صفحة 1 من 1

التنمية الاقتصادية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا..

مرسل: الاثنين يوليو 09, 2012 3:30 am
بواسطة سليمان المقبل36
أوهام التنمية
مع بزوغ فجر الأسواق المفتوحة التي لا تخضع لضوابط محددة، تنامت في الكثير من اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أوهام حول حقيقة التنمية الاقتصادية فيها، بسبب إغفال المقاييس الحقيقية التي يمكن أن تؤشر بوضوح إلى حجم الارتفاع أو الانحدار في مؤشرات النمو، فمؤشرات التنمية الاقتصادية الحقيقية تعني ارتفاع الرواتب، وزيادة الاستثمار الحكومي في الصحة والتعليم والبنية التحتية، وعودة أرباح التجارة والاستثمارات الأجنبية بالفائدة على الشركات المحلية والعاملين بها، وعدم تضخم قطاعات التمويل والتأمين والعقارات
في وقت سابق من العام الحالي قدمت «المجلة» مؤشر الفلافل كوسيلة لدراسة كيفية تأثير سياسة الاقتصاد الكلي على الحياة اليومية، حيث يقيس مؤشر الفلافل، الموضوع على نمط مؤشر بيغ ماك الذي قدمته صحيفة «ذي إيكونومست»، القوة الشرائية للعملات الوطنية بمقارنة أسعار ساندوتش الفلافل ذاته في الاقتصادات المختلفة في أنحاء الشرق الأوسط، ويقوم هذا المؤشر على نظرية الاقتصادي بول صامويلسون عن تكافؤ عامل السعر، التي تقول إن الاقتصاد العالمي يميل إلى تقارب أسعار السلع ذاتها على مدار الوقت.

وبغض النظر عن تأثير نظرية صامويلسون، فإن البيانات لا تؤيدها، بل توضح أن العالم يشهد بالفعل تباعدا في الأسعار، لا سيما بين الدول الأكثر غنى والأكثر فقرا. حيث لا يلقي المؤشر كثيرا من الضوء على المشكلات الحقيقية المتمثلة في انخفاض التنمية، في حين يتم في أغلب الأحيان إغفال مؤشرات تنمية اقتصادية أخرى أكثر فائدة في قياس التحديات الاقتصادية في المنطقة على مدار الأعوام الثلاثين الماضية.

اعتمد نموذج التنمية المنتشر في الدول الفقيرة على التجارة والأسواق الحرة مع تقليص دور الحكومة في الشؤون الاقتصادية، يشير هذا النموذج إلى أن الدول لا يجب أن تسعى بالتحول إلى الصناعة، ولكن التركيز على إنتاج عدد أقل من السلع التي يملكون من خلالها ميزة تنافسية في الأسواق العالمية، تعتمد هذه الاستراتيجية التنموية على نظرية اقتصادية كلاسيكية تتعلق بالميزة المقارنة، وتسببت على مدار 30 عاما في تقويض التنمية الاقتصادية بحبس العديد من الدول في هذا النموذج.
من جانب آخر تشير السجلات الاقتصادية للدول الصناعية الغنية، بما فيها دول شرق آسيا في الأعوام الخمسين الماضية، أن التنمية الناجحة تتطلب التحول من الاعتماد الحصري على الزراعة الأولية والصناعات الاستخراجية، إلى التصنيع والصناعات الخدمية ذات القيمة المضافة التي تتطور على مدار الوقت، هذا هو الطريق التقليدي نحو التنمية، ولكن في الأعوام الأخيرة، حل محل تلك المفاهيم الأساسية عن التنمية منهج السوق الحرة حديث الطراز.

تقدم اقتصادي
يمكن أن تكون نسبة التصنيع في إجمالي الناتج المحلي مؤشرا أكثر فائدة في قياس حجم التقدم الاقتصادي الفعلي في الشرق الأوسط، ونظرا لوجوب زيادة هذه النسبة مع مرور الوقت حيث تتنوع مصادر الاقتصاد وتتطور، لا يمكن أن توصف الدول التي لا تشهد ارتفاعا في تلك النسبة بالتقدم بالمعنى التقليدي.

ومن المؤسف أن العديد من الأدوات السياسية التي استخدمتها الدول الغنية في السابق من أجل التحول الصناعي تم حظرها في الأعوام الثلاثين الأخيرة، حيث اعتبرها منهج السوق الحرة تدخلا حكوميا غير مرغوب فيه، فمن بين تلك السياسات حماية التجارة والقروض المدعمة للشركات المحلية وسياسات تكنولوجية حكومية داعمة، وبذلك أسفر نموذج السوق الحرة المفروض على دول الشرق الأوسط في العقود الأخيرة عن غرق الشركات المحلية الصغيرة أو عملها منفردة دون دعم حكومي، في تناقض صارخ مع السياسات التي اتبعتها الدول التي تحولت إلى صناعية بنجاح.

مؤشر آخر مفيد لقياس التنمية هو نسبة الرواتب في إجمالي الناتج المحلي. في الوقت الذي تتحول فيه الدول إلى التصنيع والخدمات التي تقدم جودة أكبر بمرور الوقت، يجب أن تشكل الرواتب جزءا أكبر من إجمالي الناتج المحلي. إذا كانت الرواتب راكدة، أو – الأسوأ من ذلك – تنخفض بمرور الوقت، يجب أن يكون ذلك إنذارا بأن التنمية المهمة لا تتحقق، مثلما حدث في مصر حيث انخفضت نسبة الرواتب من 8.1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2001/ 2002 إلى 7.1 في المائة عام 2007/ 2008
كانت السمة البارزة لنموذج السوق الحرة الذي تبناه جمال مبارك وخبراؤه من التكنوقراط في مصر هو تحرير التجارة وقوانين الاستثمار الأجنبي، ليبدو الاقتصاد أكثر جذبا للمستثمرين الأجانب، ولكن من الممكن أن يتسبب تحرر التجارة قبل أوانه في تدمير الشركات الصغيرة المحلية التي لم تستعد بعد للمنافسة أمام الشركات العالمية، وهو كذلك لا يشبه النهج الذي اتبعته الدول التي تحولت إلى الصناعة بنجاح.

التجارة الحرة
أدى نموذج التجارة الحرة الرائج حاليا إلى ظهور فكرة تقول إن الدخول في أي صفقات تجارية، وفعل كل ما هو ضروري من أجل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر هدف في حد ذاته، ولكن إذا كانت التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر ليسا مصممين بوضوح من أجل مساعدة الشركات الأجنبية على الاستفادة من الآثار الإيجابية، ونقل التكنولوجيا، وتحسين مهارات القوى العاملة المحلية، فإنه من غير المرجح أن تدعم التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر عملية التنمية، كذلك من الإجراءات الأخرى المهمة ضمان حصول الشركات المحلية على درجة من الحماية التجارية المؤقتة، وأن تساعد سياسات التجارة والاستثمار الأجنبي الشركات المحلية.

من العوامل الأخرى الجديرة بالمتابعة مستويات الاستثمار الحكومي في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية من إجمالي الناتج المحلي، اقترح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أنه يجب على الدول تخفيض إنفاقها الحكومي على تلك المجالات من أجل الحفاظ على انخفاض عجز الموازنة ولكي يبدو اقتصادها أكثر جذبا للمستثمرين الأجانب، بينما توضح البيانات أن معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة تتدفق بالفعل إلى الدول ذات العمالة الماهرة التي تتمتع بالصحة وذات البنية التحتية الجيدة، وستسمح تلك الاستثمارات بتحقيق إنتاجية أكبر للشركات المحلية أيضا.

وهكذا من المهم للغاية ضمان ارتفاع نسبة الاستثمار الحكومي في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية في إجمالي الناتج القومي مع مرور الوقت.
وأخيرا، من المفيد رصد درجة ارتفاع نسبة قطاع التمويل والتأمين والعقارات في إجمالي الناتج المحلي.

على الرغم من أن التمويل يجب أن يلعب دورا مهما في دعم الاقتصاد الحقيقي (الذي يوفر فرص عمل وسلعا وخدمات حقيقية)، فإنه أثناء الأعوام الثلاثين الأخيرة من تحرير القطاع المالي تحول قطاع التمويل والتأمين والعقارات إلى كازينو هائل للمستثمرين الذين يفضلون السعي وراء عائدات المضاربة التي تفوق الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، ومن الممكن أن تتزامن زيادة نسبة قطاع التمويل والتأمين في إجمالي الناتج المحلي مع انخفاض فرص العمل والرواتب في الاقتصاد المنتج، وهي بذلك إنذار للمهتمين بنجاح تنمية الاقتصاد. وكما نعلم في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، من الضروري إعادة التنظيم المالي المناسب، بالإضافة إلى حوافز لتوجيه الاستثمار نحو فرص العمل الحقيقية.

يجب أن ينظر مواطنو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين يسعون إلى التنمية الاقتصادية نحو المؤشرات الأساسية لضمان وجود استراتيجيات صناعية واضحة وسياسات ضرورية لدعمها في بلادهم، تماما كما كانت تفعل الاقتصادات الصناعية. يجب أن يضمنوا ارتفاع الرواتب وزيادة الاستثمار الحكومي في الصحة والتعليم والبنية التحتية، وأن تفيد التجارة والاستثمارات الأجنبية الشركات المحلية والموظفين، وألا يكون قطاع التمويل والتأمين والعقارات متضخما.