صفحة 1 من 1

الرئيس بين مشهدين‏:‏ التحرير والدستورية‏!

مرسل: الثلاثاء يوليو 03, 2012 3:32 pm
بواسطة فراس الشويرخ 36
هاني نسيرة
بداية تهنئتي للشعب المصري وللرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي على هذا العرس الديمقراطي، حيث اختار شعبه دون تزوير أو تزييف لإرادته‏,‏ في منافسة حامية بينكم وبين المرشح المنافس الفريق أحمد شفيق‏,‏ أتت لصالحكم دون فارق كبير‏.

مؤكدة نزاهة قضائية وعسكرية علينا أن نشكرها وأن نثمنها‏..‏ بعد أن شكك البعض فيها‏..!‏

تحدث الرئيس يوم الجمعة‏ 29‏ يونيو من ميدان التحرير فقاد الميدان وبيده الصولجان‏,‏ مؤكدًا أنه يستمد السلطة من هذا الميدان وأنه سيناضل بجماهيره من أجل صلاحيات كاملة وتسليم كامل للسلطة‏,‏ وأقسم قسمه أولاً أمامهم‏,‏ وكشف عن صدره مؤكداً أنه لا يخشي أحداً‏,‏ كان خطاباً عاطفياً وشعبوياً مؤثراً تابعه المصريون والعالم‏.‏

وفي اليوم الثاني التزم بالمراسم وأدى قسمه أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا في مشهد مهيب كذلك، مؤكداً احترام القانون والدستور وحماية النظام الجمهوري‏!‏

فارق ضئيل يمكن ملاحظته بين المشهدين أن الأول غدا جزءاً من كل‏,‏ فمصر لم تكن ولم تعد ميدان التحرير وحده‏,‏ بل صارت ميادين تحرير وآن لها أن تجمعها في ميدان واحد‏..‏ هو قلبك وعقلك وحكم رشيد‏!‏ يجيد الانتقال قبل الانتقام ويختط الاستنارة قبل الاستثارة‏,‏ أو كما قال حسن البنا يوماً حين اختلف الناس على طريقة أداء الآذان‏:‏ اتحادنا واجب والآذان سنة‏!‏

يظل الميدان مكانا يتغير آهلوه من وقت لآخر‏,‏ ففي وقت كان نجومه شباباً وفتيات من مختلف التيارات والائتلافات‏,‏ قاطعه البعض قليلاً ثم عادوا إليه وهكذا يقاطعه من يشاء ويعود‏,‏ كأي مكان هو لنا مادمنا نسيطر عليه أو نستأجره‏,‏ ولكن بعد أن نتركه لغيرنا لا شك أنه يصير لهم‏,‏ هكذا كانت جمعة قندهار غير جمعة وثيقة السلمي وهذه غير جمعة الدستور أو جمعة الحرائر قبلها بشهور‏!‏

وفي هذا المشهد المهيب حضر الرئيس وغاب الميدان رغم امتلائه‏,‏ لأنه لم يكن صوت سوى صدى صوته‏!‏ أما المشهد الثاني لقسم الرئيس أمام المحكمة الدستورية العليا فهو مشهد أكثر شرعية وأبقى‏,‏ لأنه حكم القانون الذي لا يمكن رده والإعلان الدستوري المكمل الذي صدر وعلينا جميعاً ـ وأولنا الرئيس ـ أن نحترمه‏..‏ كان القسم الرسمي والشعبي في آن حيث شاهده ملايين المصريين من الميدان ومن معارضيه على السواء‏..‏

أما ما جذبني وراقني فكانت كلمة الرئيس المنتخب والمتميزة في جامعة القاهرة أمام نخب المجتمع والجامعة‏,‏ وهي الكلمة الأفضل مطلقاً منذ أن تحدث الدكتور مرسي وسمعناه‏,‏ قبل الرئاسة وبعدها‏!‏ ففيها أرسل تطمينات للداخل والخارج كانت عميقة وقوية ومؤثرة‏,‏ من أهمها تأكيده‏‏ أن مصر لن تصدّر الثورة وفي هذا هو يقطع مع الخميني والنموذج الإيراني الذي قال بعد نجاح ثورته عام ‏1979‏ عقيدتنا الأولى تصدير الثورة، كما قطع مع خامنئي ونجاد في تأييده للثورة السورية ورفضها إراقة دماء شعبها النبيل وعدم وقوفها بجوار النظام السوري القمعي والمفترس لبراءة شعبه‏.‏

وثانيها حين تحدث عن علاقات عربية إيجابية تعني الحفاظ على الاستقرار والأمن القومي وعدم التدخل في شؤون الجيران‏,‏ وهو أمر مهم في ظل تخوف العديد من الدول العربية من رئيس مصر الجديد المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين والذي استقال من رئاسة حزب الحرية والعدالة ليبقى عضواً فيه ـ كما ذكر ـ حيث إن بهذه الدول تنظيمات تنتمي لفكر جماعة الإخوان وتتخوف من دعم الشقيقة الكبرى مصر لها في عصر الرئيس الجديد‏!‏ فكان هذا التطمين مهماً، كما أكد احترامه وتقديره لدور مؤسسات الدولة المجلس العسكري والقضاء المصري والشرطة‏!‏ ولم يغبن أحداً حقه‏!‏
من هؤلاء‏!‏ رأيته لأول مرة يقترب من صورة أردوغان والنموذج التركي في ابتعاده عن المشاكل مع الجيران ورفضه التدخل في شؤون الآخرين‏!‏ وهو نموذج تحتفظ فيه الدولة بهويتها العلمانية حسب الدستور وحسب ما أكد أردوغان حين زيارته لمصر في سبتمبر الماضي‏,‏ والجيش فيها يحمي هذه الثوابت‏!‏ وهو النموذج الذي وعدنا به أردوغان مصر ونظنه أهلاً له رغم الضغوط الشعبوية من قبل بعض من ناصروه في الرئاسة من السلفيين برفض وجود نائب قبطي أو امرأة له‏!‏

ورغم استمرار ارتباطه بالجماعة والحزب اللذين مازالا بحاجة قوية وواضحة لفصل الدعوي عن السياسي‏!‏ بعيداً عن صفات الصدق والدين والأخلاق التي أراها صفات فردية تخص أصحابها أكثر مما تخص فقه العقود‏,‏ فالدين واجبة كتابته وكذلك العقود‏,‏

أظن أن ثمة تحديين كبيرين أمام الرئيس‏:‏ أولهما هو قدرته على المواءمة بين الشرعية الدستورية والشرعية الشعبية‏..‏ فلا يصطدمان‏,‏ ولا يصطدم هو والدولة منهكة والشعب منهك بأي من مؤسسات الدولة الأخرى التي ننتظر أن يقويها لا أن يعاديها بدءاً من القضاء وحتى القوات المسلحة‏..‏ خاصة أن رجل الدولة غير رجل المعارضة وغير رجل الشارع‏,‏ وعليه أن يتذكر أن كثيراً من المستبدين قد سبقوا للشوارع وفتحوا صدورهم‏,‏ وهم أول من يغتالون شعوبهم مثل نجاد وشافيز والقذافي المقتول وصدام حسين وغيرهم‏!‏ وظني أن مرسي ابن أرض مصر الطيبة ليس كذلك وأكبر من ذلك‏!‏

وثانيهما وهو ما أتمناه سيادة الرئيس وأستودعه الله والضمير عندك‏..‏ المصالحة بين جميع المصريين‏,‏ من انتموا لمعارضتك ومن انتموا لموالاتك‏..‏ لتكون رئيساً يجمع ولا يطرح‏..‏ يقسم ولا يضرب‏..‏ يدخل علينا بالرحمة والحب والتوافق‏..‏ أن تكون رئيساً يجعل كل المصريين ينتمون اليه إخواناً وغير إخوان ثواراً وغير ثوار‏..‏ مصلحين ومن يحتاجون الصلاح‏..‏ هنا ستكون النهضة‏!‏ أما رذيلة الانتقام وغريزة التغالب والصراع فلن تبني إلا الكراهية‏!‏ التي نربأ بمصر ورئيسها عنها‏..