- الأربعاء يوليو 11, 2012 6:15 am
#52405
صافيناز محمد أحمد
فى إطار المحاولات الدولية لاحتواء الأزمة السورية والبحث عن مخرج يوقف نزيف الدم السورى وفى ظل الاستقطاب الإقليمى والدولى الذى تشهده الأزمة والذى ساهم فى تقويض كافة محاولات الحل سواء كان ذلك عبر فشل التلويح بالتدخل العسكرى المباشر أو التدخل غير المباشر من خلال تسليح عناصر المقاومة والجيش السورى الحر، أو كان عبر الموقف الروسى المستميت فى الدفاع عن نظام بشار الأسد القمعى الذى يعتبر سوريا آخر قلاع سياسته الخارجية فى الشرق الأوسط ، أو عبر الإخفاق فى توحيد قوى وجبهات المعارضة المختلفة وتوفير كيان سياسى قادر على أن يكون بديلا شرعيا لنظام الأسد، كافة الاخفاقات السابقة تؤشر إلى نجاح النظام السورى حتى الآن فى مواجهة الأزمة داخليا بالعنف الدموى وإعمال الحل الأمنى حلا وحيدا، الأمر الذى دفع بالقوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة إلى إعادة قراءة التطورات على أرض الواقع وفى مقدمتها الولايات المتحدة التى رضيت تحت وطأة استحقاقات داخلية وارتباطات استراتيجية بأمن الحليف الإسرائيلى بالقبول بالأمر الواقع ولو مرحليا حيث أثار موقفها فى التعامل مع الأزمة السورية خلال الشهور القليلة الماضية علامات استفهام كبيرة لاسيما بعد اللقاء الذى جمع الرئيس الأمريكى أوباما بنظيره الروسى ميدفيديف فى سيول على هامش فعاليات قمة الأمن النووى التى عقدت خلال الفترة من 26 إلى 28 مارس الماضى وأسفر اجتماعهما عن توافق ثنائى على تكليف المبعوث الأممى كوفى أنان بمهمته الحالية مما اعتبر تراجعا واضحا أمام النظام السورى، بينما اتجه البعض الآخر من القوى الإقليمية إلى البحث عن وسائل لتقويض هذا النظام ونشير هنا إلى دور كل من السعودية وقطر ومحاولاتهما المستمرة فى تسليح عناصر الجيش الحر عبر الحدود اللبنانية، أما البعض الثالث فاكتفى باحتضان ودعم المعارضة عبر مؤتمرات متنوعة ونخص بالذكر هنا تركيا التى اكتفت وتحت ضغوط ملفات إقليمية أخرى فى علاقتها بنظيرتها الإقليمية إيران بالتصريحات الأردوغانية التى تأرجحت مضامينها بين خيارالسعى إلى إقامة منطقة عازلة أو آمنة فى المنطقة الحدودية لتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين هناك وتقديم الدعم المادى واللوجستيى للمقاومة السورية التى تتخذ من إدلب مرتكزا لها وبين خيار دعم المعارضة التى تتجمع معظمها فى مدينة اسطنبول، ويبدو من تطور الأحداث أن الفائز حتى الآن فى ذلك الاستقطاب الإقليمى هو النظام السورى وحليفه الإيرانى الذى يعتبر الحفاظ على حكم بشار الأسد خط الدفاع الأول عن مشروعاته الإقليمية فى المنطقة وفى مواجهة المشروعات الأمريكية الغربية.
فى سياق الخريطة الإقليمية السابقة جاءت الموافقة الأمريكية الروسية على إتاحة المجال أمام المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفى انان للقيام بمهمة الانقاذ الأخيرة ؛ فقدم المبعوث خطة من ستة نقاط تطالب: بعملية سياسية شاملة يقودها السوريون، ووقف اطلاق النار من جميع الأطراف، والإفراج عن المعتقلين، وسحب الدبابات والقوات المسلحة من الشوارع، وإبرام هدنة لإدخال المساعدات الإنسانية، وبدء حوار وطنى بين السلطة والمعارضة يؤدى الى حل سياسى يلتف حوله الجميع ويحقن الدماء بصورة دائمة. ولا تشتمل على أية بنود تشير إلى تنحى الرئيس الأسد وهى النقاط التى حظيت بقبول النظام واعتبرتها القوى الدولية ورقة تفاوضية جديدة ومهمة يمكن عبرها ممارسة ضغوط نوعية بعدما فشلت كافة وسائل المواجهة مع النظام السورى؛ وحدد أنان فى خطته موعدا لبدء التنفيذ الفعلى لوقف إطلاق النار بين الجانبين - النظام وعناصر المقاومة - فى 10 ابريل الجارى واعتبر أنان الفترة التى سبقت هذا الموعد اختبارا لمدى الحكم على تجاوب النظام السورى مع مهمته حيث يلزم على النظام التوقف عن القيام بأى تقدم داخل الأحياء السكنية أو استخدام الأسلحة الثقيلة، والانسحاب من وسط التجمعات السكانية بحلول العاشر من أبريل الجارى على أن يتم نشر بعثة مراقبين للإشراف على وقف إطلاق النار وقد تم اختيار الجنرال روبرت مود النرويجى الجنسية لرئاسة بعثة المراقبين لخبرته الطويلة فى مهمات مماثلة فى الشرق الأوسط حيث تولى رئاسة بعثة مراقبة الهدنة بين اسرائيل ودول الطوق العربية فى الفترة من 2009-2011، وعليه اعتبر أنان أنه فى حالة إذا ما سحبت الحكومة السورية قواتها وأسلحتها من المدن بحلول العاشر من إبريل فإنه سيدعو الى الوقف الكامل للأعمال العدائية بحلول الساعة السادسة صباحاً بتوقيت دمشق وذلك فى 12 إبريل الجارى. فى هذا الإطار تبدو إدراة القوى الدولية والإقليمية للأزمة السورية غير متعجلة فى مسار إسقاط النظام الذى تبحث عن كيف ومتى يتم إسقاطه، بل تبدو محبذة لخيار استنزاف ليس فقط مصادر قوة النظام السورى وإنهاكه عبر استمرار الأزمة، ولكن أيضا استنزاف المعارضة وانهاكها فى خلافات طائفية وإيديولوجية بصورة تسفر فى النهاية عن وضوح البديل الذى تتوافق عليه تلك القوى والذى تراه البديل الصالح ليحل محل النظام السورى، عبر دفع طوائف وشرائح المعارضة السياسية إلى الافتقاد التدريجى لما تستند إليه من قوى فاعلة على الأرض، والنظام يلعب هذا الدور بجدارة من خلال آلة القمع الممنهجة التى يوظفها يوميا فى القضاء على "بؤر وجيوب المقاومة " قبل الشروع فى الحلول السياسية وهو ما طبقه النظام بالفعل فى حى بابا عمرو الذى اتخذته عناصر المعارضة مرتكزا فى مواجهة النظام.
خطة النقاط الست جاءت إذن عبر توافق دولى وعلى الأخص توافق أمريكى روسى عكس تغييرا واضحا فى الموقف الأمريكى، واعتبرت امتثالا لمطالب الرئيس السورى فى رفض التدخل الخارجى ورفض اسقاط النظام بالقوة ورفض تسليح المعارضة، هذا التغيير فى الموقف الأمريكى والدولى من نظام الأسد يعنى فى المحصلة النهائية احراز التنسيق" السورى الروسى الصينى الإيرانى " نجاحات على أرض الواقع أسفرت حتى هذه اللحظات عن تغيير فى المعادلة الإقليمية المرتبطة بالأزمة السورية لصالح ذلك التنسيق وضد كل من السعودية وقطر وتركيا فى إشارة إلى تغيير فعلى اعترى المناخ الإقليمى والدولى للأزمة وهنا يأتى التساؤل لماذا؟؟ أى لماذا تغير المناخ الإقليمى للأزمة السورية بعد عام من الثورة؟؟ تكمن الإجابة على هذا التساؤل فى الملاحظات التالية:
أولها، تشير إلى وجود صفقة أمريكية روسية عقدت فى لقاء الرئيس الأمريكى أوباما بنظيره الروسى ميدفيديف على هامش الاجتماع المذكور آنفا ملخصها أن أوباما لا يريد التصعيد فى الوقت الراهن لدخوله مرحلة الإعداد للانتخابات الرئاسية ما يعنى احتياج إدارته إلى "تهدئة" على محيط سياستها الخارجية وهو أمر اعترف به أوباما لنظيره الروسى مقابل وعود أمريكية وتعهدات من جانب أوباما بأنه سيسرع بتفعيل مبادئه السياسية التى بدأ بها مرحلة حكمه الأولى والتى تشير إلى إعلاء خيارات التسوية على خيارات الصراعات الدولية وما يرتبط بها من ملفات تدخل فى العلاقة بين الدولتين خاصة ملفات البرنامج النووى الايرانى والدرع الصاروخية وبالطبع الأزمة السورية. إذن عادت موسكو لتحتل موقعها فى السياسة الخارجية الأمريكية بقوة ووضوح ومن ثم بات التعاطى الدولى معها فى الملفات المذكورة جزءا مهما من الحملات الانتخابية لمرشحى الرئاسة الأمريكية.
ثانيها، يشير إلى أن الانتخابات الأمريكية والملفات الإقليمية الواقعة فى منطقة تقاطع المصالح بين واشنطن وموسكو لم تكن هى الدافع الوحيد الذى أدى إلى تغيير الموقف الامريكى تجاه الأزمة السورية، بل يأتى أمن الحليف الاستراتيجى الإسرائيلى كأحد المدخلات الواضحة لهذا الموقف فإسرائيل لا تريد بأى شكل من الأشكال أن تنشأ فى سوريا - إذا ما نجحت الثورة- دولة لا تكون لها اليد العليا فى تشكيل نظامها ولو ضمنيا؛ بمعنى أكثر دقة أن النظام السورى الحالى يوفر لإسرائيل قدر من الأمن الاستراتيجى يبقى جبهة الجولان المحتلة هادئة منذ احتلالها وحتى الآن؛ فالنظام السورى زعيم محور الممانعة لم يقم منذ عام 1967 وحتى عام 2009 عندما دخل الطيران الإسرائيلى إلى عمق 1500 كيلو/ متر مستهدفا قرية دير الزور فى ضربة إجهاضية لنواة مشروع نووى سورى بأى نشاط معادى للدولة العبرية ولو على سبيل تحرير أرضه المحتلة فى الجولان، ومن ثم وكما كان نظام مبارك المخلوع كنزا استراتيجيا لإسرائيل فإن نظام الأسد الممانع يعد كنزا استراتيجيا أيضا لها، فتل أبيب تخشى من وصول قوى سياسية تغير من الواقع الاستراتيجى بين البلدين وتحول حالة الهدوء التى تميزت بها جبهتها الشرقية طوال أربعين عاما ماضية إلى حالة نشاط يتضمن تهديدا مباشرا على أمنها.
ثالثها، يشير إلى ارتباط الأزمة السورية بالملف الإيرانى وهو أمر ليس بالجديد ومعروف دوافعه لكن الربط الحالى غير المبرر من جانب الإدارة الأمريكية للملف الايرانى بالأزمة السورية واعتباره أحد أسباب التغيير الذى طرأ على الموقف الأمريكى من الأزمة يوحى بأن واشنطن تريد العودة إلى إعطاء الاهتمام للملف الإيرانى أولا، وهو أمر انعكس بوضوح فى الاجتماع الوزارى الأول لمنتدى التعاون الاستراتيجى بين دول مجلس التعاون الخليجى وبين الولايات المتحدة والذى حضرته وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون وعقد فى 31 مارس الماضى بالرياض، حيث اجتهدت دول الخليج فى تحفيز واشنطن على اتخاذ موقف أكثر صرامة مع نظام الأسد أو على أقل تقدير انتزاع موافقتها على تسليح المعارضة وهى اجتهادات بأت جميعها بالفشل، بل حاولت كلينتون اقناع دول الخليج وعلى الأخص السعودية وقطر الراغبتان بشدة فى تسليح المعارضة باتباع حالة من الهدوء والانتظار بشأن سوريا وتحويل الاهتمام بدلا من ذلك إلى اقتراح إنشاء منظومة درع صاروخية فى الخليج لمواجهة وتقويض ايران.
رابعها، يشير إلى الصدمة التى أحدثتها نتائج القمة العربية الأخيرة التى عقدت فى بغداد فى مارس الماضى والتى جاءت متواكبة مع السياق الدولى والتفاهمات الإقليمية بشأن الأزمة السورية خاصة التنسيق الأمريكى الروسى الأخير، فلم يحتوى البيان الختامى للقمة على أية بنود من شأنها التلميح إلى مطالبة الأسد بالتنحى أو تسليح المعارضة، والاكتفاء عوضا عن ذلك بقبول مهمة المبعوث الأممى العربى المشترك كوفى أنان ومباركة آليات العقوبات المفروضة على دمشق من باب أن خنقها اقتصاديا قد يحدث التأثير المطلوب!!.
مشكلة خطة أنان أنها لا تتطرق مطلقا الى اسقاط النظام ولا تطالب بتدخل عسكرى دولى، بل تبدو بنظرة أكثر عمقا لبنودها أنها تلبى مطالب النظام السورى لاسيما فى إصراره على أن العنف الذى تواجه به حكومته المواطنين السوريين العزل يأتى " كرد فعل" على عنف الجماعات الإرهابية المسلحة؛ إى الاعتراف بأن العنف المسلح يمارس من قبل السلطة والمعارضة معا، فى إجحاف واضح لحق المواطنين فى الدفاع عن أنفسهم ووصفهم بالإرهابيين، ولكن الإستفادة التى يمكن استخلصها من خطة أنان هى أنها "قد" تؤدى إلى دفع النظام إلى وقف حدة القمع الوحشى تحت ضغوط التسوية الدولية، والإستفادة الثانية تتمثل فى ابرام اتفاق بين دمشق واللجنة الدولية للصليب الأحمر يتضمن آلية للتنسيق بين الجانبين لتسهيل المهمة الإنسانية المنوط بها عمل اللجنة فى تقديم المساعدات للمناطق المتضررة، إلا أن قراءة قياسية لردود فعل النظام السابقة على أيه محاولة للتسوية تشير إلى عدم وجود "ضمانات" مانعة وكابحة لنظام الأسد تمنعه من استئناف العنف ضد المعارضة، بل اثبت استمرار العنف الموجه من النظام خلال اليومين السابقين على الموعد المحدد لبدء الهدنة العكس تماما حيث طالب الأسد بضمانات وتعهدات دولية من قبل الأمم المتحدة والقوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة قبل الشروع فى تطبيق خطة المبعوث الأممى. إذن لم يتبق أمام الثورة السورية سوى خيار واحد وهو ضمان استمرار الحراك الجماهيرى الذى يعمل النظام حاليا على تقويضه بشدة ويلعب على أن المعارضة السورية لن تتحمل العبء الإنسانى الناتج عن استمرار التعامل القمعى الوحشى مع الشعب الأعزل كثيرا فالنظام السورى يلعب على ورقة أن الثورة لن تتحمل ضحايا على المدى الطويل وان قدرتها على استمرار النضال الجماهيرى ستتوقف كلما طال أمد الصراع مع النظام.
.
فى إطار المحاولات الدولية لاحتواء الأزمة السورية والبحث عن مخرج يوقف نزيف الدم السورى وفى ظل الاستقطاب الإقليمى والدولى الذى تشهده الأزمة والذى ساهم فى تقويض كافة محاولات الحل سواء كان ذلك عبر فشل التلويح بالتدخل العسكرى المباشر أو التدخل غير المباشر من خلال تسليح عناصر المقاومة والجيش السورى الحر، أو كان عبر الموقف الروسى المستميت فى الدفاع عن نظام بشار الأسد القمعى الذى يعتبر سوريا آخر قلاع سياسته الخارجية فى الشرق الأوسط ، أو عبر الإخفاق فى توحيد قوى وجبهات المعارضة المختلفة وتوفير كيان سياسى قادر على أن يكون بديلا شرعيا لنظام الأسد، كافة الاخفاقات السابقة تؤشر إلى نجاح النظام السورى حتى الآن فى مواجهة الأزمة داخليا بالعنف الدموى وإعمال الحل الأمنى حلا وحيدا، الأمر الذى دفع بالقوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة إلى إعادة قراءة التطورات على أرض الواقع وفى مقدمتها الولايات المتحدة التى رضيت تحت وطأة استحقاقات داخلية وارتباطات استراتيجية بأمن الحليف الإسرائيلى بالقبول بالأمر الواقع ولو مرحليا حيث أثار موقفها فى التعامل مع الأزمة السورية خلال الشهور القليلة الماضية علامات استفهام كبيرة لاسيما بعد اللقاء الذى جمع الرئيس الأمريكى أوباما بنظيره الروسى ميدفيديف فى سيول على هامش فعاليات قمة الأمن النووى التى عقدت خلال الفترة من 26 إلى 28 مارس الماضى وأسفر اجتماعهما عن توافق ثنائى على تكليف المبعوث الأممى كوفى أنان بمهمته الحالية مما اعتبر تراجعا واضحا أمام النظام السورى، بينما اتجه البعض الآخر من القوى الإقليمية إلى البحث عن وسائل لتقويض هذا النظام ونشير هنا إلى دور كل من السعودية وقطر ومحاولاتهما المستمرة فى تسليح عناصر الجيش الحر عبر الحدود اللبنانية، أما البعض الثالث فاكتفى باحتضان ودعم المعارضة عبر مؤتمرات متنوعة ونخص بالذكر هنا تركيا التى اكتفت وتحت ضغوط ملفات إقليمية أخرى فى علاقتها بنظيرتها الإقليمية إيران بالتصريحات الأردوغانية التى تأرجحت مضامينها بين خيارالسعى إلى إقامة منطقة عازلة أو آمنة فى المنطقة الحدودية لتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين هناك وتقديم الدعم المادى واللوجستيى للمقاومة السورية التى تتخذ من إدلب مرتكزا لها وبين خيار دعم المعارضة التى تتجمع معظمها فى مدينة اسطنبول، ويبدو من تطور الأحداث أن الفائز حتى الآن فى ذلك الاستقطاب الإقليمى هو النظام السورى وحليفه الإيرانى الذى يعتبر الحفاظ على حكم بشار الأسد خط الدفاع الأول عن مشروعاته الإقليمية فى المنطقة وفى مواجهة المشروعات الأمريكية الغربية.
فى سياق الخريطة الإقليمية السابقة جاءت الموافقة الأمريكية الروسية على إتاحة المجال أمام المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفى انان للقيام بمهمة الانقاذ الأخيرة ؛ فقدم المبعوث خطة من ستة نقاط تطالب: بعملية سياسية شاملة يقودها السوريون، ووقف اطلاق النار من جميع الأطراف، والإفراج عن المعتقلين، وسحب الدبابات والقوات المسلحة من الشوارع، وإبرام هدنة لإدخال المساعدات الإنسانية، وبدء حوار وطنى بين السلطة والمعارضة يؤدى الى حل سياسى يلتف حوله الجميع ويحقن الدماء بصورة دائمة. ولا تشتمل على أية بنود تشير إلى تنحى الرئيس الأسد وهى النقاط التى حظيت بقبول النظام واعتبرتها القوى الدولية ورقة تفاوضية جديدة ومهمة يمكن عبرها ممارسة ضغوط نوعية بعدما فشلت كافة وسائل المواجهة مع النظام السورى؛ وحدد أنان فى خطته موعدا لبدء التنفيذ الفعلى لوقف إطلاق النار بين الجانبين - النظام وعناصر المقاومة - فى 10 ابريل الجارى واعتبر أنان الفترة التى سبقت هذا الموعد اختبارا لمدى الحكم على تجاوب النظام السورى مع مهمته حيث يلزم على النظام التوقف عن القيام بأى تقدم داخل الأحياء السكنية أو استخدام الأسلحة الثقيلة، والانسحاب من وسط التجمعات السكانية بحلول العاشر من أبريل الجارى على أن يتم نشر بعثة مراقبين للإشراف على وقف إطلاق النار وقد تم اختيار الجنرال روبرت مود النرويجى الجنسية لرئاسة بعثة المراقبين لخبرته الطويلة فى مهمات مماثلة فى الشرق الأوسط حيث تولى رئاسة بعثة مراقبة الهدنة بين اسرائيل ودول الطوق العربية فى الفترة من 2009-2011، وعليه اعتبر أنان أنه فى حالة إذا ما سحبت الحكومة السورية قواتها وأسلحتها من المدن بحلول العاشر من إبريل فإنه سيدعو الى الوقف الكامل للأعمال العدائية بحلول الساعة السادسة صباحاً بتوقيت دمشق وذلك فى 12 إبريل الجارى. فى هذا الإطار تبدو إدراة القوى الدولية والإقليمية للأزمة السورية غير متعجلة فى مسار إسقاط النظام الذى تبحث عن كيف ومتى يتم إسقاطه، بل تبدو محبذة لخيار استنزاف ليس فقط مصادر قوة النظام السورى وإنهاكه عبر استمرار الأزمة، ولكن أيضا استنزاف المعارضة وانهاكها فى خلافات طائفية وإيديولوجية بصورة تسفر فى النهاية عن وضوح البديل الذى تتوافق عليه تلك القوى والذى تراه البديل الصالح ليحل محل النظام السورى، عبر دفع طوائف وشرائح المعارضة السياسية إلى الافتقاد التدريجى لما تستند إليه من قوى فاعلة على الأرض، والنظام يلعب هذا الدور بجدارة من خلال آلة القمع الممنهجة التى يوظفها يوميا فى القضاء على "بؤر وجيوب المقاومة " قبل الشروع فى الحلول السياسية وهو ما طبقه النظام بالفعل فى حى بابا عمرو الذى اتخذته عناصر المعارضة مرتكزا فى مواجهة النظام.
خطة النقاط الست جاءت إذن عبر توافق دولى وعلى الأخص توافق أمريكى روسى عكس تغييرا واضحا فى الموقف الأمريكى، واعتبرت امتثالا لمطالب الرئيس السورى فى رفض التدخل الخارجى ورفض اسقاط النظام بالقوة ورفض تسليح المعارضة، هذا التغيير فى الموقف الأمريكى والدولى من نظام الأسد يعنى فى المحصلة النهائية احراز التنسيق" السورى الروسى الصينى الإيرانى " نجاحات على أرض الواقع أسفرت حتى هذه اللحظات عن تغيير فى المعادلة الإقليمية المرتبطة بالأزمة السورية لصالح ذلك التنسيق وضد كل من السعودية وقطر وتركيا فى إشارة إلى تغيير فعلى اعترى المناخ الإقليمى والدولى للأزمة وهنا يأتى التساؤل لماذا؟؟ أى لماذا تغير المناخ الإقليمى للأزمة السورية بعد عام من الثورة؟؟ تكمن الإجابة على هذا التساؤل فى الملاحظات التالية:
أولها، تشير إلى وجود صفقة أمريكية روسية عقدت فى لقاء الرئيس الأمريكى أوباما بنظيره الروسى ميدفيديف على هامش الاجتماع المذكور آنفا ملخصها أن أوباما لا يريد التصعيد فى الوقت الراهن لدخوله مرحلة الإعداد للانتخابات الرئاسية ما يعنى احتياج إدارته إلى "تهدئة" على محيط سياستها الخارجية وهو أمر اعترف به أوباما لنظيره الروسى مقابل وعود أمريكية وتعهدات من جانب أوباما بأنه سيسرع بتفعيل مبادئه السياسية التى بدأ بها مرحلة حكمه الأولى والتى تشير إلى إعلاء خيارات التسوية على خيارات الصراعات الدولية وما يرتبط بها من ملفات تدخل فى العلاقة بين الدولتين خاصة ملفات البرنامج النووى الايرانى والدرع الصاروخية وبالطبع الأزمة السورية. إذن عادت موسكو لتحتل موقعها فى السياسة الخارجية الأمريكية بقوة ووضوح ومن ثم بات التعاطى الدولى معها فى الملفات المذكورة جزءا مهما من الحملات الانتخابية لمرشحى الرئاسة الأمريكية.
ثانيها، يشير إلى أن الانتخابات الأمريكية والملفات الإقليمية الواقعة فى منطقة تقاطع المصالح بين واشنطن وموسكو لم تكن هى الدافع الوحيد الذى أدى إلى تغيير الموقف الامريكى تجاه الأزمة السورية، بل يأتى أمن الحليف الاستراتيجى الإسرائيلى كأحد المدخلات الواضحة لهذا الموقف فإسرائيل لا تريد بأى شكل من الأشكال أن تنشأ فى سوريا - إذا ما نجحت الثورة- دولة لا تكون لها اليد العليا فى تشكيل نظامها ولو ضمنيا؛ بمعنى أكثر دقة أن النظام السورى الحالى يوفر لإسرائيل قدر من الأمن الاستراتيجى يبقى جبهة الجولان المحتلة هادئة منذ احتلالها وحتى الآن؛ فالنظام السورى زعيم محور الممانعة لم يقم منذ عام 1967 وحتى عام 2009 عندما دخل الطيران الإسرائيلى إلى عمق 1500 كيلو/ متر مستهدفا قرية دير الزور فى ضربة إجهاضية لنواة مشروع نووى سورى بأى نشاط معادى للدولة العبرية ولو على سبيل تحرير أرضه المحتلة فى الجولان، ومن ثم وكما كان نظام مبارك المخلوع كنزا استراتيجيا لإسرائيل فإن نظام الأسد الممانع يعد كنزا استراتيجيا أيضا لها، فتل أبيب تخشى من وصول قوى سياسية تغير من الواقع الاستراتيجى بين البلدين وتحول حالة الهدوء التى تميزت بها جبهتها الشرقية طوال أربعين عاما ماضية إلى حالة نشاط يتضمن تهديدا مباشرا على أمنها.
ثالثها، يشير إلى ارتباط الأزمة السورية بالملف الإيرانى وهو أمر ليس بالجديد ومعروف دوافعه لكن الربط الحالى غير المبرر من جانب الإدارة الأمريكية للملف الايرانى بالأزمة السورية واعتباره أحد أسباب التغيير الذى طرأ على الموقف الأمريكى من الأزمة يوحى بأن واشنطن تريد العودة إلى إعطاء الاهتمام للملف الإيرانى أولا، وهو أمر انعكس بوضوح فى الاجتماع الوزارى الأول لمنتدى التعاون الاستراتيجى بين دول مجلس التعاون الخليجى وبين الولايات المتحدة والذى حضرته وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون وعقد فى 31 مارس الماضى بالرياض، حيث اجتهدت دول الخليج فى تحفيز واشنطن على اتخاذ موقف أكثر صرامة مع نظام الأسد أو على أقل تقدير انتزاع موافقتها على تسليح المعارضة وهى اجتهادات بأت جميعها بالفشل، بل حاولت كلينتون اقناع دول الخليج وعلى الأخص السعودية وقطر الراغبتان بشدة فى تسليح المعارضة باتباع حالة من الهدوء والانتظار بشأن سوريا وتحويل الاهتمام بدلا من ذلك إلى اقتراح إنشاء منظومة درع صاروخية فى الخليج لمواجهة وتقويض ايران.
رابعها، يشير إلى الصدمة التى أحدثتها نتائج القمة العربية الأخيرة التى عقدت فى بغداد فى مارس الماضى والتى جاءت متواكبة مع السياق الدولى والتفاهمات الإقليمية بشأن الأزمة السورية خاصة التنسيق الأمريكى الروسى الأخير، فلم يحتوى البيان الختامى للقمة على أية بنود من شأنها التلميح إلى مطالبة الأسد بالتنحى أو تسليح المعارضة، والاكتفاء عوضا عن ذلك بقبول مهمة المبعوث الأممى العربى المشترك كوفى أنان ومباركة آليات العقوبات المفروضة على دمشق من باب أن خنقها اقتصاديا قد يحدث التأثير المطلوب!!.
مشكلة خطة أنان أنها لا تتطرق مطلقا الى اسقاط النظام ولا تطالب بتدخل عسكرى دولى، بل تبدو بنظرة أكثر عمقا لبنودها أنها تلبى مطالب النظام السورى لاسيما فى إصراره على أن العنف الذى تواجه به حكومته المواطنين السوريين العزل يأتى " كرد فعل" على عنف الجماعات الإرهابية المسلحة؛ إى الاعتراف بأن العنف المسلح يمارس من قبل السلطة والمعارضة معا، فى إجحاف واضح لحق المواطنين فى الدفاع عن أنفسهم ووصفهم بالإرهابيين، ولكن الإستفادة التى يمكن استخلصها من خطة أنان هى أنها "قد" تؤدى إلى دفع النظام إلى وقف حدة القمع الوحشى تحت ضغوط التسوية الدولية، والإستفادة الثانية تتمثل فى ابرام اتفاق بين دمشق واللجنة الدولية للصليب الأحمر يتضمن آلية للتنسيق بين الجانبين لتسهيل المهمة الإنسانية المنوط بها عمل اللجنة فى تقديم المساعدات للمناطق المتضررة، إلا أن قراءة قياسية لردود فعل النظام السابقة على أيه محاولة للتسوية تشير إلى عدم وجود "ضمانات" مانعة وكابحة لنظام الأسد تمنعه من استئناف العنف ضد المعارضة، بل اثبت استمرار العنف الموجه من النظام خلال اليومين السابقين على الموعد المحدد لبدء الهدنة العكس تماما حيث طالب الأسد بضمانات وتعهدات دولية من قبل الأمم المتحدة والقوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة قبل الشروع فى تطبيق خطة المبعوث الأممى. إذن لم يتبق أمام الثورة السورية سوى خيار واحد وهو ضمان استمرار الحراك الجماهيرى الذى يعمل النظام حاليا على تقويضه بشدة ويلعب على أن المعارضة السورية لن تتحمل العبء الإنسانى الناتج عن استمرار التعامل القمعى الوحشى مع الشعب الأعزل كثيرا فالنظام السورى يلعب على ورقة أن الثورة لن تتحمل ضحايا على المدى الطويل وان قدرتها على استمرار النضال الجماهيرى ستتوقف كلما طال أمد الصراع مع النظام.
.