صفحة 1 من 1

المساعدات الدولية من اجل تنمية بشرية مستدامة لدول " العالم ا

مرسل: الثلاثاء يوليو 10, 2012 2:56 am
بواسطة سليمان المقبل36
قبل ما يزيد عن خمسين سنة تم الترويج لفكرة التنمية المستدامة والقائمة على الدعم الدولي الخارجي، حيث كان من اكبر مروجي تلك الرؤية الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بجانب كثير من منظري التحديث التنموي وكثير من الدول الكبرى آنذاك، وعلى الرغم من إن كثير من كبار منظري التنمية اعترفوا منذ سنوات بفشل فكرة المساعدات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة، لا يزال الجدل محتدما حول إن كان بالإمكان إنجاح عملية التنمية اعتمادا على المساعدات الخارجية مقابل التنمية القائمة على الاعتماد على الذات، بل قد يذهب البعض الى القول إن المساعدات الخارجية تأتي لتخدم عملية التنمية الداخلية ولا تتعارض معها ، على الرغم من عدة تجارب عالمية تدحض إمكانية نجاح تنمية شاملة تعتمد على الدعم الخارجي، والذي في أفضل حالاته قدم نماذج نجاح محدود وأحيانا فردية، فهل خيار المساعدات الدولية المبنية على أجندات ورؤى تنموية غير منبثقة من واقعها، ما يزال خيارا يمكن التعويل عليه؟ ناهيك عن الارتباط البنيوي ما بين تلك الأموال بالأجندات السياسية و ما يرتبط بها من مصالح اقتصادية تتحكم وتحدد ما هي القطاعات التي يتوجب صب المال فيها، بالمقابل إن لم يكن الاعتماد على المساعدات الخارجية هو الخيار فما هو البديل؟ أيمكن أن يكون بفك الارتباط بالنظام الرأسمالي والتنمية اعتمادا على الذات، وهل من الممكن الحديث عن هذا الانفصال في زمن العولمة وتشابك اقتصاديات العالم بل وعولمة الثقافة فيه، كما كيف يمكن الاعتماد على ذات تفتقر لأسس النهوض على القدمين؟


يحاجج البعض أن الفكرة لم تكن أكثر من تلبية لاحتياجات النظام الرأسمالي في تهيئة سوق تستوعب منتجاته من جهة، ومن ناحية أخرى لا تعدو التنمية في النهاية إلا زيادة في خلق حالة تبعية الإطراف والتي بحاجة إلى تحسين قدراتها لتلبية استحقاقات تلك التبعية للمركز الرأسمالي الذي يتقدم بسرعة مذهلة، حيث يستخدم مدخل التنمية والمساعدات والقروض وخطط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في النهاية لتحقيق حالة التبعية السياسية والاقتصادية للمركز الرأسمالي، كي لا يسمح لأي دولة أن تشب عن الطوق وتتمرد، وفشل نظريات النمو الاقتصادي دليل على ذلك، في حين أن الأزمة التي تعاني منها نظرية التنمية البشرية المستدامة واضحة هي الأخرى في ظل العولمة، التي تهيكل اقتصاديات العالم الثالث بناء على مصالحها وبالتالي تعيد بناء اقتصاديات دول الأطراف وأولويات التنمية فيها بما يخدم الرأسمال الامبريالي تحت خطابات التنمية أو خطط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالحد من دور الدولة القطرية في الاقتصاد والخصخصة...، كما لا يخفى أن مشاريع التنمية الصغيرة والمرأة وغيرها من تجارب النجاح لا يعول عليها في النهاية كي تحقق عملية تنمية شاملة ومستدامة.


لذلك حتى المساعدات المجانية ليست بريئة أو مجانية فهي تأتي بناء على أولويات المانحين وليس الدول الممنوحة، حيث لا توفر هذه المساعدات إلا البنية التحتية المطلوبة من قبل المركز الرأسمالي كي تساعده على تسهيل عملية هيمنته ونهبه لا أكثر، ولكي تدمر أي انجاز قد حققته دول العالم الثالث ، وذلك بجعل الاعتماد على المساعدات عوض الاستمرار في بناء وسائل وإمكانيات خلق اقتصاد قوي يمكن إرساء تنمية بشرية مستدامة حقيقة عليه، ومثال المساعدات الأمريكية لمصر بعد اتفاقية كامب ديفيد تثبت كيف حولت مصر من منتج للقمح لمعتمد على القمح الأمريكي والمساعدات المالية الأمريكية التي صارت تستخدم كأداة ضغط سياسي واقتصادي، وواقع فلسطين مع الممولين والمانحين يثبت ذلك حاليا تحت الحصار، كذلك ما تتلقاه دول كثيرة في العالم من مساعدات تنفق على تطوير قطاع الخدمات والطرق والمواصلات وصناعة تصدير النفط وتصدير المواد الخام تثبت ذلك، لذا فان التنمية البشرية المستدامة جاءت فقط بعد فشل نظريات التنمية القائمة على النمو الاقتصادي التي أودت بدول العالم الثالث إلى كوارث اقتصادية، فجاءت الصرعة الأخيرة ليتم تقبلها من العالم الثالث ولتؤدي نفس الدور السابق ولكن بشكل أخر، دمج فيه البشر لتعميم ثقافة العولمة الامبريالية وثقافة الاستهلاك ، وعليه فان المساعدات المالية في النهاية لا تعمل على خلق تنمية مستدامة وشاملة بل هي باختصار الجزرة المرادفة للعصا الامبريالية، بل لو قورن بين ما قدم لبلدان العالم الثالث من مساعدات خارجية وما بين تم نهبه منها على يد القوى الامبريالية العالمية وأدواتها من كارتيلات متعددة الجنسيات وعابرة للحدود، لرأينا كيف تكون التنمية عملية بائسة مدعومة بالنوايا الحسنة لدي البعض، فكيف يمكن تنمية بلد ما إن لم يكن فيها شبكة طرق على سبيل المثال أو إذا كانت معدلات الأمية تتجاوز ثلاثة أرباع السكان، بل كيف إن كانت تلك البلد عبارة عن ركام يطفو في بحر حروب لأكثر من ثلاثة عقود مثل أفغانستان أو العراق أو الأراضي الفلسطينية المحتلة التي ترزح تحت الاحتلال لأكثر من أربعة عقود ولذلك كان خطاب التنمية المبنية على المساعدات الخارجية منذ انبثق متمحورا على مبدأ التحديث الذي تقوم به الدول المتقدمة تجاه الدول" المتخلفة أو النامية فيما بعد" وهو الأمر الذي أسس لذهنية العمل التنموي الغربي بصورة عامة وفي رؤية الآخر المتخلف مهما كانت النوايا حسنة، قد يكون مبدأ تقديم المساعدات من الخارج صحيحا غير إن ارتباطه بمخططات استعمارية سياسيا و اقتصاديا لم تجعله يؤدي لإطلاق عمليات تنمية حول العالم بقدر ما كرس هيمنة اقتصادية اكبر للقوى الامبريالية على دول بحاجة للتنمية وجعلها مصدرا للمواد الخام واليد العاملة الرخيصة، ناهيك عن تكريس نخب كمبرادورية محلية فاسدة ، وهو ما تعكسه تجارب المساعدات الخارجية المذكورة في كل من أفغانستان والعراق وحتى الأراضي الفلسطينية المحتلة.


غير إن التحليل السابق لعملية التنمية وبالتحديد المساعدات الخارجية ، لا يجيب بدوره على كثير من الأسئلة، فرفض الدعم الدولي المشروط برؤى من الخارج يفضي الى سؤال ما هو البديل؟ ثم الم تؤدي المساعدات الخارجية كما هي الى تحقيق نهضة ما في تلك البلدان؟ يمكن القول إن الاعتماد على الذات هو المطلوب لإطلاق تنمية شاملة حقيقية، وهنا أيضا حاجة للمساعدات الدولية ولكنها مشروطة بتوفر الكفاءات والإمكانيات المحلية التي يمكن لها أن تحدد ومن ثم تنفذ عملية التنمية، مال نظيف و كفاءة ملائمة للمتلقي كي تتوفر له القدرة على تحديد عملية التنمية وأولوياتها وتنفيذها ليكون هو نفسه مركزها، ؟ قد تكون الأراضي الفلسطينية مثالا مركبا لتتبع مقولات التنمية والدعم الخارجي، فإذا كان الكثير من التجارب قد أثبتت فشل مشاريع التنمية في تحقيق الحد الأدنى من النتائج في دول مستقلة وليست تحت احتلال، على الرغم من كون العديد منها غير ديمقراطي أو هو ديكتاتوريات عسكرية، فكيف الحال بمن هو تحت الاحتلال، لقد خضعت الأراضي الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي لأكثر من أربعين سنة، أبقتها مغيبة عن كل ما له علاقة بالتنمية ، بل إن الادهي من ذلك هو أن هذا الاحتلال ومع مجيء ما يسمى بمرحلة السلام، فاقم هذا الخلل البنيوي وكرس من خلال الاتفاقيات نفوذه بحيث أعاق أي محاولة للتقدم على صعيد التنمية وخلق اقتصاد فلسطيني قادر على أن يبنى عليه تنمية بكل مسمياتها المتعددة، فكيف سيتم توسيع خيارات الناس وتعزز قدراتهم من اجل استخدام امثل لتلك الخيارات (وهذا تعريف التنمية البشرية حسب الأمم المتحدة) في ظل احتلال لا هم له إلا تقييد بل تحطيم خيارات وقدرات الفلسطينيين، بل حتى على نطاق نظريات النمو الاقتصادي الآفلة، كيف يحقق هذا النمو الاقتصادي ، والاحتلال ببساطة ينفى أي اقتصاد فلسطيني بجرة قلم من سلطاته كما يفعلون ألان، حيث تعاق عملية التعليم والخدمات الصحية ووتيرة البطالة وصلت لحد قياسي.


بالمقابل كيف يمكن لنا فك الارتباط مع الاقتصاد الإسرائيلي - الذي يشكل ذراعا مهما للاقتصاد الامبريالي العالمي- إذا لم نتخلص من الاحتلال، وكيف سيتم تمكين الناس في ظل احتلال وسلطة وطنية مهددة بالانهيار، ومنظمات دولية تمارس سياسة الحصار على الشعب الفلسطيني كحكوماتها وهي تدعي أنها غير حكومية، وكيف سيتم دمج مفاهيم التنمية في السلطة الوطنية الموجودة اسميا، وكيف سيتم ربط السياسي بالتنموي في ظل حالة الحصار والاقتتال الداخلي وأولوية التحرر، ومن يخول في هذا الواقع بتولي مراقبة الأداء، وكيف يتكامل الاقتصادي مع الاجتماعي في ظل الترهل والتفكك الاجتماعي الحاصل حاليا، قد أكون قد تحدثت عن محاور الخطة التنموية في تلك التساؤلات السابقة، والتي لا يمكن الإجابة عليها بالا بعد التخلص من الاحتلال، حيث يكون الحديث والجدل حول التنمية مجرد ترف إذا فصل عن هذه المسالة.


مع أن كل تلك التحديات لا تعني الاستسلام للواقع أو انتظار اندحار الاحتلال للتخلص من الاحتلال، لذا يمكن العمل على تمكين الناس من الموارد التي يحتاجونها في التقدم في حياتهم لتوفير مستوى أعلى لهم(تعليم، صحة،…)، ودمج مفاهيم التنمية ومنها السياسية في جسم السلطة الوطنية، مثل تعزيز مفاهيم الديمقراطية أو النوع الاجتماعي مثلا للرقي بمستوى المرأة، كما يجب ربط التنموي بالسياسي فلا قدرة سياسية لنا إن كنا متخلفين اقتصاديا وعلى المستوى البشري والاجتماعي، وهذا ينطبق على تكامل الاقتصاد المرجو بتقدم النواحي الاجتماعية، من خلال محاربة الآفات الاجتماعية والمشكلات الاجتماعية التي يعاني منها مجتمعنا، بناءا على ذلك يمكن الحديث عن إمكانية لعب المساعدات الخارجية دورا ايجابيا يخدم عملية التنمية القائمة على الاعتماد على الذات، ناهيك عن أهمية مساعدة المتلقي للمساعدات على التصرف بها والتحكم بالعملية التنموية، فدون تحكم الفلسطينيين بمواردهم وتحديد أولوياتهم لا يمكن النجاح في النهوض بالتنمية مهما بلغ حجم المساعدات التي تبعث لهم والتي يخصص الكثير منها لرفع كفاءة الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة الفلسطينية.


إذن يمكن القول إن المساعدات مجدية في حالة كونها منبثقة عن فك الارتباط باقتصاديات القوى الامبريالية والتي توجه الكم الأكبر من الدعم المالي الخارجي، ونقصد بفك الارتباط القائم على هيمنة طرف على آخر، بدءا من الهيمنة السياسية والتي هي رديف للاحتلال الإسرائيلي ومطالب الدول المتنفذة في ما يسمى عملية السلام في حالة فلسطين، أن يكون هذا الدعم المالي سواء كان على شكل منح أو قروض ميسرة نظيفا من غايات الابتزاز السياسي والهيمنة الاقتصادية من جهة، وان تكون هذه المساعدات متوافقة مع إمكانيات واقعها وقدرته على التماهي معها، وهذا لا يغدو ممكنا دون أن توجه هذه المساعدات الخارجية بناءا على أجندات داخلية تنظر لعملية التنمية صيرورة داخلية بدءا من كونها رؤية الى تنفيذها، حيث لم يعد مقبولا تقديم الممولين لأنفسهم كخبراء بمصالح الآخرين، فلو كان هذا صحيحا لكانت مليارات الدعم المقدم والمشرف عليه من قبل المموليين في كثير من بلدان العالم قد أدت لتنمية في الوقت الذي كرست فيه الفقر والفساد بنشوء نخب مالية متحالفة سياسيا مع أطراف خارج بلدانها.


فهل هو من الممكن أن يقدم البعض المال والخبرات إن طلبت منه مجانا، وهل من يقبع في الحضيض قادر على انتشال نفسه بنفسه، قد يكون الجواب بلا يعكس يأسا كبيرا ، وهو يوتوبي الى حد بعيد إذا كان نعم.