريق و إلا فإنني أخشى أن تكون الخارطة مثل كثير من المبادرات الفاشلة" .
وقد وافقت إدارة بوش على الأخذ بعين الاعتبار المطالب الصهيونية معلنة أنها تعالجها ( بشكل تام وجدي في التطبيق )، إلا أن كولين باول الذي أعلن ذلك في بيان مشترك مع مستشارة الأمن القومي الأمريكي كوندوليزا رايس ، حاول تطمين الدول العربية حينما قال إن واشنطن لن تدخل أي تعديلات على خارطة الطريق !
وفي ضوء التعهد الأمريكي العلني بالموافقة على الاشتراطات الصهيونية وتطبيقها عملياً والتي تعني جعل تطبيق الخطة متتالياً وليس متوازياً وتعطي لحكومة العدو كلمة الفصل في الاستمرار في مراحلها وفقاً لما تراه مناسباً لها ،فقد أعلن شارون أنه يوافق على الخطة وسيعرضها على حكومته للموافقة عليها .
وعلى الرغم من عدم موافقة الإدارة الأمريكية على مطلبي حكومة شارون بإلغاء موضوع حق العودة من المفاوضات وشطب البند الذي يتعلق بمبادرة السلام العربية في الخطة، إلا أن حكومة شارون تستطيع أن تستمر في التعذر بهذين البندين في عدم التقدم بالخطة باتجاه الحل النهائي سيما وأن الخطة فيها الكثير من الخطوات القابلة للتعثر والتعطيل بسبب ارتباطها بما يتحقق في الجانب الأمني.
المواقف العربية:
شهد الموقف العربي تباينات واضحة حيال خارطة الطريق:
فالموقف المصري : جاء مرحباً بالخارطة على أمل عودة مسار التسوية من جديد رغم إعراب مصر على لسان وزير خارجيتها (أحمد ماهر ) عن استنكارها لعدم موافقة شارون على الخطة.
والموقف المصري إنما ينسجم مع الرؤية المصرية لحل الصراع العربي – الصهيوني بالطرق السلمية أو الدبلوماسية في ظل الهيمنة الأمريكية والضغوط التي تمارس عليها..
أما الموقف السوري: فعلى الرغم من موقفه المعارض للخطة إلا أنه وفي ظل موجة الضغوط الأمريكية الشديدة والمستمرة اضطر إلى اتخاذ موقف غير محدد ينص على قبول بما يقبل به الشعب الفلسطيني و الإشارات المتكررة بأن سوريا ليست معنية بالخطة طالما أنها لا تعالج موضوع إنهاء الاحتلال الصهيوني لهضبة الجولان !
ولكن موقف لبنان، وهو الموقف الأقرب لحقيقة الموقف السوري، فقد أعلنه الرئيس لحود (16/5/2003م) أثناء زيارة "سولانا" منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: "بأنه من السابق لأوانه اتخاذ موقف رسمي من خارطة الطريق، خصوصاً وأن الخارطة – والقول للحود – ما زالت موضع جدل وتجاذب بين الأطراف المعنية بها مباشرة. ولعل أكثر ما يدفع الموقف اللبناني إلى التعامل مع هذه الخطة سلبياً هو تخوفه من تداعياتها السلبية على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين واحتمال اللجوء إلى توطينهم في بلدانهم مما يثير مشكلة طائفية جديدة في لبنان.
أما الموقف السعودي: فلم يتبلور بعد من خارطة الطريق – رغم موافقة السعودية للحلول السياسية بشكل عام على أساس الشرعية الدولية – حيث يتوقع أن يكون لعمليات التفجير التي تعرضت لها السعودية في عدة مراكز سكنية يقطنها غالبية أمريكية وأجنبية في الرياض في نفس اليوم الذي زار فيه "كولن باول" الرياض (13/5/2003م) آثار وتداعيات سلبية على الموقف السعودي الذي تكثفت الضغوط الأمريكية عليه بعد هذه الأحداث للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في التصدي للإرهاب وإبداء مواقف لينة تجاه الصراع العربي الصهيوني .
مستقبل خارطة الطريق والتسوية السياسية
رغم ما حظيت به خارطة الطريق الأمريكية من اهتمام مبالغ فيه أحياناً منذ (24/6/2003م) إلى الآن، ورغم اجتماع العديد من الدول وخاصة الرباعية للدفع بها إلى الأمام إلا أن مستوى نجاح هذه الخارطة في إعادة مسار التسوية يتضاءل يوماً بعد يوم لعدة عوامل، نذكر منها:
·أن خارطة الطريق ببنودها ومراحلها الثلاث تولي الأهمية لجانب الأمني الصهيوني على حساب الجوانب السياسية، كما أن الاستحقاقات ليست تبادلية متوازنة ومتكافئة، فهي في غالبيتها تقع على عاتق الجانب الفلسطيني رغم أنه الطرف الأضعف والفاقد لحقوقه، الأمر الذي يثير الشك والريبة في الخارطة وأهدافها ونوايا الإدارة الأمريكية.
·خارطة الطريق تكرر نفس الأخطاء والعيوب في اتفاقية أوسلو، حيث حصرت معظم الإجراءات في المرحلة الأولى والثانية بالإجراءات الأمنية وتركت للمرحلة الثالثة أهم المواضيع التي تهم الأطراف للتفاوض والاتفاق المتبادل على اللاجئين – يطالب شارون بعدم عودتهم كشرط مسبق لقبوله قيام دولة فلسطينية -، وعلى القدس، والحدود، والمستوطنات، مما يرجح القول إن الخارطة ستجرد الفلسطينيين من أسباب القوة (المقاومة)ومن ثم فرض الواقع المر والشروط الصهيونية على الفلسطينيين، مما يعني الدوران في حلقة المفاوضات المفرغة كما حدث في اتفاقية أوسلو وتوابعها.
· طبيعة خارطة الطريق الأمنية خاصة بعد التعديلات التي أدخلتها الإدارة الأمريكية عليها بطلب صهيوني ستحول الخارطة إلى أجندة أمنية، والسلطة الفلسطينية إلى محفل أمني لتطبيقها، الأمر الذي سيعقد الأوضاع وسيزيد من إحراج أبو مازن (رئيس الحكومة الفلسطينية) أمام الشعب الفلسطيني.
· توقيت نشر الإدارة الأمريكية لخارطة الطريق (بعد غزو العراق) يدل على نوايا غير حسنة لهذه الإدارة، حيث يبدو أنها ترغب في لعب دور مزدوج، أوله ممارسة دور تجميلي للدبلوماسية الأمريكية التي تشوهت دولياً بفعل غزو العراق والممارسات الإمبريالية على المستوى الدولي. ومن ناحية ثانية العمل على استخدام خارطة الطريق كذريعة لممارسة الضغوط على الفلسطينيين والدول العربية لوقف المقاومة المسماة في القاموس الأمريكي الحديث بـ "الإرهاب" تمهيداً لاستكمال المخطط الصهيو – أمريكي للسيطرة على المنطقة وليس العمل على حل الصراع وإعادة الحقوق لأصحابها، فرئيس الدبلوماسية الأمريكية "كولن باول" أثناء زيارته لفلسطين لم يمارس الضغط على شارون لدفعه لقبول خارطة الطريق بل التمس له العذر على مطالبته بتعديلات إضافية على الخارطة.
·من جانب آخر فإن حكومة أبو مازن التي تشكلت بطلب وضغط صهيو – أمريكي لا تلقى قبولاً لدى الشعب الفلسطيني حيث تزداد الشكوك في مهامها الأمنية هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن استحداث منصب رئيس الوزراء الفلسطيني والطلب الأمريكي بتعيين أبو مازن رئيساً للحكومة بقصد إضعاف عرفات أوجد شرخاً بين عرفات وأبو مازن، وما تقديم صائب عريقات (وزير المفاوضات) طلب استقالته من حكومة أبو مازن قبيل لقاء شارون – أبو مازن (17/5/2003م) إلا تعبيراً عن عمق الخلاف بين عرفات وأبو مازن، فصائب عريقات محسوب على عرفات، مما يعني ازدياد المصاعب أمام أبو مازن المطالب بتنفيذ استحقاقات خارطة الطريق الأمنية.
· والعامل الأهم في رجحان فشل تطبيق خارطة الطريق يتمثل في موقف قوى المقاومة والشعب الفلسطيني الرافض لخارطة الطريق والشاكّ في نوايا الإدارة الأمريكية.
فالشعب الفلسطيني في معظمه يصر على استمرار المقاومة والانتفاضة كخيار وطني قادر على نزع الحقوق من مغتصبيها برغم ارتفاع حجم التضحيات. وما العملية التي شهدتها مستوطنة في وسط الخليل (17/5/2003م) وكذلك العملية الاستشهادية في القدس بعيد اجتماع شارون – أبو مازن (18/5/2003م) والتي أوقعت سبعة قتلى صهاينة وجرح اثنان وعشرين، إلا دليل عملي على خيار الشعب الفلسطيني.
فالملاحظات التي سبقت تشير بوضوح لرجحان فشل خارطة الطريق في ظل استمرار التعنت الصهيوني وممارسة أقسى أنواع الإرهاب والقتل والتدمير والحصار والعقاب الجماعي ظناً من شارون - المقتنع والمؤمن فقط بالعنف – أنه قادر على كسر إرادة الفلسطينيين من التحرر من الاحتلال ومن ثم فرض شروطه عليهم خاصة وأن المنظومة العربية تمر بحالة ضعف والمنطقة تشهد هيمنة أمريكية منحازة للصهاينة الذين يتهيئون من الآن للابتزاز والتأثير على الإدارة الأمريكية بقيادة بوش الابن المرشح للانتخابات الرئاسية، بدءاً من النصف الثاني لهذا العام، الأمر الذي يعين ارتهان الإدارة الأمريكية بالإرادة الصهيونية.
ولكن رغم الهيمنة الأمريكية والتحكم الصهيوني بالإدارة الأمريكية - إلى حد ما – ورغم تشابه ظروف ومعطيات وتداعيات حرب الخليج الثانية في العام 1991م، وحرب الخليج الثالثة في العام 2003م من تمزيق للمنظومة العربية، وانتشار لحالة من الإحباط في العالم العربي، وازدياد الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وازدياد التصعيد الصهيوني، إلا أن الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة أصبح يمثل رافعة للعرب بإيمانه بخيار المقاومة والصمود الناتج عن وعي جماعي فلسطيني تشكل من خلال عمق التجربة النضالية، وانكشاف زيف أوسلو والمروجين لها، الأمر الذي شكل أساساً لقناعة الشعب الفلسطيني بخيار المقاومة والصمود ومناعة له من أن يُلدغ من جحر أوسلو مرتين، وإن اختلفت المسميات، وأُعيدَ توزيع الأدوار من جديد.