صفحة 1 من 1

الانتخابات مواجهة أزمة المشاركة السياسية

مرسل: الثلاثاء يوليو 10, 2012 10:22 am
بواسطة خالد المطيري 313
هناك اتفاق بين علماء الاجتماع علي أن المشاركة، ونعني في المقام الأول مشاركة الجماهير عملية أساسية بالنسبة للعمل التنموي، وخصوصاً إذا ما ركزنا علي التنمية القاعدية بمعني الاهتمام بإشراك القواعد الجماهيرية في تشخيص المشكلات، وفي ابتكار الحلول الجماعية لحلها في تضافر واضح بين الجهود الشعبية والجهود الرسمية. غير أن المشاركة السياسية علي وجه الخصوص تحظي باهتمام خاص لأنها لصيقة بالممارسة الديمقراطية، بحيث يعتبر ارتفاع معدلات المشاركة السياسية في أي مجتمع سياسي مؤشراً موضوعياً علي فعالية الممارسة الديموقراطية.
وهناك مؤشرات كمية وكيفية تدل علي أن مصر تعاني من تدني مؤشرات المشاركة السياسية، وخصوصاً إذا ما ركزنا علي نسبة من يشتركون في عملية التصويت في انتخابات مجلسي الشعب والشوري والانتخابات الرئاسية التي تمت لاول مرة بعد التعديلات الدستورية، وجرت عام 2005.
وحين أردت أن أؤصل موضوع المشاركة السياسية نظرياً قبل التطرق إلي مشكلاتها العملية، استندت إلي مرجع بالغ القيمة في علم الاجتماع السياسي لم ينل مؤلفه الدكتور السيد عبد الحليم الزيات والذي رحل عن عالمنا منذ سنوات ما يستحقه من شهرة ومكانة .
زارني في مكتبي المرحوم الدكتور الزيات ولم أكن أعرفه من قبل، وقدم لي كتابه وهو بعنوان"التنمية ا عام 2002 وحرص المؤلف ـ إحساساً منه بعدم التقدير الكافي لجهوده العملية ـ علي أن يسجل في إهدائه الموجه لي عبارة ذات دلالة حين ذكر"أهدي إليك كتابي المسكوت عنه".
وحين طالعت الكتاب بأجزائه الثلاثة أدركت أنه كان علي حق فعلاً، لأنه مرجع نادر في علم الاجتماع السياسي، بحيث يمكن القول بدون أدني مبالغة أنه أهم مرجع في هذا الموضوع باللغة العربية.
ويرد ذلك إلي امتلاك الدكتور الزيات ناصية البحث في هذا المجال لأنه ـ كما يظهر من توثيقه العلمي الدقيق ـ كان مطلعا اطلاعاً واسعاً وعميقاً علي أمهات المراجع العلمية الأجنبية في علم الاجتماع عموما وعلم الاجتماع السياسي خصوصاً ،بالإضافة إلي متابعته الدقيقة للتراث الفكري العربي.
وفي محاولتي الإلمام بمبحث المشاركة السياسية في علم الاجتماع السياسي سأعتمد أساساً علي كتاب الدكتور الزيات. اهتم هذا المؤلف القدير بعرض التعريفات المختلفة لمفهوم المشاركة السياسية قبل أن يخلص إلي عرض تعريفه هو الذي سعي فيه إلي تلافي القصور في هذه التعريفات.
وهو يعرض لنا ثلاثة تعريفات رئيسية للمشاركة صاغها عدد من كبار علماء السياسة الغربيين:
التعريف الأول يذهب الي أن المشاركة السياسية ماهي إلا "نوع من النشاط يقوم به المواطنون العاديون بهدف التأثير في عملية صنع القرار الحكومي.
أما التعريف الثاني فيقرر أن المشاركة السياسية هي "تلك الأنشطة المشروعة، التي يمارسها المواطنون العاديون، بهدف التأثير في عملية اختيار أشخاص الحكام ومايتخدونه من قرارات.
والتعريف الثالث يذهب إلي أن المشاركة السياسية هي"أي فعل تطوعي موفق أو فاشل، منظم أو غير منظم، مؤقت أو مستمر ،مشروع أو غير مشروع، يبغي التأثير في اختيار السياسات العامة أو اختيار القادة السياسيين في أي من مستويات الحكم المحلية أو القومية.
والدكتور الزيات لايقنع بعرض هذه التعريفات المختلفة، ولكنه يوجه النقد إلي كل منها حتي يخلص في النهاية الي التعريف الذي وضعه هو والذي يتلافي جوانب القصور في التعريفات السابقة.
وتعريف الزيات يمكن وصفه في الواقع ـ بحسب العبارة الشائعة ـ بأنه جامع مانع!
فالمشاركة السياسية عنده هي"عملية اجتماعية ـ سياسية طوعية ورسمية، تتضمن سلوكاً منظماً مشروعاً متواصلاً، يعبر عن اتجاه عقلاني رشيد، ينم عن إدراك عميق لحقوق المواطنة وواجباتها، وفهم واع لأبعاد العمل الوطني وفعاليته. من خلالها يباشر المواطنون أدواراً وطنية فعالة ومؤثرة في ديناميات الحياة السياسية ومخرجاتها، سواء من حيث اختيار الحكام والقيادات السياسية في شتي المستويات، أم تحديد الغايات العليا للمجتمع ووسائل تحقيقها، أم المعاونة في إدارة آليات العمل السياسي وتوجيهها أم الإسهام جدياً ـ علي نحو مباشر أو غير مباشر ـ في صنع القرار السياسي وتشكيله فضلاً عن تنفيذه ومتابعته بالمناخ أو المستحدث من فعاليات الرقابة والضبط والتقييم.
(راجع الزيات، المرجع السابق الجزء الثاني ص89،88) والواقع أن هذا التعريف الشامل ـ علي أهميته) ـ قد ألقي علي عاتق المواطنين أدوارا متعددة قد لايستطيعون القيام بها جميعاً، ولذلك قد يكون من المناسب أن نركز علي أدوارهم في اختيار ممثليهم في المجالس المحلية والنيابية والانتخابات الرئاسية.
والسؤال الذي تنبغي إثارته الآن هو: ماهو واقع المشاركة السياسية في مصر في ضوء الانتخابات النيابية التي حدثت عام 2005؟
إن الإجابة عن هذا السؤال يمكن أن تفيدنا في التنبؤ بمعدلات واتجاهات المشاركة في الانتخابات النيابية الحالية.
وللإجابة عن هذا السؤال المهم يمكن أن نعتمد علي بحث عام نشرته الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية بالاشتراك مع مفوضية الاتحاد الأوروبي عام 2005 وكان الباحث الرئيسي هو الدكتور سامر سليمان. وعنوان الكتاب هو"المشاركة السياسية في الانتخابات النيابية: العوائق والمتطلبات".
وقد فرق البحث تفرقة مهمة بين المشاركة بالتصويت والمشاركة بالترشيح.
فيما يتعلق بالمشاركة بالتصويت حرص علي أن يتتبع معدلات المشاركة من عام 1984 حتي 2005.
ووفقا لرسم بياني أورده البحث وسجل فيه بالأرقام عدد المشاركين بالتصويت في كل انتخابات، لوحظ ارتفاع عدد الأصوات من انتخابات 1984 . والتي كانت 50444233 صوتاً) إلي انتخابات 1995 ( والتي كانت 493500 و 10 صوتاً) مروراً بانتخابات 1987، و1990. ولكن ما لبث هذا العدد أن انخفض عام 2000 ( وكان 70398456 صوتاً)، ولكنه عاد وارتفع من جديد عام 2005 ( وكان 80116931صوتاً).
ويذكر هذا البحث ملاحظة مهمة هي أن عدد المقيدين في جداول الانتخابات يظل أقل ممن يعطيهم القانون الحق في التصويت، حيث إن الكثير من المواطنين يمتنعون عن إستصدار بطاقات انتخابية.
ولذلك ـ يضيف تقرير البحث ـ لكي نحصل علي صورة أدق للمشاركة بالتصويت، يجب أن ننسب عدد الأصوات إلي إجمالي من لهم الحق في التصويت، لا الي عدد المسجلين في الجداول فقط. في هذه الحالة سنجد أن المشاركة بالتصويت ستكون أقل.
وحتي يوضح البحث الفرق أورد نسب من أدلوا بأصواتهم إلي المسجلين في الأعوام من 1984 ـ حتي 2005، فكانت علي التوالي 43% 54%، 46%. 50%، 28%، 25%.
ومن ناحية أخري أورد نسب من أدلوا بأصواتهم إلي من لهم حق التصويت في نفس السنوات، فكانت 20%، 27، 24%، 31%، 20%،20% علي التوالي.
وهكذا تتضح ما يمكن تسميته بحق مؤشرات "السلبية السياسية" والتي تتمثل في الامتناع عن استصدار بطاقة انتخابية.
ومن الواضح أن نسب المصوتين، وسواء اعتمدنا علي المقياس الأول أو علي المقياس الثاني، منخفضة مما يعني أن هناك أزمة في المشاركة السياسية.
ومن ناحية أخري عني البحث بدارسة المشاركة بالترشيح حيث "يعد الترشيح لعضوية البرلمان أعلي مستوي من ممارسة السياسة الانتخابية، فالمشاركة بالتصويت أو بالدعاية لأحد المرشحين لاتكون بقوة تجشم عناء النزول إلي المنافسة علي مقعد في البرلمان.. لذلك فالتعرف علي عدد المرشحين كما علي تركيبتهم جزء أساسي من مكونات صورة الانتخابات البرلمانية".
وقد اهتم البحث بإيراد تطور أعداد المرشحين ونسبتهم إلي عدد السكان ونحن لا نري فائدة تذكر من إيراد هذه النسب، لأن التغيرات يصعب أن تكون لها دلالة سياسية.
علي العكس من ذلك هناك أهمية لدراسة تطور تركيبة المرشحين تبعاً للانتماء السياسي والحزبي في انتخابات 2005.
ويلفت النظر بشدة أن عدد المرشحين المستقلين كان أكبر الأعداد قاطبة (4279) بينهم الحزب الوطني الديموقراطي (444) والوفد (120) والناصري (26) والإخوان (161) والعمل(16) والتجمع (62) والغد (44) والكرامة (12) بالإضافة إلي عدد قليل من قوي المعارضة الأخري.
ويقرر البحث أن هذا الترتيب والتوزيع النسبي للمرشحين يعكس إلي حد كبير نفوذ مختلف الأحزاب والتيارات السياسية في مصر. فيظل الحزب الوطني الحاكم هو التنظيم السياسي الوحيد الذي ينزل إلي الانتخابات بعدد مرشحين يساوي تماما عدد مقاعد مجلس الشعب أي 444.
وإن كان في الانتخابات الراهنة ينزل الحزب الوطني الديموقراطي بأعداد كبيرة في كل الدوائر، لدرجة أنه يرشح أكثر من مرشح ينتمي للحزب في نفس الدائرة لأول مرة في تاريخه. وقد انتهت انتخابات 2005 إلي تشكيل للمجلس حصل فيه الحزب الوطني الديموقراطي علي (146) مقعدا والمستقلون الذين ينتمون للوطني علي (161) مقعداً والإخوان علي (88) مقعدا والوفد علي (6) مقاعد والكرامة علي (مقعدين) والتجمع علي (مقعدين) والأحرار علي ( مقعد) (وغد) أيمن نور علي مقعد ( وغد) مصطفي موسي علي مقعد ومستقلون علي 230) مقعد.
في ضوء نسبة المشاركين بالتصويت والمشاركين بالترشيح في انتخابات 2005، كيف ستكون ملامح الخريطة الانتخابية تصويتا وترشيحا في الانتخابات الراهنة؟ نترك ذلك ليوم إعلان النتائج النهائية!