صفحة 1 من 1

علاقة السياسات الخارجية بعلم العلاقات الدولية ( تنمية سياسيه

مرسل: الأحد يوليو 08, 2012 1:59 pm
بواسطة محمد بن شاهين
علاقة السياسات الخارجية بعلم العلاقات الدولية
أن تناول علاقة السياسات الخارجية بعلم العلاقات الدولية يقتضى عدة أمور
1- تحديد المدلولات المختلفة لكلمة (سياسة)
2- التمييز بين مدلول كل من الفن والعلم.
3- تحديد طبيعة العلاقة بين السياسة الخارجية وعلم العلاقات الدولية.

1- تحديد المدلولات المختلفة بكلمة سياسة
إن عبارة السياسة الخارجية من الناحية اللفظية تتكون من كلمتين "السياسة" و "الخارجية" وحيث إن الأخيرة تشير إلى الطابع الخارجى فإن الأمر يتطلب منا التطرق إلى تحديد المقصود من اصطلاح "السياسة" الذى ننعتة تارة بالداخلية وتارة أخرى بالخارجية وفقاً لطبيعة الظاهرة التى يعبر عنها. ( [7])


أما عن مصطلح "سياسة" فى أى حقل يتضمن مجموعة من القرارات والمخرجات التى تمثل سلوك الفاعل، فالهدف من أى سياسة خارجية سواء تعليمية أو صحية مثلاً هو تحقيق استراتيجية معينة بدرجة معينة من الرشادة والعقلانية من خلال وضع مجموعة من الأهداف والوسائل اللازمة لتحقيقها. أذن السياسة الخارجية هى محاولة لتجميع نشاطات مختلفة التى تقوم بها الدولة أو أى فاعل أخر على مستوى السياسة الدولية. هى طريقة يعرف بها المجتمع نفسه فى مواجهة العالم الخارجى، بمعنى [طريقة لتعريف المجتمع بنفسه فى مواجهة غيره من المجتمعات الأخرى].
ولابد أن تتضمن القيمة التى يؤمن بها المجتمع معبره عنه من خلال الأهداف والوسائل المستخدمة لتحقيقها.( [8])
ومن بين التعريفات الشائعة لمفهوم السياسة ذلك الذى قدمه ديفيد ايستون
“Darid Easton” والذى يعرف السياسة بأنها: التوزيع السلطوى للقيم فى المجتمع. ويرى ايستون أن ندرة القيم هى السبب الذى يفتح دائرة التصادم أو الصراع فى المجتمع. (2)
أن مضمون تعريف ايستون للسياسة يدخل فى دائرة مضمون ودلالة ما قاله لاسويل. “Lesswell” بأن جوهر السياسة هى من يحصل على ماذا؟ ومتى؟ وكيف How؟ when؟ “whocets what
بمعنى أن جوهر السياسة يتضمن تخصيص القيم والموارد النادرة بين أفراد المجتمع من الحاجات المادية والمزايا المعنوية كالدخول والوظائف والمناصب والمكانه
الاجتماعية.(3)
غير أن هذا التمييز ليس له ما يقابله فى اللغة العربية حيث يتضح المدلول المقصود للفظة السياسة من السياق التى تأتى فيه.

2- التمييز بين مدلول كل من العلم والفن.
يقصد بلفظة العلم فى المدلول الاصطلاحى المعاصر ذلك الفرع من فروع المعرفة الذى يسلك الباحثون فيه منهجاً علمياً تجريبياً قوامه الانطلاق من ملاحظة الواقع لتصوير فروض أولية يفترض فيها أنها تعبر عن حقيقة ذلك الواقع المستهدف بالدراسة ثم اختيار صحة هذه الفروض الأولية عن طريق إعادة عرضها على الواقع المتباين زماناً ومكاناً عن طريق الترتيب (بالنسبة للعلوم الطبيعية) أو المقارنة (بالنسبة للعلوم الاجتماعية) فإذا ما تحققت صحة هذه الفروض الأولية عُدت فروضاً علمياً أى حقائق علمية أو قوانين علمية تتمتع بصفة الأطلاق (فى حالة العلوم الطبيعية التى تتعامل مع ظواهر طبيعية مادية لا مجال للارادة فيها) أو بصفة النسبية فى حالة العلوم الاجتماعية التى تختص بدراسة العلاقات بين الكائنات الواعية ذات الإرادة) (1).
أما الفن فيختص بالكشف عن قواعد العمل التى إن أتبعت جاء العمل على صورة أكثر اتقاناً، ومن تم يعنى الفن بعملية الاختيار أو المفاضلة بين الوسائل المختلفة (أو عملية ابتداع هذه الوسائل فى بعض الأحيان) بهدف اختيار أكثر هذه الوسائل فعالية، أى أن
تكفل القائم بالعمل على النحو الأكثر اتقاناً. ومن هنا فإن الفن يعنى بما يجب أن يكون عليه العمل(2).

3- طبيعية العلاقة بين السياسة الخارجية وعلم العلاقات الدولية.
يدور مفهوم العلاقات الدولية حول مجموعة التفاعلات التى تحدث بين وحدتين دوليتين أو أكثر، أى أن العلاقات الدولية هى تلك العملية التى تتفاعل فيه السياسات الخارجية، أما السياسة الخارجية فهى تنصرف إلى سياسة وحدة دولية واحدة، أى أن ظاهرة العلاقات الدولية تتضمن فى محصلتها مجموعة السياسات الخارجية للوحدات الدولية. أى أن العلاقات الدولية أوسع من ميدان السياسة الخارجية للوحدات الدولية، أى أن العلاقات الدولية أوسع من ميدان السياسة الخارجية وهذا ما يتفق مع رأى المنظر الفرنسى شارل زور
غبيب Charles Zorgbibe الذى يحاول أن يدرس العلاقات الدولية بواسطة السياسة الخارجية.( [9])
وهكذا، يمكن القول إن هناك اختلافاً، على المستوى النظرى، بين السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. غير أن ذلك لا ينفى وجود ترابط بين الظاهرتين، على مستوى الممارسة، حيث إن العلاقات الدولية هى فى التحليل النهائى مجموعة السياسات الخارجية فى فترة زمنية معينة أو بخصوص مشكلة معينة، وهذا ما يؤكد عليه حامد ربيع بالقول: (… السياسة الخارجية لا يمكن فصلها عما نسميه بنظرية العلاقات الدولية. السياسة الخارجية تعنى من حيث جوهرها القدرة والصلاحية على أن تجعل الآخرين ينفذون ذلك الذى تريده، هى بعبارة أخرى تطويع لإرادة الآخرين. وسواء كان ذلك التطويع ينبعث ويتحدد بالإكراه والخوف والرجعة أو كان يدور حول عملية إقناع واقتناع فإنه دائماً يتحدد بعامل نفسى وهو بهذا المعنى لا يعدو أن يكون صورة من صور السلوك السياسى مع خلاف فى القوى المحركة للسلوك ليست الفرد فى مواجهة الفرد وإنما الجماعة فى مواجهة الجماعات الأخرى. فقد يكون الاتصال من خلال الوحدات الميكروكزمية ولكن اللقاء والتعالق فى نهاية الأمر هو صدام بين وحدات كلية. هذه العملية أى هذا الصدام بالصراع أو بالاتفاق أو على الأقل بالتوفيق هو مانسميه بالعلاقات الدولية"( [10]).
إن الصلة بين السياسة الخارجية والعلاقات الدولية صلة وثيقة، ذلك لأن الأخيرة هى نتيجة للأولى، والسياسات الخارجية هى نتيجة لسياسات تسلكها وحدة دولية أو وحدات دولية تجاه الوحدات الدولية الأخرى.
بمعنى أنه ساد الاعتقاد لدى معظم الأفراد فى معظم الدول بصعوبة القبول بوجود السياسات الخارجية لدولهم تجاه الدول الأخرى، أما بالنسبة للمتخصصين فعلى الرغم من رسوخ مصطلح السياسة الخارجية إلا أنه أصبح محل شك أيضاً حيث أن مفاهيم مثل سيادة الدول واستقلال أصبحت محل هجوم فى العقود الأخيرة، ولذلك فإن فكرة أن لدى الدول نشاطات معينة للتعامل مع العالم الخارجى أصبحت محل جدال فالانقسام بين الداخل والخارج أو بين المحلى والخارجى. وكذلك أصبح محل تساؤل على المستويين المفاهيمى والسياسى. ( [11])
كما أن هناك بعض المحاولات لكسر تلك الفجوة بين الداخل والخارج من خلال طرح مصطلحات مثل : الاعتماد المتبادل والعولمة إلا أنه لا يوجد إجماع علمى حولهما. ومن ناحية أخرى هناك أشكال متعددة من التفاعل ورد الفعل القومى، ضد فكرة أن المجتمع يجب أن يقبل وجود حدود على حريته فى القيام بأية نشاطات على المستوى النسق الدولى، إذن الفجوة بين العامة والمتخصصين حول السياسة الخارجية أصبحت لها نتائج خطيرة حتى المثقفين أنفسهم انقسموا إلى :
1) المتخصصين "الأكاديميين" فى مجال معين فى دولة ما ويتحدثون بلغة الدبلوماسية العادية.
2) المثقفين من العامة : الذين يشعرون بالمسؤولية وضرورة التدخل فى القضايا الأخلاقية الأساسية للسياسة الخارجية.