- الثلاثاء يوليو 10, 2012 2:37 am
#52364
التنمية السياسية هي عملية تتضمن بناء المؤسسات وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وترشيد تولي السلطة لتحقيق الاستقرار السياسي من خلال تحديث النظام السياسي والتحول من النظم الشمولية إلى النظم الديمقراطية، فالتنمية السياسية تعني في أحد أبعادها مزيدا من المشاركة في العملية السياسية.
مفهوم التنمية
يعرف بعض الكتاب التنمية بأنها هي "عملية متصلة تتكون من مجموعة من التبدلات والتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية والتي تشارك في فعلها عبر تغذية عكسية متبادلة"، تعمل على تطوير قدرات الاقتصاد والمجتمع وتوفير الطاقات البشرية والموارد المادية والمالية لتعزيز وترشيد الإنتاج الاقتصادي، مما يسمح بالتالي بتوقير مستوى لائق من العيش للمواطنين في إطار من الأمن بشكل مطرد أو متصل(2)، التنمية من خلال هذا التعريف لم تقتصر على زيادة الدخل الفردي الحقيقي ورفع مستوى الرفاهية الاجتماعية للشعب وتقليل التفاوت الطبقي، وإنما أصبحت تعني التغيير الحضاري الذي يشمل مختلف نواحي الحياة المادية والمعنوية(3).
أي إن مفهوم التنمية لم يعد يقتصر على البعد الاقتصادي فقط، بل أضحى يتضمن أبعاداً أخرى اجتماعية وسياسية وثقافية، أي إنها عملية تغيير شاملة تستهدف القضاء على كل أنواع التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بتحسين المستوى المعاشي للشعب والقضاء على تخلفهُ واستغلاله، التنمية بذلك عملية ذات نظرة شمولية لكل عناصر البنية الاجتماعية، حيث تأخذ بالحسبان إن الإنسان هو غاية التنمية ووسيلتها، وإقامة مجتمع ديمقراطي موحد، ومن هنا يمكن القول بأن التنمية هي: عملية تغيير مستمرة ومتصاعدة وموجهة لتحقيق احتياجات المجتمع المادية وغير المادية. إن التنمية تهدف إلى تغيير شامل لجميع مكونات المجتمع المادية والثقافية.
وبناءً على ما تقدم وعند التصدي لتحديد مفهوم التنمية فإننا نجد، اتفاقاً بين الباحثين على إن التنمية هي عملية حضارية مدروسة ومخططة تهدف إلى إيجاد تحولات كبيرة، في القطاع الاقتصادي – الزراعي – الصناعي – الاجتماعي– والخدمي، وكذلك في الإطار السياسي(4)، وبعبارة أخرى إن التنمية تهدف إلى نقل المجتمع من حالة التخلف إلى حالة التقدم في جميع مجالات الحياة وتحقيق العيش السعيد للمواطنين، وتطوير الإنسان، وإنقاذه من حالة التخلف إلى حالة يمكن إن يساهم في عمليات البناء الشامل للمجتمع، وهذا الأمر بحاجة إلى وجود بلد مستقل ومحقق للوحدة الوطنية، وخالي من موضوع المشاكل العرقية والهويات الفرعية، ومتمتعة بقدر كافي من الاستقرار السياسي، إذ لا وجود للتنمية في ظل مجتمع تعاني وحدتهُ الوطنية من المشاكل وكثرة الانقلابات العسكرية، وما يقوم به النظام ضد أبناء الشعب في فرض القوانين الخاصة بمنع التجول وتشكيل المحاكم العسكرية والتغييرات الوزارية المستمرة وتطبيق الأحكام العرفية(5)، وذلك من أجل السيطرة على أعمال العنف التي تصدر من تلقاء ذلك، فالتنمية في الجانب السياسي في البلدان النامية، حيث تواجه معضلات ولاسيما ظاهرة عدم الاستقرار السياسي، وهذا ما يؤدي إلى تسخير كل الطاقات والجهود من أجل تثبيت أركان النظام القائم، وتدعيم حالة الاستقرار السياسي فيها(6)، لذلك فإن هذه البلدان، لم يكتب لها أن تعرف التنمية بالرغم من إنها غنية وتمتلك ثروات هائلة، حيث نلاحظ إنها تأتي في مراكز متدنية بالنسبة إلى دول العالم.
فالأنظمة السياسية التي تتمتع بنوع كاف من الاستقرار السياسي، هي تلك الأنظمة التي تمكنت من بناء آليات ومؤسسات تتيح أكبر قدر ممكن من الحراك الاجتماعي وتداول القوة الاقتصادية والسياسية بين أفراد المجتمع، لذلك فإن الديمقراطية التي ينادي بها أي نظام سياسي لا تقاس من خلال عدد الأحزاب التي أجيز لها أن تمارس العمل السياسي، وإنما من خلال التداول السلمي والفعلي للسلطة بين الجميع، وعبر الطبقات الاجتماعية المختلفة، مما يترتب على ذلك من آثار على المستوى الواقعي بحيث تتاح المشاركة الشعبية، وتكافؤ الفرص لكافة إفراد المجتمع دون تمييز(7).
إضافة إلى ذلك فأن الإقرار بمبدأ التعددية السياسية لا يعني وحده بأن الديمقراطية قد تحققت، فالديمقراطية تعني قبل كل شيء منع احتكار السلطة والثروة من قبل فريق واحد أو طائفة اجتماعية معينة، وبناء عليه ولكي تحقق التنمية أهدافها المذكورة، بشكل عام، وهدفها المتعلق بتعزيز فرص التلاحم الوطني، بين أعضاء الجماعة الوطنية، بشكل خاص، وبالذات الجماعات الوطنية المتشرذمة أو التي تتكون من جماعات عدة، فأن الضرورة تقتضي أن تكون هذه التنمية متوازنة في مضامينها وإبعادها وأهدافها وعلى النحو التالي(9).
يجب أن تكون التنمية شاملة في توجهاتها، أي لا ترتكز على جانب واحد دون الأخر، لذلك فهي تشمل جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
يجب أن تكون التنمية متوازنة في توجهاتها، بين المركز والمحيط، أي لاتركز على المراكز الرئيسية كالعاصمة أو المدن الكبرى فقط، وإنما يجب أن تتوزع بشكل عادل على مختلف المناطق في الدولة، في الريف والمدينة، وذلك لان أي خلل في التوزيع سوف يؤدي إلى خلل في بناء تحقيق الوحدة الوطنية(10)، حيث أن التفاعل بين الريف والمدينة مهم جدا في عملية تحقيق الاندماج القومي بين الجماعات الاثنية والعرقية المختلفة داخل الدولة، لان هذا التفاعل يؤدي إلى تعزيز فرص التكامل الوطني أو القومي، وهذا يتطلب اعتماد أسلوب التخطيط الإقليمي المتوازن الذي يكفل تنمية وتائر الإنتاج والخدمات وفقا إلى اعتماد موازنة مرسومة لكل الإقليم السياسي، والتي تقود إلى وحدة اقتصادية وأثنوغرافية(11).
أن عملية التنمية يجب أن تكون ذات طابع وطني أو قومي شامل، فالتنمية لايمكن "أن تحقق حركتها الفاعلة ما لم يكن هنالك استبدال للوحدات القرابية لتحل محلها الوحدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمهنية والمتخصصة الجديدة"(12).
يتضح مما تقدم أن التنمية غير المرسومة وغير المتوازنة بين الاقاليم سوف تؤدي إلى خلل كبير داخل الدولة نفسها ومن ثم ظهور حركات معارضة أو مناهضة للنظام السياسي، أو تقوم بالمطالبة بالانفصال عن الدولة الام، وخاصة في الاقاليم التي تعاني من أوضاع اقتصادية متدنية جدا.
التنمية السياسية
تعتبر التنمية السياسية من المفاهيم الحديثة، وبعداً أساسياً من أبعاد التنمية الشاملة، فالتنمية السياسية جزءاً من التنمية الشاملة انبثق منها وتفرع منها، ويعرفها الباحثون بأنها "هي تنمية قدرات الجماهير على إدراك مشكلاتهم بوضوح، وقدراتهم على تعبئة كل الإمكانات المتاحة لمواجهة هذه المشكلات بشكل عملي وواقعي، أو تنظيم الحياة السياسية ومتابعة أداء الوظائف السياسية في إطار الدولة، وتطوير النظم السياسية والممارسة السياسية لتصبح أكثر ديمقراطية في التعامل وأكثر إحراجاً لكرامة الإنسان ومطاليبه، هذا إلى جانب تمثل الجماهير لقيم الديمقراطية وتحقيق المساواة السياسية بين أبناء المجتمع"(13).
وينظر بعض الباحثين إلى إن التنمية السياسية هي عملية تتضمن بناء المؤسسات وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وترشيد تولي السلطة، بهدف تحقيق قسط من الاستقرار السياسي(14)، وهذا يدل على إن التنمية السياسية تهدف بصورة رئيسية إلى بناء النظام السياسي وإجراء عمليات التحديث عليهِ فيصير نظاماً عصرياً متطوراً، متحولاً بذلك من النظم الشمولية إلى النظم الديمقراطية، فالتنمية السياسية تعني في أحد أبعادها مزيد من المشاركة في العملية السياسية، بواسطة التكوينات الاجتماعية العديدة(15).
لذلك من الضروري أن تتركز الجهود على الارتقاء بعملية التنمية ومقوماتها الأساسية وهي:
التمايز: أي "التمايز في الأدوار والأبنية السياسية وهو ما يقتضي تعدد الأبنية ووضوح الأدوار بحيث يكون لكل بنيان أدوارهُ ووظائفهُ السياسية المحددة فلا تقتصر في هيئة واحدة، بالإضافة إلى ذلك فيجب القيام بأنواع جديدة من هذه البنية والأدوار كقيام الأحزاب السياسية وجماعات المصالح ووسائل الاتصال الجماهيري وغيرها"(16).
وفي حقيقة الأمر فان الدول التي قطعت شوطا طويلا في مجال التنمية السياسية لاتتميز بغياب الصراع، ولكن تميزها يكون في وجود آليات ومؤسسات لتنظيم الصراع من حيث أشكاله ومشاكله وكيفية معالجتها وحلها، وهكذا فإن المؤسسات تلعب دوراً كبيراً في البلدان المتقدمة، حيث إنها تقدم إطار للعملية السياسية، لهذا فإن النظام السياسي يتصف بالتخصص الوظيفي والتمايز وتوزيع الأدوار بين مختلف الأجهزة الحكومية وغير الحكومية، مثل الهيئات التنفيذية والمجالس التشريعية(17) والمؤسسات القضائية والأحزاب السياسية والنقابات وغيرها "وتنوع كبير من الوظائف التي تحقق إنجاز العمل السياسي" بقلة الأجهزة وتعددها وينقصها التخصص في العمل الوظيفي.
المساواة: أي يجب أن تسود في المجتمع أحكام وقواعد قانونية تتصف بالعمومية، وهذه القواعد تنطبق على جميع أفراد المجتمع دون استثناء بغض النظر على انتماءاتهم العرقية والمذهبية أو الإقليمية(19)، وعندما يكون هناك تولي للمناصب في المجتمع فيجب أن يكون على أساس الكفاءة والجدارة والتأهيل، وليس على اعتبارات ضيقة كالعلاقات الشخصية والقرابة والجاه وغيرها.
القدرة: وهي تعني تنمية قدرات النظام السياسي على معالجة المشاكل مثل الانقسامات والتوترات التي تحدث في المجتمع وكذلك تنمية قدرات النظام السياسي التنظيمية والعدالة التوزيعية وكذلك الإبداع والتكيف في مواجهة التغيرات المستمرة التي يمر بها المجتمع، أي قدرة النظام السياسي على تنظيم سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع وفقاً إلى القانون، واتخاذ القرارات الإلزامية التي تتعلق بتعبئة وتجميع الموارد البشرية والمادية وتوزيع القيم وفقاً لمبدأ المساواة ومقتضيات العدالة.
يتضح مما تقدم إن التعددية السياسية من المسائل الضرورية الملحة لكل بلد حر يعيش باستقلال ويسعى نحو بناء ديمقراطي وتكوين نظام سياسي جديد يستوعب كل القوى الوطنية والقومية، وإقامة مصالح جديدة قائمة على التوزيع العادل للثورات الوطنية والقيام بعملية البناء السياسي، وذلك عن طريق مشاركة جميع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع التي باستطاعتها المساهمة والمشاركة في عملية صنع القرار السياسي والحفاظ على عملية تداول السلطة سلميا، ولهذا فالتعددية السياسية تعتبر عنصرا مهما من عناصر وجود الديمقراطية وبناء الوحدة الوطنية.
مفهوم التنمية
يعرف بعض الكتاب التنمية بأنها هي "عملية متصلة تتكون من مجموعة من التبدلات والتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية والتي تشارك في فعلها عبر تغذية عكسية متبادلة"، تعمل على تطوير قدرات الاقتصاد والمجتمع وتوفير الطاقات البشرية والموارد المادية والمالية لتعزيز وترشيد الإنتاج الاقتصادي، مما يسمح بالتالي بتوقير مستوى لائق من العيش للمواطنين في إطار من الأمن بشكل مطرد أو متصل(2)، التنمية من خلال هذا التعريف لم تقتصر على زيادة الدخل الفردي الحقيقي ورفع مستوى الرفاهية الاجتماعية للشعب وتقليل التفاوت الطبقي، وإنما أصبحت تعني التغيير الحضاري الذي يشمل مختلف نواحي الحياة المادية والمعنوية(3).
أي إن مفهوم التنمية لم يعد يقتصر على البعد الاقتصادي فقط، بل أضحى يتضمن أبعاداً أخرى اجتماعية وسياسية وثقافية، أي إنها عملية تغيير شاملة تستهدف القضاء على كل أنواع التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بتحسين المستوى المعاشي للشعب والقضاء على تخلفهُ واستغلاله، التنمية بذلك عملية ذات نظرة شمولية لكل عناصر البنية الاجتماعية، حيث تأخذ بالحسبان إن الإنسان هو غاية التنمية ووسيلتها، وإقامة مجتمع ديمقراطي موحد، ومن هنا يمكن القول بأن التنمية هي: عملية تغيير مستمرة ومتصاعدة وموجهة لتحقيق احتياجات المجتمع المادية وغير المادية. إن التنمية تهدف إلى تغيير شامل لجميع مكونات المجتمع المادية والثقافية.
وبناءً على ما تقدم وعند التصدي لتحديد مفهوم التنمية فإننا نجد، اتفاقاً بين الباحثين على إن التنمية هي عملية حضارية مدروسة ومخططة تهدف إلى إيجاد تحولات كبيرة، في القطاع الاقتصادي – الزراعي – الصناعي – الاجتماعي– والخدمي، وكذلك في الإطار السياسي(4)، وبعبارة أخرى إن التنمية تهدف إلى نقل المجتمع من حالة التخلف إلى حالة التقدم في جميع مجالات الحياة وتحقيق العيش السعيد للمواطنين، وتطوير الإنسان، وإنقاذه من حالة التخلف إلى حالة يمكن إن يساهم في عمليات البناء الشامل للمجتمع، وهذا الأمر بحاجة إلى وجود بلد مستقل ومحقق للوحدة الوطنية، وخالي من موضوع المشاكل العرقية والهويات الفرعية، ومتمتعة بقدر كافي من الاستقرار السياسي، إذ لا وجود للتنمية في ظل مجتمع تعاني وحدتهُ الوطنية من المشاكل وكثرة الانقلابات العسكرية، وما يقوم به النظام ضد أبناء الشعب في فرض القوانين الخاصة بمنع التجول وتشكيل المحاكم العسكرية والتغييرات الوزارية المستمرة وتطبيق الأحكام العرفية(5)، وذلك من أجل السيطرة على أعمال العنف التي تصدر من تلقاء ذلك، فالتنمية في الجانب السياسي في البلدان النامية، حيث تواجه معضلات ولاسيما ظاهرة عدم الاستقرار السياسي، وهذا ما يؤدي إلى تسخير كل الطاقات والجهود من أجل تثبيت أركان النظام القائم، وتدعيم حالة الاستقرار السياسي فيها(6)، لذلك فإن هذه البلدان، لم يكتب لها أن تعرف التنمية بالرغم من إنها غنية وتمتلك ثروات هائلة، حيث نلاحظ إنها تأتي في مراكز متدنية بالنسبة إلى دول العالم.
فالأنظمة السياسية التي تتمتع بنوع كاف من الاستقرار السياسي، هي تلك الأنظمة التي تمكنت من بناء آليات ومؤسسات تتيح أكبر قدر ممكن من الحراك الاجتماعي وتداول القوة الاقتصادية والسياسية بين أفراد المجتمع، لذلك فإن الديمقراطية التي ينادي بها أي نظام سياسي لا تقاس من خلال عدد الأحزاب التي أجيز لها أن تمارس العمل السياسي، وإنما من خلال التداول السلمي والفعلي للسلطة بين الجميع، وعبر الطبقات الاجتماعية المختلفة، مما يترتب على ذلك من آثار على المستوى الواقعي بحيث تتاح المشاركة الشعبية، وتكافؤ الفرص لكافة إفراد المجتمع دون تمييز(7).
إضافة إلى ذلك فأن الإقرار بمبدأ التعددية السياسية لا يعني وحده بأن الديمقراطية قد تحققت، فالديمقراطية تعني قبل كل شيء منع احتكار السلطة والثروة من قبل فريق واحد أو طائفة اجتماعية معينة، وبناء عليه ولكي تحقق التنمية أهدافها المذكورة، بشكل عام، وهدفها المتعلق بتعزيز فرص التلاحم الوطني، بين أعضاء الجماعة الوطنية، بشكل خاص، وبالذات الجماعات الوطنية المتشرذمة أو التي تتكون من جماعات عدة، فأن الضرورة تقتضي أن تكون هذه التنمية متوازنة في مضامينها وإبعادها وأهدافها وعلى النحو التالي(9).
يجب أن تكون التنمية شاملة في توجهاتها، أي لا ترتكز على جانب واحد دون الأخر، لذلك فهي تشمل جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
يجب أن تكون التنمية متوازنة في توجهاتها، بين المركز والمحيط، أي لاتركز على المراكز الرئيسية كالعاصمة أو المدن الكبرى فقط، وإنما يجب أن تتوزع بشكل عادل على مختلف المناطق في الدولة، في الريف والمدينة، وذلك لان أي خلل في التوزيع سوف يؤدي إلى خلل في بناء تحقيق الوحدة الوطنية(10)، حيث أن التفاعل بين الريف والمدينة مهم جدا في عملية تحقيق الاندماج القومي بين الجماعات الاثنية والعرقية المختلفة داخل الدولة، لان هذا التفاعل يؤدي إلى تعزيز فرص التكامل الوطني أو القومي، وهذا يتطلب اعتماد أسلوب التخطيط الإقليمي المتوازن الذي يكفل تنمية وتائر الإنتاج والخدمات وفقا إلى اعتماد موازنة مرسومة لكل الإقليم السياسي، والتي تقود إلى وحدة اقتصادية وأثنوغرافية(11).
أن عملية التنمية يجب أن تكون ذات طابع وطني أو قومي شامل، فالتنمية لايمكن "أن تحقق حركتها الفاعلة ما لم يكن هنالك استبدال للوحدات القرابية لتحل محلها الوحدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمهنية والمتخصصة الجديدة"(12).
يتضح مما تقدم أن التنمية غير المرسومة وغير المتوازنة بين الاقاليم سوف تؤدي إلى خلل كبير داخل الدولة نفسها ومن ثم ظهور حركات معارضة أو مناهضة للنظام السياسي، أو تقوم بالمطالبة بالانفصال عن الدولة الام، وخاصة في الاقاليم التي تعاني من أوضاع اقتصادية متدنية جدا.
التنمية السياسية
تعتبر التنمية السياسية من المفاهيم الحديثة، وبعداً أساسياً من أبعاد التنمية الشاملة، فالتنمية السياسية جزءاً من التنمية الشاملة انبثق منها وتفرع منها، ويعرفها الباحثون بأنها "هي تنمية قدرات الجماهير على إدراك مشكلاتهم بوضوح، وقدراتهم على تعبئة كل الإمكانات المتاحة لمواجهة هذه المشكلات بشكل عملي وواقعي، أو تنظيم الحياة السياسية ومتابعة أداء الوظائف السياسية في إطار الدولة، وتطوير النظم السياسية والممارسة السياسية لتصبح أكثر ديمقراطية في التعامل وأكثر إحراجاً لكرامة الإنسان ومطاليبه، هذا إلى جانب تمثل الجماهير لقيم الديمقراطية وتحقيق المساواة السياسية بين أبناء المجتمع"(13).
وينظر بعض الباحثين إلى إن التنمية السياسية هي عملية تتضمن بناء المؤسسات وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وترشيد تولي السلطة، بهدف تحقيق قسط من الاستقرار السياسي(14)، وهذا يدل على إن التنمية السياسية تهدف بصورة رئيسية إلى بناء النظام السياسي وإجراء عمليات التحديث عليهِ فيصير نظاماً عصرياً متطوراً، متحولاً بذلك من النظم الشمولية إلى النظم الديمقراطية، فالتنمية السياسية تعني في أحد أبعادها مزيد من المشاركة في العملية السياسية، بواسطة التكوينات الاجتماعية العديدة(15).
لذلك من الضروري أن تتركز الجهود على الارتقاء بعملية التنمية ومقوماتها الأساسية وهي:
التمايز: أي "التمايز في الأدوار والأبنية السياسية وهو ما يقتضي تعدد الأبنية ووضوح الأدوار بحيث يكون لكل بنيان أدوارهُ ووظائفهُ السياسية المحددة فلا تقتصر في هيئة واحدة، بالإضافة إلى ذلك فيجب القيام بأنواع جديدة من هذه البنية والأدوار كقيام الأحزاب السياسية وجماعات المصالح ووسائل الاتصال الجماهيري وغيرها"(16).
وفي حقيقة الأمر فان الدول التي قطعت شوطا طويلا في مجال التنمية السياسية لاتتميز بغياب الصراع، ولكن تميزها يكون في وجود آليات ومؤسسات لتنظيم الصراع من حيث أشكاله ومشاكله وكيفية معالجتها وحلها، وهكذا فإن المؤسسات تلعب دوراً كبيراً في البلدان المتقدمة، حيث إنها تقدم إطار للعملية السياسية، لهذا فإن النظام السياسي يتصف بالتخصص الوظيفي والتمايز وتوزيع الأدوار بين مختلف الأجهزة الحكومية وغير الحكومية، مثل الهيئات التنفيذية والمجالس التشريعية(17) والمؤسسات القضائية والأحزاب السياسية والنقابات وغيرها "وتنوع كبير من الوظائف التي تحقق إنجاز العمل السياسي" بقلة الأجهزة وتعددها وينقصها التخصص في العمل الوظيفي.
المساواة: أي يجب أن تسود في المجتمع أحكام وقواعد قانونية تتصف بالعمومية، وهذه القواعد تنطبق على جميع أفراد المجتمع دون استثناء بغض النظر على انتماءاتهم العرقية والمذهبية أو الإقليمية(19)، وعندما يكون هناك تولي للمناصب في المجتمع فيجب أن يكون على أساس الكفاءة والجدارة والتأهيل، وليس على اعتبارات ضيقة كالعلاقات الشخصية والقرابة والجاه وغيرها.
القدرة: وهي تعني تنمية قدرات النظام السياسي على معالجة المشاكل مثل الانقسامات والتوترات التي تحدث في المجتمع وكذلك تنمية قدرات النظام السياسي التنظيمية والعدالة التوزيعية وكذلك الإبداع والتكيف في مواجهة التغيرات المستمرة التي يمر بها المجتمع، أي قدرة النظام السياسي على تنظيم سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع وفقاً إلى القانون، واتخاذ القرارات الإلزامية التي تتعلق بتعبئة وتجميع الموارد البشرية والمادية وتوزيع القيم وفقاً لمبدأ المساواة ومقتضيات العدالة.
يتضح مما تقدم إن التعددية السياسية من المسائل الضرورية الملحة لكل بلد حر يعيش باستقلال ويسعى نحو بناء ديمقراطي وتكوين نظام سياسي جديد يستوعب كل القوى الوطنية والقومية، وإقامة مصالح جديدة قائمة على التوزيع العادل للثورات الوطنية والقيام بعملية البناء السياسي، وذلك عن طريق مشاركة جميع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع التي باستطاعتها المساهمة والمشاركة في عملية صنع القرار السياسي والحفاظ على عملية تداول السلطة سلميا، ولهذا فالتعددية السياسية تعتبر عنصرا مهما من عناصر وجود الديمقراطية وبناء الوحدة الوطنية.