By كايد السهلي - الخميس يوليو 12, 2012 1:46 am
- الخميس يوليو 12, 2012 1:46 am
#52438
يعتبر مصطلح البنك الدولي الشائع الذي يستخدم لوصف البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية في دول العالم الثالث حيث توفر هاتان المنظمتان قروضاً منخفضة الفائدة وائتمانات معفاة من الفائدة ومنحاً للبلدان النامية من اجل النهوض بواقع هذه الدول عن طريق المنح والقروض التي يمنحها البنك لهذه الدول, والتي تكون مخصصة لتمويل مشاريع تنموية وخدماتية تهدف للنهوض بواقع هذه الدول والتي تقدم خدماتها من خلال موظفي البنك الدولي الذين يعملون في مجال التنمية سواء كان في مقر البنك أو من خلال مكاتبه القطرية البالغ عددها المائة والتسع المنتشرة على مستوى العالم .
ومن خلال النظر لنشاط البنك نلاحظ انه ليس بنكاً بالمعنى العادي الشائع لهذه الكلمة, فهو يتألف من مؤسستين إنمائيتين تملكهما 184 دولة من الدول الأعضاء وهما البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD) والمؤسسة الدولية للتنمية(IDA). ولكل مؤسسة منهما دور مختلف ولكنه مساند لرسالة البنك الدولي المتمثلة في تخفيض أعداد الفقراء وتحسين مستويات المعيشة في العالم عن طريق المنح والقروض التي يتم منحها لهذه الدول والتي في الغالب لا تكون الهدف منها الرقي بهذه الدول والحد من الفقر بها بقدر ما تكون هادفة لتحقيق نظرية التبعية التي يسعى البنك الدولي تكريسها من خلال فرض شروط وسياسات مالية تفرض على الدول المتلقية لهذه الأموال .
فبينما يركز البنك الدولي على البلدان المتوسطة الدخل والبلدان الفقيرة المتمتعة بالأهلية الائتمانية، فإن المؤسسة الدولية للتنمية تركز على البلدان الأشدّ فقراً في العالم, وتقدم المؤسستان قروضاً بأسعار فائدة منخفضة واعتمادات بدون فوائد ومنحاً للبلدان النامية لأغراض التعليم والرعاية الصحية والبنية الأساسية والاتصالات، فضلاً عن العديد من الأغراض الأخرى التي تسعى من خلالها إلى تحقيق التبعية في بلدان العالم الثالث والعمل على أن تكون هذه الدول رهينة للسياسات والشروط المالية التي تفرضها الدول الأعضاء في البنك الدولي عن طريق هذه القروض, والتي تكون مشروطة بتبني سياسات مالية وسياسية تكون الهدف الأساسي منها تحقيق مصالح وإستراتيجية البنك الدولي والدول الأعضاء به وليس النهوض بواقع هذه الدول والحد من الفقر بها والعمل على تنميتها .
ولخدمة هذا البحث سوف يتم التركيز على دراسة السياسات المالية للبنك الدولي وأثرها في تحقيق التبعية في دول العالم الثالث وتوضيح أشكال هذه التبعية .
2: نبذة حول نشأت ونشاط البنك الدولي:-
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن البنك الدولي ليس مجرد بنك لتمويل التنمية فقط، بل هو عبارة عن مجموعة من المؤسسات المالية التي تشكل في مجموعها مؤسسة البنك الدولي وتعمل مجتمعة على تحقيق أهدافه، وأولى هذه المؤسسات ما يعرف بالبنك الدولي للتنمية والتـعمير (IBRD)، لكن هناك إلى جانب ذلك ما يعرف بالوكالة الدولية للتنمية (IDA) وكل من هاتين المؤسستين يقوم بتقديم قروض ومنح للمشروعات والبرامج التي تعمل على تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب ذلك هناك مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والتي تعمل مع القطاع الخاص والمستثمرين في المؤسسات الاستثمارية والتي تركز نشاطها في دول العالم الثالث
و يبلغ عدد الدول الأعضاء في البنك الدولي 185 دولة تصب مصالحها وآراؤها في مجلس المحافظين ومجلس الإدارة ومقره واشنطن, فعضوية البنك تأتي بعد حصول الدولة على عضوية صندوق النقد, وبحيث يتم تحديد القوة التصويتية لكل دولة عضو وفقا لحصتها النسبية في رأس مال كل من المؤسستين، وحددت هذه الحصة بناء على المكانة الاقتصادية قياسا إلى الدول الأخرى, ولكي تصبح أي دولة عضوا في البنك الدولي يجب أن تنضم أولا إلى صندوق النقد الدولي ومؤسسة التنمية الدولية ومؤسس التمويل الدولي, والتي اتفق على إنشائها مع صندوق النقد الدولي في المؤتمر الذي دعت إليه هيئة الأمم المتحدة في بريتون وودز بالولايات المتحدة الأميركية في يوليو/تموز 1944
ويهدف البنك إلى تشجيع استثمار رؤوس الأموال بغرض تعمير وتنمية الدول المنضمة إليه والتي تحتاج لمساعدته في إنشاء مشروعات ضخمة تكلف كثيرا وتساعد في الأجل الطويل على تنمية اقتصاد الدولة, ولا يوجد ارتباط بين حصة الدولة في رأس المال المدفوع وكمية القرض الذي يمكن أن تحصل عليه, إذ يأتي الجزء الأكبر من التمويل من قروض البنك من الأسواق المالية العالمية التي يضمنها الجزء غير المطلوب من رأسماله, وبذلك تستطيع أن تواجه العجز الدائم في ميزان مدفوعاتها وتكون هذه المساعدة إما بإقراض الدول من أمواله الخاصة، أو بإصدار سندات قروض للاكتتاب الدولي حيث تقدم كل دولة عضو في البنك من اشتراكها المحدد في رأس مال البنك ذهبا أو دولارات أميركية ما يعادل 18% من عملتها الخاصة والباقي يظل في الدولة نفسها، ولكن البنك يستطيع الحصول عليه في أي وقت لمواجهة التزاماته
3: دور البنك الدولي في تحقيق التبعية:-
3-1: دور السياسة المالية للبنك الدولي في تحقيق التبعية:-
تعتبر السياسة المالية التي يتبعها البنك الدولي من خلال المنح والقروض الممنوحة للدول وخصوصا دول العالم الثالث من أهم العوامل التي تكرس مفهوم التبعية كون هذه القروض مربوطة بقيود وشروط تفرض على الدول المدينة إتباع تعليمات البنك تجاه التعامل مع هذه القروض وإمكانية الحصول عليها, حيث تفرض الأطراف المانحة داخل البنك الدولي سياسات وبرامج تعمق من تبعية الدول المدينة لرأس المال الدولي وذلك وفق الشروط والمعايير التي تحدد مسبقا من قبل البنك وتكون المنح والقروض مرهونة بتطبيقها .
وتكمن خطورة المنح والقروض التي تحصل عليها دول العالم الثالث من تفاقم الديون الخارجية والتي لا تقف عند الحدود الاقتصادية والاجتماعية بل إنها تتجاوز إلى تعريض حرية صانع القرار السياسي إلى مزيد الضغوطات والتدخل الأجنبي في ظل عالم يتميز بهيمنة الدول المتقدمة ومؤسساتها المالية الدولية التي تحاول فرض سيطرتها على الدول النامية ودول العالم الثالث من خلال سياستها المالية وهيمنتها على المؤسسات المالية الدولية, فيرى البعض أن هذه الأموال قادرة على التأثير في سيادة الدول وتلعب دور الشرطي الذي يلزم الدول المدينة بتوجهات معينة في سياساتها العامة وهو ما يشكل مساسا بالسيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي وفرض تبعيتها للبنك الدولي والدول المحركة له, مما يعني انه يجب على دول العالم الثالث النضال ضد البنك الدولي ودوره الاستعماري والعمل على حل مشكلة المديونية من خلال تنمية القدرات الداخلية لهذه الدول بما يتيح لها الاستغناء عن المنح والقروض التي يتم الحصول عليها من البنك الدولي ضمن شروط وقيود تكرس واقع تبعيتها نتيجة لازدياد دوره المالي الذي أصبح أكثر أهمية في السياسات المالية مما عزز من تبعية البنوك الداخلية لسياساته بحيث أصبحت البنوك التجارية تعتمد قرارات الصرف التي يصدرها البنك الدولي
ولا شك في أن تفاقم القروض التي تحصل عليها دول العالم الثالث من البنك الدولي وخصوصا الدول العربية عرضها لكثير من الضغوط القاسية ووضع إمكانية حرية الحركة الاقتصادية والسياسية لها تحت القيود الناتجة عن المنح والقروض التي تحصل عليها من البنك الدولي ومؤسساته, مما أدى بالبعض إلى الدعوة لإنشاء صندوق نقد عربي أو مؤسسة مالية عربية تكون وظيفتها الأساسية تقديم المساعدة والقروض المالية للدول العربية, وبذلك لم يعد هناك حاجة للجوء إلى المؤسسات المالية العالمية لطلب المنح والمساعدات التي تزيد من تبعيتها لهذه الجهات وهيمنتها على قرارها السياسي والاقتصادي الداخلي من خلال هذه القروض
أما بالنسبة للدول الآسيوية فقد كانت الصورة مختلفة حيث أن المنافسة من المقرضين الآخرين اقل انتشارا وأكثر تحديدا بالنسبة إلى دولة أو قطاع معين ووجدت مختلف هذه الدول أن البنوك التجارية تقدم شروطا أفضل من الشروط التي يقدمها البنك الدولي للمشروعات الصناعية حيث ضاعت منه فرصا للإقراض بسبب المنافسة التي وجدها من القروض الرسمية, والتي يجب أن تكون نموذجا يحتذى به من قبل دول العالم الثالث من اجل الحد من شروط التمويل التي يفرضها البنك الدول على هذه الدول والتي تعزز من تبعيتها لشروطه وسياساته المالية .
ومن خلال النظر إلى المنح والقروض التي يتم تقديمها لدول العالم الثالث نلاحظ انه كثيرا ما توجه هذه المعونات للدول ذات الدخل المتوسط وليست إلى الدول الفقيرة بالفعل, إضافة إلى أن معظمها تكون من تصميم الدول المانحة التي تحدد الدول التي تستحق هذه القروض وهو ما يعبر عن اتجاه الدول التي تتحكم في البنك الدولي إلى إتباع سياسات مالية ليست بالضرورة لدعم هذه الدول والنهوض بها بقدر ما تكون أداة لخدمة أهداف ومصالح هذه الدول في المنطقة على الرغم من أن البنك الدولي تعهد بتقديم معونات للدول التي تواجه مشاكل تحدث نتيجة أزمات اقتصادية واجتماعية
ويتزايد اهتمام البنك الدولي بتقديم القروض لتنمية الموارد البشرية حيث عمل على تمويل مشاريع تتعلق في مجال التربية والتعليم, كما أصبح اكبر مصدر للتمويل على الصعيد الحكومي ومتعدد الإطراف, كما انه يركز على مكافحة الفقر في العالم الثالث ومراقبة الاستراتيجيات الاقتصادية لكل دولة من خلال تقديم القروض والمساعدات والسعي لمكافحة الفساد من خلال تزايد تأكيد البنك الدولي على ضرورة قيام الحكومات في الدول النامية ودول العالم الثالث على إتباع نظام الخصخصة وهو ما يؤكد أن السياسة التي يتبعها تهدف إلى تعميق تبعية هذه الدول إلى الدول الممولة للقروض التي تحصل عليها هذه الدول عن طريق البنك
وشهدت دول العالم الثالث والدول النامية تطورات اقتصادية خلال عامي 2004/2005 begin_of_the_skype_highlighting 2004/2005 end_of_the_skype_highlighting إلا أن هذه التطورات كانت نتيجة عوامل خارجية ستظل تهيمن إلى حد كبير على تشكيل مظهر النمو الاقتصادي لهذه الدول بالرغم من تحليل وتوصيف البنك الدولي للتحديات الاقتصادية التي تواجهها هذه الدول, إلا انه ما زالت تسيطر عليه العقلية القديمة فيما يتصل بالتفكير حول آفاق النمو الاقتصادي في هذه الدول والتي تمثل العقبة في إبقاء هذه الدول حبيسة لإنتاج المواد الاستهلاكية الأولية, وان كان منحها فرصة للتوسع في أنشطة الخدمات الاقتصادية فانه يبدو أن مقترح البنك في هذا الشأن يستند إلى نظرية التبعية التي تفرض على دول العالم الثالث أن تبقى رهن سياسته المالية التي ترسمها الدول التي تهيمن عليه من اجل خدمة مصالحها وأهدافها الخاصة
ومن خلال ما سبق نلاحظ أن البنك الدولي قد فشل في تحقيق نظريته الخاصة بالاستثمار الخارجي والتي تسببت في إحباط انسياب الاستثمار الأجنبي للعديد من الدول النامية ودول العالم الثالث حيث أن المناخ الملائم للاستثمار الذي تراه تلك المؤسسات شرطا ضروريا للاستثمار ليس متوفرا بسبب ضعف البنية التحتية في هذه الدول, كما أن الانفتاح الاقتصادي الذي يشير إليه البنك الدولي وما يؤدي إليه من تحويل للتقنيات الجديدة لم يعد أمرا مجديا
3-2: أشكال التبعية التي تحققها القروض التي يقدمها البنك الدولي:-
تعتبر القروض والمنح التي يقدمها البنك الدولي لدول العالم الثالث أداة لتحقيق تبعية هذه الدول من خلال التزامها بما يترتب على هذه القروض من شروط تكرس تبعية هذه الدول تجاه البنك والتي تتجلى في المجالات التالية :-
3-2-1: التبعية الاقتصادية:-
إن تزايد اعتماد الدول النامية ودول العالم الثالث على التمويل الخارجي واللجوء إلى البنك الدولي من اجل الحصول على المنح والقروض لتمويل مشاريعها وموازنتها أدت إلى تفاقم حجم الديون الخارجية التي خلقت العديد من التغيرات التي قيدت هذه الدول بشروط وقيود اقتصادية معينيه تخدم سياسة وأهداف البنك الدولي في تعزيز تبعية هذه الدول ونظامها المالي للخارج, والتي عرضت حرية صانع السياسة الاقتصادية ومتخذ القرارات الهامة بهذه الدول للخطر الشديد, بحيث أصبح يتعين عليه مراعاة الضغوط والمصالح الخاصة بالجهة المانحة والأخذ بعين الاعتبار العمل على تحقيق مصالحها وأهدافها عند تصميم السياسة الاقتصادية لدولته, مما أدى في النهاية إلى التحول عن الطريق الإنمائي الذي كانت تختاره الدولة بوعي واستقلالية والسير في طريق أخر حدده البنك الدولي كشرط من شروط الحصول على هذه المنح والمساعدات والذي في اغلب الأحيان لا يؤدي الأهداف المنشودة من التمويل والتي تم الاعتماد على المنح والقروض المقدمة من البنك الدولي من اجل تحقيقها لهذه الدول وترجع هذه التبعية سواء كانت سببا أو نتيجة للمديونية الخارجية إلى حاجة دول العالم الثالث إلى مصادر لتمويل خططها الإنمائية, فالحاجة إلى رؤوس الأموال دفعت بهذه الدول ذات الموارد المالية المحدودة إلى الاقتراض من البنك الدولي والاعتماد على المنح والقروض الخارجية مما جعلها تعاني من التبعية المالية للبنك الدولي والذي نتج عنه اندماج مؤسساتها المالية في النظام الرأسمالي الدولي مما جعل النظام المالي لهذه الدول مرهون بالتغيرات والتقلبات التي تطرأ على النظام المالي العالمي .
وانعكست السياسة التي يتبعها البنك الدولي في تعميق تبعية اقتصاد دول العالم الثالث للدول المتقدمة على النقل الأفقي للتكنولوجيا أي استيرادها من الدول المتقدمة بدل العمل على تنميتها وطنيا أو قوميا أو إقليميا, وقد اختار معظم دول العالم الثالث اكتساب هذه التكنولوجيا عن طريق استيرادها جاهزة باعتقاد أن ذلك سيمكنها من اقتصاد الوقت والنفقـات, لكن المشكلة تكمن في كون هذه التقنية لا تتلاءم مع الطبيعة الإنتاجية للدول النامية مما عمق من تبعيتها للدول المنتجة لهذه التكنولوجيا, كما اقتصاد بلدان العالم الثالث المديـنة ومنها الدول العربية يتعرض لمؤامرة مالية دولية بعد أن تم توريطها في مديونية مفرطة, والذي يتمثل في احتلال المستثمرين الأجانب للأصول الإنتاجية الإستراتيجية التي بنتها هذه الدول عبر جهودها الإنمائية المضنية خلال عقود من الزمن على نحو يعيد لها السيطرة الأجنبية
فبعد وصول أزمة الديون إلى مستوى حرج وبعد التعثر في سداد خدمتها ظهر اتجاه بين صفوف الدائنين يدعو إلى مبادلة الدين الخارجي ببعض الأصول الإنتاجية في هذه الدول, أي مقايضة الديون بحقوق ملكية في المشاريع التي تملكها الدولة في هذه البلدان, وقد لقي هذا الطرح صدى واسعا في نفوس الدائنين لأنه يحسن من محافظهم المالية ويحول الديون المشكوك في تحصيلها إلى أصول إنتاجية ذات عوائد مستمرة, وهنا يتحول الدائنون إلى مستثمرين وهو ما يؤدي إلى إخضاع السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المدينة إلى مزيد من الرقابة والتبعية الخارجية.
3-2-2: التبعية السياسية:-
ولم تقتصر المنح والقروض التي تحصل عليها الدول النامية ودول العالم الثالث إلى تعميق تبعيتها المالية والاقتصادية إلى البنك الدولي بل تعداه إلى تحقيق تبعية النظام السياسي بهذه الدول إلى الدول المانحة والبنك الدولي, فالقروض لبست فقط مشروطة بشروط مالية اقتصادية بل أيضا تكون مرهونة بمواقف سياسية يجب على الدول التي ترغب بالحصول على المنح والقروض تبنيها من اجل حصولها على هذه الأموال, ويكمن ذلك في تبني وتأييد هذه الدول لسياسة الدول المانحة والقيام بتبني نظامها السياسي وتطبيق النظام المالي المتبع بهذه الدول بغض النظر عن ماهية هذا النظام
وفي كثير من الأحيان لا تتلاءم الأنظمة المالية المتبعة في الدول الغربية مع طبيعة وتكوين النظام الاجتماعي في بلدان العالم الثالث,كما أنها تعرض حرية صانع القرار السياسي إلى مزيد الضغوطات والتدخل الأجنبي في ظل عالم يتميز بهيمنة الدول المتقدمة ومؤسساتها المالية الدولية التي تحاول فرض سيطرتها على الدول النامية ودول العالم الثالث من خلال سياستها المالية وهيمنتها على المؤسسات المالية الدولية والتي تهدف إلى تحقيق أهدافها من خلال استخدام المنح والقروض كأداة ضغط على دول العالم الثالث لتحقيق أهدافها وإطماعها عن طريق فرض تبعية هذه الدول لسياستها من اجل تحقيق أهدافها ومصالحها في المنطقة.
4: السياسات الاقتصادية للبنك الدولي في الأراضي الفلسطيني :-
يعتبر البنك الدولي من ابرز المؤسسات الدولية الفاعلة في الأراضي الفلسطينية والذي بدى واضحا في الفترة الواقعة ما بين تشرين أول 1993 و كانون أول 1994 بناءا على توقيع إعلان المبادئ في واشنطن بتاريخ: 13/9/1993 والذي تلاه انعقاد مؤتمر في أكتوبر من نفس العام بمشاركة عدد من الهيئات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حيث اعتمدت الدول المانحة البنك الدولي كأمانة عامة تكلف بالتنسيق والإشراف على تنفيذ البرامج المتعددة الأطراف للدول المانحة, وبذلك يكون البنك الدولي هو القناة الرئيسية لتقديم المعونة للسلطة الوطنية الفلسطينية
وقد حددت في تلك الفترة طبيعة وأهداف البرنامج الذي يتم تمويل السلطة الفلسطينية من خلال البنك الدولي والذي عكس الأهداف المشتركة للدول المانحة والتي عملت مجتمعة تحت مظلة البنك الدولي على إنشاء مشاريع اقتصادية و بنوك تجارية وشركات التامين والتي تم اعتمادها بناء على التقارير التي تم تقديمها من قبل البنك الدولي, كما أن مراجعة الأهداف العامة التي رسمتها دراسات البنك الدولي لا تعبر عن العمل على تحقيق التنمية داخل مناطق السلطة الفلسطينية بقدر ما يحقق تبعية وتقيد السلطة الفلسطينية بأهداف ومساعي الدول المانحة من إنشاء هذه المشاريع في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وذلك من خلال اشتراط البنك الدولي التزام السلطة الفلسطينية بتطبيق سياسات اقتصادية تعتمد على. اقتصاديات السوق والمبادرة الفردية واعتماد النص الكامل من البنك الدولي
وقد لعب البنك الدولي دورا واضحا في المساعدة نحو حشد التمويل من المانحين خلال التمويل المشترك لمشاريع استثمارية ممولة من قبل صندوق ائتمان الضفة الغربية وغزة, وقد ساعد برنامج البنك على مر السنين السلطة الفلسطينية ومانحين آخرين بموارد مالية اكبر لتمديد الاستثمارات الإستراتيجية وتطوير المشاريع الحيوية وتحديد الإصلاحات الرئيسية في هرم السلطة الفلسطينية, حيث ازدادت المساعدات التي يقدمها البنك الدولي للفلسطينيين بشكل ملحوظ منذ عام 1995, ورجعت نقطة التحول نحو توجه دولي متعدد الأطراف عندما طلب تجمع الدول المانحة من البنك إدارة صناديق ائتمان متعددة الأطراف لدعم عملية السلام في الأراضي الفلسطينية
وبالرغم من أن البنك الدولي وضع النظام المالي وبرامج نقل السلطات والمسؤوليات للفلسطينيين إلا أن القيادة الفلسطينية لم تهتم بهذه التوصيات مما افقدها مصداقيتها أمام الدول المانحة التي بدأت بإظهار قلقها نحو دفع رؤوس الأموال للفلسطينيين.
وكان من مقترحات البنك الدولي إقامة مناطق صناعية ضخمة تمولها الدول المانحة والبنك الدولي ويسيطر عليها الاحتلال وذلك كرؤية مستقبلية للمنطقة الحرة الشرق أوسطية الفلسطينية فيما بعد الجدار مما يمكن الاحتلال من السيطرة الكاملة على التحرك الفلسطيني, ويبدو من تلك الإجراءات والقرارات أن البنك الدولي مستعداً للمشاركة بفاعلية في الاحتلال الإسرائيلي
للأراضي الفلسطينية, وهو يجد في إطار هذا المشروع حلفاء في المجتمع الدولي حريصين على استغلال العمالة الفلسطينية الرخيصة المحبوسة خلف الجدران والبوابات حيث أصبحت الدرجة التي تعمل بها الصهيونية والمجتمع الدولي برئاسة البنك الدولي معاً بهدف السيطرة على كل جانب من جوانب الحياة الفلسطينية واضحة إلى حد كبير.
ويذكر البنك الدولي بوضوح أن أجور الفلسطينيين الحالية مرتفعة بالنسبة للمنطقة وتهدد التنافس الدولي مع أنها لا تتعدى ربع متوسط الأجور في الكيان اليهودي, فبينما مسؤولية البنك الدولي الأساسية أصبحت مركزة في وضع السياسات الاقتصادية من أجل استدامة البانتوستانات الفلسطينية ، فإن هذه المؤسسة تسير في الوقت الراهن جهود ضمان عدم تمكن الفلسطينيين من التدخل في خطط الاحتلال والمجتمع الدولي ، ويسرع البنك الدولي الخطى لتولي مسؤولية رواتب المؤسسات الفلسطينية المختلفة في حال انصياع الفلسطينيين للمصالح الإسرائيلية في المنطقة
أما على مستوى المشاريع التنموية فقد كان هناك مشاريع هادفة إلى تطوير وتنميه البنية التحتية في المناطق الفلسطينية حيث تم توفير التمويل من صندوق الاستثمار الأوروبي لتمويل وتنفيذ والإشراف على التحسينات الرأسمالية كإعادة تأهيل شبكه المياه وتحسين خدماتها وتوفير المساعدة الفنية لتعزيز القدرة المؤسساتية لسلطة المياه الفلسطينية بإشراف البنك الدولي من اجل تطوير وتنميه البنية التحتية الفلسطينية, والتي تحتاج إلى الجهد والمال الوفير لكي يتم إعادة ترميمها من التدمير الذي لحق بها جراء الانتفاضة الثانية, أضف إلى ذلك الإهمال المسبق وعدم تخصيص موازنة محدده كافيه للنهوض بالمشاريع التنموية, إلا انه في الآونة الأخيرة أبدى اهتماما والتزاما بعملية التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية ودعم البرامج الاقتصادية التي تساهم في تحسين معدلات النمو الاقتصادي في البلاد وخلق آفاق للتعاون المستقبلي بين البنك الدولي من خلال مؤسساته وصندوق الاستثمار الفلسطيني .
5: النتائج والتوصيات:-
من خلال دراسة السياسات الاقتصادية للبنك الدولي وأثرها على تحقيق التبعية في دول العالم الثالث عن طريق المنح والقروض التي تحصل عليها هذه الدول من البنك الدولي فإننا نخلص من خلال الدراسة إلى عدة نتائج وتوصيات من أهمها:-
1: إن البنك الدولي فشل في العمل على إيجاد اقتصاد دولي متوازن ومنصف للجميع، وكافة المحاولات التي قام بها لم تأت ثمارها كونها لم تعالج بالأساس الاختلالات في أسس النظام الاقتصادي والمالي الدولي.
2: إن منظمة التجارة العالمية تعتبر أكبر تحدي أمام العالم العربي والإسلامي في إقامة كيان اقتصادي إسلامي موحد لما لديها من تداعيات سلبية على اقتصاديات العالم الثالث،كما أنها عبارة عن امتداد للسياسات الخاصة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
3: أهمية تفعيل بنك التنمية الإسلامي كمؤسسة إسلامية عالمية تكون نموذجاً حياً وفعالا للدول الإسلامية وبديلا عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إطار معاملاتها الموحدة مع بعضها البعض ومع الدول الأخرى.
4: إن النشاط المالي والدور الذي يلعبه البنك الدولي وسعيه لتحقيق التنمية في الدول النامية ودول العالم الثالث ما هو إلا أداة لتحقيق تبعية هذه الدول للبنك وسياساته المالية وتحقيق أهدافه وليس حرصا منه على تنمية هذه الدول .
5: إن البنك الدولي ليس إلا أداة بيد القوى الاقتصادية العظمى والذي يعتبر أداة لتحقيق سيطرتها وهيمنها على دول العالم الثالث وتحقيق نظرية التبعية على هذه الدول .
ومن خلال النظر لنشاط البنك نلاحظ انه ليس بنكاً بالمعنى العادي الشائع لهذه الكلمة, فهو يتألف من مؤسستين إنمائيتين تملكهما 184 دولة من الدول الأعضاء وهما البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD) والمؤسسة الدولية للتنمية(IDA). ولكل مؤسسة منهما دور مختلف ولكنه مساند لرسالة البنك الدولي المتمثلة في تخفيض أعداد الفقراء وتحسين مستويات المعيشة في العالم عن طريق المنح والقروض التي يتم منحها لهذه الدول والتي في الغالب لا تكون الهدف منها الرقي بهذه الدول والحد من الفقر بها بقدر ما تكون هادفة لتحقيق نظرية التبعية التي يسعى البنك الدولي تكريسها من خلال فرض شروط وسياسات مالية تفرض على الدول المتلقية لهذه الأموال .
فبينما يركز البنك الدولي على البلدان المتوسطة الدخل والبلدان الفقيرة المتمتعة بالأهلية الائتمانية، فإن المؤسسة الدولية للتنمية تركز على البلدان الأشدّ فقراً في العالم, وتقدم المؤسستان قروضاً بأسعار فائدة منخفضة واعتمادات بدون فوائد ومنحاً للبلدان النامية لأغراض التعليم والرعاية الصحية والبنية الأساسية والاتصالات، فضلاً عن العديد من الأغراض الأخرى التي تسعى من خلالها إلى تحقيق التبعية في بلدان العالم الثالث والعمل على أن تكون هذه الدول رهينة للسياسات والشروط المالية التي تفرضها الدول الأعضاء في البنك الدولي عن طريق هذه القروض, والتي تكون مشروطة بتبني سياسات مالية وسياسية تكون الهدف الأساسي منها تحقيق مصالح وإستراتيجية البنك الدولي والدول الأعضاء به وليس النهوض بواقع هذه الدول والحد من الفقر بها والعمل على تنميتها .
ولخدمة هذا البحث سوف يتم التركيز على دراسة السياسات المالية للبنك الدولي وأثرها في تحقيق التبعية في دول العالم الثالث وتوضيح أشكال هذه التبعية .
2: نبذة حول نشأت ونشاط البنك الدولي:-
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن البنك الدولي ليس مجرد بنك لتمويل التنمية فقط، بل هو عبارة عن مجموعة من المؤسسات المالية التي تشكل في مجموعها مؤسسة البنك الدولي وتعمل مجتمعة على تحقيق أهدافه، وأولى هذه المؤسسات ما يعرف بالبنك الدولي للتنمية والتـعمير (IBRD)، لكن هناك إلى جانب ذلك ما يعرف بالوكالة الدولية للتنمية (IDA) وكل من هاتين المؤسستين يقوم بتقديم قروض ومنح للمشروعات والبرامج التي تعمل على تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب ذلك هناك مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والتي تعمل مع القطاع الخاص والمستثمرين في المؤسسات الاستثمارية والتي تركز نشاطها في دول العالم الثالث
و يبلغ عدد الدول الأعضاء في البنك الدولي 185 دولة تصب مصالحها وآراؤها في مجلس المحافظين ومجلس الإدارة ومقره واشنطن, فعضوية البنك تأتي بعد حصول الدولة على عضوية صندوق النقد, وبحيث يتم تحديد القوة التصويتية لكل دولة عضو وفقا لحصتها النسبية في رأس مال كل من المؤسستين، وحددت هذه الحصة بناء على المكانة الاقتصادية قياسا إلى الدول الأخرى, ولكي تصبح أي دولة عضوا في البنك الدولي يجب أن تنضم أولا إلى صندوق النقد الدولي ومؤسسة التنمية الدولية ومؤسس التمويل الدولي, والتي اتفق على إنشائها مع صندوق النقد الدولي في المؤتمر الذي دعت إليه هيئة الأمم المتحدة في بريتون وودز بالولايات المتحدة الأميركية في يوليو/تموز 1944
ويهدف البنك إلى تشجيع استثمار رؤوس الأموال بغرض تعمير وتنمية الدول المنضمة إليه والتي تحتاج لمساعدته في إنشاء مشروعات ضخمة تكلف كثيرا وتساعد في الأجل الطويل على تنمية اقتصاد الدولة, ولا يوجد ارتباط بين حصة الدولة في رأس المال المدفوع وكمية القرض الذي يمكن أن تحصل عليه, إذ يأتي الجزء الأكبر من التمويل من قروض البنك من الأسواق المالية العالمية التي يضمنها الجزء غير المطلوب من رأسماله, وبذلك تستطيع أن تواجه العجز الدائم في ميزان مدفوعاتها وتكون هذه المساعدة إما بإقراض الدول من أمواله الخاصة، أو بإصدار سندات قروض للاكتتاب الدولي حيث تقدم كل دولة عضو في البنك من اشتراكها المحدد في رأس مال البنك ذهبا أو دولارات أميركية ما يعادل 18% من عملتها الخاصة والباقي يظل في الدولة نفسها، ولكن البنك يستطيع الحصول عليه في أي وقت لمواجهة التزاماته
3: دور البنك الدولي في تحقيق التبعية:-
3-1: دور السياسة المالية للبنك الدولي في تحقيق التبعية:-
تعتبر السياسة المالية التي يتبعها البنك الدولي من خلال المنح والقروض الممنوحة للدول وخصوصا دول العالم الثالث من أهم العوامل التي تكرس مفهوم التبعية كون هذه القروض مربوطة بقيود وشروط تفرض على الدول المدينة إتباع تعليمات البنك تجاه التعامل مع هذه القروض وإمكانية الحصول عليها, حيث تفرض الأطراف المانحة داخل البنك الدولي سياسات وبرامج تعمق من تبعية الدول المدينة لرأس المال الدولي وذلك وفق الشروط والمعايير التي تحدد مسبقا من قبل البنك وتكون المنح والقروض مرهونة بتطبيقها .
وتكمن خطورة المنح والقروض التي تحصل عليها دول العالم الثالث من تفاقم الديون الخارجية والتي لا تقف عند الحدود الاقتصادية والاجتماعية بل إنها تتجاوز إلى تعريض حرية صانع القرار السياسي إلى مزيد الضغوطات والتدخل الأجنبي في ظل عالم يتميز بهيمنة الدول المتقدمة ومؤسساتها المالية الدولية التي تحاول فرض سيطرتها على الدول النامية ودول العالم الثالث من خلال سياستها المالية وهيمنتها على المؤسسات المالية الدولية, فيرى البعض أن هذه الأموال قادرة على التأثير في سيادة الدول وتلعب دور الشرطي الذي يلزم الدول المدينة بتوجهات معينة في سياساتها العامة وهو ما يشكل مساسا بالسيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي وفرض تبعيتها للبنك الدولي والدول المحركة له, مما يعني انه يجب على دول العالم الثالث النضال ضد البنك الدولي ودوره الاستعماري والعمل على حل مشكلة المديونية من خلال تنمية القدرات الداخلية لهذه الدول بما يتيح لها الاستغناء عن المنح والقروض التي يتم الحصول عليها من البنك الدولي ضمن شروط وقيود تكرس واقع تبعيتها نتيجة لازدياد دوره المالي الذي أصبح أكثر أهمية في السياسات المالية مما عزز من تبعية البنوك الداخلية لسياساته بحيث أصبحت البنوك التجارية تعتمد قرارات الصرف التي يصدرها البنك الدولي
ولا شك في أن تفاقم القروض التي تحصل عليها دول العالم الثالث من البنك الدولي وخصوصا الدول العربية عرضها لكثير من الضغوط القاسية ووضع إمكانية حرية الحركة الاقتصادية والسياسية لها تحت القيود الناتجة عن المنح والقروض التي تحصل عليها من البنك الدولي ومؤسساته, مما أدى بالبعض إلى الدعوة لإنشاء صندوق نقد عربي أو مؤسسة مالية عربية تكون وظيفتها الأساسية تقديم المساعدة والقروض المالية للدول العربية, وبذلك لم يعد هناك حاجة للجوء إلى المؤسسات المالية العالمية لطلب المنح والمساعدات التي تزيد من تبعيتها لهذه الجهات وهيمنتها على قرارها السياسي والاقتصادي الداخلي من خلال هذه القروض
أما بالنسبة للدول الآسيوية فقد كانت الصورة مختلفة حيث أن المنافسة من المقرضين الآخرين اقل انتشارا وأكثر تحديدا بالنسبة إلى دولة أو قطاع معين ووجدت مختلف هذه الدول أن البنوك التجارية تقدم شروطا أفضل من الشروط التي يقدمها البنك الدولي للمشروعات الصناعية حيث ضاعت منه فرصا للإقراض بسبب المنافسة التي وجدها من القروض الرسمية, والتي يجب أن تكون نموذجا يحتذى به من قبل دول العالم الثالث من اجل الحد من شروط التمويل التي يفرضها البنك الدول على هذه الدول والتي تعزز من تبعيتها لشروطه وسياساته المالية .
ومن خلال النظر إلى المنح والقروض التي يتم تقديمها لدول العالم الثالث نلاحظ انه كثيرا ما توجه هذه المعونات للدول ذات الدخل المتوسط وليست إلى الدول الفقيرة بالفعل, إضافة إلى أن معظمها تكون من تصميم الدول المانحة التي تحدد الدول التي تستحق هذه القروض وهو ما يعبر عن اتجاه الدول التي تتحكم في البنك الدولي إلى إتباع سياسات مالية ليست بالضرورة لدعم هذه الدول والنهوض بها بقدر ما تكون أداة لخدمة أهداف ومصالح هذه الدول في المنطقة على الرغم من أن البنك الدولي تعهد بتقديم معونات للدول التي تواجه مشاكل تحدث نتيجة أزمات اقتصادية واجتماعية
ويتزايد اهتمام البنك الدولي بتقديم القروض لتنمية الموارد البشرية حيث عمل على تمويل مشاريع تتعلق في مجال التربية والتعليم, كما أصبح اكبر مصدر للتمويل على الصعيد الحكومي ومتعدد الإطراف, كما انه يركز على مكافحة الفقر في العالم الثالث ومراقبة الاستراتيجيات الاقتصادية لكل دولة من خلال تقديم القروض والمساعدات والسعي لمكافحة الفساد من خلال تزايد تأكيد البنك الدولي على ضرورة قيام الحكومات في الدول النامية ودول العالم الثالث على إتباع نظام الخصخصة وهو ما يؤكد أن السياسة التي يتبعها تهدف إلى تعميق تبعية هذه الدول إلى الدول الممولة للقروض التي تحصل عليها هذه الدول عن طريق البنك
وشهدت دول العالم الثالث والدول النامية تطورات اقتصادية خلال عامي 2004/2005 begin_of_the_skype_highlighting 2004/2005 end_of_the_skype_highlighting إلا أن هذه التطورات كانت نتيجة عوامل خارجية ستظل تهيمن إلى حد كبير على تشكيل مظهر النمو الاقتصادي لهذه الدول بالرغم من تحليل وتوصيف البنك الدولي للتحديات الاقتصادية التي تواجهها هذه الدول, إلا انه ما زالت تسيطر عليه العقلية القديمة فيما يتصل بالتفكير حول آفاق النمو الاقتصادي في هذه الدول والتي تمثل العقبة في إبقاء هذه الدول حبيسة لإنتاج المواد الاستهلاكية الأولية, وان كان منحها فرصة للتوسع في أنشطة الخدمات الاقتصادية فانه يبدو أن مقترح البنك في هذا الشأن يستند إلى نظرية التبعية التي تفرض على دول العالم الثالث أن تبقى رهن سياسته المالية التي ترسمها الدول التي تهيمن عليه من اجل خدمة مصالحها وأهدافها الخاصة
ومن خلال ما سبق نلاحظ أن البنك الدولي قد فشل في تحقيق نظريته الخاصة بالاستثمار الخارجي والتي تسببت في إحباط انسياب الاستثمار الأجنبي للعديد من الدول النامية ودول العالم الثالث حيث أن المناخ الملائم للاستثمار الذي تراه تلك المؤسسات شرطا ضروريا للاستثمار ليس متوفرا بسبب ضعف البنية التحتية في هذه الدول, كما أن الانفتاح الاقتصادي الذي يشير إليه البنك الدولي وما يؤدي إليه من تحويل للتقنيات الجديدة لم يعد أمرا مجديا
3-2: أشكال التبعية التي تحققها القروض التي يقدمها البنك الدولي:-
تعتبر القروض والمنح التي يقدمها البنك الدولي لدول العالم الثالث أداة لتحقيق تبعية هذه الدول من خلال التزامها بما يترتب على هذه القروض من شروط تكرس تبعية هذه الدول تجاه البنك والتي تتجلى في المجالات التالية :-
3-2-1: التبعية الاقتصادية:-
إن تزايد اعتماد الدول النامية ودول العالم الثالث على التمويل الخارجي واللجوء إلى البنك الدولي من اجل الحصول على المنح والقروض لتمويل مشاريعها وموازنتها أدت إلى تفاقم حجم الديون الخارجية التي خلقت العديد من التغيرات التي قيدت هذه الدول بشروط وقيود اقتصادية معينيه تخدم سياسة وأهداف البنك الدولي في تعزيز تبعية هذه الدول ونظامها المالي للخارج, والتي عرضت حرية صانع السياسة الاقتصادية ومتخذ القرارات الهامة بهذه الدول للخطر الشديد, بحيث أصبح يتعين عليه مراعاة الضغوط والمصالح الخاصة بالجهة المانحة والأخذ بعين الاعتبار العمل على تحقيق مصالحها وأهدافها عند تصميم السياسة الاقتصادية لدولته, مما أدى في النهاية إلى التحول عن الطريق الإنمائي الذي كانت تختاره الدولة بوعي واستقلالية والسير في طريق أخر حدده البنك الدولي كشرط من شروط الحصول على هذه المنح والمساعدات والذي في اغلب الأحيان لا يؤدي الأهداف المنشودة من التمويل والتي تم الاعتماد على المنح والقروض المقدمة من البنك الدولي من اجل تحقيقها لهذه الدول وترجع هذه التبعية سواء كانت سببا أو نتيجة للمديونية الخارجية إلى حاجة دول العالم الثالث إلى مصادر لتمويل خططها الإنمائية, فالحاجة إلى رؤوس الأموال دفعت بهذه الدول ذات الموارد المالية المحدودة إلى الاقتراض من البنك الدولي والاعتماد على المنح والقروض الخارجية مما جعلها تعاني من التبعية المالية للبنك الدولي والذي نتج عنه اندماج مؤسساتها المالية في النظام الرأسمالي الدولي مما جعل النظام المالي لهذه الدول مرهون بالتغيرات والتقلبات التي تطرأ على النظام المالي العالمي .
وانعكست السياسة التي يتبعها البنك الدولي في تعميق تبعية اقتصاد دول العالم الثالث للدول المتقدمة على النقل الأفقي للتكنولوجيا أي استيرادها من الدول المتقدمة بدل العمل على تنميتها وطنيا أو قوميا أو إقليميا, وقد اختار معظم دول العالم الثالث اكتساب هذه التكنولوجيا عن طريق استيرادها جاهزة باعتقاد أن ذلك سيمكنها من اقتصاد الوقت والنفقـات, لكن المشكلة تكمن في كون هذه التقنية لا تتلاءم مع الطبيعة الإنتاجية للدول النامية مما عمق من تبعيتها للدول المنتجة لهذه التكنولوجيا, كما اقتصاد بلدان العالم الثالث المديـنة ومنها الدول العربية يتعرض لمؤامرة مالية دولية بعد أن تم توريطها في مديونية مفرطة, والذي يتمثل في احتلال المستثمرين الأجانب للأصول الإنتاجية الإستراتيجية التي بنتها هذه الدول عبر جهودها الإنمائية المضنية خلال عقود من الزمن على نحو يعيد لها السيطرة الأجنبية
فبعد وصول أزمة الديون إلى مستوى حرج وبعد التعثر في سداد خدمتها ظهر اتجاه بين صفوف الدائنين يدعو إلى مبادلة الدين الخارجي ببعض الأصول الإنتاجية في هذه الدول, أي مقايضة الديون بحقوق ملكية في المشاريع التي تملكها الدولة في هذه البلدان, وقد لقي هذا الطرح صدى واسعا في نفوس الدائنين لأنه يحسن من محافظهم المالية ويحول الديون المشكوك في تحصيلها إلى أصول إنتاجية ذات عوائد مستمرة, وهنا يتحول الدائنون إلى مستثمرين وهو ما يؤدي إلى إخضاع السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المدينة إلى مزيد من الرقابة والتبعية الخارجية.
3-2-2: التبعية السياسية:-
ولم تقتصر المنح والقروض التي تحصل عليها الدول النامية ودول العالم الثالث إلى تعميق تبعيتها المالية والاقتصادية إلى البنك الدولي بل تعداه إلى تحقيق تبعية النظام السياسي بهذه الدول إلى الدول المانحة والبنك الدولي, فالقروض لبست فقط مشروطة بشروط مالية اقتصادية بل أيضا تكون مرهونة بمواقف سياسية يجب على الدول التي ترغب بالحصول على المنح والقروض تبنيها من اجل حصولها على هذه الأموال, ويكمن ذلك في تبني وتأييد هذه الدول لسياسة الدول المانحة والقيام بتبني نظامها السياسي وتطبيق النظام المالي المتبع بهذه الدول بغض النظر عن ماهية هذا النظام
وفي كثير من الأحيان لا تتلاءم الأنظمة المالية المتبعة في الدول الغربية مع طبيعة وتكوين النظام الاجتماعي في بلدان العالم الثالث,كما أنها تعرض حرية صانع القرار السياسي إلى مزيد الضغوطات والتدخل الأجنبي في ظل عالم يتميز بهيمنة الدول المتقدمة ومؤسساتها المالية الدولية التي تحاول فرض سيطرتها على الدول النامية ودول العالم الثالث من خلال سياستها المالية وهيمنتها على المؤسسات المالية الدولية والتي تهدف إلى تحقيق أهدافها من خلال استخدام المنح والقروض كأداة ضغط على دول العالم الثالث لتحقيق أهدافها وإطماعها عن طريق فرض تبعية هذه الدول لسياستها من اجل تحقيق أهدافها ومصالحها في المنطقة.
4: السياسات الاقتصادية للبنك الدولي في الأراضي الفلسطيني :-
يعتبر البنك الدولي من ابرز المؤسسات الدولية الفاعلة في الأراضي الفلسطينية والذي بدى واضحا في الفترة الواقعة ما بين تشرين أول 1993 و كانون أول 1994 بناءا على توقيع إعلان المبادئ في واشنطن بتاريخ: 13/9/1993 والذي تلاه انعقاد مؤتمر في أكتوبر من نفس العام بمشاركة عدد من الهيئات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حيث اعتمدت الدول المانحة البنك الدولي كأمانة عامة تكلف بالتنسيق والإشراف على تنفيذ البرامج المتعددة الأطراف للدول المانحة, وبذلك يكون البنك الدولي هو القناة الرئيسية لتقديم المعونة للسلطة الوطنية الفلسطينية
وقد حددت في تلك الفترة طبيعة وأهداف البرنامج الذي يتم تمويل السلطة الفلسطينية من خلال البنك الدولي والذي عكس الأهداف المشتركة للدول المانحة والتي عملت مجتمعة تحت مظلة البنك الدولي على إنشاء مشاريع اقتصادية و بنوك تجارية وشركات التامين والتي تم اعتمادها بناء على التقارير التي تم تقديمها من قبل البنك الدولي, كما أن مراجعة الأهداف العامة التي رسمتها دراسات البنك الدولي لا تعبر عن العمل على تحقيق التنمية داخل مناطق السلطة الفلسطينية بقدر ما يحقق تبعية وتقيد السلطة الفلسطينية بأهداف ومساعي الدول المانحة من إنشاء هذه المشاريع في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وذلك من خلال اشتراط البنك الدولي التزام السلطة الفلسطينية بتطبيق سياسات اقتصادية تعتمد على. اقتصاديات السوق والمبادرة الفردية واعتماد النص الكامل من البنك الدولي
وقد لعب البنك الدولي دورا واضحا في المساعدة نحو حشد التمويل من المانحين خلال التمويل المشترك لمشاريع استثمارية ممولة من قبل صندوق ائتمان الضفة الغربية وغزة, وقد ساعد برنامج البنك على مر السنين السلطة الفلسطينية ومانحين آخرين بموارد مالية اكبر لتمديد الاستثمارات الإستراتيجية وتطوير المشاريع الحيوية وتحديد الإصلاحات الرئيسية في هرم السلطة الفلسطينية, حيث ازدادت المساعدات التي يقدمها البنك الدولي للفلسطينيين بشكل ملحوظ منذ عام 1995, ورجعت نقطة التحول نحو توجه دولي متعدد الأطراف عندما طلب تجمع الدول المانحة من البنك إدارة صناديق ائتمان متعددة الأطراف لدعم عملية السلام في الأراضي الفلسطينية
وبالرغم من أن البنك الدولي وضع النظام المالي وبرامج نقل السلطات والمسؤوليات للفلسطينيين إلا أن القيادة الفلسطينية لم تهتم بهذه التوصيات مما افقدها مصداقيتها أمام الدول المانحة التي بدأت بإظهار قلقها نحو دفع رؤوس الأموال للفلسطينيين.
وكان من مقترحات البنك الدولي إقامة مناطق صناعية ضخمة تمولها الدول المانحة والبنك الدولي ويسيطر عليها الاحتلال وذلك كرؤية مستقبلية للمنطقة الحرة الشرق أوسطية الفلسطينية فيما بعد الجدار مما يمكن الاحتلال من السيطرة الكاملة على التحرك الفلسطيني, ويبدو من تلك الإجراءات والقرارات أن البنك الدولي مستعداً للمشاركة بفاعلية في الاحتلال الإسرائيلي
للأراضي الفلسطينية, وهو يجد في إطار هذا المشروع حلفاء في المجتمع الدولي حريصين على استغلال العمالة الفلسطينية الرخيصة المحبوسة خلف الجدران والبوابات حيث أصبحت الدرجة التي تعمل بها الصهيونية والمجتمع الدولي برئاسة البنك الدولي معاً بهدف السيطرة على كل جانب من جوانب الحياة الفلسطينية واضحة إلى حد كبير.
ويذكر البنك الدولي بوضوح أن أجور الفلسطينيين الحالية مرتفعة بالنسبة للمنطقة وتهدد التنافس الدولي مع أنها لا تتعدى ربع متوسط الأجور في الكيان اليهودي, فبينما مسؤولية البنك الدولي الأساسية أصبحت مركزة في وضع السياسات الاقتصادية من أجل استدامة البانتوستانات الفلسطينية ، فإن هذه المؤسسة تسير في الوقت الراهن جهود ضمان عدم تمكن الفلسطينيين من التدخل في خطط الاحتلال والمجتمع الدولي ، ويسرع البنك الدولي الخطى لتولي مسؤولية رواتب المؤسسات الفلسطينية المختلفة في حال انصياع الفلسطينيين للمصالح الإسرائيلية في المنطقة
أما على مستوى المشاريع التنموية فقد كان هناك مشاريع هادفة إلى تطوير وتنميه البنية التحتية في المناطق الفلسطينية حيث تم توفير التمويل من صندوق الاستثمار الأوروبي لتمويل وتنفيذ والإشراف على التحسينات الرأسمالية كإعادة تأهيل شبكه المياه وتحسين خدماتها وتوفير المساعدة الفنية لتعزيز القدرة المؤسساتية لسلطة المياه الفلسطينية بإشراف البنك الدولي من اجل تطوير وتنميه البنية التحتية الفلسطينية, والتي تحتاج إلى الجهد والمال الوفير لكي يتم إعادة ترميمها من التدمير الذي لحق بها جراء الانتفاضة الثانية, أضف إلى ذلك الإهمال المسبق وعدم تخصيص موازنة محدده كافيه للنهوض بالمشاريع التنموية, إلا انه في الآونة الأخيرة أبدى اهتماما والتزاما بعملية التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية ودعم البرامج الاقتصادية التي تساهم في تحسين معدلات النمو الاقتصادي في البلاد وخلق آفاق للتعاون المستقبلي بين البنك الدولي من خلال مؤسساته وصندوق الاستثمار الفلسطيني .
5: النتائج والتوصيات:-
من خلال دراسة السياسات الاقتصادية للبنك الدولي وأثرها على تحقيق التبعية في دول العالم الثالث عن طريق المنح والقروض التي تحصل عليها هذه الدول من البنك الدولي فإننا نخلص من خلال الدراسة إلى عدة نتائج وتوصيات من أهمها:-
1: إن البنك الدولي فشل في العمل على إيجاد اقتصاد دولي متوازن ومنصف للجميع، وكافة المحاولات التي قام بها لم تأت ثمارها كونها لم تعالج بالأساس الاختلالات في أسس النظام الاقتصادي والمالي الدولي.
2: إن منظمة التجارة العالمية تعتبر أكبر تحدي أمام العالم العربي والإسلامي في إقامة كيان اقتصادي إسلامي موحد لما لديها من تداعيات سلبية على اقتصاديات العالم الثالث،كما أنها عبارة عن امتداد للسياسات الخاصة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
3: أهمية تفعيل بنك التنمية الإسلامي كمؤسسة إسلامية عالمية تكون نموذجاً حياً وفعالا للدول الإسلامية وبديلا عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إطار معاملاتها الموحدة مع بعضها البعض ومع الدول الأخرى.
4: إن النشاط المالي والدور الذي يلعبه البنك الدولي وسعيه لتحقيق التنمية في الدول النامية ودول العالم الثالث ما هو إلا أداة لتحقيق تبعية هذه الدول للبنك وسياساته المالية وتحقيق أهدافه وليس حرصا منه على تنمية هذه الدول .
5: إن البنك الدولي ليس إلا أداة بيد القوى الاقتصادية العظمى والذي يعتبر أداة لتحقيق سيطرتها وهيمنها على دول العالم الثالث وتحقيق نظرية التبعية على هذه الدول .