- الأحد يوليو 08, 2012 1:53 pm
#52258
لعله من المفيد هنا أن نؤكد، بأن أحد أهم العوامل التي أدت إلى سقوط الأمة الإسلامية في براثن الانحطاط الحضاري والسياسي - بعد صدر الإسلام- هو إعراضها وإهمالها لشئون الحكم والمجتمع، وتوجهها - بل غرقها- في الشعر والكلام والفقه والفلسفة، وكل الفضائل النظرية، والاهتمامات اللفظية، بتعبير أوضح؛ فإن المسلمين ابتعدوا عن الواقع والعمل على تصحيحه ليهتموا بعالم الأفكار والتصورات.
لقد تركوا أمر الحكم وإدارة المجتمع وصيانة أمنه ومستقبله، تركوا كل ذلك ليقع بأيدي أفراد وفئات، أقل ما يقال عنها أنها غير ذات كفاءة، وعديمة التقوى، ومنافقه، وذليلة، وهكذا أصبح الحكم وشئونه، والعمل السياسي وقضاياه - وعلى مر القرون من تاريخ الأمة- منافيينِ للفضيلة والتقوى، ومرتبطينِ بالقهر والتزوير والنفاق؛ ولذلك أصبح الناس - في عمومهم- يتجنبون التورط في السياسة والعمل السياسي.
إن من أخطر الانتكاسات في تاريخنا الإسلامي ابتعاد الفضلاء والطيبين والشرفاء عن الشئون السياسية، وتكالب السفهاء والأشرار والخونة عليها.
يومًا إثر آخر تزحف الدولة - من حيث هي مؤسسة سياسية- باتجاهنا، حتى أصبحت تشاركنا في بيوتنا، فصوتها مسموع يهدر عبر التلفاز والمذياع، وهي كاملة الحضور في كل حي من أحيائنا.
في سالف الأيام كان الحاكم - ملكًا كان أو أميرًا- يهتم فقط بجمع الضرائب من الرعية، وكانت القبائل والعشائر العربية ترسل له جنودًا لحراسة ثغوره، ولحماية عرشه، من المتمردين والطامعين، كان ذلك يرضي الملك الدولة، فيكفّ عن التدخل في تفاصيل حياة الناس، عموم الناس.
وكان التجار يجلبون البضائع، ويبيعونها بأسعار تحددها السوق، وكان الآباء يربون أولادهم ويؤدبونهم كما يشاءون، والقضاة يفصلون بين الناس بوحي من الضمير، ورجال الدين يدرسون في الحلقات والمساجد والدور، وكان الناس يعيشون على الفطرة والسليقة، وطبقًا للتقاليد الدينية والمحلية، ولم يكن هناك من داعٍ للتدخل في السياسة؛ لأنه ليس ثمة سياسة أو عمل سياسي.
أما اليوم فقد أختلف الأمر.. فسواء كانت الدولة شرقية أم غربية، فاشية أم شيوعية أم ديمقراطية سياسية، فإنها باتت تتحكم في كل صغيرة وكبيرة من شئون البلاد الدولةُ المعاصرة، باتت تتحكم - بشكل مباشر وغير مباشر- بحياة ومصير المواطن، منذ لحظة الولادة حتى لحظة الوفاة، كل حياة الإنسان، كل مسيرته - من الولادة إلى الموت- تحكمها قوانين الدولة، ومؤسسات الدولة، أي السياسة.
بمعنى آخر، باتت حياة الإنسان تابعة للسياسة، أي للدولة، حتى الدين؛ فإن الدولة العصرية تريد إخضاعه، وتوظيفه، وتحييده لصالح السياسات الرسمية، ولدعم الخط السياسي الرسمي؛ لذا أقول، وفي كل وضوح: إما أن يتحكم الدين ومقرراته بالسياسة، أي بالدولة، وإما أن تتحكم السياسة - أي الدولة- بالدين، إما هذا وإما ذلك، ولا أرى طريقًا آخر.
من أجل ذلك، نرى أن الدول - خاصة في منطقتنا العربية والإسلامية- تولي أهمامًا ظاهرًا بالشئون الدينية؛ من أجل توظيفها في مسارات تخدم - في النهاية- السياسات الرسمية؛ التي قد تكون في كثير من الأحيان مناقضة لجوهر الدين ومقصوده.
وبعد كل هذا، هل يحق لنا أن نقف من السياسة موقف الحياد أو الاعتزال؟، وهل يجوز لنا شرعًا أن نرى الظلم، وترويج الإلحاد، والفساد المتستر بالقوانين الرسمية، في الدولة العصرية ونسكت؛ بحجة أن ذلك من السياسة؟، لقد أصبحت مقتنعًا تمامًا، بأن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الانتكاسات في تاريخنا، هو ابتعاد الفضلاء والطيبين والشرفاء عن الشئون السياسية، وتكالب السفهاء والشرار والخونة عليها؛ فهل نصحح ما ارتكبتاه تحت شتى المبررات؟.
لو حاولنا أن نحدد مفهومنا للعمل السياسي لقلنا: إنه يتكون من ثلاثة عناصر: تنظيم + فكر + جماهير؛ فالعمل السياسي لا يمكن أن يكون جادًّا ومثمرًا ومستمرًّا إلا من خلال عمل تنظيمي، وعمل فكري، وفي وسط جماهير، تفاعل هذه المكونات الثلاثة هو الذي يؤدي إلى مركب العمل السياسي، بعد توفر هذه المكونات الأساسية تبقى مهمة توجيهها لتقوم بالآتي: تحديد علمي لمشاكل الجماهير، وطرح موضوعي للحلول، وقدرة علمية على مناقشة الاختيارات المتاحة، وقدرة حركية على تنظيم الجماهير (الرأي العامّ)، وتعبئة القوى وتحريكها لتنفيذ الحلول.
ويخطئ من يظن أن العمل السياسي هو التصدي فقط للقضايا ذات الصبغة السياسية المباشرة، كالحروب، والحركات السياسية، والأحزاب، وتأييد منظومة سياسية ضد أخرى، وإصدار بيانات الاستنكار والشجب ضد جهة معينة، أو إثر حادث محدد.
لقد تركوا أمر الحكم وإدارة المجتمع وصيانة أمنه ومستقبله، تركوا كل ذلك ليقع بأيدي أفراد وفئات، أقل ما يقال عنها أنها غير ذات كفاءة، وعديمة التقوى، ومنافقه، وذليلة، وهكذا أصبح الحكم وشئونه، والعمل السياسي وقضاياه - وعلى مر القرون من تاريخ الأمة- منافيينِ للفضيلة والتقوى، ومرتبطينِ بالقهر والتزوير والنفاق؛ ولذلك أصبح الناس - في عمومهم- يتجنبون التورط في السياسة والعمل السياسي.
إن من أخطر الانتكاسات في تاريخنا الإسلامي ابتعاد الفضلاء والطيبين والشرفاء عن الشئون السياسية، وتكالب السفهاء والأشرار والخونة عليها.
يومًا إثر آخر تزحف الدولة - من حيث هي مؤسسة سياسية- باتجاهنا، حتى أصبحت تشاركنا في بيوتنا، فصوتها مسموع يهدر عبر التلفاز والمذياع، وهي كاملة الحضور في كل حي من أحيائنا.
في سالف الأيام كان الحاكم - ملكًا كان أو أميرًا- يهتم فقط بجمع الضرائب من الرعية، وكانت القبائل والعشائر العربية ترسل له جنودًا لحراسة ثغوره، ولحماية عرشه، من المتمردين والطامعين، كان ذلك يرضي الملك الدولة، فيكفّ عن التدخل في تفاصيل حياة الناس، عموم الناس.
وكان التجار يجلبون البضائع، ويبيعونها بأسعار تحددها السوق، وكان الآباء يربون أولادهم ويؤدبونهم كما يشاءون، والقضاة يفصلون بين الناس بوحي من الضمير، ورجال الدين يدرسون في الحلقات والمساجد والدور، وكان الناس يعيشون على الفطرة والسليقة، وطبقًا للتقاليد الدينية والمحلية، ولم يكن هناك من داعٍ للتدخل في السياسة؛ لأنه ليس ثمة سياسة أو عمل سياسي.
أما اليوم فقد أختلف الأمر.. فسواء كانت الدولة شرقية أم غربية، فاشية أم شيوعية أم ديمقراطية سياسية، فإنها باتت تتحكم في كل صغيرة وكبيرة من شئون البلاد الدولةُ المعاصرة، باتت تتحكم - بشكل مباشر وغير مباشر- بحياة ومصير المواطن، منذ لحظة الولادة حتى لحظة الوفاة، كل حياة الإنسان، كل مسيرته - من الولادة إلى الموت- تحكمها قوانين الدولة، ومؤسسات الدولة، أي السياسة.
بمعنى آخر، باتت حياة الإنسان تابعة للسياسة، أي للدولة، حتى الدين؛ فإن الدولة العصرية تريد إخضاعه، وتوظيفه، وتحييده لصالح السياسات الرسمية، ولدعم الخط السياسي الرسمي؛ لذا أقول، وفي كل وضوح: إما أن يتحكم الدين ومقرراته بالسياسة، أي بالدولة، وإما أن تتحكم السياسة - أي الدولة- بالدين، إما هذا وإما ذلك، ولا أرى طريقًا آخر.
من أجل ذلك، نرى أن الدول - خاصة في منطقتنا العربية والإسلامية- تولي أهمامًا ظاهرًا بالشئون الدينية؛ من أجل توظيفها في مسارات تخدم - في النهاية- السياسات الرسمية؛ التي قد تكون في كثير من الأحيان مناقضة لجوهر الدين ومقصوده.
وبعد كل هذا، هل يحق لنا أن نقف من السياسة موقف الحياد أو الاعتزال؟، وهل يجوز لنا شرعًا أن نرى الظلم، وترويج الإلحاد، والفساد المتستر بالقوانين الرسمية، في الدولة العصرية ونسكت؛ بحجة أن ذلك من السياسة؟، لقد أصبحت مقتنعًا تمامًا، بأن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الانتكاسات في تاريخنا، هو ابتعاد الفضلاء والطيبين والشرفاء عن الشئون السياسية، وتكالب السفهاء والشرار والخونة عليها؛ فهل نصحح ما ارتكبتاه تحت شتى المبررات؟.
لو حاولنا أن نحدد مفهومنا للعمل السياسي لقلنا: إنه يتكون من ثلاثة عناصر: تنظيم + فكر + جماهير؛ فالعمل السياسي لا يمكن أن يكون جادًّا ومثمرًا ومستمرًّا إلا من خلال عمل تنظيمي، وعمل فكري، وفي وسط جماهير، تفاعل هذه المكونات الثلاثة هو الذي يؤدي إلى مركب العمل السياسي، بعد توفر هذه المكونات الأساسية تبقى مهمة توجيهها لتقوم بالآتي: تحديد علمي لمشاكل الجماهير، وطرح موضوعي للحلول، وقدرة علمية على مناقشة الاختيارات المتاحة، وقدرة حركية على تنظيم الجماهير (الرأي العامّ)، وتعبئة القوى وتحريكها لتنفيذ الحلول.
ويخطئ من يظن أن العمل السياسي هو التصدي فقط للقضايا ذات الصبغة السياسية المباشرة، كالحروب، والحركات السياسية، والأحزاب، وتأييد منظومة سياسية ضد أخرى، وإصدار بيانات الاستنكار والشجب ضد جهة معينة، أو إثر حادث محدد.